تقارير

ماذا بعد اعتراف السعودية بمقتل خاشقجي؟

مصير الجثة ومستقبل بن سلمان وعقوبات ترامب.. تساؤلات لا زالت تبحث عن إجابة

إعداد وتحرير: علي البلهاسي

18 يومًا و18 متهمًا.. رقم واحد اختزل تطورات قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي اختفى يوم 2 أكتوبر الجاري عقب دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، واستغرق الأمر 18 يومًا لحسم مصيره، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية أخيرًا “موته” في القنصلية إثر “مشاجرة”، موضحة أن التحقيقات مستمرة مع الموقوفين على ذمة القضية والبالغ عددهم حتى الآن 18 شخصًا، جميعهم يحملون الجنسية السعودية.

الرواية الرسمية السعودية

وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية فقد أكد النائب العام السعودي أن التحقيقات الأولية في موضوع اختفاء خاشقجي، أظهرت أن المناقشات التي تمت بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء تواجده في القنصلية السعودية في إسطنبول أدت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي معه، مما أدى إلى وفاته.

وقال مصدر له صلات وثيقة بالقصر الملكي السعودي لـCNN إن “سبب الوفاة هو خنق أو خنق خلال المشاجرة”، حسب تعبيره.

وأكدت النيابة العامة السعودية أن تحقيقاتها مستمرة مع الموقوفين على ذمة القضية، تمهيدًا للوصول إلى كافة الحقائق وإعلانها، ومحاسبة جميع المتورطين وتقديمهم للعدالة.

وأكد البيان أن التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة أظهرت قيام المشتبه بهم بالتوجه إلى إسطنبول لمقابلة خاشقجي، وذلك لظهور مؤشرات تدل على إمكانية عودته للبلاد. وأضاف أن المناقشات التي تمت مع خاشقجي أثناء تواجده في القنصلية من قبل المشتبه بهم لم تسر بالشكل المطلوب، وتطورت بشكل سلبي، أدى إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي بين بعضهم وبين خاشقجي، وتفاقم الأمر، مما أدى إلى وفاته، ومحاولتهم التكتم على ما حدث والتغطية على ذلك”.

وأكد البيان أن التحقيقات مستمرة في هذه القضية مع الموقوفين على ذمتها، والبالغ عددهم 18 شخصاً من الجنسية السعودية، مشددًا على التزام السلطات السعودية بإبراز الحقائق للرأي العام، ومحاسبة جميع المتورطين وتقديمهم للعدالة بإحالتهم إلى المحاكم السعودية المختصة”.

إقالة مسئولين

عل خلفية ما كشفته التحقيقات صدرت العديد من الأوامر الملكية، حيث أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أمرًا ملكياً بإعفاء المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من منصبه. وكذلك إعفاء اللواء أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة من منصبه، وإنهاء خدمة كل من مساعد رئيس الاستخبارات العامة لشؤون الاستخبارات اللواء الطيار محمد بن صالح الرميح، ومساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية اللواء عبد الله بن خليفة الشايع، ومدير الإدارة العامة للأمن والحماية برئاسة الاستخبارات العامة اللواء رشاد بن حامد المحمادي.

كما أمر العاهل السعودي بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهدالأمير محمد بن سلمان، لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق، وتقييم الإجراءات والأساليب والصلاحيات المنظمة لعملها، والتسلسل الإداري والهرمي بما يكفل حسن سير العمل وتحديد المسؤوليات.

تأييد داخلي

الإجراءات السعودية حظيت بتأييد داخلي، حيث قال مسئول بوزارة الخارجية السعودية إن التوجيهات والقرارات التي أمر بها الملك سلمان تأتي استمراراً لنهج المملكة في ترسيخ أسس العدل. وأضافت الخارجية السعودية أن الإجراءات تعكس حرص القيادة على أمن وسلامة جميع أبناء هذا الوطن، كما تعكس عزمها على ألا تقف هذه الإجراءات عند محاسبة المقصرين والمسئولين المباشرين، لتشمل الإجراءات التصحيحية الكفيلة بمنع حصول مثل هذا الخطأ الجسيم مستقبلاً.

من جانبها أشادت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بالإعلان السعودي عن النتائج الأولية للتحقيق في قضية خاشقجي؛ وما انتهى إليه التحقيق من إيقاف وإنهاء خدمات مجموعة من الأشخاص ممّن لهم علاقة بهذه القضية، مؤكدة أهمية تقديم المسئولين عن ارتكاب هذه الجريمة إلى العدالة لينالوا عقابهم.

وقال رئيس الجمعية الدكتور مفلح القحطاني؛ إن هذه التحقيقات وهذه النتائج تؤكّد أن المملكة لا تتسامح مع الخارجين على القانون أو مَن يعتقد بأنهم مسئولون عنهم أو متسترون على أفعالهم.

دعم عربي

كما أظهرت دول عربية عدة دعمها وتأييدها للموقف السعودي مشيدة بالإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية بشأن قضية خاشقجي، حيث ثمنت مصر نتائج التحقيقات الأولية، مؤكدة أن الإجراءات القضائية التي تقوم بها الحكومة السعودية ستحسم بالأدلة القاطعة حقائق ما جرى، وتقطع الطريق على أية محاولة لتسييس القضية بغرض استهداف المملكة.

كما أثنى وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، على ما أولاه الملك سلمان من اهتمام كبير وحرص بالغ على تحري الحقيقة في هذا الموضوع، وهو ما تجسد في توجيهاته وقراراته بكل شفافية وعدل، وبما يكفل المحاسبة القانونية العادلة.

من جانبها، أشادت البحرين بالاهتمام الكبير للعاهل السعودي من أجل إرساء العدل والإنصاف، وكشف الحقائق بكل نزاهة وموضوعية. وجددت البحرين موقفها المتضامن بقوة مع المملكة في كل ما تتخذه من مواقف وإجراءات ورفضها التام لكل ما يمس أمنها وسيادتها واستقرارها.

ترامب يصدق

بقدر ما كان إقرار السعودية بوقاة خاشقجي داخل القنصلية مفاجئًا للبعض، كان موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجئًا أيضًا، حيث قال ترامب إن الإعلان السعودي بشأن وفاة خاشقجي خطوة جيدة وكبيرة وذو مصداقية، مشيرا إلى أن أطرافًا ثالثة شاركت في التحقيقات السعودية، وأن التفسير السعودي جدير بالثقة.

وأكد ترامب أنه قد يدرس فرض عقوبات على السعودية في هذا الإطار، وقال ترامب، في تصريحات أدلى بها الجمعة في ولاية أريزونا: “سنرى ماذا سيحدث، وسنصل إلى حقيقة الأمر وسنتخذ قرارنا”. لكنه أضاف: “سنعلم كثيرًا من المعلومات الجديدة حول هذه القضية في غضون الأيام الثلاثة المقبلة… يمكن أن أعلم الكثير حتى يوم الاثنين “.

وأضاف ترامب: “أعتزم إشراك الكونجرس في هذه القضية بصورة كبيرة لتحديد القرار حول ما يجب القيام به… كما سأقدم له بعض التوصيات بخصوص هذه القضية”.

وشدد ترامب على أنه سيعطي آذانا صاغية لما يقوله الكونغرس بشأن اختفاء خاشقجي، مشيرًا إلى أن المشرعين الأمريكيين يشعرون أيضا بقلق كبير من هذا التطور.

تغيير مواقف ترامب

كانت تعليقات ترامب بشأن أزمة خاشقجي قد تغيرت أكثر من مرة خلال الأيام القليلة الماضية، وقال خبراء إنه بالرغم من أن الرئيس ترامب عبر عن قلقه البالغ بشأن اختفاء خاشقجي، لكنه بقى في نهاية المطاف مرنًا في التعامل مع الرياض.

وفي أول تعليق له حول الأزمة عبر ترامب عن قلقه من التقارير التي تحدثت عن اختفاء خاشقجي. وبعدها أعلن أنه يتواصل مع المسئولين السعوديين على أعلى المستويات.

ثم أعلن ترامب في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” رفضه دعوات من أعضاء بالكونجرس لوقف مبيعات الأسلحة للسعودية بسبب خاشقجي.

وفي مقابلة مع قناة “CBS” الإخبارية الأمريكية يوم 13 أكتوبر هدد ترامب بـ”عقاب قاس” إذا ثبت تورط السعودية في قتل خاشقجي “دون الإضرار” بسوق السلاح الأمريكي.

وبعد اتصاله بالملك سلمان صرح ترامب بأن “قتلة مارقين” ربما تسببوا بمقتل خاشقجي، وبعدها قال ترامب إن الأمير محمد بن سلمان “نفى علمه” بما حدث في القنصلية.

وفي مقابلة مع وكالة أنباء “أسوشيتد برس” يوم 17 أكتوبر دافع ترامب عن السعودية مؤكدًا رفضه لفكرة أن “المتهم مدان حتى تثبت براءته”. ثم عاد ترامب ليؤكد أن السعودية حليف مهم.

وفي 18 أكتوبر قال ترامب إنه “بالتأكيد يبدو” أن خاشقجي قد مات، وإن العواقب ستكون “وخيمة”، ثم اعتبر أنه “من السابق لأوانه” تحديد العواقب المحتملة إذا كانت السعودية متورطة في قتل خاشقجي.

وأخيرًا رحب ترامب بإعلان السعودية عن النتائج الأولية لتحقيقها بشأن خاشقجي، وقال إنه يصدق الرواية الرسمية.

العقوبات أم المصالح

رغم تغير التصريحات والمواقف إلا أن ما كان واضحًا وثابتًا عند ترامب هو تأكيده على أهمية علاقات المملكة مع الولايات المتحدة.

ولفت الرئيس الأمريكي إلى أن هناك صفقات ومشاريع استثمارية ضخمة بين الولايات المتحدة والسعودية من المخطط في إطارها أن تضخ المملكة حوالي 450 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى خلق نحو 600 ألف فرصة عمل، معتبرا أن إلغاء هذه الاتفاقات سيكون “أمرا موجعا”.

كما قال ترامب إنه لا يعتزم إلغاء صفقات بمليارات الدولارات لتوريد أسلحة للسعودية. وكانت الولايات المتحدة والسعودية قد وقعتا العام الماضي اتفاق تسليح تشتري بموجبه السعودية أسلحة أميركية بقيمة 110 مليارات دولار. الصفقة جاءت في إطار صفقة أكبر شملت تبادلا تجاريا قيمته أكثر 300 مليار دولار، قدمها ترامب في حينه للرأي العام على أنها أكبر صفقة يعقدها في تاريخ الولايات المتحدة، حسب تعبيره.

ويرى خبراء أن الرئيس الأميركي الآن في حيرة كبرى فيما يتعلق بقضية خاشقجي، فان اختار المصالح وصفقة الأسلحة مع السعودية فإنه سيخسر الانتخابات ومجلس الشيوخ والكونجرس والشعبية الأميركية، ويمضي السنتين الباقيتين من عهده في وضع صعب للغاية.

وكان عشرات النشطاء قد نظموا مظاهرة احتجاجية أمام البيت الأبيض مطالبين الرئيس الأمريكي باتخاذ إجراءات عقابية بحق الرياض فورًا، على خلفية اختفاء خاشقجي. كما دعا أكثر من 40 عضوًا في مجلس النواب الأمريكي الرئيس ترامب لفرض عقوبات شديدة ضد السعودية على خلفية اختفاء خاشقجي.

وأظهر إحصاء أن 76 في المائة من الرأي العام الأميركي هم ضد ما قامت به السعودية بشأن خاشقجي. وإذا سارت الانتخابات النصفية القادمة وفق الإحصاءات فان الحزب الديمقراطي سيكتسح مجلس الشيوخ الأميركي، وعندئذ سيصبح بإمكان الكونجرس الأميركي ومجلس الشيوخ دعوة الرئيس الأميركي إلى المساءلة إذا انحاز إلى السعودية أو حاول الدفاع عن ولي العهد السعودي.

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى أن الأكثرية التي يحصل عليها الديمقراطيون سترتفع بنسبة 42 في المائة ويصبح الكونجرس الأميركي تحت سيطرة الحزب الديمقراطي وهو ما لا يريده ترامب.

أضف إلى ذلك أن الصحافي جمال خاشقجي هو عضو نقابة الصحافيين الأميركيين الذي يبلغ عددهم 385 ألف صحافي، موزعين على أكثرية التلفزيونات والصحف والمواقع الالكترونية، والتي تشكل اتجاه الرأي العام الأميركي.

وبينما يتوقع على نطاق واسع اتخاذ أمريكا ودول أوروبا الغربية مواقف بشأن خاشقجي قد تصل لفرض عقوبات، إلا أن الخبير جيسون توفي وآخرون يرون أن تكلفة أي عقوبات ستكون محدودة وفقًا لوكالة رويترز.

والخيار الأكثر نقاشًا بين السياسيين الأمريكيين هو ما يُطلق عليه قانون ماجنيتسكي، الذي يمكن أن يفرض حظرًا على التأشيرات وتجميدًا لأصول الأفراد في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان.

الكونجرس يشكك

من جانبهم شكّك أعضاءٌ في الكونجرس الأمريكي في الرواية السعودية بشأن مقتل خاشقجي، وعلق السيناتور روبرت مينديز عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، عبر حسابه الخاص على “تويتر”، قائلاً: “لقد برهنا أن الضغط الدولي يمكن أن ينجح، غضبنا الموحد أثر بوضوح في إقرار السعودية بما حدث مع خاشقجي”.

وأضاف مينينديز أن “قانون ماغنتسكي لا يملك استثناءات للحوادث، حتى وإن مات خاشقجي في مشاجرة، فهذا ليس مبرراً لقتله”، وتابع بالقول: “هذا بعيد جداً عن النهاية وعلينا الحفاظ على الضغط الدولي”.

فيما قال السيناتور الجمهوري، ليندزي غراهام، في تغريدات عبر حسابه بـ” تويتر”: “أقل ما يمكن أن أقوله هو إنني متشكك في الرواية السعودية الجديدة”، مضيفًا أن من الصعب أن تكون للرواية السعودية أية مصداقية بعد أن قالت في البداية إن “خاشقجي” غادر القنصلية.

ولفت إلى أن الرواية السعودية الأولى تضمنت مغادرة “خاشقجي” القنصلية وإنكارًا شاملًا لأيّ تورطٍ سعوديٍّ، مضيفًا: “الآن يندلع شجار ويقتل في القنصلية، وكل ذلك دون معرفة ولي العهد (محمد بن سلمان)”.

وقال قال عضو الكونغرس الديمقراطي، آدم شيف: “إذا كان يتشاجر مع أولئك الذين أرسلوا للقبض عليه أو قتله، فإنه كان يفعل ذلك لإنقاذ حياته. إذا لم تتحرك الإدارة، فيتعين على الكونغرس أن يتحرك”.

وأضاف “شيف”، أن الزعم بأن “خاشقجي” قُتل خلال شجار مع 15 شخصًا أُرسلوا من السعودية، لا يتمتع بأي مصداقية على الإطلاق.

فيما كتب العضو الديمقراطي في لجنة الاستخبارات، إريك سوالويل، على “تويتر”: “أين الجثة؟.. عائلة خاشقجي تستحق أن يتم تسليمها رفاته فورًا”.

وبدوره، قال السناتور الجمهوري، بوب كوركر، إن رواية السعودية حول اختفاء جمال خاشقجي، تتبدل مع مرور كل يوم، وبالتالي لا ينبغي أن نفترض أن روايتهم الأخيرة ذات مصداقية.

وأضاف “كوركر”، أن بإمكان السعودية استكمال تحقيقاتها، لكن ينبغي على الإدارة أن تحدد المسؤوليات بشكلٍ مستقلٍ عن مقتل “خاشقجي”، وفق “قانون ماغنيتسكي”.

أما السيناتور الديمقراطي، باتريك ليهي، فقال إن الرواية السعودية تفوح منها رائحة التستر، بحسب تعبيره.

وأضاف أن الشعب الأمريكي يحتاج ويستحق أن يعرف ما الذي يعلمه البيت الأبيض والاستخبارات حول مقتل “خاشقجي”، مشددًا على أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تكون متواطئة في التستر على مقتل الصحفي السعودي.

مواقف دولية

إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش أن مسئولين في المنظمة الأممية أعربوا للسعودية عن “قلقهم” حيال ما حدث للصحفي جمال خاشقجي. فيما شددت المتحدثة باسم ماريا فرناندا اسبينوزا الرئيسة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة على وجوب إجراء “تحقيق مستقل ومحايد” في قضية خاشقجي.

وأثارت القضية اهتمام دول كبرى، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا الذين طالبوا السعودية بإجابات “مفصلة وفورية” عن وفاة خاشقجي.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده علقت الزيارات السياسية إلى السعودية، وذلك بالتنسيق مع ألمانيا وبريطانيا وهولندا. وأضاف أنه ينتظر “توضيحات” حول ما حدث لخاشقجي، بحسب ما نقلته وكالة “بلومبرغ”.

وعندما سُئل ماكرون عن مصير ولي العهد محمد بن سلمان وموقعه في البلاط الملكي، قال ماكرون: “ليس لي أن أعلق على الأوضاع السياسية الداخلية لأي بلد آخر، ولا الجوانب النفسية أو الأمنية بداخلها”.

فيما أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أنها لا تقبل الرواية السعودية حول مقتل خاشقجي، معتبرة أن تفسيرات المملكة للحادث غير كافية. وقالت ميركل، في بيان خاص مشترك أصدرته مع وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، السبت: “إننا ندين هذه الجريمة بأشد العبارات”. وأضاف البيان: “نتوقع من السعودية شفافية في ما يخص الكشف عن ملابسات عملية القتل هذه ودوافعها”.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية إنها “تدرس التقرير السعودي” بشأن موت جمال خاشقجي و”الخطوات المقبلة.. كان هذا عملاً فظيعاً ويجب محاسبة المسئولين عنه”.ودعا زعيم المعارضة في المملكة المتحدة جيريمي كوربين الحكومة البريطانية إلى “تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية في ضوء وفاة خاشقجي”.

مسئولية بن سلمان

رغم توقيف 18 شخصًا مشتبه بتورطهم في مقتل خاشقجي وإقالة مسئولين آخرين، إلا أن خبراء يقولون إنه بغض النظر على دور أي منهم في الحادث، فإن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي يتحمل المسؤولية النهائية.

وقال المدير العام السابق لشبكة الجزيرة الإخبارية، وضاح خنفر، لبي بي سي: “نعلم أنه في السعودية لا يمكن أن ينفذ أي شيء دون تعليمات وأوامر مباشرة من الأمير محمد بن سلمان.. نعلم هذا كحقيقة واضحة”. لكن يبقى السؤال: هل علم محمد بن سلمان بما حدث لخاشقجي؟.

حول هذا الأمر نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر سعودي تأكيده بأن “ولي العهد لم يكن لديه علم بما جرى بشكل محدد”، مؤكداً أنه تم اختيار العقيد ماهر مطرب للعملية لأنه عمل مع خاشقجي في لندن.

وأضاف المصدر، أنه “لم يتم إصدار أية أوامر بقتل خاشقجي أو خطفه”، مشيرا إلى أن هناك أمرًا دائمًا من رئاسة المخابرات بإعادة المعارضين للمملكة.

من جانبها، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمر باستدراج الكاتب جمال خاشقجي إلى السعودية لاعتقاله، وأن مراسلات رصدتها الاستخبارات الأمريكية تظهر ذلك، بحسب مصدر استخباري أمريكي.

وقال المصدر، الذي وصف بأنه مطلع، إن المراسلات التي تم اعتراضها تعدّ دليلاً جديدًا على تورط النظام السعودي في قضية خاشقجي.

ونقلت وسائل إعلام عن مصدر استخباراتي قوله إن 7 على الأقل من بين المشتبه بمشاركتهم في مقتل خاشقجي موجودون بالفعل في حماية الأمن الشخصي لولي العهد السعوديّ، محمّد بن سلمان.

فيما نقلت صحيفة التايمز البريطانية عن سير جون ساورز، الرئيس السابق للمخابرات الخارجية البريطانية قوله إنه على يقين بأن جمال خاشقجي قُتل بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وأضاف: “كل الأدلة تشير إلى أن (مقتل خاشقجي) أمر به ونفذه أشخاص مقربون من ولي العهد السعودي”.

مستقبل بن سلمان

ويرى العديد من المحللين أنه في حال التيقن من صحة رواية مقتل خاشقجي وتصفيته في القنصلية السعودية، فإن ولي العهد السعودي سيواجه ردود فعل سلبية سيكون من الصعب استيعابها خلال الفترة المقبلة خاصة في واشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى، خاصة في ظل ظهور دعوات لعزله وإبعاده عن دوائر السلطة في السعودية.

غير أن محللين ومعارضين سعوديين شكّكوا في احتمال عزل بن سلمان من منصبه كولي للعهد بشكل كامل، وقال أحد المعارضين السعوديين البارزين إن الأسرة الحاكمة “ستصطفّ خلف بعضها البعض لمواجهة أي صراع داخلي”، خشية من أن يؤدي ذلك إلى انهيار حكم آل سعود بالكامل.

وألمحت مصادر في الأسرة السعودية الحاكمة، لوكالة “رويترز”، إلى أن الملك سلمان كان مغيّبًا عن تفاصيل قضية اغتيال خاشقجي، وأنه بدأ بالتحرك مؤخرًا ويدرس إمكانية الحدّ من صلاحيات نجله وليّ العهد، محمّد بن سلمان.

ونقلت “رويترز” عن مصادرها أنّ الملك سلمان لم يكن على دراية كافية بحقيقة الأزمة، بسبب حرص مساعدي ولي العهد على حصر متابعة الملك للتطورات عبر وسائل الإعلام السعودية فقط.

وقال مصدر استخباراتي غربي إنه مع ازدياد الضغط الدولي على الرياض، فقد يبدأ الديوان الملكي في مناقشة إمكانيّة تغيير خطّ توريث العرش في المملكة.

وكشف موقع “ميدل إيست آي” البريطانيّ، أن زيارة وزير الخارجية الأميركيّ، مايك بومبيو، للعاصمة السعوديّة، الأسبوع الماضي، كان ضمان إشراك الإدارة الأميركيّة في أيّة تغيير محتمل لتوريث الحكم في السعودية بعد الضجة التي أثارها مقتل خاشقجي.

وكشف المصدر الاستخباراتي عن وجود تباين بين موقفي الرئيس ترامب، ووزير خارجيّته، تجاه عزل بن سلمان، فبينما يريد ترامب بقاءَ بن سلمان في منصبه، يريد بومبيو استبداله لأنه يعتبره “متقلبًا”، وهو ما يشير إلى مناقشة الإدارة الأميركية بالفعل لإمكانية عزل بن سلمان من منصبه، وذلك رغم الصلات القوية التي تربطه بصهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، جاريد كوشنير.

كوشنر يحاول الإنقاذ

من جانبه حث جاريد كوشنر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على دعم ولي العهد السعودي فيما يتعلق بقضية جمال خاشقجي. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن مصدر مقرب من البيت الأبيض قوله إن “كوشنر يحث ترامب على الوقوف بجانب الأمير محمد بن سلمان”. وبين أن “كوشنر يتحدث عن قدرة ولي العهد السعودي على النجاة من الغضب الدائر كما تجاوز النقد في السابق”.

ومن جانب آخر أفاد مصدر مطلع لـ”CNN”، بأن “الأمير محمد بن سلمان هو من بادر بنفسه بالاتصال بالبيت الأبيض للتحدث مع كوشنر، بعدما بدأت قضية اختفاء خاشقجي تنال منه”.

وقال مصدران إن كوشنر، كان يقدم المشورة للرئيس ترامب، للتحرك “ببطء وحذر” في المسألة السعودية و”عدم اتخاذ قرار سريع تحت الضغط” من الخطابات الساخنة للمشرعين الأمريكيين، حول قضية خاشقجي.

وأفاد مصدر مطلع بأن كوشنر أبلغ حماه ترامب بأن “الانسحاب المفاجئ من دعم الرياض قد يكون له تداعيات واسعة، بما في ذلك مع إيران”.

ويقول الكاتب مارتن تشولوف، مراسل صحيفة الغارديان لشؤون الشرق الأوسط، إن الإدارات الأمريكية قالت إنها لن تتخلى عن ولي العهد السعودي، الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة في جزء بارز من سياستها الخارجية، ولكن الضغوط المتزايدة في الداخل والغضب الدولي قد يجبران واشنطن على اتخاذ موقف قوي بصورة غير معتادة.

الكرة في ملعب تركيا

في ظل الموقف السعودي والأمريكي المعلن من القضية يراهن البعض على الموقف التركي، حيث يرى هؤلاء أن الكرة الآن في الملعب التركي، حيث تمسك السلطات التركية بخيوط اللعبة بناءً على المعلومات والتسجيلات ونتائج التحقيقات التي تملكها، والتي قد تنتهي إلى كشف الحقيقة كاملة أمام الرأي العام العالمي، أو إلى إيجاد مخرج في التحقيق لتحميل مسؤولية قتل خاشقجي إلى “كبش فداء” وإعفاء ولي العهد السعودي من المسئولية عن الواقعة.

المتفائلون يرون أن تركيا لن تخفي أي حقائق حول القضية وأنها ستكشف الحقيقة كاملة، خاصة وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهد من قبل بإعلان نتائج التحقيقات أمام العالم مهما كانت، وأضاف أنه بصفته رئيسًا لجمهورية تركيا يتابع تطورات الواقعة عن كثب، معربًا عن أسفه أن يقع هذا الأمر في الأراضي التركية.

ووعدت تركيا السبت بالكشف عن كامل تفاصيل مقتل خاشقجي، وفق ما نقلته وكالة أنباء الأناضول عن المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك. وقال جليك إن “كشف ملابسات الحادثة دين في أعناقنا، وسنستخدم جميع الإمكانيات في هذا الصدد”. وأضاف: “نحن لا نتهم أي شخص مسبقا، ولكننا لا نرضي بأن يبقي أي شيء مخفيا في قضية جمال خاشقجي”.​

أما المتشائمون فيرون أن هناك صفقة سعودية تركية أمريكية واضحة، مشيرين إلى أن التنسيق بين الاستخبارات التركية والأميركية بدا جليًا منذ اللحظة الأولى للواقعة، حيث اكتف الاستخبارات الأميركية بالمعلومات والتقارير التركية، ولم تحرّك أجهزتها الخاصة على غير العادة.

كما أن الاستخبارات التركية التي قيل إنها زرعت أجهزة تجسس في القنصلية السعودية، سعت إلى نشر ما تحتاجه تركيا للضغط على السعودية بشكل متدرّج لجرّها إلى التفاوض على صفقة. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الرئيس التركي لديه فرصة لا تعوّض للعودة إلى التفاهم مع الإدارة الأميركية عبر التعاون بين الاستخبارات الثنائية، وهو ما أسفر عن تسوية القسّ الأميركي وارتفاع الليرة التركية.

كما يحرص أردوغان على تعزيز علاقاته التجارية والاقتصادية مع السعودية، بما يتجاوز الاستثمارات الحالية في تركيا البالغة 6 مليار دولار. ويحرص أيضاً على عدم إفادة إيران من تقهقر السعودية أو اضطرارها إلى المصالحة مع إيران.

وتقول لورا باتيل في صحيفة فاينانشال تايمز إن كيفية استخدام الرئيس التركي أردوغان لبطاقات الضغط التي في حوزته لم يتضح حتى الآن، فقد يطلب خدمات أو تنازلات من واشنطن أو الرياض في مقابل عدم نشر الأدلة الملموسة لديه، وبصفة خاصة التسجيل المزعوم للحظة مقتل خاشقجي.

ويميل الكثير من المراقبين إلى توجه الأطراف المعنية بقضية خاشقجي، إلى إيجاد مخرج ينهي فصول القضية، بطريقة تضمن إغلاق الملف، وإبعاد ارتداداتها على مستوى هرم الدولة السعودية، وتحميل المسؤولية إلى مستويات أدنى.

وتدور المساعي التي يبذلها الرئيسان التركي والأمريكي، حول إيجاد مخرج في التحقيق لتحميل مسؤولية قتل جمال الخاشقجي إلى “كبش فداء”، حسب ما تداولته وسائل إعلام أمريكية، وإعفاء وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان وقمة الحكم السعودي من الواقعة.

وفي هذا الإطار يرى خبراء أن ترامب يرغب في إبقاء واقعة القنصلية السعودية تحت السيطرة، وأن يتضمن التحقيق التركي مخرجًا يعفي الجانب السعودي من المسؤولية. خاصة وأن التحقيق التركي في صياغته الأخيرة هو ما سيعتمد عليه ترامب في اتخاذ قراراته بشأن السعودية.

مصير جثة خاشقجي

الاعتراف السعودي بمقتل خاشقجي داخل القنصلية في تركيا فجر العديد من الأسئلة التي تبحث عن إجابة، لكن أهم هذه الأسئلة هو: أين جثة جمال خاشقجي؟، فالإجابة على هذا السؤال كفيلة بكشف العديد من الحقائق حول القضية وربما كشف الحقيقة كاملة، خاصة وأن هناك مزاعم بأنه تم إذابة الجثة وإخفاؤها تمامًا، ومزاعم أخرى حول أن الجثة تم تقطيعها لأشلاء واقتيادها إلى مكان غير معلوم.

ويرى البعض أن ظهور الجثة كاملة سيدحض هذه المزاعم وسيساعد السعودية على تسويق روايتها على انها الرواية الصحيحة، أما عدم ظهور الجثة فسيؤكد معظم إن لم يكن كل الشكوك التي تشير إلى تورط السعودية ومسئوليها في قتل خاشقجي.

وتسعى الشرطة التركية إلى البحث عن الجثة التي قال مسئولون لم يتم الكشف عن هويتهم إن من الممكن أن يكون قد تم التخلص منها في غابة قريبة أو في أراض زراعية.

وقالت صحيفة “يني شفق” التركية، إن الشرطة التركية بدأت بالتفتيش في ثلاث مناطق توجهت إليها سيارات تابعة للقنصلية السعودية باسطنبول وفقد أثرها ليلة اختفاء الصحفي جمال خاشقجي.

وأفادت الصحيفة نقلا عن مصادر بالشرطة بأن حركة السيارات الـ16 التي خرجت من القنصلية السعودية باسطنبول كان هدفها التضليل.

وتتحفظ الأجهزة الأمنية على التحديد الدقيق للمناطق التي يجري فيها التفتيش وإن أشارت إلى أنها تقع في غابات بلغراد ومنطقة بيكنت باسطنبول إضافة إلى مدينة يلوى المجاورة، حيث أن الشرطة تعتقد أن تلك المناطق لها صلة باختفاء الصحفي السعودي.

ويتمحور البحث الذي تقوم به الشرطة حاليا حول العثور على جثة خاشقجي الذي يعتقد أنه قتل وتم التمثيل بجثته.

وترجح مصادر الشرطة أن مصير الجثة يعلمه الضابط السعودي ماهر عبد العزيز مطرب الذي يعتقد أنه قائد الفريق السعودي المشتبه بتصفيته للصحفي المذكور.

ونقلت وكالة رويترز عن مسئول سعودي مطلع على التحقيقات قوله إنه لا يعرف بعد مصير جثة خاشقجي التي تم تسليمها إلى “متعهد دفن محلي” في تركيا، ولم يكن لها أثر في القنصلية السعودية.

في حين ذهبت الشرطة التركية أبعد من ذلك، وقالت إن فرضية تذويب جسد جمال خاشقجي بالأسيد قائمة، وخصوصا بعد أن لم يتم العثور على جثته رغم تفتيش القنصلية السعودية.

ويجري فحص العينات التي جمعت من مقر القنصلية ومن مقر إقامة القنصل في عمليات بحث عما إذا كان هناك تطابق بينها وبين الحمض النووي لخاشقجي.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى