تقارير

لماذا يعاني أطفال أمريكا من اضطرابات نفسية؟

2 مليار شخص سيصابون بمرض نفسي بحلول 2030

علي البلهاسي

أرقام صادمة كشفت عنها دراسة جديدة حول الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نفسية في الولايات المتحدة، والذين بلغ عددهم ما يقرب من 7.7 مليون طفل ومراهق، وفقًا لدراسة جامعة ميتشغان المنشورة في JAMA Pediatrics.

وهو ما يعني أن واحد من كل سبعة من الأطفال والمراهقين يعاني من اضطراب نفسي واحد على الأقل، مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

وتشير تفاصيل الدراسة إلى أن عدد الأطفال الذين يعانون من أمراض نفسية بشكل كبير من ولاية إلى أخرى. ففي هاواي كان لدى 7.6 بالمائة من الأطفال أحد الاضطرابات السابقة، مقارنة بـ 27.2 بالمائة في ولاية ماين.

وقد بلغ عدد الأطفال الذين يعانون من حالة صحية نفسية تم تشخيصها ولم يعالجوا نحو 29.5 بالمائة في العاصمة واشنطن، بينما بلغت النسبة 72.2 بالمائة في ولاية كارولينا الشمالية.

صعوبة العلاج

من جانبه قال الأستاذ المساعد بجامعة متشيغان للطب النفسي ومؤلف الدراسة، مارك بيترسون، إنه لم يكن يتوقع ارتفاع أرقام الأطفال المصابة باضطرابات نفسية بهذا الشكل.

وقالت الدراسة إن نصف هؤلاء الأطفال والمراهقين لم يتلقوا العلاج اللازم من قبل أخصائي صحة نفسية.

وأرجعت عالمة النفس في قسم الطب النفسي للأطفال في مستشفى فيلادلفيا، جينيفر ماوتوني، النسب العالية إلى صعوبة وصول الأهالي لخدمات العلاج النفسي، فيما لا زالت بعض المجتمعات داخل الولايات المتحدة ترى الأمراض النفسية بشكل سلبي.

وأشارت ماوتوني إلى أنه حتى لو تغيرت نظرة العائلات تجاه الأمراض النفسية، فإنه لا يوجد العدد الكافي من مقدمي العلاج المؤهلين في الولايات المتحدة.

ووفقا لبيانات الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للأطفال والمراهقين، فإن الولايات المتحدة تواجه نقصًا حادًا في الأطباء النفسيين الممارسين المختصين بالأطفال والمراهقين، حيث يتوفر أقل من 17 ممارس لكل 100 ألف طفل ومراهق.

مشكلة متجددة

الدراسة السابقة لم تكن الأولى من نوعها التي تحذر من خطورة هذه المشكلة، فبحسب تقرير نشره موقع Mental Health America عام 2017، يعاني أكثر من 40 مليون أميركي من اضطرابات نفسية.

وأوضح التقرير أن الصحة النفسية للشباب تزداد سوءاً، إذ ارتفعت معدلات الشباب المصابين بالاكتئاب الحاد من 5.9 في المائة في عام 2012 إلى 8.2 في المائة في عام 2015. وأن 76 في المائة من هؤلاء الشباب يعانون نقص أو عدم كفاية العلاج. وأن 9.6 مليون أميركي فكروا بالانتحار.

حالات متزايدة

وكانت دراسة سابقة تمت مناقشتها في اجتماع «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال» American Academy of Pediatrics في أورلاندو مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قد كشفت أن الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة يتعرضون لأزمات وضغوط نفسية، مشيرة إلى أنها لم تتوقع أن تمثل هذه الضغوط النفسية عاملاً من عوامل الذهاب العاجل للمستشفى لتلقي المساعدة الطبية.

وقالت الدراسة إن هناك زيادة كبيرة بشكل ملحوظ في أعداد المراهقين الذين ترددوا على غرف الطوارئ جراء الحالات النفسية المختلفة في الفترة من 2012 وحتى 2016، بشكل يمثل قلقاً للقطاع الصحي المسئول عن الصحة النفسية للمراهقين في دولة بحجم الولايات المتحدة.

وأوضح الفريق البحثي أن نحو 17 مليون مراهق أميركي يعانون شكلاً من أشكال الاضطراب النفسي، وأن هناك نسبة تتراوح بين 2 و5 في المائة من زيارات الأطفال لغرف الطوارئ في المستشفيات، تكون نتيجة لعرض نفسي طارئ.

وبالنسبة للأعمار قدرت الدراسة عدد المراهقين الذين كانوا قد تعدوا الثالثة عشرة بالكاد وترددوا على الطوارئ للحالات النفسية بـ293 ألف حالة أثناء فترة الدراسة البالغة 4 سنوات فقط، ولاحظ الباحثون أن العدد ارتفع بشكل حاد من 50 زيارة فقط لكل 100 ألف حالة عام 2012، إلى 79 زيارة لكل 100 ألف حالة عام 2016، وهي نسبة زيادة كبيرة جدًا تبعًا للتقرير.

انتشار بين الأقليات

وقال الباحثون إن الزيادة في الحالات كانت أكثر بين الأقليات من المجتمع الأميركي، ومنهم المراهقون من أصل أفريقي، وبلغت نسبة الزيادة في الحالات نحو 50 في المائة عبر الولايات المتحدة كلها، مشيرة إلى أن اللافت للنظر لم يكن حجم الزيادة فقط، ولكن تنوعها على المستوى العرقي. وأضافوا أن السبب الحقيقي وراء ذلك غير معروف بشكل كامل حتى الآن.

وحينما تم تقسيم الزيادة إلى كل عرق لم تكن الزيادة بالتساوي بين جميع الأعراق. فعلى سبيل المثال؛ في عام 2016 كان هناك 52 طفلا من أصل أبيض من بين كل 100 ألف حالة في غرف الطوارئ، وقفز هذا العدد ووصل إلى 78 حالة لكل 100 ألف طفل من أصل أفريقي. وبين الأطفال من أصول لاتينية أو غير بيضاء قفز العدد إلى 79 طفلا.

وأرجع الباحثون الاختلاف بين العرقيات إلى العوامل الاجتماعية والبيئية التي تعيشها الأقليات، خصوصا المهاجرين غير الشرعيين، فضلا عن أن الآباء في الأغلب يذهبون بالأطفال إلى الطوارئ بهدف الحصول على الرعاية الطبية والسلوكية أكثر من العيادات الخارجية.

وأوصت الدراسة بضرورة أن يتم تحليل هذه الإحصاءات ووضع عوامل الفقر والعنف والصعوبات الاجتماعية في الحسبان أثناء المقارنة بين أعداد البيض والأفارقة واللاتين.

وأوضحت أن هناك دراسات تشير إلى أن مستوى الفقر بين الأطفال من أصل أفريقي يبلغ 27 في المائة، بينما لا تزيد النسبة على 10 في المائة فقط بين الأطفال البيض. وأوضح الباحثون أنه أياً كانت العوامل فيجب رفع مستوى الاهتمام بالصحة النفسية للأقليات وتوفير الدعم النفسي للمراهقين من خلال المدارس والنوادي والتجمعات الشبابية المختلفة.

أنواع وأسباب

وشملت الأمراض النفسية التي تناولتها الدراسة القلق الحاد acute anxiety والهذيان وعدم الاتزان، وعدم المقدرة على التكييف، وإدمان الكحوليات وإدمان العقاقير؛ بما فيها العقاقير المخدرة، والهيروين، والاكتئاب العادي والاكتئاب ثنائي القطب bipolar disorders (يتراوح بين الاكتئاب الشديد ولحظات من النشاط والبهجة المفرطة)، واضطراب السلوك، واضطراب الطعام سواء الشراهة أو عدم المقدرة على تناول الطعام والعزوف عنه، وكذلك اضطرابات الطفولة والوساوس القهرية والفصام والذهان؛ وأهمها محاولات الانتحار.

ووفقًا للأطباء المتخصصين فإن مرحلة المراهقة وسنوات سن الرشد الأولى تحدث فيها العديد من التغييرات التي تؤثر على الاستقرار النفسي مثل تغيير المدرسة أو مكان السكن، وخوض تحديات البدء بالتعليم العالي والعمل.

كما يواجه كثيرون حالات طوارئ مثل النزاعات والكوارث الطبيعية والأوبئة، إضافة إلى الانغماس بعالم الاتصال الإلكتروني الافتراضي المفتوح على مدار الساعة، وكل ذلك يولد مشاعر القلق التي تتحول إلى أزمة ومرض نفسي، حال الجهل بمعرفتها وسبل مواجهتها.

الحاجة لأطباء نفسيين

وتشير معظم الدراسات في هذا المجال إلى وجود نقص خطير في القوى العاملة في مجال الصحة العقلية في الولايات المتحدة، ويشمل ذلك الأطباء النفسيين، وعلماء النفس، والاختصاصيين الاجتماعيين، والمستشارين، وممرضات الطب النفسي مجتمعين.

ونصح الباحثون القائمون على الدراسة بضرورة أن يكون هناك طاقم من الأطباء النفسيين في غرفة الطوارئ جاهزين لاستقبال الحالات النفسية الطارئة psychiatric emergencies مثل الإقدام على الانتحار، خصوصا بين المراهقين الذين لديهم تاريخ مرضي من الإصابة بالأمراض النفسية والاكتئاب وتعاطي المخدرات أو الأدوية النفسية؛ حيث إنه في بعض الأحيان يتناول المراهق زجاجة الدواء كاملة بغرض الانتحار.

كما نصحت الدراسة الآباء بضرورة الذهاب بأطفالهم إلى غرفة الطوارئ في حالة إيذاء النفس عن طريق الجروح القطعية، أو الدخول في حالة من تغير الوعي؛ بمعنى عدم الإحساس بالوقت بشكل صحيح، أو ملاحظة أعراض جسدية على المراهق مثل عدم القدرة على تركيز البصر واحمرار العينين بشكل دائم وتورمهما، وكذلك ظهور آثار لعلامات تعاطي حقن متعددة عن طريق الوريد.

ويؤكد الأطباء المختصون ضرورة زيادة الوعي بالصحة العقلية وأهميتها في تحسين الصحة العامة للإنسان، مع تمكين من يعانون مشاكل الصحة العقلية من الحديث عن أزماتهم وتلقي العلاج اللازم.

إنذار خطير

ويقدر الاتحاد العالمي للصحة العقلية WFMH أن 2 مليار شخص سيصابون بمرض نفسي بحلول عام 2030، ويمكن أن تكون كلفة ذلك على الاقتصاد العالمي نحو 16 تريليون دولار. بينما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن شخصاً بالغًا من كل أربعة، وطفلاً من كل 10 أطفال، يعانون سنوياً مشكلة صحية عقلية. وإن 50 في المائة من المرضى النفسيين تبدأ أزماتهم بعمر 14 عامًا، وأن معظم الحالات لا يتم اكتشافها أو معالجتها. كما تبيّن أن الاكتئاب هو السبب الثالث لوفيات المراهقين، والانتحار هو السبب الثاني لمن هم بين 15 و29 عاماً.

وذكر تقرير صدر في التاسع من أكتوبر الماضي في مجلة “لانسيت” الطبية، أعده 28 اختصاصيًا عالميًا في الطب النفسي والصحة العامة وعلم الأعصاب، أن تنامي أزمات مرضى الصحة العقلية يمكن أن تسبب ضررًا مستديمًا ليس للمرضى وحدهم وإنما لمجتمعاتهم الصغيرة والواسعة، والاقتصاديات في جميع أنحاء العالم. ووصفوا الوصمة المرتبطة بالصحة العقلية بأنها “سلوك مدمر” يجعل من الصعب على المتضررين متابعة المساعدة.

وبينت التقديرات أن نحو ربع المصابين بمشاكل في الصحة العقلية يخضعون للعلاج المستمر فقط. فيما تواجه الغالبية العظمى من المتضررين من هذه المشاكل مجموعة متنوعة من القضايا، تتراوح بين العزلة إلى عدم اليقين بشأن مكان الحصول على المساعدة أو المعلومات، وكذلك الاعتماد على الدعم غير الرسمي للأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء.

وعن قبول المرض النفسي ومساعدتهم، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الوقاية تبدأ من إدراك وفهم علامات الإنذار المبكر للأمراض العقلية، ويمكن للوالدين والمعلمين المساعدة في بناء المهارات الحياتية للأطفال والمراهقين لمساعدتهم على التعامل مع تحديات الحياة اليومية في المنزل والمدرسة. ويمكن تقديم الدعم النفسي الاجتماعي في المدارس وغيرها من الأماكن المجتمعية، وتمكين العاملين الصحيين من اكتشاف اضطرابات الصحة العقلية وإدارتها أو تحسينها أو توسيعها.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى