تقاريررمضان

لماذا ترتفع فاتورة استهلاك المواطن العربي في شهر الصيام؟

أميرة أحمد

شرع الله سبحانه وتعالى الصيام لحكمة مفادها الإمساك عن شهوة البطن وتحجيمها، وإحساس الغني بالفقير والجوعان ومن لا يجد قوت يومه.

ولأن العادات والتقاليد غلبت على طباع الناس في مجتمعاتنا العربية، فقد تحول الشهر الكريم لشهر إسراف في الطعام يفوق أي شهر آخر من شهور السنة.

لذلك اعتدنا خلال الشهر الكريم على مشهد الآلاف وهم يتدافعون في الأسواق بحثًا عن منتجات يملأون بها خزائن طعامهم، وهم يمنون أنفسهم بموائد عامرة بالطعام عند الإفطار والسحور، تتجاوز مكوناتها ما كانوا يستهلكون في الأيام العادية قبل رمضان.

ولعل ما يلفت الانتباه هو التناقض الصريح بين مرامي تشريع الصوم والسلوك المجتمعي، في تجلياته الدينية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، حتى أن رمضان لم يعد يحقق كثيرًا من مقاصد الشرع القائم على مصلحة الإنسان في أمور دينه ودنياه.

نحاول في هذا التقرير معرفة الأسباب وراء تلك المعدلات العالية من الاستهلاك في شهر رمضان، وهل ترتبط بالكرم كما يصفها البعض؟ أم أنها من العادات ‏السيئة الواجب تغييرها؟

نمط استهلاكي

وكشفت تقارير اقتصادية نشرت مؤخرًا عن ارتفاع معدلات الاستهلاك بشكل غير مسبوق في شهر رمضان الكريم خلال السنوات الأخيرة، وذلك في الدول العربية عمومًا ومنطقة الخليج العربي خصوصًا.

ففي منطقتنا العربية تتجهز المحال التجارية والمخازن والأسواق الكبيرة قبل شهر رمضان بعدة أيام بكل مستلزمات الشهر، من غذاء وشراب وحلوى ومكسرات وكماليات أخرى، مما يطلبها المستهلك، فموسم رمضان بالنسبة لهم يعد من أغنى المواسم في السنة.

وتنشط البرامج الدعائية للشركات لترويج منتجاتها في رمضان بشكل أكبر، مستغلة نهم المواطنين في الإقبال على الشراء والاستهلاك، حيث ترتفع مصروفات العوائل في رمضان في اليوم، لتعادل تكاليف 90 يومًا عاديًا في بعض البلدان، بسبب تغيير العادات الغذائية خلال الشهر ومضاعفة النفقات على الولائم والعزائم.

كما أن قدوم شهر رمضان ينتج عنه اندفاع شرائي غير مسبوق الأمر، ما يخلق ضغوطاً على منافذ ‏البيع، ويرفع الأسعار قبل ‏رمضان، كما أن العديد من أسعار المواد الغذائية تسجل خلال هذا الشهر زيادة كبيرة.

كم ينفق العرب على طعام رمضان؟

أكدت العديد من الإحصائيات في البلدان العربية أن شهر رمضان وحده يستحوذ على النصيب الأكبر من نفقات الغذاء خلال السنة، كما أن حجم الإنفاق في هذا الشهر يرتفع بنسبة 50% عن شهور العام.

كما ترتفع نسبة المبيعات خلال شهر رمضان المبارك عن بقية الأشهر بأضعاف،تتراوح نسبتها بين 150 و200 في المائة.

ويرتفع حجم استهلاك اللحوم المجمدة والمبردة والدواجن، كما يعتبر الأرز من أكثر المواد الغذائية استهلاكا في رمضان، حيث يصل حجم الاستهلاك إلى 43 طناً تقريباً، ويشكل 60% من الوجبات.

كذلك يعتبر الزيت من أكثر المواد الاستهلاكية في رمضان، ولا تخلو قائمة مشتريات المواد الغذائية لرمضان، من المكسرات، لكن حجم الاستهلاك يختلف بين الجنسيات وفقًا لنوع المكسرات.

السعودية

يرى خبراء الاقتصاد أن إجمالي إنفاق الأسر السعودية على المواد الاستهلاكية في شهر رمضان المبارك يصل إلى 20 بليون ريال، موضحين أن الأسر تنفق على المواد الغذائية خلال شهر رمضان مجموع ما تنفقه خلال ثلاثة أشهر،بنسبة 150 في المائة، ما يدل على وجود اضطراب غير مبرر في الاستهلاك.

وأوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور سعود المطير، أن من العوامل المؤثرة في الاستهلاك في شهر رمضان عالم المحاكاة والتقليد للأسر الأخرى، والإعلان والدعاية المكثفة قبل رمضان، وكأنه شهر للأكل والشرب، وطريقة عرض البضائع بشكل جذاب ومغر، والفعل الخيري، وتفطير الصائمين من المواطنين والمقيمين، والإفطار الجماعي بين الأسر وما يصحبه من المبالغة في الاستهلاك.

قطر

أما عن المستهلك القطري فتتركز أوجه الإنفاق بشكل أساسي خلال شهر رمضان على المواد الغذائية. وبحسب أوساط تجار قطريين، فإن حجم استهلاك السوق المحلي يقفز إلى الضعف في هذا الشهر مقارنة مع أشهر السنة الأخرى. وتقوم دولة قطر بالتخلص من نصف الطعام المعد يوميًا خلال شهر رمضان عن طريق إلقائه بالقمامة.

البحرين

وفي البحرين، فإنَّ كمية الطعام الملقاة في النفايات يومياً خلال شهر رمضان تتجاوز الـ 400 طن بناءً على معلومات أدلى بها المسؤولون من وحدة التخلص من النفايات في البحرين.

الكويت

أما عن الأسرة الكويتية، فإنها لا تختلف كثيراً عن القطرية والسعودية. ففي شهر رمضان تتضاعف ميزانية الأسرة ‏الكويتية ويزيد الشراء بنسبة 100% على الأقل، لاسيما في الجانب الغذائي، ‏وذلك بعكس ما يفترض أن يكون عليه شهر ‏الصيام من امتناع عن الأكل لساعات قد تمتد حتى 17 ساعة.

الإمارات

ولا يقتصر هذا الإنفاق على المشتريات فحسب كما في الإمارات، حيث يلجأ العديد من الأشخاص إلى الإفطار في الخيام الرمضانية، حيث توفر عليهم المطاعم عناء التبضع والطبخ وبذلك يرتفع الإنفاق الأسري عن معدلاته الطبيعية مقارنةً بالأشهر الأخرى من العام.

مصر

أما الأسرة المصرية فتنفق 250 مليار جنيه سنويًا على الطعام بما يمثل 45% من إجمالي إنفاقها السنوي، وشهر رمضان وحده يستأثر بالنصيب الأكبر منها مقارنة بباقي شهور العام، حيث يصل الحجم المتوقع من مبيعات الطعام خلاله إلى 45 مليار جنيه، بواقع 1.5 مليار جنيه يوميا، وتعد مصر أعلى من كل دول العالم في الإنفاق على الطعام الذي تصل قيمته إلى 50% من الدخل في شهر رمضان.

ووفقا لتقرير لغرفة الصناعات الغذائية، فإن معدلات استهلاك السلع الغذائية خلال رمضان، ترتفع بنسبة 70%عن باقي شهور السنة، ويرتفع استهلاك منتجات اللحوم والدواجن، بنسبة 50%، مستكملاً أنه في خلال الأسبوع الأول وحده في رمضان يتناول المصريون حوالي 2.7 مليار رغيف خبز، و10 آلاف طن من الفول، و40 مليون دجاجة.

بينما توضح أرقام الغرفة التجارية أن المصريين يأكلون في رمضان حوالي 50 ألف طن أرز 20 ألف طن “مكرونة” وألف طن “دقيق فاخر” و600 ألف دقيق عادى وأكثر من 72 ألف طن “فراخ”. وهذا يعنى أن المصريين يستهلكون 35% من الإنتاج السنوي خلال شهر رمضان، وأن 80% من دخل المواطن الشهري يتم صرفه على السلع

المغرب

تكوّنت عدة ممارسات استهلاكية في المجتمع المغربي، لاسيما داخل المدن الكبرى، تفيد بكون أغلب الشرائح المجتمعية ترى في رمضان مجرد مناسبة اجتماعية لزيادة الاستهلاك، إلى جانب كونه فرصة مناسبة للتسوق، وغيرها من السلوكيات المنتشرة. والمثير في الأمر أن بعض المدن تشهد سلوكيات عدوانية تصل إلى درجة “الهستيريا”، أو ما يُدعى لدى المغاربة بـ “التْرْمضينة”.

تونس

كشف المعهد الوطني للاستهلاك في تونس أن نسبة الاستهلاك عند العائلات التونسية خلال شهر رمضان 2019 ارتفعت بنسبة 34 بالمائة، وأوضح أن أهم المنتجات الغذائية التي يزيد استهلاكها خلال هذا الشهر هي: المشروبات الغازية: 155 بالمائة، التمور: 111 بالمائة، التن: 114 بالمائة، الخبز المتنوع: 58 بالمائة، الباقات: 22 بالمائة، الرايب واللبن: 400 بالمائة، الموالح: 670 بالمائة، الانشوه: 100 بالمائة، سمك الصبارص: 370 بالمائة، الملسوقة:  تمثل 80 بالمائة من الاستهلاك السنوي، البيض: من 17 بيضة للفرد الواحد شهريا لحوالي 26 بيضة للفرد الواحد خلال شهر رمضان.

هدر وإسراف

وأشارت إحصائيات صادرة عن هيئات عالمية إلى الهدر والإسراف المؤسفين في الطعام في دول العالم الإسلامي في شهر رمضان الفضيل مقارنة مع الشهور الأخرى.

مع العلم أن 22 دولة عربيه بها 360 مليون عربي يقومون في المتوسط العام بإلقاء 55% من استهلاكهم الغذائي في سلات المهملات بسبب سوء الاستهلاك، وسوء تقدير الاحتياج من الطعام خلال الشهر الفضيل.

فقد ذكرت إحصائيات من الفاو والأمم المتحدة أنَّ العرب يقومون بهدر الطعام خلال شهر رمضان بأكثر من بقية الشهور، واحتلت السعودية المرتبة الأولى عالمياً في الهدر الغذائي، إذ بلغت قيمة هدر الطعام بـ 13.3 مليار دولار سنوياً، وهو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لكلّ من الصومال وجيبوتي وموريتانيا.

وعلى الرغم من أن الجميع يدرك أنَ الإسراف والتبذير في شهر رمضان عادة مذمومة إلا أنَّها حاضرة بقوة في المجتمعات العربية، خاصة في تلك التي لديها بسطة في الرزق، ويبدو ذلك واضحاً في شهر رمضان الفضيل.

لماذا تزداد معدلات الإنفاق في رمضان؟

وترجع زيادة معدلات الإنفاق إلى أسباب كثيرة منها العادات المتوارثة التي تدور حول أن تكون سفرة رمضان متنوعة وملونة، بالإضافة إلى ثقافة الاستهلاك التي تضمحل مع حلول شهر رمضان المبارك وتتغيب بتاتًا، وأيضا قوة المغريات الإعلانية التي تتمثل في الإعلانات التجارية المنتشرة عبر وسائل الإعلام وعند مداخل المحال التجارية، وهي تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على المستهلك ما يجعلهم يقعون في فخ الإنفاق.

ويتوقف الخبراء عند تأثير الإعلان في تعزيز ثقافة الاستهلاك واستشرائها في الوعي العام، خصوصا لدى فئات اجتماعية هي أصلا ضحية تنميط الاستهلاك.

فواحدة من غايات الصوم، حسب الخبراء، هي تعزيز الميول الايجابية لدى الإنسان، خصوصا ترشيد الإنفاق وعدم الإسراف وهدر المال.

ويؤكد الخبراء أن النهم الاستهلاكي يدفع كثيرين إلى الاستدانة لسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات، واللجوء للبطاقات الائتمانية التي قد تصل لسقف مرتفع جدًا، وهو ما يسهم في تأزيم الوضع الاقتصادي للأسرة.

ودعا الخبراء إلى عمل توعية دينية في المساجد للحد من الاستهلاك، والتوعية من خلال الدراما التليفزيونية، والحد من برامج الطعام التي توثر بالسلب على استهلاك الطعام، موضحين أن استهلاك الطعام بهذا الشكل في رمضان يحمل ميزانية الأسرة والدولة الكثير، ويفقد شهر الصوم معناه الحقيقي.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى