تقارير

لبنان.. ميلاد صعب لحكومة تواجه تحديات أصعب.. فهل تنجح؟

إعداد وتحرير: علي البلهاسي

تسعة أشهر انتظرها لبنان حتى ميلاد الحكومة الجديدة.. مخاض صعب لحكومة توافقية عانى خلاله الرئيس سعد الحريري من محاولة تطويع التوازنات وقبول التناقضات بين كل الأطياف والقوى السياسية.

ورغم صعوبة تشكيل الحكومة الذي كان تحديًا كبيرًا، إلا أن هناك تحديات أكبر في انتظار هذه الحكومة الوليدة التي يعوّل عليها اللبنانيون كثيرًا في حل مشاكلهم المتراكمة منذ سنوات، حتى أن مجلس الوزراء قرر في أولى جلساته السبت الماضي تسميتها بـ (حكومة العمل)، في إشارة إلى التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان في المرحلة الراهنة، خاصة على الصعيدين المالي والاقتصادي، والإصلاحات الهيكلية المرتقبة التي ينتظر أن تقرها الحكومة.

ولعل هذا ما يؤكد ضرورة أن تنال الحكومة ثقة المجلس النيابي في أسرع وقت ممكن، للبدء بالعمل وتعويض فترة التسعة أشهر الماضية، لاحتواء الأوضاع الاقتصادية الصعبة والدقيقة التي يمر بها لبنان.

ووفق الدستور اللبناني يتعين على الحكومة الحالية أن تنال ثقة البرلمان لممارسة صلاحياتها، كما ينبغي عليها أن تتقدم ببيان وزاري لنيل ثقة البرلمان على أساسه في خلال مهلة 30 يومًا من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها.

وتوقعت مصادر أن يتم التوافق بشكل سريع على البيان الوزاري، خصوصًا أن الخطوط العريضة للبيان متفق عليها من قبل، ووردت في بيان حكومة “استعادة الثقة”، حيث سيتم استنساخ الفقرتين الأساسيتين من بيان الحكومة السابقة، وهما الفقرة المتعلقة بالنأي بالنفس، والفقرة الخاصة بالمقاومة ووضع «حزب الله» وعلاقة لبنان مع سوريا وموقفه من الأوضاع الإقليمية.

ووفق المصادر ذاتها فإن الفقرات الجديدة التي سيتضمنها البيان الوزاري ستتعلق بالتزام لبنان بالقيام بالإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، أملا في تحقيق التجاوب الدولي والإفراج عن الأموال المرصودة.

مخاض صعب

منذ عام 1926، عرف لبنان تشكيل 97 حكومة، 21 حكومة منها كانت في زمن الانتداب الفرنسي، أما في العهد الاستقلالي حتى اتفاق الطائف (1943-1989) فقد عرف لبنان 59 حكومة، وبعد اتفاق الطائف قامت في لبنان 17 حكومة.

وتعد الحكومة الحالية هي الثالثة لسعد الحريري، والثانية له في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومن المتوقع استمرارها حتى الانتخابات النيابية في العام 2022.

واستغرق تشكيل هذه الحكومة 252 يومًا، حيث تم تكليف سعد الحريري بتشكيلها في 24 مايو من العام الماضي في أعقاب إجراء الانتخابات النيابية، لتحل في المرتبة الثانية مباشرة من حيث طول فترة التشكيل، بعد حكومة رئيس الوزراء السابق تمام سلام التي استغرقت 315 يومًا، وذلك خلال الفترة ما بين 6 أبريل 2013 وحتى 15 فبراير 2014.

وكان سعد الحريري قد استغرق قرابة 5 شهور لتشكيل حكومته الأولى عام 2009، في حين استغرق 45 يومًا في تشكيل حكومته الثانية عام 2016.

لكن حكومته الثالثة الحالية استغرقت 8 أشهر وأسبوع. وشهدت كل هذا التأخير بسبب عدة معوقات شديدة الصعوبة، كادت أن تطيح بعملية التشكيل برمتها، تمثلت في أزمة التمثيل الوزاري المسيحي بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، والخلاف الحاد بين الفريقين المسيحيين الأكبر في لبنان، على الحصص والأحجام الوزارية ونوعية الحقائب.

كما مرت الحكومة بأزمة ثانية تتعلق بالتمثيل الوزاري للطائفة الدرزية، والتي تمثلت في الخلاف على الحصص الوزارية بين الحزب التقدمي الاشتراكي والقيادي الدرزي طلال أرسلان المدعوم من التيار الوطني الحر.

ثم أزمة ثالثة لا تقل وطأة وتتعلق بالتمثيل الوزاري للطائفة السُنّية لمجموعة من النواب المدعومين من حزب الله في مواجهة تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، وهي الأزمة التي استغرقت الأشهر الثلاثة الأخيرة في محاولة لحلها.

وإلى جانب الأزمات الثلاث الرئيسية، برزت عقبات أخرى تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية بين القوى السياسية المعنية بالتأليف الحكومي، على نحو زاد الأزمة تعقيدا فوق التعقيد، قبل أن يقود سعد الحريري جولة مشاورات أخيرة عقب انتهاء القمة العربية الاقتصادية التي استضافتها بيروت يوم 20 يناير الماضي، معلنا أن نهاية شهر يناير تمثل الفرصة الأخيرة للانتهاء من تشكيل الحكومة، وإلا سيقوم باتخاذ موقف حاسم إزاء الملف الحكومي.

ولم يكن أمام الرجل إلا 3 خيارات وهي: الانتقال إلى السراي الحكومي، أو الاعتذار من أجل إعادة التكليف، أو الاعتذار ورفض التكليف مجددًا. وهذا الخيار الأخير الذي كان يعني سقوط التسوية السياسية، ودخول لبنان في عزلة عربية ودولية.

كما أن خيار إعادة التكليف يعني خلط الأوراق وقلب الطاولة وتمديد الفراغ ووضع الجميع، وتحديداً المعرقلين، أمام الأمر الواقع، وهو إمّا الالتزام بشروط الحريري أو لا حكومة.

ضغوط اقتصادية

يؤكد المراقبون أن انفراج الأزمة جاء في وقت اعتقد فيه الكثيرون بأن الأفق السياسي الداخلي بات مقفلاً أمام بلوغ هدف تشكيل الحكومة بعد أن سقطت كل الصيغ والمقترحات التي وضعت على طاولة التفاوض.

وأشاروا إلى أن الأطراف اللبنانية تعرضت لضغوط داخلية وخارجية دفعتها للوصول إلى اتفاق من أجل حل الأزمة، لعل أهمها بلوغ الأزمة السياسية مداها الأبعد، وبدء تأثيراتها السلبية على الواقع الاقتصادي والمالي، لاسيما بعد قرار مؤسسة التصنيف الائتماني «موديز» خفّض تصنيف لبنان من B-  إلى CAA1، بسبب استمرار أزمة تشكيل الحكومة وتأثيره على السيولة في لبنان.

وأثار هذا المخاوف لدى المسئولين اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم، ما دفعهم لاستعجال تشكيل الحكومة قبل أن تهب في وجوههم رياح الأزمات الاقتصادية والمالية، وما يستتبعها من حالة فوضى.

وهو ما دفع وزير المالية علي حسن خليل إلى القول بأن تقرير «موديز» يُؤكّد الحاجة إلى الإسراع في تشكّيل الحكومة لإطلاق عملية الإصلاح المالي، بما يساعد لبنان على تخطي أزماته الاقتصادية الراهنة، لافتا إلى أن نسبة النمو في بلاده تراوحت ما بين 1 إلى 1.5% خلال العام الماضي، جراء عدم تشكيل الحكومة الجديدة.

عوامل النجاح

وراء الكواليس كانت هناك مساع ٍ مصرية روسية لمساعدة الأطراف اللبنانية في تسهيل تشكيلة الحكومة الجديدة، وتقريب وجهات النظر بينها، وتحييد التشكيلة الوزارية عن أي صراع إقليمي.

وأكدت مصادر لبنانية لجريدة “العرب” اللندنية أن اتصالات مكثفة قادتها روسيا بتنسيق وتعاون مع مصر لإنهاء أزمة الحكومة اللبنانية، وحث القوى السياسية كافة على تقديم تنازلات لترى التشكيلة الجديدة النور.

وترى صحيفة الجمهورية اللبنانية أن هناك 5 عوامل أساسية ساهمت مجتمعة في ولادة الحكومة الجديدة في هذا التوقيت بالذات. العامل الأول هو اقتناع الوزير جبران باسيل بأنّ عامل الوقت لم يعد يخدم سَعيه في اتجاه انتزاع الثلث المعطّل. والعامل الثاني هو تلويح الحريري بقلب الطاولة واتخاذ خطوات تصعيدية في حال لم يتم تشكيل الحكومة.

أما العامل الثالث فيرتبط بالواقع الاقتصادي الذي وصل إلى حافة الانهيار، والتحذيرات من تأثير ذلك على انهيار الوضع بكامله والدخول في فوضى يصعب التكهُّن بنتائجها. فيما تمثل العامل الرابع في تزايد الضغوط الأمريكية والدولية على إيران وانعكاس ذلك على موقف حزب الله الذي فضّل الإسراع في تشكيل الحكومة تلافيًا لأيّ مفاجآت.

ويتصل العامل الخامس بمخاوف المجتمع الدولي من انهيار لبنان سياسيًا واقتصاديًا في حال عدم تشكيل الحكومة، وهو ما سيؤدي لانفجار أزمة اللاجئين، وتمدّد ساحات النزاع في المنطقة.

 تكريس المحاصصة

جاء التشكيل الحكومي مرضيًا للأطراف السياسية إلى حد كبير، والتي خرجت من معركة التشكيل الحكومي مجتمعة تحت راية “لا غالب ولا مغلوب”، ويرى البعض أن ولادة الحكومة جاء نتيجة توافقات وتفاهمات على الحصص منبثقة عن البرلمان الجديد الذي انتخب على أساس قانون اعتمد النسبية للمرة الأولى بتاريخ لبنان.

واعتبر مصدر قيادي في «التيار الوطني الحر»، أن «أحدًا لم يخرج رابحًا أو خاسرًا من أزمة التشكيل الحكومي»، لافتاً إلى أن «لبنان سيربح حكومة، وبالتالي كل الفرقاء يجب أن يعتبروا أنفسهم رابحين، خاصة أن أحداً لم يخرج مكسورًا».

وتضم الحكومة الجديدة 30 حقيبة وزارية، تقسمت على رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” 11 وزيرًا، “تيار المستقبل” رئيس الوزراء + 5 وزراء، حزب “القوات اللبنانية” 4 وزراء، “حركة أمل” 3 وزراء، “حزب الله” 3 وزراء، “الحزب التقدمي الاشتراكي” وزيران، “تيار المردة” وزير واحد.

وتعكس الحكومة قوة موقع وحجم رئيس الجمهورية، من دون أن ينال ذلك من رئيس الوزراء، والذي حاز بدوره على 5 مقاعد وزارية، في حين تمكنت الثنائية الشيعية وحلفائها من الحصول على الحقائب الوزارية التي تريدها، والتي تمكنها من لعب دور فاعل في القرار الحكومي وفي المسائل الأساسية والكبرى.

وتكرس الحكومة الجديدة المحاصصة السياسية القائمة في لبنان بتركيبتها الطائفية والسياسية المعقدة، وهو ما تشير إليه تركيبة الحكومة الموزعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين على المستوى الطائفي، حيث تضم 6 وزراء من الطائفة السنية، و6 وزراء من الطائفة الشيعية، و6 وزراء من الطائفة المسيحية المارونية، و4 وزراء من الطائفة الأرثوذكسية، و3 وزراء من الطائفة الدرزية و3 وزراء من الطائفة الكاثوليكية، ووزيرين أرمينيين.

وكانت المفاجأة في الحكومة الجديدة بإلغاء 4 وزارات دولة، هي وزارة الدولة لشئون مكافحة الفساد، ووزارة الدولة لشئون التخطيط، ووزارة الدولة لشئون حقوق الإنسان، ووزارة الدولة لشئون المرأة، وفي المقابل تم استحداث 3 وزارات دولة، هي وزارة الدولة لشئون تكنولوجيا المعلومات، ووزارة الدولة لشئون التجارة الخارجية، ووزارة الدولة لشئون التمكين الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة.

وتتميز الحكومة الجديدة بأنها عززت حضور ودور المرأة في الحياة السياسية، حيث ضمت وللمرة الأولى في تاريخ لبنان 4 وزيرات في وزارات أساسية بينها وزارة الداخلية التي تتولاها سيدة لأول مرة، في خطوة نوعية متقدمة عكست أصداء إيجابية محليًا وخارجيًا.

كما تتميز الحكومة بأن أكثر من نصف أعضائها (16 وزيرًا) من الوجوه الوزارية الجديدة الذين يتولون حقائب وزارية للمرة الأولى، كما تضم 9 وزراء من الحكومة المستقيلة، و5 وزراء سابقين.

الدور الإيراني

لعل أبرز الانتقادات التي تم توجيهها إلى الحكومة الجديدة هو مشاركة حزب الله فيها، والدور الذي لعبته إيران في تشكيلها، حتى أن البعض زعم  أن أسماء الوزراء كانت موجودة مع رئيس الحكومة منذ 5 أشهر، لكنه كان يخشى تشكيل الحكومة بدون موافقة إيران التي كانت تريد توصيل رسالة للبنانيين مفادها أنها تمتلك تشكيل الحكومة وتعطيلها.

وأكد مراقبون أن الحكومة اللبنانية الجديدة تم الإعلان عنها بعد موافقة إيران على تمريرها بعد الإعلان عن الآلية الأوروبية التي تسمح لها بالتبادل التجاري بين إيران ودول القارة العجوز وتجاوز العقوبات الأمريكية.

ويرى خبراء أن هناك تشابك بين المصالح الإيرانية والمصالح الشيعية السياسية التي ترى أن المعادلة السياسية والطائفية التي أرساها اتفاق الطائف في لبنان لم تعد تتوافق وحجم الموقع الذي يحتله الشيعة في المعادلة.

وبحسب مراقبين، تمكن حزب الله اللبناني من فرض شروطه في التشكيلة الحكومية الجديدة عبر توزير السني حسن مراد الرافض لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بهدف منع احتكار الحريري للتمثيل السني.

ويعد حسن مراد، من بين مجموعة النواب والوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية اللبناني والتيّار الوطني الحر، لكنه أعلن أنه سيصوّت إلى جانب وزراء حزب الله وحركة أمل عندما يتعلّق الأمر بقضايا مصيرية مطروحة أمام مجلس الوزراء.

قلق أميركي

هذا الدور الإيراني كان مزعجًا فيما يبدو لأطراف كثيرة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ويقول مراقبون إن تشكيل الحكومة تم بضغط أوروبي واضح تمامًا، بالتوافق مع الإيرانيين، وهو ما أزعج أمريكا.

وقال روبرت بلادينو نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “نشعر بالقلق لكون حزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية، سوف يستمر في تولى مناصب وزارية، وقد أجيز له بتسمية وزير الصحة العامة. إننا ندعو الحكومة الجديدة إلى ضمان ألا توفر موارد هذه الوزارات وخدماتها دعما لحزب الله».

إلا أنّ حقيبة الصحة تجعل من الصعب على الجهات المانحة تجنب حزب الله، الذي يخضع للعديد من العقوبات الأمريكية.

لكن مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسليا قال إن “هناك أولويّة مطلقة وقصوى في وزارة الخزانة وفي وزارة الخارجية بتعليمات من الرئيس ترامب أن نراقب كل حركة يقوم بها ليس فقط حزب الله، لكن لبنان ككلّ وسنركز على كل شاردة وواردة في هذا البلد”.

وعبرت واشنطن عن تطلعها لأن تؤيد جميع الأطراف في الحكومة الجديدة سياسة “النأي بالنفس” عن النزاعات الإقليمية والتمسك بالتزاماتها الدولية.

ويخشى كثيرون من أن يؤدي انفجار الصراع بين أمريكا وإيران في لبنان إلى التأثير سلبيًا على الملفات الداخلية. لذا يرى البعض أن من مصلحة لبنان النأي بنفسه عن هذا الصراع، وأن على الفرقاء السياسيين الابتعاد عن أي محاولة لتوظيف هذا الصراع في اللعبة السياسية الداخلية.

مخاوف إسرائيلية

المخاوف امتدت أيضًا إلى إسرائيل، حتى أن موقع “ديبكا” العبري التابع لجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” كشف عن إخفاق كبير ضرب إسرائيل بعد إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

وقال الموقع إن تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة، ونيل حزب الله حصة كبيرة فيها، يؤكدان فشل عملية درع الشمال، ويدلان على فقدان الردع الأمريكي والإسرائيلي أمام إيران. وأوضح الموقع الإسرائيلي أن الدولة اللبنانية قسمت حاليا لـ 4 مراكز قوى رئيسية، يتصدرها الرئيس ميشال عون، الذي يقول الموقع إنه حليف طهران ودمشق وحزب الله.

وأفاد “ديبكا” بأن وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، وصهر الرئيس ميشال عون، يحتل المركز الثاني في قائمة مراكز القوى، وادعى أيضًا أنه من بين المدافعين الكبار عن “حزب الله”. مشيرًا إلى أن قائد الجيش اللبناني الجنرال جوزيف عون يحتل المركز الثالث، معتبرًا أنه من الموالين أيضًا لـ”حزب الله”، فضلًا عن الأمين العام للمنظمة حسن نصر الله، والذي وضعه الموقع في المركز الرابع.

وأضاف أن سعد الحريري ووزراء حكومته لن يمكنهم اتخاذ أي قرار من دون موافقة مراكز القوى المشار إليها.

هذه المخاوف الإسرائيلية عبر عنها أيضًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر أن انضمام حزب الله للحكومة اللبنانية يعني سيطرة إيران على لبنان.

وكان أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، علق على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة قائلاً: “أصبحت في لبنان حكومة جديدة و”حزب الله” جزء منها، ولم يعد هناك ذرائع للسكوت على انتهاكاته وأفعاله”.

وتابع: “ماذا سيكون موقف الحكومة من انتهاكات (حزب الله) لالتزامات لبنان الدولية، خاصة القرار 1701 في جنوب لبنان تحت أغطية مختلفة؟”.

تحديات داخلية وخارجية

تنتظر حكومة الحريري الجديدة تحديات كبرى داخليًا وخارجيًا، إضافة إلى تحديات اقتصادية واجتماعية قاسية، خاصة وأن التأخير في تشكيل الحكومة ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية، وألحق الضرر بصورة لبنان وسمعته الدولية، وشكك المجتمع الدولي في أهلية وجهوزية لبنان لتلقي الدعم والمساندة.

ويرتبط نجاح الحكومة، بحسب المراقبين، في تسيير شؤون اللبنانيين ومواجهة الأزمات التي تلاحقهم من كهرباء وماء وغلاء ونفايات ومحارق وغيرها، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير ومتابعة حثيثة لحل كافة المشاكل المتعلقة بالمواطنين.

كما تواجه الحكومة الجديدة استحقاقات خارجية تتعلق بمواجهة إسرائيل والإرهاب التكفيري والضغوطات الدولية والتطورات الإقليمية، والأحداث الجارية في سوريا التي لها انعكاساتها على الاستقرار في لبنان.

وحول هذا الأمر تقول صحيفة الحياة اللندنية: “تواجه الحكومة مواضيع خلافية رئيسة أبرزها العلاقة مع سوريا بين فريق يدعو للانفتاح على دمشق وآخر يرفض الحوار مع النظام بانتظار الحل السياسي للأزمة السورية، فضلا عن التباعد في الموقف من إعادة النازحين السوريين. كما تواجه تحديات التعاطي مع العقوبات الأمريكية على إيران وسلاح حزب الله”.

لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه هذه الحكومة هو نجاحها في تحقيق الانسجام بين أعضائها، وتجنب المكائد السياسية، حتى تتمكن من حسم أهم ملفين وهما محاربة الفساد وإصلاح الاقتصاد.

ويتفق المسئولون في لبنان على ضرورة مكافحة الفساد في الإدارة اللبنانية، لكن البعض يحصر مشكلة الفساد في الرشوة التي يتلقاها بعض الموظفين، رغم أنها أكبر من ذلك بكثير. فالفساد يتجسد في المجتمع الحكومي من خلال استغلال المنصب من أجل مكاسب غير مشروعة مادية أو معنوية، سواء لصاحب المنصب أو لأقربائه أو لمن يجمعهم به نسب أو عقيدة أو أي صلة ذاتية أو حزبية، أو لمن يرشونه ماديًا أو معنويًا.

ويقول الدكتور مصطفى عليّ الجوزو  في جريدة اللواء الالكترونية إن الطائفية والرأسمالية المتوحشة وضعف الانتماء الوطني وضمور الضمير المدني هي مجتمعة السبب في الفساد المميت في لبنان، ولذلك لا بد من إلغاء الطائفية إلغاءً فعليًا بكل ما يترتب على ذلك من تغيير جذري في القوانين التي تنظم عمل المؤسسات السياسية العامة والخاصة، ومنها نظام الأحزاب والإعلام.  ولا بد بالتالي من ترسيخ المواطنة الحقة، أي النظر إلى الإنسان اللبناني المتمدن، لا إلى الإنسان المنتمي إلى طائفة.

الملف الاقتصادي

تعد الحكومة اللبنانية الجديدة “اقتصادية” بامتياز، لذا سيكون همها الأول هو العمل على حل المشكلات والأزمات الاقتصادية التي عصفت بلبنان خلال الفترة الأخيرة. ويشهد لبنان أزمة اقتصادية شديدة، حيث يعاني من تباطؤ شديد في معدلات النمو، كما تبلغ نسبة الدين العام اللبناني إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 150%.

ومن المتوقع أن تستكمل الحكومة متابعة تنفيذ المشروع الاقتصادي الذي كان قد بدأ العمل به خلال الحكومة السابقة، وواصل الرئيس الحريري وضع خارطة طريق مستقبلية لهذا المشروع مع فريق عمله خلال فترة تكليفه.

وسيشكل الإصلاح المالي حجر الأساس في الملف الاقتصادي، وذلك حتى يمكن الاستفادة من مقررات المؤتمرات الدولية التي عقدت العام الماضي والمخصصة لدعم ومساعدة لبنان، سواء كان مؤتمر «روما» الذي خصص لمساعدة القوى العسكرية والأمنية اللبنانية، ومؤتمر «بروكسل 2» لمساعدة الدول المضيفة للنازحين ومن بينها لبنان، وكذلك مؤتمر «سيدر» الذي عقد عشية إجراء الانتخابات النيابية واستقالة الحكومة الماضية، والذي يعوّل لبنان عليه كثيرًا للخروج من أزمته.

ويعول الاقتصاديون على الحكومة الجديدة للبدء في إجراء حزمة من الإصلاحات الحاسمة في الاقتصاد والهيكل المالي والإداري للدولة، حتى يتسنى للبنان الحصول على المقررات المالية التي تعهدت بها مجموعة الدول المانحة خلال مؤتمر “سيدر”، والذي أسفر عن منح وقروض ميسرة بقيمة 12 مليار دولار تقريبا لصالح لبنان لدعم اقتصاده والبنى التحتية به، شريطة إجراء إصلاحات اقتصادية وهيكلية.

وفور إعلان التشكيل، صعدت سندات لبنان السيادية الدولارية إلى أعلى مرتبة منذ يوليو/تموز 2018. وقالت وكالة التصنيف الائتماني “موديز”، إن تشكيل حكومة جديدة في لبنان إيجابي للتصنيف الائتماني للبلاد، إذ سيساعد في الإفراج عن حزمة دعم دولي قيمتها 11 مليار دولار لمدة خمس سنوات عرضت العام الماضي.

لكن تقرير وكالة التصنيف حذر من أن المخاطر تظل كبيرة في ضوء ضعف النمو الذي سيشكل تحديا لمساعي الحكومة لضبط الأوضاع المالية. وقال إن “الوضع المالي والمركز الخارجي للبنان سيظلان ضعيفين ما استمر غياب ثقة المستثمرين وأثره السلبي على نمو الودائع، وبالتالي يزداد خطر أن تتضمن استجابة الحكومة إعادة هيكلة للدين أو ممارسة أخرى لإدارة الالتزامات قد تنطوي على تخلف عن السداد”.

فيما قال تقرير لمصرف «غولدمان ساكس» الأميركي، إن تشكيل الحكومة كان ضرورياً ولكنه ليس كافيًا، لافتاً إلى أن استعادة الثقة في الوضع المالي اللبناني تتطلب خطوات عملية ملموسة وليس مجرّد خطوة سياسية تأخّرت نحو 9 أشهر.

وقالت نائبة رئيس البنك الدولي والمحللة الرئيسية في «موديز» اليزا باريزي كابون، إن «موديز تتوقع من الحكومة بعض الإصلاحات المالية من أجل الإفراج عن التمويل الخارجي (أموال سيدر)»، لكنها أشارت إلى أن «الاختلالات المالية ستبقى خاضعة لكثير من التحديات طالما أن نمو الودائع يبقى ضعيفاً بسبب عدم اليقين بشأن قدرة الحكومة على فرض الاستقرار الاقتصادي، ما يعني أن تصنيف لبنان سيبقى من الأضعف بين تصنيفات الديون السيادية التي نقوم بها».

فيما قال الكاتب والمحلل اللبناني، جورج علم، إن الحكومة اللبنانية الجديدة قدرها هو العبور من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لأنه في حالة فشلها يعني انهيار لبنان، لافتا إلى أنه خلال الحرب التي شهدتها لبنان ظلت العملة الوطنية ثابتة أما الآن تواجه الليرة اللبنانية الخطر.

وأضاف علم أن العمود الفقري للمجتمع اللبناني هي العملة الوطنية، ومع انهيار الليرة سينهار السقف على الجميع، مؤكداً أن قدر تلك الحكومة الجديدة هو أن تحمي الليرة اللبنانية، مشيرا إلى أن هناك دولاً أبدت استعدادها لتقديم الدعم للدولة اللبنانية.

تفاؤل وتشاؤم

في صحيفة اللواء اللبنانية، عبّرت نادين سلام عن تفاؤلها بالحكومة الجديدة، قائلة إن تشكيل الحكومة يُمثّل “بارقة أمل ولو كان معظم اللبنانيين على يقين بأن الإنجازات المتوقعة ليست بالكبيرة”. فيما يقول شارل أيوب في صحيفة الديار اللبنانية إن تشكيل الحكومة أعطى أملاً للبنانيين بأن مرحلة جديدة ستكون جدية ومزدهرة على الصعيد اللبناني.

في المقابل، عبّر البعض عن تشاؤمه وخيبة أمله، فتحت عنوان “لا ثقة”، كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية تقول: “لا داعي لانتظار 100 يوم للحكم على الحكومة الجديدة. فإن فترة السماح هذه التي تُمنح للسلطة استَهلكت منها الحكومة الحالية أكثر من 240 يوماً! وسيُضاف إليها نحو شهر للبيان الوزاري ونيل الثقة. أي أكثر من 270 يوماً لإنجاز ما كان ينبغي إنجازه بأسبوعين على الأكثر”.

كما كتب ناصر قنديل في البناء اللبنانية: “اللبنانيون يريدون أن يأملوا خيراً من الحكومة، وأن يُقال لهم إنها ستُطلِق العجلة الاقتصادية وربما تنجح في حل مشاكل الكهرباء والنفايات، وستستفيد من الأموال التي ستضخها القروض لتحريك مشاريع مجدية تخلق المزيد من فرص العمل وتمنح المزيد من الآمال، لكن التجارب المشابهة منذ ثلاثة عقود تقول العكس، وبقوة. فهل سنشهد تغييراً؟”

لكن بصفة عامة يمكن القول إن الأجواء في لبنان بدت مرتاحة بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة، وطغى الطابع الايجابي على الساحة السياسية والاقتصادية والمالية داخليًا وخارجيًا. وقد عبر رئيس الوزراء سعد الحريري عن تفاؤله بمستقبل الحكومة الجديدة وقدرتها على مواجهة التحديات، ودعا الجميع إلى التضامن والتكاتف والعمل بصورة سريعة وناجزة لتنفيذ مشاريع الإصلاح والنهوض بالبلاد.

وشدد الحريري على أن لبنان أمام تحديات مالية واقتصادية واجتماعية وإدارية وخدمية، بالإضافة إلى التحديات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وعلى المناطق الحدودية للبلاد، إلى جانب التهديدات الإسرائيلية بحق لبنان، مشيرا إلى أن كافة هذه التحديات تقتضي بالضرورة التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري كشرط واجب “لنكون بمستوى التحديات وتنجح الحكومة في تجاوز هذه المرحلة”.

وقال الحريري إن “زمن العلاج بالمسكنات انتهى والأمور واضحة وضوح الشمس، فأسباب الإهدار والفساد والخلل الإداري معروفة، وعلى اللبنانيين أن يعلموا أن الحل لا يكون بالتنظير أو الخطوات الشعبوية، وإنما ببرنامج واضح، ومبادرات وإصلاحات جريئة، وورشة تشريع وتطوير للقوانين لا تتحمل التأخير أو المساومة، حتى يمكن حماية اقتصاد لبنان وحقوق الناس”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى