تقارير

كابوس لأنصاره وأمل لخصومه.. هل سيتم عزل ترامب؟

كتب ـ أحمد الغـر

جدلٌ لا يتوقف بشأن عزل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، خاصةً وأنّ هذا الأمر لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة سوى لرئيسين فقط من قبل.

وقد بدأ الحديث عن عزل ترامب لأول مرة مع الكشف عن اشتباه تدخل الروس في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016م، ومازال الجدل مستمرًا في ظل الحديث عن الضغوط التي مارسها ترامب على حكومة أجنبية للتحقيق في شأن نجل منافسه المحتمل في انتخابات الرئاسة المقبلة له.

الديمقراطيون، لم يفوتوا الفرصة للبدء في إجراءات عزل رسمية ضد ترامب، وهى المساعي التي وصفها ترامب في مؤتمر صحفي بنيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها “نكتة”.

لكن هل يمكن عزل ترامب فعلًا؟، وأي تداعيات سياسية لهذه الخطوة؟، وكيف سيتعامل ترامب وإدارته مع الأزمة؟، وما هي السيناريوهات المتوقعة في حال إتمام العزل أو فشله؟، وهل يمكن أن تطال نيران العزل الديمقراطيين أيضًا؟

بداية الأزمة

تعود أصول الأزمة إلى اتصال هاتفي جرى في 25 يوليو الماضي، طلب خلاله الرئيس “دونالد ترامب” من الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” على ما يبدو التحقيق في قضية تخص هانتر ابن “جو بايدن”، نائب الرئيس الأمريكي السابق، والذي يبدو الأوفر حظًا لمنافسته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الفضيحة الجديدة دفعت الديمقراطيين، الذين يشكلون أغلبية في مجلس النواب، إلى فتح تحقيق برلماني بهدف عزل ترامب، خاصةً وأنه قد استغل مساعدات عسكرية لأوكرانيا تبلغ قيمتها 400 مليون دولار لممارسة ذلك الضغط.

نص المكالمة

الأربعاء الماضي، نشر البيت الأبيض محتوى المكالمة الهاتفية التي دارت بين ترامب وزيلينسكي، وأظهر مضمون المكالمة أن ترامب طلب فعلاً من زيلينسكي التحقيق بشأن خصمه جو بايدن، وطلب ترامب من زيلينسكي التعاون مع النائب العام لمعرفة المزيد عن نجل نائب الرئيس الأمريكي السابق، دون التطرق بالحديث إلى المقابل المادي.

مضمون المكالمة مؤلف من 5 صفحات، وهو عبارة عن ملخص للمكالمة، وليس نصًا تفصيليًا لها، وقال ترامب لزيلينسكي في المكالمة: “ثمة حديث كثير عن نجل بايدن وعن أن بايدن أوقف التحقيق، ويريد أناس كثيرون أن يعرفوا المزيد عن هذا الموضوع، لذلك فإن أي شيء ممكن أن تفعلوه مع النائب العام سيكون رائعًا”.

وفي هذا السياق، اعتبر النائب “آدم شيف”، وهو أحد قادة الديمقراطيين، أنه “كما لو أن زعيم مافيا يتحدث”، مضيفًا: “ماذا قدمتم لنا؟، قدمنا الكثير لكم، لكننا لم نر في المقابل ما يكفي، أريد أن أطلب منك أن تسدي لي خدمة”.

بدء إجراءات العزل

أعلنت رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية “نانسي بيلوسي”، عن فتح تحقيق رسمي بهدف عزل ترامب، نظرًا للاشتباه في انتهاكه الدستور، عبر السعي للحصول على مساعدة دولة أجنبية لإيذاء خصمه الديمقراطي “جو بايدن”.

وقالت بيلوسي إنّ “تصرّفات رئاسة ترامب كشفت عن الحقائق المشينة لخيانة الرئيس لقسمه وخيانته لأمننا القومي وخيانته لنزاهة انتخاباتنا”، مضيفة: “لذلك، أعلن اليوم أنّ مجلس النواب يفتح تحقيقًا رسميًا لعزل الرئيس”.

وعلى الصعيد العملي؛ فقد طلبت بيلوسي من اللجان النيابية الستّ، التي تجري أصلًا تحقيقات بشأن الرئيس ترامب، أن تضع نفسها في إطار هذا الإجراء، ويعني ذلك أنّه في حال جمعت هذه اللجان أدلّة كافية، فسيكون بإمكانهم توجيه لائحة اتّهام إلى الرئيس، ومن ثمَّ يتم طرحها في جلسة عامة للتصويت عليها من قبل مجلس النواب.

رد فعل ترامب

من جهته، أكد الرئيس دونالد ترامب أنه لم يمارس أي ضغط على أوكرانيا، وصرح للصحفيين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام قليلة: “لم يحصل أي ضغط مطلقًا”، مضيفًا: “لقد كانت رسالة ودية، ولم يكن هناك أي ضغط”.

وأدان ترامب ما وصفه بـ “أكبر حملة مطاردة في تاريخ أمريكا”، قائلًا: “هذا عار”، كما سخّف إقدام الديمقراطيين على فتح تحقيق رسمي في الكونجرس بهدف عزله من منصبه، وقال: “عزلٌ من أجل هذا؟، إنها نكتة!”.

ولم يفوّت ترامب الفرصة لشنّ هجومًا مضادًا على خصومه الديمقراطيين، مطالبًا بأن تكون هناك شفافية أيضا بشأن “جو بايدن” وابنه هانتر، فيما يتعلّق “بملايين الدولارات التي تم إخراجها بسرعة وسهولة من أوكرانيا ومن الصين، عندما كان بايدن نائبًا للرئيس”.

وطالب ترامب أيضا بـ”الشفافية من جانب الديمقراطيين الذين ذهبوا إلى أوكرانيا، وحاولوا إجبار رئيسها فولوديمير زيلينسكي على فعل أشياء، باستخدام تهديدات”.

من هو المُبَلّغ؟

مازال الغموض يلف هوية ومنصب من قام بتقديم البلاغ الذي تسبب في إطلاق إجراءات عزل ترامب، بعد مكالمته الهاتفية مع نظيره الأوكراني. بعض وسائل الإعلام ذكرت أنه محلل في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) وقد انتُدِبَ لفترة إلى البيت الأبيض.

فيما جرى الحديث عن أنه قد خضع لتدريب في تحليل المعلومات، وكان يعرف بدقة تفاصيل السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة بأوروبا، ويمتلك فهمًا جيدًا للسياسة المتعلقة بأوكرانيا.

لكن أحد محاميه رفض تأكيد انتماء موكله إلى وكالة الاستخبارات المركزية، ودان نشر معلومات خطيرة عن موكله، الذي وصفه الديمقراطيون بالبطل، فيما يعتبره أنصار ترامب خائنًا.

مدير الاستخبارات الوطنية “جوزف ماغواير” خلال جلسة استماع في الكونجرس، الخميس الماضي، قال: “لا أعرف من هو المبلّغ”، مؤكدا أنه “فعل ما بوسعه لحماية هويته”، وحاليًا بالفعل لا أحد يعرف اسم المُبلّغ سوى محاميه والمفتش العام للاستخبارات الوطنية الذي تلقى أول تبليغ بالأمر، وقد تم إتباع إجراءات تؤمن أكبر قدر من الحماية القانونية للمُبلّغ من أي إجراءات انتقامية.

هل سيتضرر بايدن؟

عندما كان “جو بايدن” يشغل منصب نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مارس مع عدد من القادة الغربيين ضغطًا على أوكرانيا للتخلص من النائب العام الأوكراني “فيكتور شوكين”، باعتبار أنه لم يكن شديدًا بما يكفي ضد الفساد.

لكن في ظل ورود اسم ابنه “هانتر” في قضية فساد هناك، حيث عمل هانتر مع مجموعة أوكرانية لإنتاج الغاز اعتبارًا من 2014م، فقد عمد ترامب إلى محاولة استغلال هذه الثغرة كورقة ضغط يشوه بها صورة خصمه المحتمل في انتخابات الرئاسة 2020.

فريق الحملة الانتخابية لـ “جو بايدن” قالوا في تصريحات صحفية إن بايدن سيدعو ترامب إلى التعاون مع كل الطلبات القانونية العالقة والمتّصلة بالحصول على معلومات، بشأن مسألة أوكرانيا والتحقيقات الأخرى.

لكن على الجهة الأخرى، فقد اعتبر رئيس وزراء أوكرانيا السابق “ميكولا أزاروف” في مقابلة صحفية أنّ على بلاده التحقيق في أنشطة هانتر، ابن جو بايدن، لمعرفة ما إذا كان دوره في شركة غاز أوكرانية يتفق مع قوانين البلاد أم لا، وهو ما يعني أن موقف جو بايدن ليس آمن تمامًا، وأنه ليس بمعزل عن إعصار الأزمة الراهنة.

هل يمكن أن ينتصر ترامب؟

الثلاثاء الماضي، سارع ترامب إلى القول بأنه سيستفيد من إجراءات العزل في معركته الانتخابية في نوفمبر 2020م، إذ يعتبر فريق حملة ترامب أن الديمقراطيين الذين كانوا يسعون لتهدئة قاعدتهم اليسارية والمتطرفة والغاضبة، سيدفعون نحو حالة من الاستقطاب داخل قاعدة الجمهوريين، ليمنحوا بذلك ترامب فوزًا ساحقًا.

يراهن ترامب على قاعدته الشعبوية الوفية والمخلصة له، لكن المشكلة تكمن في أن هذه القاعدة تبقى محدودة، ولم يتمكن ترامب من تعزيزها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، كما أنه قد فاز عام 2016م بفارق بسيط لم يتجاوز عشرات الآلاف من الأصوات.

كما أن إجراءات العزل لا تحظى بشعبية ضخمة بين الأمريكيين، ويُضاف إلى ذلك أن مجلس الشيوخ يتميز بأكثريته الجمهورية، ولن تتخلى هذه الغالبية على الأرجح عن ترامب، إذ لابدّ لأي تصويت على عزل الرئيس أن يحصل على أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ كي يتم بالفعل عزل الرئيس، وهو أمر لم يسبق حصوله في تاريخ الولايات المتحدة.

فشل عرقلة التصويت

في هذه الأثناء؛ فقد رفض مجلس النواب مشروع قانون، تقدم به النائب كيفن مكارثي زعيم الجمهوريين في المجلس، يمنع التحقيق الرسمي الخاص ببدء إجراءات مساءلة الرئيس ترامب تمهيدًا لعزله.

ورفض مشروع القانون، 222 نائبًا مقابل 184، واكتسى التصويت طابعًا حزبيًا بشكل كبير، ويبرز مشروع القانون ونتيجة التصويت عليه، مدى الانقسام العميق بين الحزبين في مجلس النواب.

هستيريا الديمقراطيين 

 

ندد البيت الأبيض بما اعتبره “هستيريا الديمقراطيين”، عقب الإعلان عن سعي الكونجرس إلى عزل ترامب، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض “ستيفاني غريشام”: “لم يتغير شيء مع نشر هذه الوثيقة التي لا تعدو كونها تجميعًا لروايات مختلقة ومقالات صحافية”.

وأضافت: “البيت الأبيض سيواصل رفض الهستيريا والتفسيرات الخاطئة التي يروج لها الديمقراطيون والعديد من وسائل الإعلام”.

من جهة أخرى؛ فقد قال الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، إن محادثته التي أجراها مع الرئيس ترامب لا ينبغي نشرها علنًا، كما قلل من تحقيق أوكرانيا بشأن المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن.

وقال زيلينسكي للصحفيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: “أعتقد أن مثل هذه الأشياء، مثل هذه المحادثات بين رؤساء الدول المستقلة، يجب ألا تنشر”، لكنه قال أيضًا إنه لا يخشى مما نشر.

بومبيو ومستندات أوكرانيا

في نفس السياق؛ طالب الديمقراطيون بالكونجرس وزير الخارجية “مايك بومبيو” بتقديم المستندات الخاصة بالقضية تحت التهديد بالعقوبة، وجاء في خطاب لرؤساء 3 لجان، وهى لجنة الشؤون الخارجية والمخابرات والرقابة، وجهوه إلى بومبيو إن هذه المستندات ستكون جزءا من المستندات التي تتعلق بإجراءات عزل ترامب إذا اقتضى الأمر ذلك.

وانتقد رؤساء اللجان تجاهل بومبيو لأجلين سابقين تم تحديدهما له في ذلك من دون أن يقدم تلك المستندات، كما دعا رؤساء اللجان في خطاب آخر إلى بومبيو خمسة من العاملين الآخرين بوزارة الخارجية للمثول أمامهم.

وجاء في الخطاب أيضًا أن اللجان الثلاث ستبحث “إلى أي مدى تسبب الرئيس ترامب في تهديد الأمن القومي عندما دعا لإقحام أوكرانيا في انتخاباتنا عام 2020”.

ماذا يحمل المستقبل؟

في 5 صفحات احتوت على خلاصة مكالمة هاتفية بين ترامب وزيلينسكي، حصل الديمقراطيون على الحجج والأدلة لمحاسبة ترامب على انتهاكاته المتراكمة للدستور، ووجدوا فيها ما لم يجدوه في أكثر من 400 صفحة وضعها المحقق “روبرت ميلر” في الربيع الماضي بشأن التدخل الروسي في الانتخابات.

هل عثر الحزب الديمقراطي على ضالته في تلك المكالمة؟، هل ستكون هذه هي الكبوة التي ستهدم طموح ترامب وتنهي مستقبله السياسي؟، أم أنها ستمرّ وتنتهي مثلما مرّت غيرها من الأزمات؟، وإذا نجح الديمقراطيون في تمرير إجراءات العزل في مجلس النواب الذي يسيطرون عليه، فماذا سيفعلون في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية؟.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى