تقارير

السلطان قابوس.. حكيم عُمان الذي أبعدها عن الصراعات لمدة نصف قرن

أحمد الطلياني

بعد مسيرة حافلة امتدت لـ50 عامًا في حكم سلطنة عُمان، توفي السلطان قابوس بن سعيد، مساء الجمعة، عن عمر ناهز 79 عامًا، قاد خلالها بلاده إلى نهضة شامخة، ونأى بها عن أي صراعات في منطقة الشرق الأوسط، وجعلها محورًا رئيسيًا في فض نزاعات إقليمية ودولية.

قابوس الملقب بصانع مجد ونهضة عُمان، عرف بـ”صديق الجميع” حيث حافظ على علاقة متزنة للسلطنة بدول المنطقة والعالم بفضل الدبلوماسية التي انتهجها منذ توليه الحكم في 23 من شهر يوليو عام 1970 خلفا لوالده.

حياته

ولد السلطان قابوس في مدينة صلالة بمحافظة ظفار في 18 نوفمبر عام 1940، وكان الابن الوحيد للسلطان سعيد بن تيمور بن فيصل آل سعيد، وهو السلطان الثامن لعُمان في التسلسل المباشر لأسرة آل بوسعيد التي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد في العام 1741.

بدأ  قابوس أولى مراحل تعليمه في عمان ومن ثم التحق بأكاديمية “ساند هيرست” الملكية العسكرية البريطانية في العام 1960، وتخرج منها بعد سنتين برتبة ملازم ثان.

وانضم بعدها  إلى إحدى كتائب المشاة البريطانية العاملة آنذاك في ألمانيا الغربية، حيث أمضى 6 أشهر كمتدرب في فن القيادة.

وبعد إكماله العلوم العسكرية ضمن الوحدة التحق بدراسة نظم الحكم المحلي وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة.

وعاد إلى مسقط في عام 1964 وتعمّق في دراسة علوم الشريعة الإسلامية وحضارة وتاريخ السلطنة.

وتولى السلطان قابوس الحكم عام 1970، وتقلد بحكم دستور البلاد أغلب المناصب في عُمان فقد كان رئيسًا للوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة، كما احتفظ بحقيبة الدفاع والمالية ومنصب محافظ البنك المركزي.

وحصل السلطان قابوس خلال مسيرته على العديد من الأوسمة العربية والدولية، منها جائزة السلام الدولية من قبل 33 جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أمريكية في عام 1998، وجائزة السلام من قبل الجمعية الدولية الروسية في عام 2007، وجائزة جواهر لآل نهرو للتفاهم الدولي من الهند في العام نفسه.

ومن الأوسمة التي تقلّدها السلطان قابوس أيضا وسام الملك عبد العزيز آل سعود في 1971، وقلادة مبارك الكبير في الكويت 2009. وعرف عن قابوس، صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب، حبه للفروسية.

السلطان الجديد

البلاط السلطاني العماني أعلن الحداد في البلاد وتعطيل العمل الرسمي للقطاعين العام والخاص لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام لمدة 40 يومًا، حزنًا على رحيل قابوس.

وبث التلفزيون العماني صورا لموكب الجنازة على طريق يحده النخيل، ثم نُقل النعش ملفوفا بالعلم العماني إلى جامع السلطان قابوس الكبير بالعاصمة مسقط حيث أقيمت صلاة الجنازة.

وتولى  هيثم بن طارق آل سعيد مقاليد الحكم اليوم وهو ابن عم السلطان الراحل قابوس إذ أن الأخير ليس له أولاد.

وجاء تعيين هيثم بن طارق بعدما دعا مجلس الدفاع الأعلى في السلطنة مجلس العائلة المالكة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم في البلاد.

وعقدت جلسة فتح وصية السلطان قابوس، بحضور عدد من كبار المسؤولين وأفراد العائلة المالكة، ونصت على تسمية هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، سلطانا لعُمان.

وتولى السلطان هيثم العديد من المناصب في عُمان، أبرزها  رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية “عمان 2040” ثم وزيرا للتراث والثقافة منذ فبراير 2002، كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية ومنها الأمين العام، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية ووزير مفوض.

“دولة سلام”

واتبع قابوس طوال فتره حكمه التي استمرت 50 عاما سياسة خارجية قائمة على الحوار والنأي بالنفس عن النزاعات.

وقام قابوس بفتح آفاق التعاون  للسلطنة مع مختلف الدول وفق أسس من الاحترام المتبادل ومد جسور الصداقة للبلد الذي كان محدود العلاقات مع محيطه قبل تولي قابوس.

واعتمد أحد مؤسسي مجلس التعاون الخليجي عام 1981، على أن عمان “دولة سلام” تسعى إليه، وتعمل من أجل تحقيقه مما جعل الدبلوماسية العمانية تحظى بثقة وتقدير كبيرين.

وأصبحت  مسقط مقصداً للعديد من قيادات المنطقة والعالم للتشاور وتبادل الرأي مع السلطان قابوس، واحتضنت جهوداً عدة معلنة وغير معلنة للعمل على تقريب المواقف وتجاوز الخلافات بين الأطراف المعنية بمشكلات عدة إقليمية وعربية ودولية.

الحياد والوساطة “السرية”

اتخذت سلطنة عمان في عهد قابوس موقفا محايدا في الشرق الأوسط، إذ تحتفظ بعلاقات متوازنة مع جارتيها السعودية وإيران اللتين تتنافسان على النفوذ في المنطقة.

كما  تحتفظ السلطنة بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة وإيران وساعدت في التوسط في محادثات سرية بين البلدين عام 2013 أدت بعد ذلك بعامين إلى الاتفاقية النووية الدولية التي انسحبت منها واشنطن في 2018.

مسقط لم تنحز أيضا لأي طرف في الخلاف الخليجي الذي شهد مقاطعة السعودية وحلفائها لقطر منذ منتصف عام 2017، كما لم تنضم للتحالف العسكري بقيادة السعودية الذي تدخل في اليمن لمواجهة جماعة الحوثيين. وأعادت مسقط العام الماضي العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

إنجازات السلطان الدبلوماسي

وشهدت السلطنة على مدار نصف قرن نقلة نوعية وكمية، تنموية وحضارية في كل مجالات الحياة من أجل بناء الدولة العمانية العصرية.

وعمل قابوس على إقامة إصلاحات كبيرة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية.

واهتم السلطان الراحل منذ توليه الحكم  بتنفيذ مشاريع تنموية عديدة لرفع مستوى المعيشة حيث ركز على إنشاء المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الضرورية.

وأنشأ أول دار للأوبرا في منطقة الخليج العربي وتعرف اليوم بـ”دار الأوبرا السلطانية العمانية” في مسقط. وأنشأ أيضا  موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية.

ودعم مشروعات تحفيظ القرآن الكريم سواء في السلطنة أو عدد من الدول العربية، بالإضافة إلى جائزة السلطان قابوس لصون البيئة التي تقدم كل عامين من خلال منظمة اليونيسكو.

ومع رحيل قابوس الذي قالت عنه “ديلى ميل” البريطانية إنه تمكن خلال فترة حكمه من توجيه دفة السلطنة نحو الحداثة، هل يتمكن هيثم بن طارق، السلطان الجديد، من الحفاظ على نفس الخط الدبلوماسي الذي ميز شخصية عمان؟

وهل يسير على طريق الإصلاح الذي تمكن من خلاله السلطان الراحل من تحويل عُمان من موطن لثلاث مدارس فقط إلى دولة معروفة كوجهة سياحية مميزة ومحور رئيسي في الشرق الأوسط ؟

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى