تقارير

عهد جديد لصاحبة الجلالة.. قراءة في أول كتاب حول صحافة الذكاء الاصطناعي

د. محمد عبد الظاهر يطرح أهم ملامح ثورة الإعلام القادمة ومهارات المستقبل

علي البلهاسي

تحت عنوان “صحافة الذكاء الاصطناعي، الثورة الصناعية الرابعة وإعادة هيكلة الإعلام”، صدر مؤخرًا في الإمارات العربية المتحدة ومصر أول كتاب حول صحافة الذكاء الاصطناعي، للأكاديمي والإعلامي المصري الدكتور محمد عبد الظاهر، وذلك في نسختين منفصلتين باللغتين العربية والإنجليزية، والكتاب صادر عن مؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف بدولة الإمارات، ودار بدائل للنشر والتوزيع بالقاهرة.

ومؤلف الكتاب، الدكتور محمد عبد الظاهر، هو صحفي مصري متخصص، يمتلك أكثر من 19 عامًا من الخبرة في مجال العمل الإعلامي بمؤسسات صحفية كبرى مثل هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، والأمم المتحدة، ومؤسسة تومسون رويترز، كما أنه باحث أكاديمي متخصص أيضًا وحاصل على الدكتوراه في مجال الإعلام وتطبيقات الهواتف الذكية.

مفاهيم جديدة

كان عبد الظاهر قد تبنى منذ نهاية العام الماضي 2018 المفهوم الجديد “صحافة الذكاء الاصطناعي” (AI Journalism)، أو Artificial Intelligence Journalism، وقام بطرح هذا المفهوم في العديد من المقالات والأبحاث والمؤتمرات العلمية؛ إلى أن قرر أن يضع ذلك كله في مؤلفٍ واحدٍ يصيغ فيه ملامح حقبة “صحافة الذكاء الاصطناعي“.

وبالإضافة إلى مفهوم “صحافة الذكاء الاصطناعي” طرح المؤلف في كتابه عدة مفاهيم جديدة في الإعلام ومنها: “مفهوم التسويق الروبوتي بديلا عن ” التسويق الرقمي”، وطرح أيضًا قائمة بأفضل 10 مؤسسات إعلامية عالمية ستقود صحافة الذكاء الاصطناعي حول العالم خلال العقد القادم.

حقبة مختلفة

وتناول عبد الظاهر في الكتاب أهم ملامح الحقبة الجديدة من الإعلام، ومفهوم صحافة الذكاء الاصطناعي، والفرق بينها وبين “صحافة الروبوت“.

كما استعرض ملامح صحافة الذكاء الاصطناعي (AI Journalism)، وما أسماها بثورة الإعلام القادمة، وأيضًا صحافة الذكاء الاصطناعي ودورها في تحليل والبيانات الضخمة، وتعزيز صحافة البيانات عالميًا، وكيف يمكن لصحافة الذكاء الاصطناعي أن تخدم الإنسانية، وأن تساهم في تُعزز الشراكة العالمية للتنمية المستدامة.

وذكر أول كتاب حول صحافة الذكاء الاصطناعي أيضا دور صحافة الذكاء الاصطناعي في وضع قيود جديدة على حرية الإعلام، وفي نفس الوقت كيف يمكن أن تضمن تدفقًا عادلا للمعلومات والبيانات حول العالم.

محاور هامة

وفي هذا الإطار تضمن الكتاب العديد من المحاور الهامة من بينها: مفهوم الثورة الصناعية الرابعة ومهارات المستقبل، وكيف يمكن أن تُشكل تلك الثورة الخريطة المهنية للعالم، ومن هم الرابحون والخاسرون من تلك الثورة التكنولوجية الجديدة.

كما تضمن كذلك دور تقنيات الذكاء الاصطناعي في تدعيم القوى العاملة البشرية وتشكيل مهارات المستقبل، وعرض المؤلف أيضًا مبحثًا مفصلا حول أهمية وجود تشريعات ضابطة للذكاء الاصطناعي، لضبط كافة التقنيات الحديثة في هذا الشأن.

تقنيات الثورة الرابعة

الإعلامي والأكاديمي المصري الدكتور محمد عبد الظاهر تحدث كثيرًا حول أن الثورة الصناعية الرابعة سوف تُتيحُ تقنيات جديدة لوسائل الإعلام مثل إنترنت الأشياء، والواقع المعزز، والبلوك تشين، والذكاء الاصطناعي، إلى جانب الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوت، والتي سوف يكون لها تأثيرًا كبيرًا على صناعة الإعلام خلال العقدين القادمين. وستشهد انطلاق صحافة الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence Journalism.

نهاية صحافة المواطن

ونوه عبد الظاهر إلى تطور صناعة الإعلام منذ حقبة ما قبل الثورة الصناعية الأولى، وصولاً للتقدم الكبير في صناعة الإعلام مع الثورة الصناعية الثالثة والاعتماد على الحاسب والإنترنت، وما تلا ذلك من ظهور لما يعرف بـ “صحافة المواطن”، حيث أصبح لكل فرد القدرة على نقل الخبر بصورة حية ومباشرة وقت حدوثه.

وقال عبد الظاهر إن ”حقبة صحافة المواطن أوشكت على الانتهاء، وأن العالم الآن يتجه إلى صحافة جديدة وهي “صحافة الذكاء الاصطناعي” “AI Journalism، وهو مصطلح لم يتطرق له الكثيرون، ويتواكب مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.

بداية صحافة الذكاء الاصطناعي

وأوضح أن مصطلح “صحافة الذكاء الاصطناعي” يعني أن تسعى الصحافة ووسائل الإعلام إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة على أكمل وجه من حيث الاعتماد على أحدث الأقمار الاصطناعية التي تخترق سرعة الإنترنت فيها إلى ما بعد ألف ميجابايت، واستعمال كاميرات تصويرD 3 بصورة فائقة وأوضح وأشمل من رؤية العين المجردة، علاوة على آلاف الروبوت الذين يغطون الأحداث في الأماكن الأكثر خطورة، والتي يصعب على الإنسان الوصول إليها مثل مناطق الحروب، الحرائق، قاع البحار، في الفضاء، فوق ناطحات السحاب.

وأضاف عبد الظاهر: غدًا سوف نجد نشرات إخبارية تُدار بشكل كامل بدون تدخل بشري، حيث يقوم الروبوت بنقل الحدث، وهو من يصور باستعمال أحدث تقنيات نقل الصوت والصورة، وهو من يحاور في الأستوديو، يُقدم ويُحلل، ويكتب عناوين إخبارية على الشاشات، بل ويعلق كمترجم فوري على الضيوف بلغات مختلفة، ويختار روبوت آخر الفواصل الموسيقية بعناية فائقة. وقلما تجد إنسان يظهر على الشاشة إلا لبعض المهام المحدودة، وكضيف شرف وسط عدد من الروبوت، وهذه هي” صحافة الذكاء الاصطناعي “AI Journalism.”

وكأحد أوجه “صحافة الذكاء الاصطناعي“، بدأت وكالة رويترز للأخبار بالفعل أولى الخطوات في تمكين تقنيات الذكاء الاصطناعي من أداء مهام معينة في صناعة الخبر، فقد تم بناء “غرفة الأخبار الإلكترونية” تسمى “ Lynx Insight” حيث يتم الاعتماد عليه من قبل الصحفيين في تنظيم الأخبار وجمعها من مصادر الإنترنت، واقتراح الأفكار، وتحليل البيانات، وحتى كتابة جمل كاملة إذا لزم الأمر.

ثورة إعلامية جديدة

وأكد د. عبد الظاهر أن ”صحافة الذكاء الاصطناعي AI Journalism “سوف تخلق ثورة جديدة في صناعة الإعلام، حيث لا حدود جغرافية، ولا قانونية، ولا قيود تضعها الحكومات على حرية نقل الخبر، أو الوصول إلى المعلومات، المنافسة قوية للغاية، والرابح في السباق من يقتنص تلك الفرص ويستحوذ على أحدث التقنيات الحديثة ويقوم بدمجها في صناعة الإعلام. وللأسف سوف تتحول دول العالم الثالث إلى سوق مخترقة من كافة تلك القنوات والتقنيات الحديثة وصولا لمعلومات سيادية من قبل وسائل الإعلام وصحافة الذكاء الاصطناعي.”

ونوه إلى أن في ظلها لا مجال لقمع ثورات الشعوب، أو إخفاء الحقائق بشأن الكوارث والحوادث في بعض الدول، فهناك أقمار صناعية وجحافل إعلامية “روبوت” جاهزة في أي وقت، لكي تصل لأي مكان، وستكون هناك على سبيل المثال تقارير صحفية حية من روبوت طائر “ضد الاشتعال ” ينقل مباشرة من داخل حرائق الغابات في كاليفورنيا، وآخر من قاع أحد المحيطات، حيث أعمال التنظيف مستمرة لآلاف الأطنان من النفايات البلاستيكية.

أيضًا ستكون أخبار صحافة الذكاء الاصطناعي أسرع عشرات المرات من وسائل التواصل الاجتماعي، وستكون أكثر دقة وأكثر تفصيلًا في نقل الأحداث، هكذا يبدو جليًا مصطلح “صحافة الذكاء الاصطناعي AI Journalism“.

وشدد عبد الظاهر على أن ”صحافة الذكاء الاصطناعي AI Journalism “ هي مستقبل الإعلام، ويجب أن تعي دول العالم الدور الذي يمكن أن تقوم به الثورة الصناعية الرابعة في تمكين الذكاء الاصطناعي من تلك الصناعة.

مواجهة الأخبار الزائفة

ونوه إلى أنه الآن وبعد الثورة الصناعية الرابعة، أصبح هناك العديد من الأدوات التي يمكن استخدامها لتوسيع نطاق صناعة الأخبار الزائفة، التي سوف تكون متاحة للاعبين الكبار، لكسب المزيد من المال والوصول إلى أهدافهم.

وفي الوقت نفسه، يمكن لصحافة الذكاء الاصطناعي خلق أدوات قوية جدًا للتحكم في تلك الأنواع من الأخبار، ومراقبة مصداقية المحتوى في ووسائل الإعلام المختلفة، وأن تكون بمثابة حائط صد في مواجهة الأخبار الزائفة.

وأكد د. عبد الظاهر أهمية أن تستخدم منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر أدوات صحافة الذكاء الاصطناعي، للمساهمة في نشر المحتوى الصحيح، ومحاربة الأخبار الزائفة التي ستؤثر سلبًا على مصداقية وسائل الإعلام العالمية، خاصة عندما يعتمد صانعو الأخبار الزائفة على أسماء كبيرة لنشر المحتوى المضلل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح أن بعض الباحثين قد لا يعتبر فيسبوك وتوتير من وسائل الإنتاج الإعلامي مثل وسائل الإعلام التقليدية، رغم أنهما يساعدان على نشر وإعادة نشر الملايين من الأخبار اليومية، واستهداف أكثر من 2.5 مليار مستخدم نشط في جميع أنحاء العالم بأكثر من 20 لغة.

وفي جميع أنحاء العالم، هناك أكثر من 2.38 مليار مستخدم نشط شهريًا حتى 31 مارس 2019، وإضافة إلى ذلك بلغ عدد مستخدمي تويتر النشطين شهريًا 330 مليون مستخدم في الربع الأول من عام 2019.

لذا فمن المهم أن تستخدم هذه المنصات أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأخبار الزائفة، حيث يمكن لصحافة الذكاء الاصطناعي استخدام آلاف من “الروبوت” لعمل تحليل للمعلومات والبيانات اليومية للتأكد من مصداقيتها لمواجهة نشر الأخبار الزائفة، هذا إضافة إلى استعمال تقنيات “بلوكتشين” في رصد ومتابعة مصادر المعلومات وتحديثات الأخبار أول بأول تماما مثل العمليات التجارية، مما يقلل عدد الأخبار الزائفة المنشورة يوميًا.

التأثير على حرية الإعلام

ويطرح د. عبد الظاهر تساؤلاً هامًا وهو هل سيكون هناك تأثير لصحافة الذكاء الاصطناعي على حرية الإعلام، وإلى أي اتجاه ستميل صحافة الذكاء الاصطناعي، فهل يمكن لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تدعم كبت وسائل الإعلام، وتقيد حرية المعلومات وحركة الصحفيين.

وهل يمكن أن نجد جيوشًا من الصحفيين الآليين “روبوت” يتحركون بأمر من قيادات استبدادية لقمع الحريات، ومنع وسائل الإعلام من العمل بطريقة أكثر إنسانية؟.

الجواب وفقًا عبد الظاهر هو: نعم بالطبع، فصحافة الذكاء الاصطناعي مثلها مثل أي تقنية تكنولوجية جديدة، يمكن أن يستخدمها الإنسان في الخير كما هو الحال في الشر.

فكما هناك روبوت حر يتحرك بشافية ويدعم حرية تداول المعلومات، ويدعم وسائل الإعلام النزيهة أو تلك التي تتمتع بقدر من المصداقية، هناك أيضا روبوت يتحدث ويكتب وينفذ أوامر جهات سلطوية، قادرة على كبت وسائل الإعلام وحرية الرأي.

وكما هناك منصات للبيانات المفتوحة تدعم الخير للبشرية، وتُشارك كافة التقارير والبيانات بصورة سهلة وديمقراطية، سوف تكون هناك منصات للبيانات المفتوحة أيضا تدعم الجرائم والعنف، واستهداف الدول وتعمل على تدمير النظم المعلوماتية المتاحة لدى الملايين حول العالم.

ويدلل عبد الظاهر على كلامه بالطباعة ثلاثية الأبعاد على سبيل المثال، فقد بدأ العالم في استخدامها بصورة إنسانية في الطب والكشف عن الأمراض، وتشخيص بعض الحالات، وصناعة بدائل لبعض الأطراف الصناعية، علاوة على دخولها في مجال الهندسة والتصميمات الأكثر تعقيدا؛ لتسهيل أمور الحياة على الإنسان بما يعود بالنفع للجميع.

لكن هناك استخدامات سلبية لها في السرقات والتزييف، وصناعة سبائك من الذهب، وصناعة الأسلحة، والأبعد من ذلك هناك تقنيات جديدة للطباعة ثلاثة الأبعاد قد تتيح طباعة العقاقير والأدوية، وهو ما من شأنه إحداث ثورة في صناعة الأدوية.

وقد تسمح للمريض بطباعة الدواء الخاص بهم في حال توافر المركبات الكيميائية اللازمة لذلك، وهو ما قد يُهدد صحة الإنسان، وينذر بزيادة العقاقير المُخدرة أو تلك التي تُدمر الجهاز العصبي للإنسان.

بين الخير والشر

وفقًا لدكتور عبد الظاهر يمكن القول إن صحافة الذكاء الاصطناعي قد تكون أداة لبعض الأعمال الضارة، وكبت حرية بعض وسائل الإعلام، عن طريق بث رسائل “نمطية” واحدة ثابتة، حيث يتمكن الشخص المتحكم في وضع محتوى واحد، يمكن أن يُشكل عن طريق “روبوت” أو كاميرات مُتحركة ذاتيا، أو أقمار صناعية عابرة لحدود وقوانين الدول.

لكن في ذات الوقت، يمكن أن تُوجد تقنيات أكثر ذكاء لخدمة الإنسانية، تُقاوم مثل تلك الأدوات، وتعمل كأجسام مضادة، في خلق المحتوى المناسب المتنوع الذي يقود الإنسان، ولا تقوده الآلات النمطية، التي تُنفذ فقط دون تفكير أو إبداع.

فالعامل الفاصل بين الشر والخير، النفع أو الضر في صحافة الذكاء الاصطناعي هو: كيف يمكن أن نعتمد على إبداع الإنسان في التصدي لأي محتوى مُميكن أو محتوى نمطي خارق للحدود والدول، وصولا للجمهور المستهدف، وتلك هي الإشكالية الكبيرة في حقبة صحافة الذكاء الاصطناعي.

إنعاش الاقتصاد العالمي

يؤكد د. عبد الظاهر في كتابه أن التوقعات تشير إلى أن الثورة الصناعية الرابعة وتقنيات الذكاء الاصطناعي قد تُساهم في إنعاش الاقتصاد العالمي، وزيادة الإنفاق العالمي على وسائل الإعلام، وظهور عشرات الآلاف من قنوات التلفاز، وعشرات الآلاف من الأقمار الصناعية التي سوف تُحدث ثورة في صناعة الإعلام، مدفوعة بالتقدم الهائل في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

فمن المتوقع أن يستثمر العالم أكثر من 5 تريليون دولار على تقنيات الذكاء الاصطناعي حتى 2050. وهو ما يساهم بصورة قوية في نمو صحافة الذكاء الاصطناعي، هذا مقارنة بما يتم إنفاقه حاليًا، حيث يُقدر بـ 12.4 مليار دولار فقط، وقد يصل إلى 232 مليار في العام 2025 وفقًا لتقرير ” KPMG “.

وأضاف أنه من المتوقع أيضًا أن يساهم قطاع الذكاء الاصطناعي في إضافة أكثر من 50 تريليون دولار للاقتصاد العالمي 2050، أي ما يُقارب من 20% من إجمالي الناتج الإجمالي المحلي العالمي في ذلك الوقت، وفقًا لبعض الأرقام التقديرية في ذلك الشأن. وهو ما يساهم بصورة كبيرة في نمو صحافة الذكاء الاصطناعي.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى