تقارير

تغير المناخ .. الخطر المؤجل لآجل غير مسمى!

موجة حر قياسية تكوي الأرض ومن عليها.. والزعماء يفشلون في التوصل لحلول

أحمد الغـر

قبل أيام قليلة؛ انعقدت في مدينة أوساكا اليابانية، قمة مجموعة العشرين التي جمعت رؤساء دول وحكومات الدول الصناعية والصاعدة الكبرى، واتفقوا على بيان ختامي مشترك لقمتهم، تجاهل قضية المناخ، التي كانت – كعادتها- موضع خلاف بين القادة.

فقد رفضت الولايات المتحدة أي حديث عن الاتفاق المناخي الموقّع في باريس، كما رفض قادة آخرون على غرار الرئيس البرازيلي “جايير بولسونارو” أي انتقاد غربي لسياسة بلاده البيئية.

قد يختلف القادة حول القضية، وقد يؤجلون حسمها لأجل غير مسمى، لكن تغير المناخ على كوكبنا لن يتوقف، وذوبان الجبال الجليدية في القطب الشمالي والجليد السرمدي لن يأبه بما جاءت به البيانات الختامية لقمم الزعماء.

فالطبيعة ماضية في طريقها دون توقف، ولن تلقي بالاً لمن يعبثون بها، ولا يراعون نظامها الكوني الدقيق، غير مبالين بموجة الحر القياسية وغير المسبوقة التي تضرب الدول الأوروبية ومناطق عدة في العالم هذا الصيف.

التحدي الرئيسي

تعتبر قضية المناخ أحد التحديات الرئيسية التي تواجه البشرية اليوم، والتي تؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وبيئية وخيمة على كل دول العالم دون استثناء، إذ أن الظروف الجوية التي يمكن التنبؤ بها ستهدد المحاصيل الغذائية حول العالم، كما أن ارتفاع مستوى البحار سيزيد من خطر الكوارث الطبيعية، وسيؤدي ذلك إلى تغير الوضع في غابات الأمازون الاستوائية بشكل لا رجعة فيه.

كما أن الانخفاض السريع في حجم الجبال الجليدية سيؤدي حتمًا إلى انخفاض في احتياطي مياه الشرب العذبة، وهو ما سيُحدث اضطرابًا في التوازن بين المياه المالحة والمياه العذبة على الكوكب، وقد يتسبب في انقراض عدد من الأنواع البيولوجية، بالإضافة إلى أن ذوبان الجليد السرمدي سيؤدي إلى إفراز كميات هائلة من الغاز، مما يسبب دوامة جديدة من التغير المناخي غير المعروف نتائجها.

يُذكر أن الأمم المتحدة قد نادت مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة الاتحاد بين الدول والحكومات، من أجل مواجهة الاحتباس الحراري العالمي، خاصة وأنه في طريقه لتجاوز الحد الأقصى الذي نص عليه اتفاق باريس للمناخ بحلول منتصف القرن الحالي، وذلك إن لم تقم الحكومات بتحولات اقتصادية غير مسبوقة تُمكنّها من التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري.

ذوبان الصقيع

خلال الـ 30 سنة الماضية؛ تضاعف معدل ذوبان التربة الصقيعية المغمورة تحت الماء في بحار المنطقة القطبية الشمالية، مقارنة بالقرون السابقة، ووصل إلى 18 سم في السنة، وقد أدى ذلك إلى انبعاثات هائلة لغازات الميثان المُسببة للاحتباس الحراري، وبالتالي زاد من تأثيرها الكبير على مناخ كوكب الأرض بأسره.

علماء جامعة تومسك للعلوم التطبيقية كانوا هم أول من أثبتوا عدم استقرار التربة الصقيعية تحت الماء، مما أدى إلى اكتشاف حالات شاذة على الكوكب من الميثان المذاب وفي الغلاف الجوي.

وفي خريف عام 2018 اكتشف العلماء شذوذ الميثان المُذاب بتركيز أعلى، بمقدار 10 آلاف مرة من المقادير التقليدية، ومع مرور الوقت يمكن أن يزداد تركيز الميثان في الغلاف الجوي عدة مرات، وهذا بدوره يمكن أن يؤثر بشكل غير متوقع على مناخ كوكب الأرض.

اتفاق غير مُفعّل

الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أكد على أن موجات الحرارة هذه يتوقع أن تتكرر جراء الاحتباس الحراري، وأضاف في كلمته أمام قمة العشرين بأوساكا: “سيتعين علينا تغيير تنظيم أنفسنا وطريقة عملنا، وطريقة بناء منازلنا، مع ضرورة تكيف المجتمع وممارساته تبعًا لتغيّر أحوال المناخ”.

يُذكر أن الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” كان قد انسحب عام 2017 من اتفاق باريس للمناخ المُبرم عام 2015، معتبرًا أنه يرفض أي شيء يمكن أن يقف في طريق “”نهضة الاقتصاد الأمريكي”، مشيرًا إلى أنه حان الوقت لإعطاء الولايات الأمريكية أولوية على الجميع”. لكن هذا القرار الأمريكي المؤسف كان له تبعاته الخطيرة، والتي بدأت بعض دلالاتها في الظهور الآن.

يُذكر أن قرابة 200 دولة في العالم وضعت هدفًا خلال قمة باريس عام 2015، وهو الحد من ارتفاع متوسط درجات حرارة سطح الأرض، بحيث تكون الزيادة أقل بوضوح من درجتين مئويتين فوق درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية، مع بذل الجهود لتحقيق هدف أصعب بكثير، وهو أن تقتصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية، بما يساعد على انحسار موجات الحر الشديد والجفاف والسيول، وكذلك هجرة المزيد من الناس، وتقليل مخاطر نشوب الصراعات، وذلك بالمقارنة مع زيادة معدلات الاحتباس.

 

قضية منسية

في تقرير صادر عن اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ، جرى التأكيد على أحد أكبر أسباب السخونة في الـ50 عامًا الماضية، هي أفعال البشر، والأنشطة التي يقومون بها، وهذه الأنشطة ما كانت لتزداد إلا مع الزيادة السكانية الرهيبة، وبالتالي فإن تأثير النمو السكاني رهيب جدًا، ويؤثر في العديد من جوانب الحياة.

ورغم كثرة التحذيرات، وتعدد الدراسات التي تفند أسباب الظاهرة ونتائجها الوخيمة، إلا أن الحكومات لا تتحرك بالقدر الكافي، رغم أن دراسة حديثة، أجراها فريق من الباحثين في جامعات “إكستير” البريطانية، و”فاجينينجين” الهولندية، و”مونبلييه” الفرنسية، خلصت إلى أن التغيرات المناخية تهدد الدول الأكثر فقرًا، وتعمل على تنامي الصراعات وعدم الاستقرار السياسي، وتهدد الأمن الغذائي والأنواع الحيوانية والنباتية.

ورغم أن الدول الغنية والكبرى كان لها دور بارز في حدوث هذه التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، لكنها قلما تضع قضية التغير المناخي على صدارة جدول أعمال لقاءاتها الدولية، فعادة ما تكون قضية هامشية، يتم مناقشتها على استحياء، ويتم الإشارة إليها في البيانات الختامية بشكل سريع، دون تحديد آليات للعمل من خلالها للحد من التغير المناخي.

فوائد الكارثة!

بالرغم من الكوارث التي قد تحدث في حال استمرار ذوبان الجليد، إلا أن بعض العلماء قاموا بإجراء دراسات حول الجانب الإيجابي من الأمر، حيث وجدوا أن ذوبان الجليد يخلق ظروفًا مُريحة وآمنة لملاحة بحرية عبر خط البحر الشمالي، وهذا قد يؤدي إلى تغيير جذري في حركة الملاحة البحرية العالمية.

فعلى سبيل المثال نجد أن المسافة من القسم الأوروبي لروسيا إلى الشرق الأقصى عبر البحر الأحمر وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط تصل إلى نحو 23 ألف كيلو متر، في حين عبر طريق البحر الشمالي، من خلال المحيط المتجمد الشمالي وبحر بيرينغ، تبلغ المسافة 14 ألف كيلو متر فقط.

بالإضافة إلى ذلك فإن اضمحلال الجليد سيجعل من السهل الوصول إلى الثروات الباطنية، على وجه الخصوص النفط والغاز، إذ أن حجم الاحتياطي الذي تم استكشافه بالفعل في جرف المحيط المتجمد الشمالي يبلغ ما نسبته 25% من احتياطي الهيدروكربونات في العالم، وهي ثروة ضخمة جدًا.

فقاعة الصحراء

موجة حر غير مسبوقة تشهدها بعض الدول الأوروبية، وفقاً لنتائج المحاكاة الحاسوبية لشدة الحرارة. علماء الأرصاد الجوية أرجعوا السبب وراء الحرارة العالية الحالة بالقارة العجوز إلى أن منطقتي غرينلاند وفوق شمال وسط أوروبا تحجب الهواء البارد، مما يؤدي إلى تَكوّن كبسولة من الهواء الساخن القادم من الصحارى الأفريقية، وبالتالي ترتفع درجات الحرارة وتتشكل العواصف الرعدية الشديدة.

ويطلق الأوروبيون على موجة الحر هذه اسم “فقاعة الصحراء”، نظرًا لقدومها من الصحراء الكبرى في قارة أفريقيا.

واللافت في موجة “فقاعة الصحراء” الحارة أنها جاءت في شهر يونيو، أي قبل نحو شهر من موسم الحر الأوروبي المعتاد، بين أواخر يوليو وخلال أغسطس. وتحدث بعض العلماء عن أن ارتفاع درجة حرارة الهواء يمكن تسميتها بـ”القاتل الصامت”.

واتخذت المدن الأوروبية إجراءات استثنائية من أجل مواجهة موجة الحر التاريخية التي تضربها، وتمت دعوة المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر من أشعة الشمس المباشرة الحارقة، حيث ترتفع درجة الحرارة إلى ما فوق الأربعين.

الحر يضرب بقسوة

يذكر أن فرنسا تعاني من درجات حرارة عالية منذ العام 2003، حيث حققت رقم 44 درجة في ذلك العام، وخلفت موجة الحر في ذلك العام أكثر من 70 ألف حالة وفاة في عموم القارة الأوروبية. وخلال العام الجاري شهد يوم الجمعة الماضية 28 يونيو رقمًا قياسيًا جديدًا، حيث بلغت الحرارة 45 درجة في جنوب فرنسا.

وقد تم إغلاق نحو أربعة آلاف مدرسة بفرنسا بسبب الموجة الحارة، ومع استضافة فرنسا لكأس العالم للسيدات، قام المسئولون بدراسة ما إذا كان سيتم إدخال فواصل مائية خلال المباريات لإراحة الرياضيين، خاصة وأن الأجزاء الشمالية من البلاد هي الأكثر تضررًا، بما في ذلك باريس ولاهافر ونورماندي، حيث تُقام مباريات البطولة الكروية.

كما شهدت ألمانيا أقسى موجة حر منذ 70 عامًا، وذلك مع بلوغ درجة الحرارة نحو 39 مئوية، وفي إطار متصل قيدت ألمانيا السرعة القصوى للسيارات على بعض الطرق السريعة، وذلك بعد أن لاحظوا تدهور حالة الطريق الإسفلتية إلى درجة الذوبان.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ التوت قضبان السكك الحديدية بالقرب من روستوك الألمانية المطلة على بحر البلطيق، الأمر الذي يظهر خطورة موجة الحر الاستثنائية.

حرائق وحر استثنائي

وفي إيطاليا تخطت درجات الحرارة 40 درجة مئوية، خصوصًا في وسط البلاد وشمالها، وقد سجلت أول حالة وفاة خلال موجة الحر هذه في ميلانو بايطاليا، حيث عُثر على مشرد سبعيني ميتًا بسبب الإعياء الناجم عن الحر.

أما في إسبانيا فقد توفي شخصان بسبب درجة الحرارة التي تجاوزت 40 درجة مئوية، ويأتي ذلك فيما أعلنت 34 من مقاطعات إسبانيا الـ 50 حالة الطوارئ، مع التحذير من اندلاع حرائق، لاسيّما في كتالونيا.

وبالفعل استعرت حرائق الغابات في نحو 10 آلاف فدان في إقليم كتالونيا بشمال شرق إسبانيا، وقال وزير الداخلية الكتالوني “ميكيل بوخ”، إنّ الحريق اندلع في مساحة تبلغ 20 ألف هكتار.

وقد تم إجلاء نحو 30 شخصًا من منازل ريفية في المنطقة المتضررة، قبل أن يتم السيطرة على الحريق بشكل كامل، وشارك نحو 400 من رجال الإطفاء في مكافحة الحريق، تدعمهم مروحيات وطائرات أخرى.

وفي سويسرا، اضطرت مصلحة السكك الحديدية إلى رش السكك بالماء لمنع تكرار التشوهات التي حدثت بفعل الحرارة، مع بلوغ الموجة الحارة ذروتها، كما قامت في بعض المناطق بطلائها باللون الأبيض. أما في بولندا، فقد ازداد استهلاك الكهرباء بسبب استخدام مكيفات الهواء.

الحرارة سبب الهزيمة!

من المفارقات الغريبة، التي سنختم بها هذا التقرير، ما أورده “محمد مجاسوبا”، المدير الفني لمنتخب مالي لكرة القدم، المشارك في بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم 2019م المقامة في مصر.

حيث أرجع مجاسوبا سبب خسارة فريقه للثلاث نقاط من مباراته أمام منتخب تونس، واكتفائه بنقطة التعادل إلى “الظروف المناخية الصعبة التي واجهها الفريق خلال المباراة”.

المباراة التي أقيمت على ملعب السويس الجديد، تمت بالفعل في أجواء حارة، وصلت فيها درجة الحرارة إلى 38 درجة مئوية.

وبالرغم من أن مالي دولة ذات مناخ صحراوي حار، إلا أن المدرب قال: “لا نندم على نتيجة التعادل، فتلك النتيجة وقعت في ظروف مناخية صعبة للغاية، خاصة أن لاعبي الفريقين معتادون على اللعب في أجواء مناخية أوروبية”. فحتى الظروف المناخية.. يقع عليها اللوم في تعادل المنتخب المالي!

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى