تقارير

ترامب يقر بسيادة إسرائيل على الجولان والعالم يرفض ويحذر من النتائج

علي البلهاسي

كان صادمًا رغم أنه كان متوقعًا.. ذلك هو إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الوقت قد حان لدعم السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. وكعادته فاجأ ترامب العالم بتغريدة نشرها على موقع تويتر قال فيها: “بعد 52 عامًا، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية إستراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي”.

وقال مصدر مسئول رفيع المستوى بالإدارة الأمريكي، لـCNN، إن قرار ترامب كان يتم الإعداد له منذ عدة أسابيع. وأضاف أن القرار النهائي جاء هذا الأسبوع بعدما عقد ترامب عدة اجتماعات مع كبار موظفيه.

وتابع المصدر بالقول إن مستشار الأمن القومي جون بولتون، وجاريد كوشنر مستشار ترامب وصهره، والممثل الخاص للمفاوضات الدولية جاسون جرينبلات، تم استشارتهم ودعموا هذه الخطوة.

وزار السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الجولان برفقة نتنياهو في 11 مارس/ آذار الجاري، في إشارة مبكرة إلى أن ترامب يستعد للاعتراف بسيادة إسرائيل على المنطقة.

وكشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، قبل أسبوع، في تقديرات من مسئولين كبار، أن ترامب قد يلجأ إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان في هذا التوقيت بهدف مساعدة نتنياهو للفوز في انتخابات “الكنيست” المقبلة.

خطوات مسبقة

إعلان ترامب لم يكن مفاجئًا فقد سبقته عدة خطوات مهدت له، بدأت بحذف وزارة الخارجية الأمريكية مصطلح “محتلة” عند الإشارة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان في تقريرها حول حال حقوق الإنسان في العالم للعام 2018.

ويرى خبراء أن “اقتراب حزب الله وإيران من الحدود الإسرائيلية ربما دفع في هذا الاتجاه خصوصاً أن “إسرائيل” تعتبر أن هذا الاقتراب تهديد لأمنها، وربما إشارة تقرير الخارجية الأمريكية إلى أن الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية بدل الجولان المحتل، هي رسالة لإيران وحزب الله وحتى للروس أن أمريكا لن تقبل بأي تعد أو اختراق لسيادة “إسرائيل”.

وقبل ساعات من صدور التقرير الأميركي، اتهمت إسرائيل من يشتبه في أنه أحد عناصر حزب الله اللبناني -الذي سبق اعتقاله في العراق بشأن قتل خمسة عسكريين أميركيين- بأنه يعكف حاليا على إقامة شبكة لحرب العصابات على الجانب الذي تسيطر عليه سوريا من الجولان لشن هجمات عبر الحدود.

وكان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام قد أعلن خلال لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيطرح مشروع قانون لاعتراف أمريكي بضم إسرائيل للجولان.

وبعدها رفض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التعليق على التقارير التي تحدثت عن أن الولايات المتحدة تدرس الاعتراف بضم هضبة الجولان إلى إسرائيل.

وقال بومبيو في حديث مع الصحافيين في القدس “لن أعلق على هذه التقارير.. نحن في الإدارة ندرس العديد من الأشياء دائمًا، وأحاول التأكد من الحصول على إجابات قبل الحديث عنها في العلن”.

وأوضح بومبيو أن ما ورد في تقرير حقوق الإنسان من عدم ذكر صفة الاحتلال في الحديث عن الجولان والضفة الغربية كان متعمدًا ولم يكن عن طريق الخطأ.

ولكنه أشار إلى أن ذلك ليس تغييرًا في السياسة الأميركية وأن “الغاية من وراء كل عنصر في تقرير حقوق الإنسان كانت عرض الوقائع على قدر المستطاع”.

لكن تغريدة ترامب كشفت ما كان يتم التمهيد له، ليضيف خطوة أخرى نحو تمكين إسرائيل في المنطقة، وذلك بعد خطوته الأولى التي فجرها نهاية 2017، عندما أعلن ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وأمر بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، وهو القرار الذي أثار ردود فعل غاضبة بين الشعوب العربية والإسلامية.

وطبقا للقانون الدولي فإن إسرائيل احتلت الجولان في العام 1967. وفي عام 1981 أقر الكنيست الإسرائيلي قانون ضم مرتفعات الجولان إلى “إسرائيل”، ولكن المجتمع الدولي ما زال يتعامل مع المنطقة على أنها أراض سورية محتلة.

وفي نوفمبر الماضي، صوتت الولايات المتحدة لأول مرة ضد قرار سنوي للأمم المتحدة يدين احتلال “إسرائيل” للجولان.

ترحيب إسرائيلي

من جانبه أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصالاً هاتفيًا مع الرئيس ترامب شكره فيه على قراره الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وقال له: “صنعت التاريخ”، كما قال في تغريدة على تويتر: “في وقت تسعى فيه إيران لاستخدام سوريا منصة لتدمير إسرائيل، يقدم الرئيس ترامب بشجاعة على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. شكرًا الرئيس ترامب”.

وكان نتنياهو قد طالب، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، دول العالم للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وقدم نتنياهو الشكر للولايات المتحدة على دعم إسرائيل في مواجهة إيران، وقال: “سنواصل بذل الجهود الضرورية ضد محاولات إيران للتحصن عسكريًا ونشر أسلحة خطيرة في سوريا”.

وتعتبر إسرائيل أن الظروف باتت مواتية لاعتراف أمريكي بضمها لمرتفعات الجولان السورية، وهو ما عبر عنه مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون بقوله: “أعتقد أن هناك توجهًا إيجابيًا في موقف الإدارة الأمريكية من هذه المسالة”.

فيما قال القائم بأعمال وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” إنه يأمل أن يحدث هذا الاعتراف خلال لقاء نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض

وهو اللقاء الذي سيتم يوم الاثنين المقبل، أي قبل أسبوعين من إجراء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، للكنيست رقم 21، المقرر إجراؤها، في التاسع من الشهر المقبل.

ويأتي استخدام ترامب لملف الجولان في وقت يحتاجه فيه نتنياهو بشدة، إذ يواجه أزمة داخلية قد تعصف بحكمه، وتنهي ما تبقى من مستقبل سياسي.

فقد تشكلت ضده أحلاف انتخابية لم تكن لتجتمع من قبل داخل الأوساط الإسرائيلية لولا وجوده في السلطة، كما أنه متهم وزوجته بقضايا فساد بما يعرف بالملفات “1000 – 2000 – 4000”.

وسبق أن كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية في تقديرات من مسئولين كبار في قائمة “كحول لفان” المنافسة في الانتخابات الإسرائيلية أن ترامب قد يلجأ إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان في هذا التوقيت، بهدف مساعدة نتنياهو للفوز بانتخابات الكنيست المقبلة.

رفض عربي

من جانيها أعلنت سوريا رفضها لتصريحات ترامب، مؤكدة أن أبناء الجولان السوري المحتل لا يزالون متمسكين بانتمائهم لوطنهم الأم وبهويتهم العربية السورية في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لكافة حقوقهم الأساسية على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وأكد المندوب الدائم لسورية لدى مكتب الأمم المتحدة السفير حسام الدين آلا أن” الحق السيادي للجمهورية العربية السورية باسترجاع كامل الجولان السوري المحتل حتى خط الرابع من يونيو/حزيران لعام 1967 غير قابل للتصرف وغير خاضع للتقادم”.

فيما قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن التصريحات الأمريكية، التي تمهد لاعتراف رسمي أمريكي بسيادة إسرائيلية على الجولان السوري المحتل، تعتبر خارجة بشكل كامل عن القانون الدولي.. كما أنه اعتراف – إن حصل – لا ينشئ حقوقاً أو يرتب التزامات ويعتبر غير ذي حيثية قانونية من أي نوع”.

وأكد أن الجولان هو أرضٌ سورية محتلة بواقع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباعتراف المجتمع الدولي. وأضاف أن قرار مجلس الأمن 497 لعام 1981 صدر بالإجماع، وأكد بصورة لا لبس فيها عدم الاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري، مشددًا على أن الجامعة العربية تقف بالكامل وراء الحق السوري في أرضه المحتلة.

وقال أبوالغيط، أن أي اعتراف من جانب الولايات المتحدة بسيادة إسرائيلية على الجولان سيُمثل ردة خطيرة في الموقف الأمريكي من النزاع العربي- الإسرائيلي إجمالاً، خاصة بعد الانتكاسات الهائلة التي أقدمت عليها الإدارة الأمريكية في حق القضية الفلسطينية”.

وفي 12 مارس الجاري دعا البرلمان العربي المجتمع الدولي إلى التمسك بقرارات الشرعية الدولية باعتبار الجولان السوري أرضاً عربية محتلة، وإلزام قوة الاحتلال بتنفيذ هذه القرارات.

وطالب بتأكيد عدم أحقية “إسرائيل” في ممارسة أي نوع من السيادة عليها أو ضمها، ودعم طلب استعادة سوريا سيادتها الكاملة على الجولان المحتل حتى حدود الرابع من يونيو 1967.

استنكار دولي

الموقف الأمريكي الجديد قوبل باستنكار دولي، وأكدت الأمم المتحدة أنها ملتزمة بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة التي تنص على أن احتلال مرتفعات الجولان السورية من قبل إسرائيل هو عمل غير مشروع بموجب القانون الدولي.

وشدد نائب المتحدث باسم الأمين العام، فرحان حق، على أن موقف الأمم المتحدة لم يتغير بعد إعلان الرئيس الأمريكي بخصوص الجولان (المحتلة عام 1967).

وأصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراره رقم 497، في 17 ديسمبر 1981، الذي دعا فيه إسرائيل إلى إلغاء ضم مرتفعات الجولان السورية، واعتبار قوانينها وولايتها وإدارتها هناك لاغية وباطلة وليس لها أثر قانوني دولي، كما صدرت قرارات أخرى من الجمعية العامة بنفس المعنى.

فيما قال المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي إن الاتحاد لايعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. وصرحت المتحدثة الرسمية باسم الاتحاد الأوروبي، مايا كوسيانتشيش، أن الاتحاد الأوروبي لا يزال لايعترف بأن مرتفعات الجولان جزء من إسرائيل، على الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

كذلك رفضت روسيا تصريحات الرئيس الأمريكي، معتبرة أنها دليل على عدم رضا واشنطن عن بدء التسوية السلمية في سوريا. وقال السناتور الروسي فلاديمير جباروف، نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي: “ما إن بدأت الأوضاع في الشرق الأوسط بالتهدئة وبدأت عملية التسوية السلمية في سوريا، حتى حاولت الولايات المتحدة صب الزيت على النار”. وأضاف أن “الأمريكيين لا يريدون السلام في هذه المنطقة، وهم بحاجة إلى الحرب ويهتمون بمبيعات أسلحتهم”.

من جانبها حذرت تركيا من أن هذه النية الأمريكية لاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان لن تؤدي إلا لزيادة العنف في المنطقة. وقال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في تغريدة نشرها على “تويتر”: “تمثل وحدة أراضي الدول مبدأ أساسيا للقانون الدولي. إن محاولات الولايات المتحدة لتبرير تصرفات إسرائيل، التي تتناقض مع القانون الدولي، لن تؤدي إلى لزيادة العنف ومعاناة الناس في المنطقة”.

تهديد لعملية السلام

وكان تقرير نشرته وكالة ”بلومبرغ“ الأمريكية، قد حذر الولايات المتحدة من الاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، كون مثل هذه الخطوة ستحدث مزيدًا من الضرر بفرص السلام في المنطقة، فضلًا عن أنها ستغري روسيا ودولًا أخرى لضم أراضٍ تحتلها.

وجاء في التقرير أن ”إسرائيل ضمت الجولان عام 1981، لكن الخطوة لم تكن نهائية، وكانت على استعداد للتخلي عن معظم تلك المنطقة خلال مفاوضات سلام في فترة التسعينيات، وأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترتكب خطأ آخر بتأييدها ضم الجولان بعد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل“.

وأكد التقرير، الذي كتبه حسين ابيش، المفكر بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، أنه ”إذا كان ترامب وحليفته تل أبيب يسعيان لمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد بمثل تلك الخطوة، فإن الجولان ليست أرضًا للأسد بل للشعب السوري، وهي تعني مزيدًا من العقاب لهذا الشعب الذي يعتبر ضحية للنظام السوري“.

وقال ”لا أحد ينكر أن الجولان أرض سورية احتلتها إسرائيل خلال الحرب، لذلك فإنه في حال أقرت واشنطن ضمها لإسرائيل فإنها بذلك تقوض مبدأ عدم جواز حيازة أرض خلال حرب، وهو أهم مبدأ في ميثاق الأمم المتحدة“، مضيفًا أن ”مثل هذه الخطوة يعني أن أي أرض محتلة في العالم يمكن ضمها، ولن يعود هناك أي أساس قانوني يرغم روسيا على إعادة شبه جزيرة القرم لأوكرانيا، وقد يشجعها أيضًا على ضم أراضٍ أخرى تخلت عنها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي“.

ورأى الكاتب أن ”ضم الجولان لن يعني أبدا أنها أصبحت آمنة، ولن يغير الواقع بأنها أرض محتلة مثلها مثل القدس، إضافة إلى أن ذلك لن يضعف أعداء إسرائيل، وخاصة بشار الأسد وإيران وحزب الله وداعش“.

وختم حسين ابيش التقرير بقوله: ”ستؤدي هذه الخطوة إلى زيادة الغضب ضد الولايات المتحدة وتقويض أي فرصة سلام مع الفلسطينيين وتدمير مبدأ أساسي في ميثاق الأمم المتحدة. الواقع أن اعتراف واشنطن بضم الجولان لإسرائيل لن يحل مشكلة بل سيزيد المشكلة، ولن يحقق أي شيء وقد تكون له تكلفة باهظة“.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى