تقارير

بعد واقعة سب السفير.. هل يكتب ترامب نهاية عباس سياسًيا؟

تقرير حصري / راديو صوت العرب من أمريكا

كتب : علي البلهاسي

أزمة جديدة تفجرت فجأة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسلطة الفلسطينية، بعد أن هاجم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، السفير الأميركي لدى إسرائيل، دافيد فريدمان، في كلمة متلفزة له تم بثها على الهواء مباشرة.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها نعت عباس، السفير الأميركي بأنه “ابن كلب”، بسبب موقفه المؤيد للاستيطان. وشرع عباس خلال كلمته في مهاجمة الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، خاصة عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

تصريحات عباس لم تمر مر الكرام، فقد سارع البيت الأبيض، بإدانة التصريحات التي وصفها بـ”المهينة” بحق السفير الأميركي في إسرائيل. وأثارت الأزمة جدلاً كبيرًا إلى حد ظهور تكهنات بعزل أبو مازن، وهو ما نفاه بركات الفرا، سفير فلسطين الأسبق بالقاهرة، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني هو الوحيد القادر على عزل أبو مازن من منصبه أو إبقائه به، ولا توجد أية قوى تستطيع فعل ذلك غير الشعب.

ويبقى السؤال: هل ستكتب تصريحات الرئيس الفلسطيني نهاية مصيره السياسي بالفعل؟، خاصة وأن علاقته بترامب والإدارة الأمريكية شابها الكثير من التوتر خلال الفترة الماضية على خلفية أزمة قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، ورفض أبو مازن لصفقة القرن التي سيعلنها الرئيس الأمريكي قريبًا.

قلق مبكر

شكّل انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2016 صدمة، وأثار قلق الكثيرين في العالم، لكنه قوبل بترحاب عند آخرين، خاصة في العالم العربي، الذي راهن بعض حكامه على ترامب في إطلاق مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين بعد أن شابها بعض التوتر في عهد سابقه أوباما.

من بين هؤلاء الذين أقلقهم فوز ترامب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، المنتهية ولايته منذ أكثر من ثماني سنوات، والذي خشي من أن يخطط ترامب لتجاهله، مما سيعزز مساعي لعزله، في ظل وجود أصوات ناقدة له في إسرائيل وبعض العواصم العربية الأخرى، ومؤيدة لخصمه محمد دحلان.

عبّر أبو مازن عن قلقه هذا في أول تعليق له على فوز “ترامب” بالقول: “انتخاب دونالد ترامب شأن أميركي، ما يهمنا هو ماذا سيقول ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض. وما نطالبه به هو أن تقبل أميركا وتعمل على تطبيق حل الدولتين، دولة فلسطين ودولة إسرائيل، تعيشان جنبًا إلى جنب بأمن واستقرار”.

ظل الخوف من ترامب قائمًا في رام الله بعد فوز ترامب، لكنه تبدد بعض الشيء عندما أجرى الرئيس الأمريكي اتصالاً هاتفيًا مع عباس في العاشر من مارس 2017، دعاه فيه إلى زيارة البيت الأبيض. وشكلت الدعوة إنجازًا هامًا من وجهة نظر السلطة الفلسطينية، التي رأت أن الاتصال الهاتفي يمنح قبلة حياة جديدة لأبو مازن الذي اعتُبر “غير مهم” في تل أبيب والقاهرة، ويجعل منه مرة أخرى الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

تطمينات مؤقتة

بعد أربعة أشهر من تنصيبه، استقبل ترامب عباس في البيت الأبيض مطلع مايو 2017، وكان همّ عباس الأول هو إقناع ترامب بإعادة إطلاق جهود السلام المتعثرة مع إسرائيل، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية من جديد، بعد أن طغى النزاع السوري والحرب ضد داعش عليها، فضلاً عن الحصول على تطمينات بشأن موقف القيادة الأمريكية الجديدة منه.

لم يكن الرئيس الفلسطيني يأمل في غير ذلك، فقد كان يعلم أن ترامب وعد خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة الإسرائيلية للقدس، وقدم العديد من الضمانات والتطمينات لليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يدعو إلى التخلي تمامًا عن فكرة حل الدولتين وضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو الأمر الذي يتفق معه ترامب الذي أكد خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في فبراير 2017، قبل زيارة أبو مازن، أن حل الدولتين ليس السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

صفقة القرن

عاد أبو مازن بعد لقائه الأول مع ترامب وهو أكثر قلقًا، خاصة بعد تصاعد الحديث عن خطة سلام أمريكية جديدة يعتزم ترامب تنفيذها بين الفلسطينيين والإسرائيليين فيما عرف بعد باسم “صفقة القرن”، والتي بدأ ترامب الحديث عنها بعد تنصيبه.

ورغم أنه لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن بنود وتفاصيل الصفقة، إلا أن تسريبات تؤكد أنها تتضمن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل واختراع عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار 6 كيلومترات مربعة) عام 1967، وفقًا لما كشف عنه صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس رئيس دائرة شؤون المفاوضات.

وقال عريقات إن الصفقة تشمل ضم الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وفيما يطرح نتنياهو ضم 15 في المائة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، يقترح ترامب ضم 10 في المائة، مع إبقاء الحدود النهائية وقضايا الوضع الدائم للاتفاق عليها بين الجانبين ضمن جدول زمني محدد ومتفق عليه. كما تتضمن صفقة القرن إيجاد “حل عادل لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين”، وليس من خلال التعويض والعودة إلى ديارهم وفق قرار الأمم المتحدة 194.

تفاصيل الصفقة التي بدت مخيفة للجانب الفلسطيني، لم يستطع عباس قبولها، رغم ما عرف عنه من مرونة في التعامل مع الجانب الإسرائيلي مقارنة بسلفه الراحل ياسر عرفات، وهنا انطلقت الوساطات من عواصم عربية لإقناع عباس بقبول الصفقة دون جدوى، فكان رد ترامب قاسيًا هذه المرة.

أزمة القدس

في السادس من ديسمبر الماضي أعلن الرئيس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو القرار التاريخي الذي طوى صفحة عقود من السياسة الأميركية، فعلى مدى 20 عاما أرجأ الرؤساء الأمريكيون قرار نقل السفارة للقدس على أمل تحقيق السلام.

ورأى مراقبون أن ترامب من خلال قراره حول القدس عاقب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لرفضه مقترح البيت الأبيض لتحقيق السلام في المنطقة عبر “صفقة القرن”. وهنا تحول القلق الفلسطيني إلى مخاوف حقيقية، ليس فقط على مصير عباس، ولكن على مصير القضية الفلسطينية بأكملها.

ولم يجد الرئيس الفلسطيني مفرًا من إعلان رفضه الصريح لصفقة القرن وقرار نقل السفارة إلى القدس، بل وأعلن عباس أنه بعد هذه التطورات لن يقبل الفلسطينيون أن تكون الولايات المتحدة وسيطا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعا لعقد مؤتمر دولي للسلام يستند إلى قرارات الشرعية الدولية.

ذهب عباس إلى أقوى من ذلك في تصريحاته، فقال إن السلطة الفلسطينية لا تأخذ تعليماتها من أحد وتقول كلمة “لا” لأي كان إذا كان الأمر يتعلق بمصير فلسطين وقضيتها، وأضاف: “قلنا لا لترمب ولن نقبل مشروعه، وصفقة العصر هي صفعة العصر ولن نقبلها.. وسنردّها”.

وأكد التزام فلسطين بحل الدولتين على أساس الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية على حدود عام 1967 ووقف الاستيطان وعدم القيام بإجراءات أحادية. كما أعرب عباس عن استعداده للانخراط في أي مفاوضات جادة برعاية أممية، مؤكدًا أنه لن يقبل بما تريد الولايات المتحدة فرضه من صفقات.

ضغوط عربية

الأزمات المتلاحقة بين الرئيس الفلسطيني والإدارة الأمريكية ربما تعجل بنهايته، وربما لم يعد أمامه من مخرج إلا بقبول ما يملى عليه من ترامب وإدارته، عنده سيكون وجوده واستمراره على رأس السلطة الفلسطينية أمرًا مطلوبًا حتى يتم تنفيذ “صفقة القرن”، وإلا سيتم البحث عن بديل له، وهو في واقع الأمر جاهز، وينتظر أن يتم استدعاؤه لتنفيذ هذه المهمة.

وهنا يأتي دور العواصم العربية، التي قال دبلوماسي عربي بارز، في تصريحات نقلتها عنه صحيفة “الشروق” المصرية، إنها نصحت عباس بقبول الشروط المعروضة عليه “حتى لا يندم الفلسطينيون لاحقا على ما يعتبرونه اليوم قليلا جدا مقارنة بما كان مطروحا عليهم قبل سنوات”.

وأوضح الدبلوماسي أن “عاصمة عربية فاعلة” لم يسمها نقلت إلى عباس تصورًا مفاده أن “القراءة الواقعية تحتم على الفلسطينيين والعرب القبول بما هو معروض الآن، مضيفا أن “الحكمة تقتضي بقبول أقصى ما هو متاح من تسوية الآن، والتعامل بمنطق “خذ وفاوض”، حتى لا نتفاجأ بعد سنوات قليلة بأن وحش الاستيطان قد التهم كل الأراضي الفلسطينية”.

فهل سيقبل عباس بالضغوط ويرضخ لها في النهاية.. أم سيظل على موقفه الرافض لصفقة ترامب؟.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى