تقارير

بعد مجزرة دوما: من يقتل السوريين.. كيماوي الأسد ورصاصه أم صمت المجتمع الدولي؟

 حصري- راديو صوت العرب من أمريكا

تحرير : علي البلهاسي

غضب شديد يجتاح العالم بعد سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين مجددًا في مجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام بشار الأسد ضد المدنيين في مدينة دوما، بريف دمشق.

لم يستطع الضمير العالمي أن يصمت هذه المرة، بعد انتشار صور وفيديوهات من داخل المدينة السورية لأطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة، بسبب ما قالت جماعات إغاثة طبية إنه هجوم بالأسلحة الكيماوية على المدينة التي يحاصرها الجيش السوري، ويتواجد بداخلها آلاف من المسلحين المعارضين.

وفيما يترقب العالم رد الفعل الذي ستتخذه الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا هذه المرة لوقف جرائم بشار، يخشى السوريون أن يفلت النظام السوري من العقاب مجددًا، وأن يجد من صمت وعجز المجتمع الدول مبررًا لمواصلة جرائمه، واستمرار براميله المتفجرة والكيماوية في حصد أرواح المزيد من الأبرياء.

قتل متنوع

بعد الموقف الدولي الغاضب تجاه ما حدث في “دوما” قد يبدو السؤال بديهيًا: هل القتل بالكيماوي هو فقط ما يستفز المجتمع الدولي؟، أم أن أعينهم قد عَميَت وأذانهم قد صُمّت عن آلاف الأبرياء الذين راحوا ضحايا لهذا النظام الإجرامي منذ العام 2011؟.

لقد كان استخدام السلاح الكيماوي هو الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وأكد حينها أن لجوء النظام السوري إليه في الحرب الدائرة “ستكون له عواقب هائلة”. وانتقد سياسيون ومحللون كلمات أوباما وقتها، مشيرين إلى أن الخلاف أصبح على كيفية قتل المدنيين السوريين، سواء بالبراميل المتفجرة أو بالغازات السامة، وليس على عملية القتل نفسها.

وهو ما جعل الرئيس الحالي ترمب يُحَمّل المسؤولية لسابقه باراك أوباما، قائلاً: «لو كان الرئيس أوباما نفذ الخط الأحمر الذي رسمه على الرمال لكانت الكارثة السورية قد انتهت منذ فترة طويلة». لكن العالم ما زال ينتظر ما سيفعله ترامب لوقف المجازر التي يرتكبها نظام الأسد منذ سنوات.

فوفق إحصاء للشبكة السورية لحقوق الإنسان، بلغت حصيلة الضحايا المدنيين على يد النظام السوري 1.8 مليون قتيل، بمعدل سنوي 45000 قتيل، أربعون ألف منهم من الأطفال والنساء، بينما بلغ عدد الذين توفوا تحت التعذيب 12500 من ضمن 124596 حالة اعتقال تعسفي.

وحسب الشبكة أيضًا فهناك 6.9 ملايين نازح داخل سوريا، و6.5 ملايين لاجئ توزعوا في دول الجوار، بالإضافة لأعداد كبيرة من السوريين الذين وصلوا أوروبا في موجات لجوء متلاحقة.

بينما يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد القتلى والمصابين في سوريا منذ انطلاقة ثورتهم في مارس 2011، بلغ مليوني قتيل وجريح، ويؤكد أنه تم توثيق مقتل 210060 شخصًا، منذ انطلاقة الثورة، منهم 100973 من المدنيين، بينهم 10664 طفلاً، و6783 أنثى فوق سن الثامنة عشرة.

تاريخ كيماوي

المجزرة الجديدة بـ”دوما” ذَكّرت العالم بنتيجة صمته على جرائم الديكتاتور السوري، فهي تأتي بعد مرور عام على مجزرة مماثلة ارتكبها نظام بشار في مدينة خان شيخون في أبريل 2017، في قصف جوي عنيف بقنابل تحوي مواد كيماوية سامة، راح ضحيتها أكثر من 100 قتيل، و400 مصاب أغلبهم من الأطفال.

وسبق ذلك بسنوات مجازر أخرى، لعل أبرزها مجزرة الغوطة 2013، والتي راح ضحيتها 1500 مدني، في جريمة ضد الإنسانية، استخدم فيها النظام السوري غاز السارين السام في قصف أحياء المدنيين، وهي الجريمة التي فشلت الأمم المتحدة في تصنيفها كجريمة ضد الإنسانية بعد صفقات أمريكية وغربية روسية، وصلت في النهاية إلى اتفاق يقضي بقيام النظام السوري بتسليم سلاحه الكيماوي لأمريكا لإتلافه.

ربما تكون هذه الهجمات الثلاث هي أكبر مجازر كيماوية ارتكبها نظام الأسد لأنها أوقعت عددا كبيرًا من الضحايا جعلها تدخل في إطار الإبادة الجماعية، لكن هذا لا ينفي أن نظام الأسد استعمل الأسلحة الكيماوية من قبل عدة مرات.

فقد وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 333 هجومًا بالكيماوي قام به نظام الأسد على تجمعات مدنية منذ اندلاع الحرب إلى الآن، منها 41 هجومًا على إدلب و33 على ريف دمشق. وتم استخدام السلاح الكيماوي 161 مرة منذ 2012 حتى 2016، أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 شخصًا وإصابة 14 ألفًا بسبب تعرضهم للغازات السامة.

واتهم تقرير تم تقديمه لمجلس الأمن الدولي جيش الأسد باستخدام أسلحة كيماوية في ضرباته ضد بعض المواقع في حلب، كما حدث في منطقتي قميناس وسرمين في 16 مارس 2015، ومن قبلها الهجوم بغاز الكلور على منطقة تلمنس في 21 أبريل 2014. وسبق هذا التقرير ثلاثة تقارير أخرى، وجهت اللوم للحكومة السورية في هجوم بالغاز وبعض المواد الكيماوية الأخرى على أكثر من منطقة بمدينة حلب في محاولة لإجبار المعارضة فيها على الاستسلام.

أما منظمة “هيومان رايتس ووتش” فقد أشارت في تقريرها لعام 2016، إلى استخدام قوات الأسد مواد كيماوية في هجماتها ضد إدلب. فيما أشارت تقارير دولية أخرى إلى أن عدد خروقات النظام السوري لقرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في 2013 بشأن تجريم استخدام الأسلحة الكيماوية، بلغ 139 خرقًا، بينها 69 خرقًا للقرار رقم 2209 الصادر في 2015.

وسبق أن كشفت وكالة “رويترز” أنها اطلعت على وثيقة تشير لأول مرة إلى احتمال تورط بشار الأسد وشقيقه ماهر، في الهجمات الكيماوية بسوريا. وأشارت “رويترز”، إلى أنه توجد قائمة بأفراد ربط المحققون بينهم وبين سلسلة هجمات بقنابل الكلور وقعت في عامي 2014 و2015؛ من بينهم “الأسد” وشقيقه الأصغر “ماهر”، وشخصيات أخرى رفيعة المستوى.

غضب أقوال

كل هذا التاريخ الكيماوي والدموي لنظام بشار الأسد لم يكن كافيًا لبدء تحرك دولي جاد من أجل إيقاف جرائمه وحقن دماء السوريين، وربما أيقن هذا النظام المجرم أن ردود الأفعال على جرائمه لن تتجاوز الأقوال إلى الأفعال، وإذا ما حدث فهي أفعال دون المستوى ولا تشكل له تهديدًا حقيقيًا.

وبالرغم من ذلك فقد كانت حدة الغضب الدولي مختلفة هذه المرة، وهو ما رفع سقف التوقعات بشأن ما سيلاقيه نظام الأسد من عقاب على جرائمه.

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألمح إلى إمكانية شن هجوم عسكري على سوريا، وبدا غضب ترامب تجاه مجزرة دوما الكيماوية واضحًا، حيث وصف بشار الأسد بـ”الحيوان”، وقال: «لا يمكننا أن نسمح بهذه الفظائع، أنتم رأيتم هذه المشاهد البشعة»، وحذر قادة سوريا وإيران وروسيا قائلًا: «إن هناك ثمنًا كبيرًا سيدفع».

وتبادلت الولايات المتحدة وروسيا انتقادات لاذعة في اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول الهجوم، وقال الممثل الروسي فاسيلي نيبنزيا، إن الحادث الذي وقع في دوما قد تم تنظيمه من قبل المتمردين، وأن العمل العسكري الأمريكي ردًا على ذلك قد يكون له «تداعيات خطيرة».

أين الأفعال؟

وفيما يعد مؤشرًا على أن ردود الفعل ستنتقل هذه المرة إلى مرحلة الأفعال قال السيناتور ليندسي غراهام إنه يجب تصنيف «الأسد» كمجرم حرب، ويجب على «ترامب» أن يمحو سلاحه الجوي، وأضاف: «العالم يراقب الرئيس، إيران وروسيا وكوريا الشمالية تراقب الرئيس، هذا الرئيس لديه فرصة ليفعل عكس أوباما”.

ويرى مراقبون أن بشار الأسد اختار الوقت الخطأ هذه المرة لتنفيذ هجومه الكيماوي، وأنه بدلاً من أن يلتزم الصمت والهدوء لحين حسم الجدل حول انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، وفقًا لما كان قد أعلنه ترامب مؤخرًا، عاد ليستفز ترامب بشنّ الهجوم الكيماوي، ليجبره على اتخاذ رد فعل قوي. وربما شعر الأسد أنه في ضوء رغبة ترامب في مغادرة سوريا، يمكن شنّ هجمات كيماوية غير قانونية بدون تكلفة.

فقبل عام، قام النظام السوري بهجوم بغاز السارين على بلدة “خان شيخون”، وبعدها أمر ترامب بهجوم صاروخي على قاعدة الشعيرات الجوية التي أُطلق منها الهجوم، وفي وقت لاحق دمرت إسرائيل منشأة للأسلحة الكيميائية السورية، لكن هذه الإجراءات لم تردع الأسد عن القيام بهجمات جديدة.

وفيما يترقب العالم رد الفعل الأمريكي هذه المرة قال الرئيس ترمب إنه سيعلن عن قراره للرد على الهجوم الكيماوي خلال ساعات، مؤكداً أنه ليس لديه شك في إقدام النظام السوري على شن هذا الهجوم الذي وصفه بـ«المشين والمروع والبربري». وحول إمكانية استخدام الخيار العسكري قال ترمب إن “كل الخيارات على المائدة”.

من جانبه، صرح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بأنه لا يستبعد أي خيار للرد على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، وقال: «أنا لن أستبعد أي شيء في الوقت الحالي». وأضاف: «أول شيء يتعين علينا النظر فيه هو لماذا لا يزال هناك استخدام للأسلحة الكيماوية في الوقت الذي تضطلع روسيا بالقيام بدور الجهة الضامنة لإزالة جميع الأسلحة الكيماوية من سوريا».

سيناريوهات الرد

ويرى خبراء أن الضربة العسكرية الأمريكية المحتملة ربما تمسّ قواعد عسكرية لنظام بشار، كما حدث قبل عام، حين وجهت البحرية الأمريكية ضربات صاروخية ضد مطار الشعيرات في محافظة حمص. لكنهم لا يتوقعون أن تقدم أمريكا على أكثر من ذلك، لأن الروس لن يسمحوا للأمريكان بأكثر من ذلك، وواشنطن تعرف هذا جيدًا.

لكن مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية، رصدت عددًا من السيناريوهات الأخرى التي يمكن أن يقدم عليها الرئيس ترامب بعد توعده بـ”دفع ثمن باهظ” بسبب الهجوم “الكيميائي”. وأول هذه السيناريوهات هو حدوث تدخل عسكري ضخم ضد نظام الأسد، وهو ما يمكن أن يكلف واشنطن فاتورة باهظة جراء تغيير التوازن العسكري والسياسي في سوريا.

أما السيناريو الثاني فيتمثل في تدخل عسكري محدود للضغط على الأسد ومنعه من استخدام الأسلحة الكيميائية، مع التلويح بورقة إعادة الإعمار وزيادة الدعم للمتمردين السوريين. ويشمل السيناريو الثالث تدخل دبلوماسي وإنساني مثل دعم اللاجئين السوريين في دول الجوار وقيادة الجهود للتوصل إلى اتفاق سلام في سوريا. فيما يذهب السيناريو الرابع إلى إمكانية سحب القوات الأمريكية بشروط.​

وتنفي كل من سوريا وروسيا وقوع أي هجوم كيميائي في المنطقة. وحذرت وزارة الخارجية الروسية واشنطن من “عواقب وخيمة” لأي تدخل عسكري في سوريا “بذرائع مفبركة”.

وقالت الخارجية الروسية في بيان لها: إن “التدخل العسكري في سوريا، حيث يتواجد هناك العسكريون الروس بناء على طلب من الحكومة القانونية، تحت مزاعم ملفقة غير مقبول على الإطلاق ويمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة”.

وهو ما يعني أن روسيا سيكون لها رد على الرد الأمريكي الذي لا نعلم حتى الآن ماذا سيكون. وما بين هذه وذاك يواصل الأسد جرائمه، ويواصل الشعب السوري مأساته التي لا تبدو لها نهاية في الأفق.

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى