تقارير

بعد فشل قمة ترامب وكيم.. هل يتجه نووي كوريا الشمالية إلى الترويض أم التمرد؟

علي البلهاسي

بدأت بالتفاؤل وانتهت بالفشل، لكن لا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعدها.. تلك هي القمة الأمريكية- الكورية الشمالية التي انعقدت مؤخرًا في فيتنام، وانتهت دون اتفاق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون حول مصير السلاح النووي لبيونج يانج، والذي بات مستقبله غامضًا في ظل فشل القمة التي كانت الثانية من نوعها، ولن يتبعها فيما يبدو قمة ثالثة وفق تأكيدات الرئيس ترامب.

وكان من المتوقع أن يتم التوقيع خلال “قمة هانوي” على اتفاقيات تهدف إلى نزع السلاح النووي وتعزيز السلام الإقليمي وتحسين العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ، إلا أن ترامب أشار إلى أن الطرفين فضلا تأجيل ذلك.

خيبة أمل

قبل انعقاد القمة سادت أجواء حماسية، وعبر الرئيس الأمريكي عن تفاؤله بإمكانية توصله مع الزعيم الكوري الشمالي إلى اتفاق بشأن نزع السلاح النووي لبيونج يانج، مؤكدا أن كوريا الشمالية ستكون إحدى القوى الاقتصادية في حال تخليها عن ترسانتها النووية.

وقال ترامب – في تغريدة له قبل مغادرته واشنطن متوجهًا إلى فيتنام- إنه يتوقع هو وكيم استمرار التقدم المحرز خلال القمة الأولى في سنغافورة، طارحا تساؤلاً عما إذا كان هذا التقدم سيكون نزع سلاح بيونج يانج النووي. وأشار ترامب في تغريدة أخرى إلى أن كيم يدرك، ربما أكثر من أي أحد آخر، أنه دون الأسلحة النووية قد تصبح بلاده سريعا إحدى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم.

إلا أن هذه الأجواء المتفائلة انتهت إلى حالة من خيبة الأمل بعد انتهاء القمة دون التوصل إلى اتفاق، الأمر الذي حرم ترامب من تحقيق انتصار دبلوماسي كان يحتاج إليه بشدة في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها في الداخل. لكن هناك من يرى أن هذا الأمر يحسب لترامب، خاصة وأنه لم يسع لصنع انتصار وهمي على حساب ما يجب القيام به تجاه هذا الملف الشائك.

عدم اتفاق

علامات الفشل ظهرت أولاً مع تقليص المدة المقررة للمحادثات بين الرئيسين، قبل الإعلان رسميا عن عدم التوصل إلى اتفاق. حيث أعلن البيت الأبيض أن الرئيسان ترامب وجونج أون لم يتوصلا لاتفاق بعد مباحثات بينهما استمرت على مدى يومين. وقالت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض: “لم يتوصلا لاتفاق هذه المرة لكن فريقيهما يتطلعان للاجتماع في المستقبل”.

فيما قال الرئيس ترامب في مؤتمر صحفي عقده عقب انتهاء المحادثات، إن السبب الرئيسي لعدم التوصل لاتفاق هو طلب كوريا الشمالية الرفع الكامل للعقوبات المفروضة عليها مقابل تفكيك جزئي لبرنامجها النووي.

وأوضح أن كوريا الشمالية ، رغبت في رفع العقوبات عنها بشكل كامل، إلا أنها لم تكن مستعدة لتقديم ما نريده لرفع العقوبات. وأضاف أنها كانت على استعداد لنزع النووي من الكثير من المناطق التي أرادتها الولايات المتحدة، إلا أنه لم يمكن من الممكن رفع جميع العقوبات في مقابل ذلك.

وتابع ترامب قائلا إن الزعيم الكوري الشمالي لديه رؤية محددة عن نزع السلاح النووي، وهى ما ليست عليه الرؤية الأمريكية بالضبط، لكنها لا تزال أقرب كثيرًا عما كانت عليه قبل عام مضى، معربًا عن اعتقاده أنه سيتم تقريب وجهات النظر في النهاية، قائلاً: “توجد فجوة بالفعل إلا أنه سيتم تقليصها في النهاية في وقت ما”، موضحا أن الزعيم الكوري لديه رغبة في نزع السلاح النووي لكن في مناطق أقل أهمية من المناطق التي نريدها.

لا قمة ثالثة

وأكد ترامب أن جميع العقوبات لا تزال قائمة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن البلدين صديقان وتجمعهما علاقة قوية، وبخاصة مع الزعيم كيم جونج أون، لكنه أكد أنه لن يلتزم بقمة ثالثة بينه وبين رئيس كوريا الشمالية، لكنه ترك الباب مفتوحًا أمام ذلك قائلاً: “سنرى لو كان ذلك سيحدث”.

وأكد ترامب أنه يرغب بشدة في رفع العقوبات عن كوريا الشمالية لرغبته في أن تنمو تلك البلاد، مشيرًا إلى أنها لديها قدرات لكن عليها أن تتنازل.

وأكد مجددًا أن بلاده تريد من كوريا الشمالية التخلي عن الكثير وأنه يقدم الكثير وأن بلاده ودولًا كثيرة ستساعد كوريا الشمالية اقتصاديا حال نزعها النووي بشكل كامل وبخاصة اليابان وكوريا الجنوبية والصين.

وكان ترامب قد جدد التأكيد على التزامه بالتوصل إلى حل لمسألة السلاح النووي الكوري الشمالي من خلال الحوار، وطلب من الرئيس الكوري الجنوبي “مون جاي إن” الاضطلاع بدور الوسيط من أجل إجراء حوار في المستقبل مع الزعيم الكوري الشمالي.

جاء ذلك في محادثة هاتفية أجراها ترامب مع مون في طريق عودته من فيتنام، حسبما أعلن بيان لقصر الرئاسة الكورية الجنوبية. كما اقترح ترامب أن تعمل واشنطن وسول عن كثب حتى تنفذ كوريا الشمالية التزامها بنزع السلاح النووي على نحو فعال.

نجاح جزئي

وفي إشارة إلى أن القمة لم تفشل تمامًا قال الرئيس ترامب إن زعيم كوريا الشمالية وعده بعدم إجراء تجارب صواريخ نووية، مؤكدًا أنه يثق بوعده، ويأمل أن يكون ذلك صحيحاً، متابعًا أنه في الوقت ذاته سيستمر وزير الخارجية مايك بومبيو في التواصل مع المسئولين هناك، وأنه كون بالفعل علاقات جيدة معهم.

من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” إن القمة بين الرئيسين ترامب وكيم في فيتنام كانت خطوة كبيرة نحو تحقيق ما اتفق عليه الزعيمان في سنغافورة في شهر يونيو الماضي.

وأضاف أنه تم إحراز تقدم حقيقي، لكن للأسف لم يكن الزعيم الكوري الشمالي على استعداد لتلبية المطالب الأمريكية. وأشار بومبيو إلى أنه لم يتم التوصل إلى شيء منطقي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه لا يزال متفائلاً أن يجتمع فريقا التفاوض التابعان للبلدين خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

وأعرب عن اعتقاده بأنه في حال مواصلة العمل فإنه من الممكن أن يتم إحراز تقدم في ما يرغب العالم في تحقيقه، وهو نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، من أجل تقليل المخاطر على الشعب الأمريكي والمواطنين في جميع أرجاء العالم.

هل رفض ترامب؟

وفي إشارة إلى تكذيب تصريحات الرئيس ترامب ووزير الخارجية بومبيو حول طلب الرئيس كيم رفع العقوبات كليًا، قالت كوريا الشمالية إنها تريد رفع العقوبات جزئيًا وليس كليًا، مشيرة إلى أن واشنطن رفضت عرضًا قدمته بيونغ يانغ للتخلص من مفاعلها النووي تحت إشراف خبراء أمريكان.

وقال وزير الخارجية الكوري الشمالي “ري يونج هو”، إن بلاده تريد رفع العقوبات جزئيًا وليس كليًا، وتريد على وجه الخصوص رفع البنود المتعلقة بالاقتصاد المدني وحياة عامة الشعب، وهي 5 بنود تم تبنيها خلال عامي 2016 و2017 من بين 11 بندا جاءت في قرار الأمم المتحدة.

وأضاف: “قدمنا مقترحات واقعية في محادثات القمة الثانية، استنادا إلى بناء الثقة الذي قاد إلى محادثات القمة الأولى في سنغافورة في شهر يونيو من العام الماضي ومبدأ الحل التدريجي”.

وأضاف :”يعني ذلك أنه إذا تم رفع جزء من العقوبات الأممية التي تؤثر على الاقتصاد المدني وحياة عامة الشعب، سيتم تدمير نهائي لجميع المنشآت النووية في يونجبيون والتي تنتج موادًا نووية من ضمنها البلوتونيوم واليورانيوم، عبر عملية التدمير المشتركة بين فنيين من البلدين تحت رقابة الخبراء الأمريكيين”.

وتابع قائلا:”نعتقد بأن هذه هي أكبر إجراءات ممكنة للتفكيك النووي في الوقت الراهن نظرا لمستوى الثقة القائم بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة”.

فيما قالت نائبة وزير خارجية كوريا الشمالية، “تسوي سونغ هي”، عقب مباحثات هانوي، إن بيونغ يانغ عرضت على واشنطن التخلص من المفاعل النووي في يون بيونغ بصفة دائمة وتحت إشراف خبراء أمريكيين لكنها لم تقبل العرض.

وأضافت: “تقدمنا هذه المرة بمبادرة لم تحدث في التاريخ من قبل: التخلص من المفاعل النووي في يون بيونغ بصفة دائمة وتحت مراقبة الخبراء الأمريكيين، وكذلك ما يحتويه من يورانيوم وبلوتونيوم. لكن يبدو أن الجانب الأمريكي أضاع فرصة نادرة بعدم قبوله هذا الاقتراح”.

لكن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال إن كوريا الشمالية افتقرت إلى الوضوح التام خلال القمة بشأن ما يمكنها تقديمه لرفع العقوبات عنها، وهو تفكيك منشأة يونجبيون النووية. وقال بومبيو وفقا لقناة “الحرة” الأمريكية – “كانوا صريحين للغاية فيما يتعلق بما هم مستعدون لفعله في يونجبيون، لكن لم يكن هناك وضوح تام بشأن النطاق الكامل لما هم مستعدون لتقديمه”، مشيرًا إلى أن كوريا الشمالية طلبت بصورة أساسية إعفاء كاملاً من العقوبات .

لماذا تمرد؟

وفقًا لمراقبين فإن النظام الكوري الشمالي رفع لواء التمرد على واشنطن مرات عديدة منذ قمة سنغافورة في يونيو الماضي، وذلك بسبب تقاعس واشنطن عن اتخاذ أية خطوات من شأنها تحفيزها للتخلي عن أسلحتها النووية رغم المبادرات الإيجابية التي اتخذتها، والتي تمثلت في الانفتاح على جارتها الجنوبية، بالإضافة إلى الحديث المتواتر عن رغبتها في التعاون مع محيطها الدولي والإقليمي لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي.

ولعل مطالبة بيونج يانج برفع العقوبات المفروضة عليها في القمة الأخيرة يبدو منطقيًا إلى حد كبير، ليس فقط بسبب مواقفها السابقة، والتي عرقلت المفاوضات مرات عدة في الأشهر القليلة الماضية، وإنما باعتباره نتيجة طبيعية للتطور الكبير في العلاقات بين الجانبين.

ويقول المراقبون إن رفض واشنطن لرفع العقوبات بشكل كلي عن بيونج يانج ربما يرجع إلى رغبة واشنطن في الاحتفاظ بعصا العقوبات لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على النظام الحاكم في كوريا الشمالية لإجباره على تقديم أكثر ما يمكن تقديمه من تنازلات، ليس فقط فيما يتعلق بقضية الأسلحة النووية، ولكن فيما يتعلق بعلاقتها الدولية.

حيث ترغب الإدارة الأمريكية في إعادة تشكيل تحالفاتها في آسيا، وهو ما يبدو واضحا في التقارب مع فيتنام على حساب الحلفاء التاريخيين لها في المنطقة، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية واليابان، وكذلك التقارب مع الهند على حساب باكستان، وذلك لتطويق الخصم الرئيسي لأمريكا هناك، وهو الصين.

وتحظى كوريا الشمالية بعلاقات متميزة مع الصين، وهو الأمر الذي ربما يعوق تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة في ظل الخلافات التجارية بينها وبين الصين، وكذلك الدور المناوئ لأمريكا الذي تلعبه بكين على الساحة الدولية، وهو ما تراه واشنطن تهديدًا صريحا لنفوذها.

لهذا يؤكد المراقبون أن “نزع السلاح النووي” لم يكن الأولوية الوحيدة للرئيس الأمريكي، في قمة فيتنام، حيث كانت هناك أولويات أخرى غير معلنة، أهمها أن تدور كوريا الشمالية في فلك واشنطن، وتبتعد عن الصين، وظهر هذا واضحًا في ترغيب زعيم كوريا الشمالية في التقارب مع واشنطن بوعود أمريكية بفرص اقتصادية كبيرة تحظى بها الدولة الشيوعية في المستقبل.

جدير بالذكر أن الورقة الكورية الشمالية تمثل أحد أهم الأوراق التي تمتلكها بكين في معركتها مع واشنطن، وهو ما جعل تطور المفاوضات الأمريكية الكورية الشمالية صعودا أو هبوطا مرتبطًا مع مستجدات العلاقة بين إدارة ترامب والصين.

ويدرك ترامب أن بكين مازالت تملك مفتاح حل الأزمة الكورية الشمالية، وبالتالي يبقى في حاجة ملحة لتقديم تنازلات للصين في خلافاتهما التجارية إذا ما أراد دورًا إيجابيًا منها فى هذه الأزمة.

إعداد غير جيد

وحول الأسباب التي يمكن أن تكون قد أدت إلى فشل القمة، قال جوزيف يوان، الدبلوماسي السابق والخبير في شئون كوريا الشمالية، إن القمة انتهت بدون اتفاق بسبب غياب الإعداد لها. وأوضح أنه بحكم خبرته في العديد من القمم، فإنها عادة ما تنطوي على الكثير من العمل، ويكون الاتفاق أمر مفروغ منه. لكن هذه المرة رأينا إعدادًا ضعيفًا للغاية، وهو ما شعرت بالقلق بشأنه، فقمة سنغافورة لم يكن بها مادة تكون على الأقل أساس، وكان هناك بحث عن شيء ما”.

فيما قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن يومين من الخطب المتصاعدة والتملق المتبادل  بين كيم وترامب تحولا إلى تبادل أصابع الاتهام بعد تعثر القمة، وهى النتيجة التي يقول منتقدو الرئيس الأمريكي أنه كان من المفترض أن يتوقعها.

وتقول “واشنطن بوست” إن مشكلة “الدجاجة والبيضة” وأيهما يأتي أولاً نزع النووي أم رفع العقوبات. حيث كانت كوريا الشمالية تريد أكثر مما يستعد المفاوضون الأمريكيون لتقديمه.

وكان على ترامب وكيم محاولة الالتقاء في منتصف الطريق، لكن هذا لم يكن لينجح أبدًا بدون الإعداد الجيد والتخطيط المسبق، حسبما يقول سكوت سندير الخبير في شئون كوريا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. وأوضح الخبير أنه يعتقد أن سبب الفشل هو الاعتراف بالحاجة لمزيد من الوقت والمحادثات لإنجاز اتفاق.

وتناول مقال لصحيفة “نيويورك تايمز” مرحلة الإعداد للقمة التي رأى انها لم تكن جيدة، حيث رأى أن ترامب لم يستخدم أوراقه جيدًا خلال فترة الإعداد للقمة، وتحديدًا عندما أشار إلى أنه حريص على التوصل إلى اتفاق، وأنه من المرجح أن يحقق “نجاحا رائعا”، وهو ما أدى كله إلى أن يرفع كيم سقف مطالبه اعتقادًا منه بأن ترامب سينحني لها.

وأشار المقال إلى أنه كان لابد أن يتم التوافق بشكل كبير بين الجانبين على الاتفاقيات التي ستسفر عنها القمة قبل انعقادها، لكن ترامب لم يتحل بصبر كبير على تلك العملية الدبلوماسية شديدة الدقة، وبدلاً من ذلك وضع ثقة مبالغ فيها في تحقيق تقدم كبير عن طريق العلاقات الشخصية، وكانت ثقته في غير محلها هذه المرة.

ولفت المقال إلى أن الجانب الكوري الشمالي رفض الاتفاق على ما ستسفر عنه القمة مقدمًا مع المبعوث الأمريكي الخاص ستيفن بيجون، وربما يرجع ذلك إلى أن كيم اعتقد أنه سيكون باستطاعته أن يتفوق على ترامب بالحيلة عند لقائه شخصيًا في هانوي كما حدث في سنغافورة من قبل.

كما اعتبر المقال أن ترامب كان مضللاً في الاجتماع السابق في سنغافورة، حيث لم يفهم أن كيم يستخدم عبارة “نزع السلاح النووي” ليعني بها شيئا آخر غير ما تعنيه الولايات المتحدة، وقالت إن ترامب أعطى كيم هدية هائلة وهي إكسابه الشرعية التي تترتب عن عقد قمة معه، دون أن يحصل ترامب على مقابل لذلك.

أفضل من أوباما

ورغم ما قيل عن فشل القمة في التوصل إلى اتفاق إلا أن هناك من رأى ذلك أفضل من التوصل لاتفاق سيء مع كوريا الشمالية مثلما حدث من قبل مع إيران. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، إن قرار الرئيس ترامب بخصوص عدم التوصل لاتفاق لنزع السلاح النووي مع كوريا الشمالية، أفضل من الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران.

وقالت ساندرزفي تصريحات نقلتها صحيفة (ذا هيل) الأمريكية: “الرئيس أوباما رفض أن يتخلى عن إبرام اتفاق سيء مع إيران، ولكن ترامب رفض أن يكرر الخطأ مع إيران وكوريا الشمالية أو أي أحد آخر”، مضيفة أن الرئيس ترامب سيضع دومًا سلامة الشعب الأمريكي فوق السياسة.

ولعل قضية رفع العقوبات عن الدول المارقة تمثل حساسية بالغة للرئيس ترامب، وهو ما بدا واضحا في تعامله مع المسألة الإيرانية، حيث يرى أن الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما و”التسامح” الأمريكي مع طهران ساهم في إطلاق يدها في دعم الكثير من الجماعات الإرهابية بالمنطقة، بالإضافة إلى تهديد المصالح الأمريكية بها.

واعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن الرئيس ترامب كان على صواب، في أن يغادر قمته مع الزعيم الكوري الشمالي بدلاً من أن يقبل باتفاق نووي سيء.

وأوضحت الصحيفة- في مقال بعنوان “ما بعد إخفاق ترامب- كيم” بثته على موقعها الإلكتروني – أن كيم سعى، على ما يبدو، في هذه القمة إلى رفع كافة العقوبات المفروضة على بلاده في مقابل مجرد إغلاق بعض المواقع النووية، وهذه ليست صفقة جيدة، وترامب كان على صواب في أن ينسحب بدلا من القبول بذلك.

وأعاد المقال إلى الأذهان الواقعة الشهيرة لانسحاب الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان من قمة عام 1986 مع الاتحاد السوفيتي في ريكيافيك بآيسلاند، بدلا من القبول باتفاق حد من التسلح كان يراه معيبًا، وعاد السوفييت بعد عام بشروط أفضل وتم إبرام اتفاق. وتابع قائلا: إنه يمكن للجميع أن يأمل في أن يحدث أمرا مشابها لذلك هذه المرة.

عودة التصعيد

لكن مقال “نيويورك تايمز” عبر عن مخاوف من وجود مخاطر كبيرة منتظرة بعد فشل قمة ترامب وكيم، أهمها أن كوريا الشمالية قد تعود إلى تجارب الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، وهو ما قد يكون علامة على تصعيد كبير للتوترات ويجدد المخاوف من سياسة حافة الهاوية والحرب.

ورجح المقال حدوث ذلك، معتبرًا أن كوريا الشمالية التي لا تحظى بأهمية بخلاف هذه، ولا تلفت الانتباه إلا عندما تتخذ إجراءات استفزازية، لذا فإن زعماءها يعلمون بأن أفضل تأثير لهم يأتي عن طريق إطلاق الصورايخ وتفجير الرؤوس الحربية أو إنشاء منشآت نووية.

وقال كاتب المقال إنه يميل إلى الاتفاق مع المشككين في أن كيم ليس لديه أي نية للتخلي عن مخزونه من السلاح النووي، لكنه يرى أنه ما زال هناك مجال لدبلوماسية تترك العالم في حال أفضل.

وأوضح أن تلك الدبلوماسية تقوم على أن كيم يبدو مستعدًا للتوصل إلى اتفاق بشأن استمرار إيقافه لاختبارات الرؤوس الحربية والصواريخ وتجميد إنتاج الوقود النووي في مجمع “يونجبيون”، وهي أهداف تستحق أن يتم تحقيقها إذا كان ثمنها غير باهظ.

واقترح المقال أن يكون الثمن المعقول لهذه الإجراءات هو تخفيف العقوبات المفروضة على المشروعات بين الكوريتين، وهو ما سيكون له أثر مع مرور الوقت في جعل وضع كوريا الشمالية طبيعيًا، ومنحها مصالح مع العالم الخارجي.

وقالت نيويورك تايمز إن هذا النوع من الاتفاق هو ما يجب أن يكون هدفا لدبلوماسية تستمر، مشيرة إلى أن بإمكان الرئيس الكوري الجنوبي أن يسعى إلى تحقيقه بتأييد أمريكي.

الحرب الكورية

وفى سياق آخر، ذكرت شبكة “سى إن إن” أنه في أعقاب انتهاء قمة ترامب وكيم دون اتفاق، تضاءلت الآمال بتوقيع اتفاق سلام ينهى رسميًا الحرب الكروية بعد أن توقف القتال عام 1953.

لكن الشبكة قالت إنه سيكون هناك تركيز جديد على هذا الأمر من قبل نواب الكونجرس، مشيرة إلى أن النائب رو خانا تقدم مع 18 من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين بمشروع قانون يطالب بتسوية نهائية للحرب الكورية بع مضى 68 عامًا.

وفى بيان لها قالت شبكة سلام كوريا التي دعمت مشروع القرار إن الفشل في التوصل إلى اتفاق لا ينبغي أن يتم التعامل معه على إشارة بأن الدبلوماسية لا ينجح.

من جانبه أعرب رئيس كوريا الجنوبية “مون جاي إن” عن أمله في أن يؤدي استمرار إصرار الرئيس ترامب وجهوده إلى إنهاء آخر ما تبقى من الحروب الباردة في العالم والمواجهة القائمة في شبه الجزيرة الكورية.. مشيرًا إلى أن السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية سيترسخ بعد تجاوز عدة مصاعب.

وتابع مون أن إعادة توحيد كوريا ليس بعيدا وأن التوافق الوجداني والاعتراف بنقاط التباين بين الطرفين وإقامة العلاقة المتبادلة تمثل الوحدة في حد ذاتها.

وأضاف: “سنقوم بكل ما في استطاعتنا في إطار التعاون الوثيق بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة”. واقترح مون أن يجمعه لقاء بالرئيس الأمريكي في المستقبل القريب لاستكمال مباحثاتهما، فيما اتفق ترامب مع الحاجة إلى عقد اجتماعا بينهما شخصيًا واقترح أن يتم التنسيق للاجتماع من خلال القنوات الدبلوماسية.

وقال الرئيس الكوري الجنوبي إنه سيتعاون مع اليابان أيضًا من أجل تحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية، لافتا إلى أن عصر السلام سيأتي بوتيرة سريعة، مختتما بقوله: “إن كوريا الجنوبية واليابان ستصبحان دولتين صديقتين”.

كيف يصدقه؟

في سياق آخر تعرض الرئيس ترامب لانتقادات لاذعة، في أعقاب قوله إنه يصدق ما قاله نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بأنه لا علاقة له بوفاة طالب أمريكي كان مسجونًا في بيونغ يانغ.

وكان ترامب قد سئل خلال المؤتمر صحفي عقب انتهاء القمة، عمّا إذا كان قد تطرق مع كيم إلى قضية الطالب الأمريكي أوتو وارمبير، الذي كان مسجونًا بكوريا الشمالية عام 2017 وأعيد إلى الولايات المتحدة في حالة غيبوبة حيث فارق الحياة.

وقال ترامب ردا على السؤال: “أبلغني أنه لم يكن على علم بالأمر وأنا أصدقه”، لافتا إلى أن كيم “يشعر بأسى إزاء هذه القضية، ولقد تحدّثت بشأنها معه، وكان فعلاً يشعر بالأسى. كان على دراية تامة بالملف، ولكنه علم به لاحقًا”.

وأثارت تصريحات ترامب انتقادات كثيرة حتى في حزبه الجمهوري، حيث قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي، إنه لا يعتبر زعيم كوريا الشمالية صادقًا. فيما اعتبرت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بلوسي، أن “كيم ليس صادقًا فيما يتعلق بإغلاق برنامجه النووي والصاروخي، واستغربت أن يحتاج ترامب لعقد قمتين معه لفهم ذلك”، موضحة أن “الفائز الكبير في هانوي كان كيم”.

أما نيكي هايلي السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة، فقد بينت أن الأمريكيين “يعرفون الوحشية التي مارسها نظام كوريا الشمالية على الطالب أوتو وارمبير”.

واعتقل الطالب وارمبير في مطار بيونغ يانغ، واتهم بارتكاب جرائم ضد الدولة بزعم إزالته ملصقا دعائيا للزعيم كيم جونغ أون.

وتوفي وارمبير بعد عودته إلى الولايات المتحدة في حالة غيبوبة، بعد أن قضى حوالي 18 شهرا في الأسر بكوريا الشمالية، وقال الأطباء إنه كان يعاني من أضرار جسيمة في المخ، ما أدى إلى وفاته.

نجاح إعلامي

بعيدًا عن ما قيل حول فشل القمة في الوصول لاتفاق، احتفت صحيفة “واشنطن يوست” بنجاح إعلامي حققه مراسلها وهو الحصول على إجابة من الزعيم الكوري الشمالي حول سؤال موجه إليه من صحفي أجنبي.

فخلال اللقاء الذي جمع الرئيسان ترامب وكيم جونج اون، قام الأخير بشيء لم يسبق أن فعله من قبل بحكم منصبه كرئيس لدولة تمثل المجتمع الأكثر انغلاقا في العالم، وهو الرد على سؤال من صحفي أجنبي.

وجاء هذا، بحسب ما قالت “واشنطن بوست، عندما كان يجلس على طاولة خشبية مع الرئيس دونالد ترامب لالتقاط الصور قبل جلسة المفاوضات المغلقة. وقبل خروج الصحفيين من الغرفة، طرح مراسل واشنطن بوست ديفيد ناكامورا سؤالاً قصيرًا موجهًا لكيم قال فيه: “الرئيس كيم، هل أنت واثق ولديك شعور طيب إزاء التوصل إلى اتفاق؟”.

ومع محاولة مسئولي البيت الأبيض إخراج الصحفيين من الغرفة، اتجه كيم إلى مترجمه الذي ترجم له السؤال سريعًا، وما فاجأ جموع الصحفيين الحاضرين أن كيم رد على السؤال، وأعرب عن تفاؤل حذر، حيث قال “إن الوقت لا يزال مبكر للغاية للحديث عن هذا، لكن ما أشعر به الآن هو أنه سيكون هناك نتائج جيدة”.

وتقول الصحيفة إنه على الرغم من أن الإجابة لم تكن استثنائية في حد ذاتها، لكن بالنسبة لزعيم دولة تسجن المعارضين بشكل جماعي وتحظر أي شكل من الإعلام المستقل، فإن هذه كانت المرة الأولى التي يتواصل فيها كيم مع الإعلام الأمريكي.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى