تقارير

المهاجرون الأفارقة.. حلم بحياة أفضل ينتهي بكابوس العبودية والموت

 التشدد الأوربي يفاقم الأزمة والبحر يهدد بابتلاع المزيد من البشر

صوت العرب من أمريكا -الجزائر

إعداد: علي  ياحي – تحرير: علي البلهاسي

تعيش الكثير من شعوب أفريقيا ظروفًا حياتية قاسية لا يتحملها غيرهم من البشر، فما بين الفقر والجوع والمرض والنزاعات والحروب تتوزع المعاناة على سكان القارة السمراء الذين طال انتظارهم لقدوم غدٍ أفضل يبدو أنه قرر ألا يأتي أبدًا.

أصبح الهرب هو الوسيلة الوحيدة أمام من تقطعت بهم سبل العيش داخل بلادهم.. بعضهم قرر الهجرة سعيًا وراء حلم يداعبه في أوروبا، لكن أغلبهم غادر بلده وهو لا يعلم إلى ماذا وأين قد تنتهي به الرحلة، كل ما يعلمونه أن الآلاف ممن سبقوهم في هذه التجربة انتهى بهم الأمر إلى الموت غرقًا في مياه المتوسط، ورغم ذلك هم يكررون التجربة سعيًا وراء أمل ولو بسيط في أن تتحسن ظروفهم، أو على الأقل يتخلصون من المعاناة التي هربوا منها.

“راديو صوت العرب من أمريكا” يرصد لكم في هذا التقرير الواقع المؤلم للمهاجرين الأفارقة، ويستطلع آراء خبراء ومحللين حول هذه القضية.

بين المعاناة والهلاك

يتدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة كل يوم على دول شمال أفريقيا، كمحطة أخيرة قبل أن تحملهم قوارب سماسرة الهجرة أو بالأحرى “قوارب الموت” إلى السواحل الأوربية. وأدى هذا التدفق إلى واقع إنساني صعب أصبحت تعيشه منطقة الشمال الإفريقي، والتي أصبحت أزمة المهاجرين اكبر من طاقتها.

واستفحلت الأزمة في السنوات الأخيرة بعد الانتفاضة الليبية عام 2011 والحرب الأهلية المستمرة هناك، والتي هيأت الأجواء لاختراقات الحدود الليبية وتكدس المهاجرين على أراضيها، وتكرار حوادث غرق المئات منهم في البحر كل يوم، أو هلاكهم في الصحراء نتيجة الجوع أو العطش، أو جراء الانتهاكات التي يتعرضون لها على يد عصابات التهريب وميليشيات الحرب.

الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى دق ناقوس الخطر، والدعوة إلى ضرورة إيجاد حلول لهذه المشكلة، في ظل رفض كل الأطراف لتحمل مسؤوليتها تجاه ما يحدث للمهاجرين، الذين فروا من جحيم بلدانهم آملين حياة أفضل، فإذا بهم يقعون ضحايا لعصابات التهريب وتجار البشر والإرهابيين الذين لا يتورعون في ممارسة القتل والتعذيب والاغتصاب والحجز بحقهم.

مشكلة ليبيا

تستقبل ليبيا العمالة الأفريقية منذ وقت بعيد، لكن بعد الأزمة الأمنية التي تعيشها البلاد بعد سقوط نظام القذافي أصبحت ليبيا تستقطب المهاجرين الأفارقة، ليس من أجل العمل، ولكن للانتقال نحو السواحل الأوربية، في رحلة تبدأ من أدغال إفريقيا وتمر بمسارات معقدة وخطيرة تهدد حياتهم ووصولهم بسلام إلى ليبيا، وقد تنتهي الرحلة بالهلاك في البحر المتوسط، أو الوقوع كضحايا للحراب الدائرة بين الجماعات المسلحة في ليبيا.

الخبير الأمني الجزائري علي زاوي ، أكد لموقع “راديو صوت العرب من أمريكا أن استمرار الحرب في ليبيا يوسع دائرة المعاناة بالنسبة لدول الجوار وللمهاجرين الأفارقة أيضًا، وأصبحت الأزمة مرهونة بالتوصل إلى حل سلمي في ليبيا من أجل إنهاء معاناة المهاجرين الأفارقة ووقف المأساة الإنسانية التي تحدث لهم كل يوم.

وأضاف أن المهاجرين الأفارقة باتوا إحدى وسائل الابتزاز والضغط بين الدول، بما فيها الدول الأوربية، لذا فانه من الضروري أن يتحرك الشعب الليبي قبل الدولي من أجل إنهاء هذه المعاناة، لأن التاريخ لن ينسى معاناة الأفارقة في ليبيا.

ورغم أن المنظمة الدولية للهجرة وغيرها من المنظمات الإنسانية ينظمون العديد من الرحلات لإعادة المهاجرين الأفارقة من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية، إلا أن النشاط الكبير لشبكات الاتجار بالبشر يجعل الجهود الإنسانية التي تبذل في هذا الإطار ضعيفة وغير كافية.

ويكشف المختص في الشأن الليبي ومنطقة الساحل، علي زاوي، أن عدد العمال المهاجرين في ليبيا، كان حوالي مليون عامل قبل الأزمة الأمنية، ومع بداية الأزمة تمكن عدد كبير منهم من الفرار إلى دول الجوار وإلى بلدانهم.

مسارات الهجرة

يصل الأفارقة إلى ليبيا بعد مرورهم برحلة مروعة، تبدأ بأن تطلب منهم العديد من مكاتب التشغيل الوهمية المنتشرة في المدن الليبية القدوم من أجل العمل، وهي في الحقيقة مكاتب تستولي على أموال الأفارقة الحالمين بحياة أفض.

وبعد وصولهم إلى ليبيا لا يجدون عملاً فيضطرون للتسكع في الشوارع بحثًا عن عمل، ليستقر بهم المطاف بين أيدي مليشيات وشبكات إجرامية تجبرهم على العمل ضمن المجموعات المسلحة.

بينما تعمل بعض المكاتب على تشجيع المهاجرين على الانتقال إلى السواحل الأوروبية، وتطلب مبالغ كبيرة مقابل ذلك، ما يجعل الأفارقة يتنقلون إلى ليبيا وبحوزتهم مبالغ الرحلة نحو أوروبا وفق ما تم الاتفاق بشأنه مع المكاتب.

وهو ما أكده المحلل الجزائري ورئيس لجنة المصالحة، أحمد ميزاب، في تصريح لـ”راديو صوت العرب من أمريكا”، قال فيه إن قوافل المهاجرين الذين يقصدون ليبيا، يمرون عبر مسارين اثنين وهما:

1- مسار غرب أفريقيا: ويكون عبر النيجر وتشاد، ويسلكه الأفارقة جنوب الصحراء، حيث تعتبر النيجر هي بلد العبور الرئيسي الذي يستخدمه المهاجرون القادمون من غرب ووسط أفريقيا، حيث يستخدم معظمهم الحافلات للوصول إلى مدينة أغاديز، المركز الرئيسي لتهريب المهاجرين، حيث يضعون مصيرهم وأموالهم بين أيدي المهربين، لعبور الصحراء نحو ليبيا.

2- مسار القرن الأفريقي: ويكون عبر السودان، وهو خاص بالصوماليين والإريتريين والقادمين من آسيا. ويعتبر الإريتريون أهم الذين يسلكون هذا المسار، يليهم المهاجرون السودانيون والصوماليون، حيث يتجمع الطامحون في الهجرة بالعاصمة السودانية الخرطوم، التي هي مركز التهريب الرئيسي على هذا المسار، ليتم نقلهم في شاحنات خاصة إلى الحدود مع ليبيا، حيث يجدون قبائل الطوارق في استقبالهم لنقلهم إلى المدن الساحلية في ليبيا.

وأضاف أن المشكلة الرئيسية في ليبيا هي التحقق من جنسية المهاجرين ووثائق السفر، الأمر الذي يمنع إحصاءهم ويصعب عملية إعادتهم إلى بلدانهم، مشيرًا إلى أن جوازات سفرهم يتم مصادرتها في كثير من الأحيان من جانب المليشيات المسلحة وشبكات الإجرام.

تجار البشر

أصبحت ليبيا بلد العبور نحو أوروبا منذ 2011، وهذه الوضعية شجعت شبكات الجريمة المنظمة والتنظيمات المسلحة على أن تنشط في مجال الاتجار بالبشر الذي أصبح يجلب لهم المليارات، وهو ما يفسر تواجد أعداد كبيرة من الأفارقة في ليبيا، وأيضًا على قوارب الموت التي تعبر البحر المتوسط نحو ايطاليا بصفة خاصة.

وقد انتقدت العديد من المنظمات الإنسانية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة ومنظمة العفو الدولية، وضعية المهاجرين في ليبيا، واعتبرت أن الآلاف يتم احتجازهم إلى ما لا نهاية في مراكز مكتظة، تتعرض فيها حقوقهم للانتهاك بصورة منظمة، خاصة أن بعض مراكز الاعتقال تسيطر عليها فصائل مسلحة لا تخضع لأي سلطة، ويرجح أن تكون على علاقة بشبكات الاتجار بالبشر. وتقول المنظمات الإنسانية إن مراكز الاحتجاز في ليبيا تعاني من شح في الطعام والمياه الصالحة للشرب والأدوية.

وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على أشخاص يترأسون شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين التي تنشط في ليبيا، إلا أن دار لقمان لا تزال على حالها مع المشاهد المروعة التي يستيقظ عليها العالم كل يوم، مع غرق قوارب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، وهلاك الآلاف من الأطفال والنساء، وذلك بعد أن اهتزت ضمائر العالم سابقًا، إثر مشاهد لصور مهاجرين يباعون كالعبيد في ليبيا.

وأكد المحلل الجزائري أحمد ميزاب، تزايد عمليات الاتجار بالمهاجرين الأفارقة الذين يمرون عبر ليبيا، حيث يتم احتجازهم مقابل فدية لتركهم، ويتم إكراههم على العمل دون أجر، كما يتم استغلالهم جنسيًا، وإجبار النساء منهم على العمل بالدعارة.

وأشار إلى أن هناك مستودعات لتجميع المهاجرين يسيطر عليها أفراد من شبكات الاتجار بالبشر، وأخرى تخضع لعناصر من تنظيمات مسلحة. وتابع أنه يجري احتجازهم أثناء توجههم شمالا باتجاه ساحل البحر المتوسط، وأشارت إلى أن بعض المهاجرين الذين لا يمكنهم دفع الفدية يُقتلون أو يُتركون للموت جوعًا، ما يرجح فرضية وجود مقابر جماعية في الصحراء.

الانتقال للجزائر

أدى التلاعب بحياة المهاجرين من جانب شبكات الجريمة المنظم إلى هلاك الآلاف في البحر المتوسط، ومع تشديد الرقابة البحرية أصبح الوصول إلى السواحل الأوروبية صعبًا نوعًا ما، لذا لجأ المهاجرون إلى اعتماد الجزائر كبلد إقامة بعد أن كان بلد عبور، خاصة بعدما لمسوا الظروف المريحة والاستقرار الذي تنعم به الجزائر مقارنة بجيرانها، وهو ما يفسر الأعداد الكبيرة للمهاجرين الأفارقة وكذا السوريين المتواجدين بالجزائر.

غير أن ارتفاع أعداد المهاجرين الأفارقة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر، دفع السلطات المحلية إلى اتخاذ إجراءات لترحيل المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية بالاتفاق مع سلطات دولهم، وهو ما يتم من حين لآخر مع النيجريين والماليين والتشاديين.

وذكر وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، أن بلاده تتوقع وصول مزيد من المهاجرين غير الشرعيين من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، بعدما جعل الاتحاد الأوروبي الوصول إلى القارة أمرًا أكثر صعوبة.

وقال إن عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين وصلوا بالفعل إلى الجزائر، لكن يمكن الحديث عن مئات الآلاف سيصلون في المستقبل القريب بعد إغلاق أوروبا أبوابها. وأضاف أن الحل ليس إغلاق الحدود من جهة وترك المهاجرين يموتون على الجانب الآخر، معبرًا عن قلق الجزائر من تنامي أعداد المهاجرين غير الشرعيين.

أفاد الوزير الجزائري أن بلاده، أنفقت 20 مليون دولار في السنوات الثلاث الماضية للتصدي لتدفق المهاجرين غير الشرعيين من منطقة الساحل فرارًا من الحرب وانعدام الأمن والفقر، مشددا على أن الجزائر لم تتلق مساعدة من أحد، وتتعامل مع الوضع من مواردها الخاصة.

اتهامات مغلوطة

وعبر الوزير عن رفضه  للاتهامات التي توجهها الجهات الحقوقية، ومنها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، بأن المهاجرين يتم ترحليهم من الجزائر إلى طريق الهلاك، ورد قائلاً: “لسنا نازيين، المهاجرون لا يموتون في الجزائر، لكن المئات منهم توفي على أبواب أوروبا”.

جاء ذلك بعد تقارير تتهم الجزائر بالعنصرية والكراهية في التعامل مع المهاجرين الأفارقة، على اعتبار أن ترحيلهم لا يتم وفق القواعد الإنسانية، وأنه يتم تركهم في أعماق الصحاري ليموتوا عطشًا، أو يقعوا بين أيدي المهربين والمجرمين. وهي الاتهامات التي استنكرتها الجزائر واعتبرت أنها تستهدف تشويه صورة الجزائر التي رفضت إقامة مراكز احتجاز للمهاجرين على أراضيها.

تراجع الاتحاد الأوروبي

بعد أن كان الاتحاد الأوروبي يشجع على هجرة السوريين والليبيين والأفارقة، يبدوا أنه تراجع عن مبادئه، وراح يبحث عن حل لمواجهة أزمة الهجرة بعد أن خرج الأمر عن السيطرة، وأصبح البحر المتوسط مقبرة للمهاجرين.

واقترحت قمة بروكسل الأخيرة إقامة مراكز أو منصات لتجميع المهاجرين في دول شمال إفريقيا، حيث يتم انتقاءهم ودراسة ملفات وطلبات اللجوء، أي التعاطي مع الأزمة من بعيد، وهو ما رفضته دول شمال إفريقيا لتبقى أزمة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط دون حل، وقد يزاد الأمر سوءًا من استمرار التشدد الأوروبي.

في هذا السياق، قال الحقوقي حسين زهوار، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تصريح خاص لـ”راديو صوت العرب من أمريكا”، إن حل ظاهرة الهجرة عبر المتوسط مرتبط بالاتحاد الأوروبي، بوصفه المسئول الأول عن تدهور الأوضاع في إفريقيا، فقد كان هو المستعمر لها بالأمس، ولازال ينهب ثروات إفريقيا ويحرم شعوبها من الاستفادة من خيرات بلدانهم، الأمر الذي وسع من دائرة الفقر وأضعف التنمية، وأدى لظهور الجماعات المسلحة والانفصالية والمعارضة، التي أصبحت وقود الحروب الأهلية في إفريقيا، والمتسبب الأول في فرار الجميع نحو حياة أفضل يرون أنها متوفرة في أوروبا.

وتابع حسين زهوان، أن الحل يكمن في خلق تنمية في أفريقيا، وتشجيع السكان المحليين على الاستثمار، مع توزيع عادل للثروة، ومحاربة الفقر، ونشر التعليم، حتى لا يفكر الناس في الهجرة، مشيرًا إلى مسؤولية الغرب عن الفوضى الحاصلة أيضًا في المنطقة العربية، في سوريا وليبيا والعراق، وهي الفوضى التي شجعت أيضًا على الهجرة، وجعلت البحر المتوسط مقبرة بشرية.

أرقام صعبة

* وفقًا لتقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فقد حاول 50  ألف شخص عبور البحر المتوسط في قوارب عام 2011، وغرق منهم حوالي 2000 شخص.

* يباع المهاجر في ليبيا بمبلغ يتراوح بين 208 و642 دولارًا للشخص الواحد، وكل مهاجر عليه دفع 1200 دولارًا لركوب قارب نحو أوروبا.

* يدفع كل مهاجر 24 دولارًا شهريًا إلى مليشيات ليبية مسلحة لكي يبقى على قيد الحياة.

* تشير إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” إلى أن  26 ألف طفل، معظمهم غير مصحوبين بذويهم، عبروا البحر المتوسط  عام 2017.

* في العام 2016 عبر من ليبيا إلى إيطاليا نحو 180 ألف مهاجر، بينهم 28 ألف طفل.

* العديد من الأطفال والنساء يتعرضون للعنف والانتهاك الجنسي من قبل المهربين، ولكنهم لا يتحدثون خوفا من الاعتقال أو الترحيل أو القتل.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى