تقاريررمضان

العيد في السعودية .. احتفاء بالتراث واستمتاع بالترفيه!

كتب ـ أحمد الغـر | راديو صوت العرب من أمريكا

السعودية اليوم ليست هى ذاتها قبل عامين أو أقل، لقد تغيرت أشياء كثيرة، وبالطبع فإن مظاهر الاحتفال بالعيدين كانت من ضمن ما شمله ذلك التغيير، ففي مايو من العام 2016م أنشئت الهيئة العامة للترفيه، ومعها تعددت الفعاليات وكثرت الاحتفالات، فعرف المواطن السعودي نمطاً جديداً للترفيه يعيشه في مختلف المناسبات، ويُضاف إلى رصيد قديم من الفعاليات الكرنفالية العائلية والتراثية التي كانت تُقام إحتفاءاً بالأعياد، فالسعوديون اليوم مدعون لأكثر من 80 فعالية مختلفة ضمن “موسم العيد” فقط، وهو ما يشكل مظهراً كبيراً من مظاهر التحولات الاجتماعية قبل أن يكون في أشكال الترفيه الذي تشهده السعودية ألان.

العودة إلى التراث!

لطالما تميزت احتفالات عيد الفطر في المملكة العربية السعودية بتركيزها على التراث من ‏خلال إقامة عدد من الفعاليات في المواقع التراثية المنتشرة في مختلف مناطق ‏المملكة، حتى صار التراث عنوانا لأعياد الفطر والأضحى، وبالرغم من الانفتاح الذي شهدته المملكة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن فعاليات واحتفالات أهالي معظم المحافظات والمراكز مازالت تُقام ‏في البلدات التراثية،  مما يعد علامة مهمة في المجتمع على حفاظ بعض العائلات واعتزازها بالتراث العمراني، وبحمايته، ولو موسميا.‏

كما تشهد بعض الساحات في البلدات التراثية إلقاء مجموعة من أشهر قصائد ‏العرضة السعودية، والتي تقوم بأدائها فرق مثل فرقة الدرعية، هذا إلى جانب العديد من ‏الفقرات الشعبية والتراثية والأدبية بمشاركة عدد من الشعراء المعروفين ‏وفرق شعبية تقدم أنواعاً من الفولكلور، إضافة إلى ذلك يتم تقديم الأكلات ‏الشعبية السعودية، مع تقديم ألوان وصور اجتماعية للحياة في الماضي، ‏وتعد إقامة الاحتفالات في الساحات التاريخية الرئيسية تقليدا تنتهجه أهم مدن ‏العالم وخاصة المدن الأوربية، بهدف إحياء للموروث التاريخي للمدينة ‏والتعريف بأحيائها التاريخية ولربط المواطنين والزوار بتاريخ مدنهم ودولهم، وهذا ما تحافظ عليه المملكة بالرغم من الحداثة ودخول أنماط جديدة للترفيه لم يشهدها المواطن السعودي من قبل على أراضي مملكته.

أكثر من 80 فعالية !

منذ إنشاءها، وكعادتها في مختلف المواسم، حرصت الهيئة العامة للترفيه على معايدة مواطني ومقيمي وزائري السعودية بأكثر من 80 فعالية مختلفة في إطار إحتفالات “موسم العيد” الذي انطلق في أول أيام عيد الفطر المبارك ولمدة خمسة أيام في مناطق مختلفة من المملكة، حيث سيكون أهل المملكة وزائريها على موعد مع العروض الترفيهية المختلفة ومسرح الطفل والجلسات التراثية في الحدائق والساحات والمتنزهات وأيضا في الأسواق التجارية.

عدد كبير من المهرجانات والاحتفالات الدخول إليها مجاناً، كما أن فعاليات هذا العيد تتميز بكونها متنوعة وتتناسب مع جميع فئات المجتمع السعودي، حيث تسعى هيئة الترفيه إلى تقديم فعاليات عالمية وأخرى تقدم لأول مرة، وذلك في إطار الارتقاء بصناعة الترفيه بالمملكة، والذي شهدت طفرة نوعية كبيرة خلال العامين الماضيين.

بهجة خاصة للأطفال

العيد مناسبة مبهجة لإدخال السرور إلى الأطفال، الذين ينتظرونه بفارغ الصبر وهم يحتضنون ملابسهم الجديدة، وفي ظل الترفيه والانفتاح الذي تشهده المملكة مؤخراً، فإن الأطفال في المملكة سيكون لهم فرحة خاصة بالعيد هذا العام، حيث سيكونون على موعد لمشاهدة أبرز الشخصيات الكرتونية إذ يحضر بعضها للمرة الأولى، فقد تم الإعلان عن إقامة عروض “بيبي شارك” وهي من أكثر الشخصيات والأغاني مشاهدة في العالم، أيضا عروض “آيس أيج” الشهيرة، و”لؤلؤة والماسة”، وفعالية “بارني”، و”باور رينجرز”، وعروض “دورية المخلب”، و”أرض المحبة”، وكذلك فعالية الأطفال الشهيرة “تيليتابيز”، و”باربيز”، و”سبونج بوب”، و”بوب البناء”، و”حياتي جيرل”، و”رجل الإطفاء سامي” و”سونيك بووم”، إلى جانب عروض “ترانسفورمرز”.

ولا تخلو مظاهر العيد من الزينة والتجمل، سواء بالنسبة للبيوت والاستراحات حيث يتم العمل على نظافة البيوت، وشراء الحلوى لتقديمها للزوار والأطفال، أو بالنسبة للنساء، اللاتي يحرصن على إظهار الجمال في أنفسهن وفي بيوتهن وأطفالهن، وقديما كانت النساء يعتمدن على الحناء وزهور الرياحين (المشاط) وبعض الإكسسوارات البسيطة والتراثية في زينتهن، فالآن أصبحت سبل الزينة نتعددة وتصل إلى حد الهوس، ففي أواخر شهر رمضان تزدحم صالوات التجميل والمشاغل للبحث عن الجمال والتزين وعمل صبغات الشعر وعمليات التجميل، وتنظيف ونضارة البشرة، واقتناء الملابس الجديدة من الأسواق، كما تتجميل الحدائق والمنتزهات لاستقبال الزوار والفعاليات والأنشطة خلال موسم العيد، ويشتمل ذلك على أعمال الإنارة التجميلية على الطرق والتقاطعات بكافة مدن ومحافظات المملكة.

لعشاق المسرح والسيرك

عيد الفطر هذا العام في المملكة يمثل فرصة سعيدة لعشّاق المسرح لمشاهدة العديد من العروض، إذ ستقام 12 مسرحية تقدّمها نخبة من الفنانين العرب والخليجيين، وهي مسرحية “عالم لمسة”، ومسرحية “أمين وشركاؤه” من بطولة النجم المصري أحمد أمين وستكون في الرياض، ومسرحية “عنتر المفلتر” من بطولة الفنان الكويتي طارق العلي وستكون في مسرح جامعة الأميرة نورة، أما مسرحية “فوق كوبري ستانلي” للنجم المصري محمد سعد فستكون على مسرح جامعة دار العلوم.

أهل الدمام سيكونون على موعدٍ مع مسرحيتين هما مسرحية “ليلة زفاف المرحوم” من بطولة طلعت زكريا وحسن يوسف، ومسرحية “رحلة بدينار ونص” في مسرح أمانة المنطقة الشرقية، وفي الأحساء ستقام مسرحية “ميكي أفندي” للنجم أحمد بدير، ومسرحية “عجائب غرائب”، ومسرحية “ريا وسكينة”، وفي الطائف ستقام في منتزه الرُدّف مسرحية بعنوان “قو نينجا”، ومسرحية “أشباح هونولولو”، وفي المدينة المنورة فستعرض مسرحية بعنوان “أبو قدحة” بطولة الفنان فايز المالكي.

وإلى جانب العروض المسرحية، ستقام العديد من عروض السيرك من أول أيام العيد ولمدة خمسة أيام يأتي في مقدمتها سيرك “إلواز” بالرياض، والعرض العالمي لألعاب الخفة مع “روب ليك”، إضافة إلى “سيرك هوليوود” في منتزه الملك عبدالله، والذي يعد الواجهة البحرية بالدمام، إلى جانب عروض سيرك أخرى مثل: “شادو لاند” ، و”سيرك دهشة”، والسيرك الأفريقي، وسيرك أمريكانو.

موائد عامرة !

تباينت صور الاحتفال بعيد الفطر نظراً لتابين مناطق المملكة العربية السعودية عن بعضها بعضا في بعض العادات والتقاليد، وبالطبع فإن الأكلات الشعبية التي تُقدم على الموائد العامرة لأهل المملكة تختلف بدورها، بعض هذه الأكلات لم تتغير على الرغم من التطور الزمني والاجتماعي الذي شهدته السعودية خلال العقود الماضية. وأيا ما كانت نوعيات الأكلات الشعبية المقدمة في مناطق المملكة المختلفة، فإنها تعد مطلب أساسي للأعياد، وتقدم للضيوف القادمين للتهنئة والمعايدة بعد أداء صلاة العيد، فالعيد يجدد روح التواصل بين الأقارب والأهالي، وينمي في الأجيال القادمة احتفاظها بالعادات والتقاليد، التي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.

وتمتاز كل مدينة ومحافظة في المملكة بأكلة معينة عن غيرها. وجبة الفطور في العيد تختلف من منطقة لأخرى، فأهالي المناطق الجنوبية يقدمون لزوارهم في العيد مأكولات شعبية مثل: العريكة، والعصيدة، والمبثوث، وجميعها تكون ممزوجة بالسمن والعسل، إلى جانب القهوة والشاي. في وجبة الغداء عادة ما يتم تقديم تقديم وجبة الأرز مع اللحم ، وفي مناطق أخرى يتم تقديم الحنيني، والمطازيز، والمرقوق، والجريش، والخنفروش، والشعيرية، والساقو، والقرص عقيلي، وغيرها من الأكلات، ومن بين أطباق الحلوى المقدمة نجد: الكنافة والبسبوسة، والطرمبة، واللقيمات، والزلابية.

العيد بين الماضي والحاضر!

وتختلف المناطق السعودية في العادات والتقاليد التي تميزها، ولكن ثمة أمور مشتركة تشملها جميعها، مثل: الزيارات العائلية من أجل صلة الرحم، والتجمعات الأسرية في الساحات والمتنزهات، وبعد أداء صلاة العيد يتم المرور على منازل الحي للتهنئة، هذا إلى جانب الكرم والضيافة وإحياء تراث الوجبات الشعبية، كما لا تزال بعض الأحياء تقيم وليمة العيد الجماعية في المساجد، حيث تأتي كل عائلة بوجبات من الأكل إلى المسجد، وتنشر كلها على سفرة واحدة، لإقامة وليمة جماعية لأهالي الحي، لكن هذا المظهر أخذ في التلاشي في ظل الحياة المدنية العصرية.

فمع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، صارت المعايدات لدى الكثيرين من أفراد المجتمع السعودي تتم من خلالها، بديلاً عن الزيارات المنزلية والالتقاء وجهاً لوجه، فصارت رسالة قصيرة مصحوبة بصورة عبر واتس آب، أو فيس بوك هى وسيلة المعايدة، والغريب أن البعض لديه قناعة بأنها كافية كونها بضغطة زر واحدة تصل إلى كل الأصدقاء والأقارب والجيران، لكن هذا للأسف يفقد العيد بهجته، حيث كان الناس يعايدون بعضهم بعضاً عبر الزيارات المنزلية دون الاعتماد على هذه المواقع التي لا يمكن أن تعادل بهجة اللقاء والأحاديث الصادقة والجلوس في مكان واحد تظلله فرحة العيد.

أما عند أبناء البادية والقرى فلهم طابعهم الخاص الذي يتميزون به عن أهل المدينة من خلال تمسكهم بالكثير من العادات والتقاليد التي لم تعد موجودة في المدن الكبرى في وقتنا الحاضر، فالعيد بالنسبة لهم مناسبة سعيدة وفرحة كبيرة ومزيداً من التواصل والتلاحم بين أفراد القبيلة والقبائل الأخرى المجاورة حيث يتبادلون الزيارات بين بعضهم البعض لتقديم التهاني بحلول عيد الفطر وتناول الولائم التي تعد لهذه المناسبة السعيدة للجميع، كما يقومون بعد صلاة العصر بمسابقة الرماية (أو الشارة)، وهى عبارة عن وضع هدف محدد يبعد مسافة معينة ثم يقومون بإطلاق النار عليه حتى يسقطه الرامي، إضافة إلى مسابقة الخيول العربية الأصيلة التي توجد لدى أفراد القبيلة، والتي يهدفون من خلالها تعليم الفتيان ركوب الخيل، إسوة بكبار فرسان القبيلة حيث يتحدد من خلالها نبوغ أحد الفرسان الجدد، وأثناء توجههم لميدان الرماية وسباق الخيل يرددون بعض القصائد التي تشير لفرحة العيد التي تتغير فيه جميع أنماط حياتهم الاجتماعية التي كانوا يسلكونها خلال شهر رمضان.

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى