تقارير

العيد في إيران .. فرصة للدعاية السياسية، وعنصرية ضد المسلمين السنة!

 أحمد الغـر 

تتنوع مظاهر وطقوس احتفالات عيد الفطر المبارك في البلدان الاسلامية، وفي الجمهورية الاسلامية الإيرانية تأتي مناسبة عيد الفطر متداخلة مع أحداث سياسية مشتعلة تشهدها إيران ومحيطها الإقليمي، وبالتزامن مع أزمة إقتصادية تنخر في الإقتصاد الإيراني الذي يواجه عقوبات أمريكية مفروضة عليه عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وكعادتهم لم يفوت قادة إيران هذه الفرصة للدعاية السياسية وإستغلال خطبة صلاة عيد الفطر للترويج لبرامجهم السياسية، وكيل الاتهامات لمن يصفونهم بأعداء الأمة.

العيد عيدان ، والشعب واحد!

شهدت بداية عيد الفطر بين دول المنطقة هذا العام اختلافاً واسعاً، وفي بعض الحالات داخل الدولة نفسها، بين يومي الثلاثاء والأربعاء، فعلى أرض الدولة الواحدة ذات الشعب الواحد حدث انقسام داخل أراضيها، سواء كان اختلافا طائفيا أو سياسيا مثل العراق ولبنان واليمن، وأيضا إيران، إذ لم يتفق أهل إيران هذا العام على موعد موحد لعيد الفطر المبارك، ففي الوقت الذي أعلن فيه عضو في لجنة الاستهلال بمكتب المرشد الأعلى “علي رضا موحد نجاد”، أن هلال شهر شوال تمكن رؤيته عند غروب يوم الثلاثاء، وعليه سيكون يوم الأربعاء هو أول أيام عيد الفطر المبارك.

فقد أعلن من جهته الشيخ “كاك حسن أميني”، مفتي أهل السنة في إقليم كردستان الإيراني، أن يوم الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر المبارك، كما أعلن إمام جمعة مدينة شابهار التابعة لإقليم سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران، ذات الغالبية السنية، الشيخ “مولوي عبد الرحمن سربازي”، ثبوت رؤية هلال شهر شوال مساء الإثنين، وهو ما يعني أن عيد الفطر هو يوم الثلاثاء، بعد ثبوت رؤية هلال شوال في مدينة شابهار.

تحذيرات وإعتقالات لمن يخالف!

لم تفوت السلطات الإيرانية فرصة لإظهار قوة قبضتها، خاصة على رجال الدين السنة، حيث ألقت قوات الأمن الإيرانية القبض على أحد رجال الدين السُنة، وهو إمام جمعة مسجد خاتم الأنبياء بمدينة جوانرود “ملا عبد القدوس حسيني”، وذلك بسبب إعلانه أن يوم الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر المبارك، على خلاف لما أعلنه المرشد خامنئي بأن العيد هو يوم الأربعاء.

ووفقًا لبعض المصادر الاخبارية، فإن المؤسسات الأمنية الإيرانية وعلى مدار الأيام السبعة التي سبقت موعد عيد الفطر، قامت باستدعاء العديد من رجال الدين الأكراد من الطائفة السنية، وحذرتهم من إعلان حلول عيد الفطر في يوم مخالف لما أعلنه المرشد الأعلى “علي خامنئي”.

إهانة وعنصرية وتضييق!

المشكلات القديمة المتجددة التي تواجه المسلمين السنة في إيران مازالت تطفو على السطح بين الحين والآخر، بل وتزداد مشكلات أخرى جديدة إليها، فقبل إسبوع تم الإساءة لرموز أهل السنة في التلفزيون الرسمي الإيراني، بالرغم من أن إيران يعيش فيها 20 مليون مسلم سني، يمثلون ربع سكان إيران البالغ عددهم 80 مليون نسمة تقريبا، وتتكرر الإساءة للرموز الدينية السنية، في ظل انعدام القوانين الرادعة للمسيئين، بالرغم من وجود فتاوى المرشد الإيراني تمنع هذه الاساءات، كتلك التي أصدرها فى عام 2009 بتحريم الإساءة لمقدسات أهل السنة، إلا أن مسئولي الأجهزة الأمنية والاعلامية يتجاهلون تنفيذها.

على الرغم من أن الدستور الإيراني فى مادته الـ 12 ينادي بضرورة احترام اتباع المذاهب الأخرى، إلا أن رصيد الإهانات الإيرانية في وسائل الاعلام، سواء الرسمية أو الخاصة، لا يتوقف عند علماء أهل السنة المعاصرين، بل يمتد ليصل إلى الصحابة وبعض آل البيت النبوي، فبخلاف وقائع الإهانة للسيدة عائشة (رضى الله عنها)، ففى عام 2016 أساء برنامج تلفزيوني بثه التلفزيون الإيرانى الرسمى للصحابيين طلحة والزبير بن العوام.

فضلا عن الإساءة المتعمدة، فإن هناك سجل واسع من الانتهاكات التي تُمارس بحق المسلمين السنة، منها منعهم من إقامة صلاة العيد في أي ساحة بالعاصمة طهران، والتي بالأساس لا يوجد بها أي مساجد للطائفة السنية، بالرغم من أن أكثر من مليون سني يقطنون في العاصمة، وهو ما يدفع أهل السنة إلى استئجار بعض المنازل والزوايا لإقامة صلاة العيد، يُضاف إلى ذلك الحرمان من الحقوق والتضييق. ففى أكثر من مناسبة، ندد الشيخ “مولوى عبد الحميد إسماعيل”، خطيب أهل السنة فى زاهدان، بعدم استجابة السلطات لمطالبهم، بل وفرض قيود جديدة عليهم، وفيما يخصه هو شخصياً فإنه ممنوع من السفر إلى خارج إيران، بل وإلى بعض الأقاليم داخل إيران.

خطبة العيد بالبندقية!

في العاصمة طهران أقيمت صلاة عيد الفطر في مصلى الإمام الخميني، وبإمامة المرشد الأعلى، وقد تحولت إلى ما يشبه ميدان الخطابة الذي استغلها المرشد للحديث عن الاوضاع السياسية الداخلية والخارجية، وقد أثار المرشد الأعلى “علي خامنئي” جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب ظهوره أثناء إلقاءه خطبة صلاة عيد الفطر، متكئا على بندقية قنص روسية من نوع “دراغانوف”، وبحسب بعض المراقبين فإن دلالات حمل خامنئى قطعة السلاح أمام الإيرانيين ووسائل الإعلام خلال إلقائه خطبة عيد الفطر، تشير إلى استعراض قوة إيران، فى ظل الصراع مع الولايات المتحدة ، وعقوبات واشنطن على طهران لردعها فى ملفها النووى.

ولم يفوت “خامنئي” فرصة إلقاء خطبة عيد الفطر المبارك، والتي تتزامن مع الذكرى الثلاثين لوفاة الخميني، كي يمرر بعض الرسائل السياسية، سواء للداخل الإيراني او للمحيط الإقليمي ولبعض دول العالم على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أكد على أن “محور المقاومة في أكثر أوقاته انسجاما منذ أربعين سنة”، مشيرا إلى أن “إيران ستصل لنقطة الردع العسكري والاقتصادي رغم العقوبات الأمريكية”، مضيفاً: “لدينا مشاكل اقتصادية في إيران ولكن لن نصل إلى طريق مسدود. هناك مشاكل ولدينا أسباب خاصة لها”.

وأشار خامنئي إلى أن “أمريكا تتآكل من الداخل ونفوذها السياسي يتراجع، وهناك إحصاءات تؤكد ذلك”، مؤكداً في الوقت ذاته بأنه “يجب ضبط قيمة العملة الوطنية وأن نتحرر من بيع النفط الخام، ويجب قطع أيدي الإرهابيين الاقتصاديين والذين يقومون بعمليات تهريب عن السلطة التنفيذية”.

مناسبة للرسائل السياسية!

بدوره أيضا لم يفوت الرئيس الايراني حسن روحاني فرصة مناسبة عيد الفطر، ليمرر عدة رسائل سياسية، حيث استغل لقاء كبار مسؤولي الدولة وسفراء الدول الاسلامية مع المرشد الأعلى “علي خامنئي” بمناسبة عيد الفطر المبارك، ليشير إلى ما أسماه مؤامرات ومخططات الاعداء، مضيفاً أن العدو اضطر الى تغيير أجندته في المنطقة وتغيير لهجته تجاه ايران، مؤكداً انه لا يمكن لأحد أن يلوم ايران على تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي، بعد نقض الطرف الآخر لالتزاماته.

ومضى قائلا: “مما لا شك فيه أن العدو لن يتمكن مطلقا من تركيع الشعب الايراني، وان الشعب ونظام الجمهورية الاسلامية سيحقق الانتصار في هذا المجال من خلال صبره”، مضيفاً أنه “لحسن الحظ تم اتخاذ خطوات جيدة في الاشهر الماضية للتقليل من مشاكل الشعب وهذه الوتيرة ستستمر، مضيفا: ان جميع الاحصاءات والتقارير  تدل على اننا نسير في الطريق الصحيح”، وتابع: “الطريق الرئيسي في مواجهة الاعداء على اساس توجيهات قائد الثورة، سيكون طريقا شجاعا ومفعما بالأمل ومنطقيا وحكيما ومبتكرا، وسنتمكن من تحقيق أهدافنا الاقتصادية”.

العيد في الأحواز

احتفالات وتقاليد عيد الفطر تختلف في المحافظات الإيرانية عن بعضها البعض، كما تختلف بإختلاف المذهب والقومية، إذ يعتبر الإيرانيون السنة أن عيد الفطر وعيد الأضحى هما أكبر وأهم أعيادهم، في حين أن الشيعة الإيرانيين، خاصة الشباب والأجيال الجديدة، لا يعطون نفس الاهتمام لهذين العيدين مقارنة بما يفعلون في عيد النيروز، كما أن عطلة الرسمية المخصصة لهذا العيد هي يومان في معظم أجزاء إيران، وتصل لثلاثة أيام في محافظة خوزستان.

في إقليم الأحواز والتي تمثل مركز محافظة خوزستان في شمال غربي إيران؛ نجد المظاهر العربية في الاحتفال بالعيد هى الأكثر لفتاً للانتباه، فنجد الأحوازيون عقب أداء صلاة العيد يبدأون مسيرات جماعية يطلقون عليها اسم “مسيرات المعايدة” التي تعم شوارع الأحواز، وأحيانا تعلو هذه المسيرات هتافات تندد بما يعتبره الأحوازيون العرب احتلالاً إيرانياً لإقليمهم، كما يتم إعداد الموائد احتفالاً بهذه المناسبة، ولا يمنع العيد بما يحمله هذا اليوم من قدسية ومظاهر للفرحة السلطات الإيرانية من ممارسة عمليات تضييق مستمرة على المجتمع الأحوازي، كما تتخذ إيران دائماً إجراءات لتغريب المنطقة الأحوازية، في محاولة لفصل إقليم الأحواز عن هويته وانتمائه العروبي.

التأزم الاقتصادي يقضم فرحة العيد!

بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه إيران، تحت مطرقة الفساد الداخلى والذى أصبح مستشرى بين جنبات الدولة، وسندان العقوبات الدولية، باتت فرحة المواطن الإيراني بالعيد منقوصة، خاصة في ظل أن المستقبل الذي ينتظره ملايين الإيرانيين مجهول وغير مشرق بالأمل، ويأتي عيد الفطر كأول عيد فطر على الإيرانيين عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها، وقد إزدادت صعوبة الحياة المعيشية عموما على المواطن الإيراني الذي صنّفت بلاده في المركز الـ138 على مستوى تفشي الفساد، وفق منظمة الشفافية الدولية، وجاء تصنيف إيران في هذا الترتيب المتأخر بسبب سياسات النظام الحاكم وأهدافه الأيديولوجية البعيدة عن الشفافية.

وكذلك في ظل سياسة العناد والتلويح المستمر بالحرب والعزلة الدولية المفروضة على طهران إلى استغلال أموال البلاد ونهب المال العام، ما قاد إلى تفشي الفساد المالي والاقتصادي في كافة قطاعات الدولة بشكل كبير، لا سيما الدور المشبوه الذى يلعبه الحرس الثوري الإيراني في هذا الشأن، ومع زيادة الضغوط على الاقتصاد، وما صاحبها من انهيار لقيمة العملة، وارتفاع مستويات التضخم بصورة كبيرة، مما أدى لمزيد من الصعوبات التي تواجه حياة الإيرانيين، لكن النظام الإيراني مازال يرى في خطاباته الجماهيرية في كافة المناسبات وسيلة لتخدير الرأي العام، لكن إلى متى يضمن النظام ولاء الشعب وعدم ثورته الكبرى ضد تلك السياسات العدائية الفاشلة التي أثرت على حياتهم بالسلب.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى