تقارير

العالم يتصبب عرقًا.. صيف ملتهب يدق ناقوس الخطر وينذر بمستقبل مخيف

هاجر العيادي – تونس – راديو صوت العرب من أمريكا

 تشهد العديد من مناطق العالم موجة حر شديدة، وطقسًا ملتهبًا لم تعهدهما أجزاء كثيرة من الكرة الأرضية من قبل، تسببت المستويات القياسية لدرجات الحرارة في حدوث حرائق ووقوع قتلى جراء الحر في مناطق كانت لا تعرف من حرارة الصيف إلا بعض الدفء، فتحتفي به في الشواطئ والبحيرات والأنهار وحتى الحدائق، حيث يسبح البعض، فيما يكتفي البعض الآخر بحمام شمس.

وبعد أن كانت الشمس ضيفًا نادرًا في بعض المناطق الباردة مثل كندا والبلدان الاسكندنافية، أو ضيفًا خفيفًا كما في جنوب أوروبا (فرنسا وإيطاليا واليونان)، أصبحت تمثل خطرًا يتسبب في الحرائق ووقوع الضحايا الذين لم يستطيعوا مقاومة حرارة هذا الصيف الملتهب، ما جعل الحكومات تدق ناقوس الخطر محذّرة من التداعيات الخطيرة للتغير المناخي المفاجئ.

صيف عربي ملتهب

سجلت العديد من المدن العربية درجات حرارة قياسية، ففي الجزائر تم تسجيل أعلى درجة حرارة موثقة، حيث بلغت في مدينة ورقلة في صحراء الجزائر نحو 51.3 درجة مئوية. وفي تونس، أعلن المعهد الوطني التونسي للرصد الجوي أن درجات الحرارة تجاوزت المعدلات الموسمية بنحو عشر درجات، مسجلة درجات تراوحت ما بين 40 و46 درجة، ووصلت في بعض المناطق إلى 49 درجة.

فيما سجلت سلطنة عمان أعلى درجة للحرارة في العالم وصلت إلى 49,8 درجة. أما في العراق فقد أعلنت هيئة الأنواء الجوية العراقية أن موجة حر تجتاح العراق، وستستمر حتى شهر أغسطس، حيث من المتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة في بعض المحافظات العراقية نصف درجة الغليان (50 درجة مئوية). وعليه اضطرت الحكومة إلى تعطيل الدوام الرسمي للحد من الإصابة بالحمى والأمراض الأخرى المصاحبة لارتفاع درجات الحرارة.

أضرار فادحة

وعلى المستوى الدولي وصلت الحرارة إلى درجات غير مسبوقة، فقد ارتفعت درجات الحرارة في اليابان إلى أكثر من 40 درجة مئوية، وسجلت اليابان حالات وفاة جراء الحرارة بلغت نحو 65 حالة وفاة، بينما تدفق الآلاف إلى المستشفيات لتلقي العلاج جراء الحرارة العالية، وأعلنت الحكومة أنها بصدد كارثة طبيعية.

وفى فرنسا وصلت درجة الحرارة لـ 38 درجة جنوب شرق البلاد، وتسببت موجة ارتفاع درجة الحرارة  باندلاع حرائق غابات في دائرة القطب الشمالي بفرنسا، فيما لحق الجفاف بالمزارع، وسجلت المستشفيات زيادة في أعداد المصابين بضربات الشمس، ونبه المزارعون في أنحاء المنطقة إلى تراجع المحاصيل، فيما يؤثر تراجع نوعية العشب على كمية الحليب والعلف الحيواني.

وفي خطوة غير مسبوقة دفعت موجة الحر الشديد السويد إلى إصدار التماس بطلب مساعدة دولية لمساعدتها على تخطي “وباء حرائق الغابات” التي انتشرت عبر البلاد بعد أن سجلت الحرارة درجات هي الأعلى خلال قرن، وذلك بعد أن عانت البلاد من شهور من الجفاف وانقطاع الأمطار وارتفاع حاد في درجات الحرارة، فأصبحت الغابات عرضة للاشتعال في أي لحظة، واضطر المزارعون إلى ذبح الماشية لنفاذ الأعلاف.

تغير المناخ

تعليقًا على هذه الموجة الحارة والظواهر الكارثية التي تسببت فيها، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الدولية “باني ماكديارميد” في تصريح لها: “هناك العديد من العوامل المعقدة التي تدخل في أسباب وقوع هذه الأحداث المناخية القاسية، إلا أن ما نعيشه يتطابق تمامًاً مع تنبؤات تغير المناخ في العالم”.

وأضافت: “أن الانتشار العالمي لموجات الحرارة المدمرة تشير بشكل واضح إلى ظاهرة تغير المناخ، ومع ذلك فإننا لا نزال أقل بدرجة واحدة من مستويات احترار ما قبل الثورة الصناعية”. وأضافت: “لا نريد التفكير بما يمكن أن نواجهه إذا ارتفعت درجات الحرارة إلى ما يتجاوز الأهداف المحددة بـ 1.5 أو درجتين مئويتين المنصوص عليها في اتفاقية باريس بشأن المناخ”.

تحول تاريخي

ووفق دراسة صادرة عن “هانسن، ساتو اند رويدي”، فإن درجات الحرارة الصيفية التي نشهدها الآن هي أعلى 3 مرات فوق المتوسطات التاريخية، وشوهدت درجات الحرارة العالية خلال فصل الصيف في حوالي 10% من مساحة اليابسة في العالم، مقارنة بـ 0.1-0.2% في عامي 1951 و1980، ويتوقع العلماء أن الحرارة ماضية إلى ارتفاع.

واعتبر بعض العلماء أن ما نشهده الآن هو تحول تاريخي في الطريقة التي ينظر بها العالم إلى تهديد تغير المناخ، فنحن ننتقل من مرحلة التنبؤ إلى مرحلة المراقبة والرصد. وفي نفس السياق تحدّث العلماء كثيرًا عن الظواهر التي سنشهدها بسبب تغير المناخ، البعض اعتبرها مجرد بدع وخيالات لا تمتّ للواقع بصلة، ولكن ما يحدث اليوم يؤكد ذلك تمامًا.

أسباب الحر

من جهتها أشارت صحيفة “الجارديان”البريطانية إلى عدد من الخبراء الذين أوضحوا وجود عدة أسباب لما يحدث في مقدمتها الاحتباس الحراري. وأشارت الصحيفة إلى وجود 3 أسباب لهذا الحر، في مقدمتها الاحتباس الحراري، والتيار النفاث، والتغيرات الكبيرة في درجات حرارة سطح البحر.

وحذر علماء آخرون من أنه من الخطأ التضخيم من دور الاحتباس الحراري ليكون المتهم الوحيد وراء هذه الموجات الحارة التي تجتاح العالم.

ونقلت الصحيفة عن دان ميتشيل الأستاذ في جامعة بريستول قوله: ” أجل، من الصعب عدم الاعتقاد بأن التغير المناخي يلعب دورًا بالضرورة فيما يحدث حول العالم حاليًا”.

ومن بين العوامل الأخرى التي تخلق الظروف المناخية المسببة لارتفاع درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي، التغيرات الكبيرة في درجات حرارة سطح البحر في شمال المحيط الأطلنطي، وقال البروفيسور آدم سكيف من مكتب الأرصاد البريطاني إن هذا جزء من ظاهرة تعرف باسم “التذبذب الأطلنطي المتعدد”.

وتابع أنه ” في الواقع، فإن الأمر أشبه بما تعرضنا له عام 1976، حينما عايشنا درجة حرارة مشابهة في المحيط الأطلنطي، وثبات التيار النفاث الذي خلف مناطق واسعة من الضغط العالي فوق مناطق كثيرة لفترات طويلة”.

اتفاق باريس

عالميًاً بدأت الدول بوضع خطط التصدي لتحديات تغير المناخ. ومن ضمن هذه الخطط والإجراءات المتخذة، اتفاق باريس التاريخي للتصدي لتغير المناخ، وهو الاتفاق الأول من نوعه الذي يحثّ جميع دول العالم على الحد من انبعاثات الكربون والالتزام بمحاربة ظاهرة التغير المناخي.

وفي إطار هذا الاتفاق، تعهدت حكومات الدول الموقّعة، 194 دولة، بوقف الزيادة في انبعاثات الغازات الدفيئة، والاستثمار أكثر في الطاقات المتجددة. وتعد الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، المفتاح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتجنب آثار التغير المناخي.

إجراءات عربية

وعربيًا تُعِد الجزائر مخططًا وطنيًّا لمحاربة الجفاف، ومن المفترض أن يتم الانتهاء منه نهاية السنة الحالية، على أن يدخل حيّز التنفيذ في العام المقبل. وقد جاء هذا المخطط بعد أن صنفت الجزائر من ضمن أكثر الدول تضرراً من الجفاف والتصحّر.

وبناء على ذلك، تعمل الجزائر مع “اتفاق مكافحة التصحر” التابع للأمم المتحدة إلى تطوير واختيار السبل الأفضل لمحاربة ظاهرة الجفاف. وتعمل الجزائر لأن تصبح طرفاً في مبادرة الجدار الكبير الأخضر، وهو مشروع شاسع يشمل كل أفريقيا الشرقية والغربية لمواجهة التصحّر.

وفي الأردن، يشكل التغيّر المناخي تهديدًا للأمن المائي، ولهذا تعمل وزارة المياه والري على إعداد خطة استجابة معدة مسبقًا لإدارة المخاطر، بهدف حماية المواطنين من الصدمات والآثار السلبية للنزاعات والمخاطر، بحسب مصادر في الوزارة.

وتطور دول عربية عدة، مثل مصر والمغرب والإمارات وغيرها، مشاريع الطاقة المتجددة لديها. وتلعب هذه المشاريع دوراً فاعلاً في التصدي لظاهرة التغير المناخي، عن طريق الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري القذر ودعم المجتمعات الأكثر ضعفاً.

مستقبل مخيف

موجة الحر التي يشهدها العالم هذه الأيام، تنذر بمستقبل مخيف، ليس فقط على مستوى الإرهاق والتعب الذي يشعر به البشر مع ارتفاع الحرارة، أو حتى حرائق الغابات، بل إن العالم سيشهد زيادة رهيبة في معدلات الفيضانات وأضرارها.

فقد أصدر معهد بوتسدام لأبحاث التأثيرات المناخية دراسة مستفيضة أكدت أن الخطر بات وشيكًا، وأنه حتى القيود التي فُرضت على انبعاثات الكربون لن تشكل فارقًا، فالمزيد من الفيضانات في الطريق إلى العالم، وهناك نحو مليون شخص سيتضررون من هذه الفيضانات في الولايات المتحدة الأمريكية، وفى إفريقيا قد يرتفع العدد إلى 34 مليون، وفى آسيا إلى 156 مليون.

ووفقاً لعدة نماذج تمت دراستها، فإنه بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين ستواجه المنطقة العربية زيادة في درجة حرارة الأرض لترتفع من درجتين مئويتين إلى 5.5 درجات مئوية. وسيقترن هذا التغيير بانخفاض متوقع في معدل هطول الأمطار من صفر إلى 20%. وهذه التغييرات المتوقعة ستتسبب في فصول أقصر للشتاء، وصيف حار، ومعدل أعلى لموجات الحرارة، ومستوى أعلى من تقلبات الطقس، وتكرار حدوث أحداث الطقس المتطرفة.

أمراض ووفيات

كما تشير هذا الأرقام القياسية، إلى تغير مناخي غير مسبوق بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد حذرت العديد من الدوريات العلمية مؤخرًا من توقعات بارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قاتلة في عدد من دول العالم المكتظة بالسكان.

ويزداد خطر الإصابة بالأمراض بين قاطني هذه الدول، ما يجعل ذلك سببا في ارتفاع معدل الوفيات بسبب الطقس الحار والرطب المرتبط بموجات الحرارة، ولاسيما في المناطق الزراعية المكتظة بالسكان، وتحديدا في جنوب قارة آسيا.

ويأتي هذا أيضًا في الوقت الذي حذرت فيه دراسة علمية من خطر اجتياح موجات الحر المرتفع أيضا جميع أنحاء غرب أوروبا، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة وقوع كوارث الطقس في أوروبا بنسبة تصل إلى 50 ضعفًا.

عطش وجوع

وفي دراسة اليونيسيف أيضًا فإنه بحلول عام 2050 سيواجه نحو مليار شخص مشكلة نقص المياه، ويرتفع هذا الرقم إلى 3.2 مليار إنسان، كما ترجح اليونيسيف زيادة معدلات الوفيات في الدول الفقيرة بسبب انتشار أمراض مرتبطة بارتفاع درجة الحرارة مثل الملاريا وحمى الضنك.

والأمر لن ينتهي عند هذا الحد، فالكثير من المحاصيل ستتعرض إلى التلف نتيجة الارتفاع غير الطبيعي في الحرارة، ففي دراسة أخرى للجمعية الوطنية الأمريكية لمختبرات للزراعة والبيئة طالب الباحثون العالم بالتدخل لإجراء تغييرات جذرية في المجتمع لمواجهة تهديد مناخي للزراعة، وإلا سيواجه العالم مجاعات محتملة، كما أشارت اليونيسيف إلى أن نحو 200 إلى 600 مليون شخص سيتعرضون للمجاعة بحلول عام 2080 بسبب هذا التغير المناخي.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى