تقارير

السودان على صفيح ساخن.. البشير يتراجع ويعلن ترك الحكم بعد عام

علي البلهاسي

في خطاب وصف بالتاريخي أعلن الرئيس السوداني، عمر البشير، إلغاء التعديلات الدستورية التي ينظرها البرلمان والتي كانت ستسمح له بالترشح مرة أخرى لرئاسة البلاد. كما أعلن البشير حلّ الحكومة المركزيّة وحكومات الولايات، وفرض حالة الطوارئ في البلاد لمدّة عام واحد. وبذلك يكون البشير قد أعلن تركه حكم البلاد بعد عام من الآن، حيث تنتهي فترته الرئاسية بحلول عام 2020.

ويحكم البشير السودان بقبضة حديديّة منذ وصوله إلى الحكم بانقلاب عسكريّ عام 1989. وفاز بنسبة 94% بأصوات الناخبين في الانتخابات التي جرت في أبريل/نيسان من عام 2015، وكانت هناك محاولات لتعديل الدستور من أجل ترشحه مجددًا في الانتخابات المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان 2020.

والبشير مطلوب في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة تدبير إبادة جماعية في منطقة دارفور لكنه ينفي التهم الموجهة إليه، ويضغط من أجل رفع اسم السودان من قائمة الدول التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب.

وفي خطابه الذي ألقاه مساء الجمعة بالقصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم، تعهّد البشير بالوقوف في “منصّة قويّة، هي رئاسة الجمهورية لأكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف” دون أن يعلن عن تركه منصبه رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، كما أشيع قبل الخطاب.

ودعا البشير “قوى المعارضة للانخراط في الحوار وحملة السلاح للدخول في ترتيبات لبناء الوطن”، بالإضافة إلى دعوته للنظر في دور القوات المسلحة كضامن وحامٍ للحوار.

رئيس الحكومة الجديدة

ولم يذكر البشير في خطابه اسم الشخص الذي سيكلّفه تشكيلَ الحكومة المقبلة، غير أن تسريبات من مسئولين سودانيين أشارت إلى أنه يتّجه إلى تكليف رئيس جهاز المخابرات، صلاح عبد الله محمد، المعروف باسم “قوش”، الذي شكّلت عودته لجهاز المخابرات بعد إقالته عام 2009، مفاجأةً كبيرة، مع اتهامه بالسعي للإطاحة بالبشير عام 2012، وبمحاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، عام 1996.

ويعتبر قوش من أكثر المقرّبين للولايات المتحدة الأميركيّة، وكان لجهاز المخابرات السودانيّة، الذي رأسه قوش، دور بارز في تعقّب مقاتلي تنظيم القاعدة، الذي عاش زعيمه، أسامة بن لادن، فترةً من عمره في السودان.

وفي العام 2005، قال مسؤول في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لصحيفة “لوس أنجليس تايمز” إن المعلومات التي وفرّتها المخابرات السودانية بخصوص القاعدة كانت “مهمة، عملية، ومحدثة”.

استجابة للاحتجاجات

وجاءت تصريحات البشير في خطابه مطابقة لما أعلنه مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، صلاح عبد الله صالح، الملقب بـ”قوش”، بأن الرئيس عمر البشير، سيُعلن حالة الطوارئ في السودان وسيحل الحكومتين (المركزية والولايات)، كما سيوقف إجراءات تعديل الدستور، التي تسمح له بالترشح لفترة رئاسية جديدة.

وأشار قوش في تصريح مقتضب لرؤساء تحرير الصحف اليومية السياسية إنهم عازمون على محاربة الفساد، مؤكدا أن البشير سيكون رئيسا لجمهورية السودان فيما سيبحث المؤتمر الوطني عن رئيس آخر.

وجاء خطاب البشير، الذي حمل قرارات هامة ومفاجئة للشعب والقوى السياسية السودانية، بعد خروج تظاهرات كبيرة الجمعة في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، منها بري وشمبات والديم.

ومنذ 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشهد مدن سودانية احتجاجات منددة بالغلاء، ومطالبة بتنحي البشير، صاحبها قمع من الشرطة السودانيّة أسفر عن سقوط 32 قتيلا، وفق آخر إحصاء حكومي، فيما قالت منظمة العفو الدولية، في 11 شباط/ فبراير الجاري، إن العدد بلغ 51 قتيلا.

 ويشهد السودان صعوبات اقتصادية متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو 70% وتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي وسائر العملات الأجنبية.

وسجل الجنيه السوداني الخميس تراجعا قياسيا امام الدولار بالغا 71 جنيها في التعاملات النقدية مقابل 90 جنيها للتعامل الآجل (الشيك).

وقال البشير في خطابه إن أحداث الأيام الماضية “اختبار كبير لنا كأمة وكشعب” خرج منها السودان بـ”عبر ودروس”، واعتبر أن الاحتجاجات خرجت بـ”مطالب مشروعة في البداية” ووصفها بـ”الموضوعيّة”.

وأضاف “لكن ما كان غير مقبول ومقلق هو محاولة البعض القفز بالصف الأول لقيادة البلاد لمصير مجهول”. وأضاف أنه تابع تلك المظاهرات “متابعة دقيقة”. وتابع: “سنخرج إن شاء الله من تلك المرحلة، أكثر قوة ووحدة لبناء السودان قوية ومستقرة الناهضة والمتطلعة للمستقبل.

المعارضة تصر على التنحي

ولا يتصدر المشهد حتى الآن أي أحزاب سياسية بعينها وخاصة فيما يتعلق بتنظيم المظاهرات والدعوات إليها. وتقول مصادر محلية ليورونيوز إن ما يُسمى “بتجمع المهنيين” النقابي الذي يضم عمالاً وأطباء وغيرهم من ممثلي القطاعات المختلفة التي لا علاقة مباشرة لها بالنشاط السياسي القائم في السودان هي من يتولى تحديد أماكن تجمع المتظاهرين وكيفية المشاركة بها بالإضافة إلى نشر خرائط وتخصيص فرق مساندة علي الأرض من أطباء ومسعفين.

وأضاف أحد المصادر: “هناك جهة منظمة لديها جدول ولديها رؤية واضحة جداً وهو ما أدى إلى استمرار المظاهرات حتى الآن”.

وكان تجمّع المهنيين السودانيين، أبرز الداعين للتظاهرات، قد استبق خطاب البشير، مذكّرًا أن أيّة محاولة للالتفاف على مطالب الشعب السوداني “لن تجد منا سوى المزيد من الفعل الثوري السلمي في الشوارع”.

وأضاف بيان المهنيّين السودانيّين أن “مطالب هذه الثورة واضحة ولا يمكن القفز عليها، وعلى رأسها تنحي النظام ورئيسه وتفكيك مؤسساتهم القمعية وتسليم السلطة لحكومة قومية مدنية انتقالية بحسب إعلان الحرية والتغيير”.

وبحسب ما نشرته حسابات سودانيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ التظاهرات استمرّت في الخرطوم ومناطق أخرى من السودان أثناء خطاب البشير.

تغييرات واسعة

وقالت تقارير صحفية محلية في السودان، إن الرئيس البشير يعتزم إجراء تعديلات وصفت بالواسعة على هياكل حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه بجانب تعديلات في مناصب الولاة ومؤسسة الرئاسة.

وذكرت التقارير أن البشير استدعى ولاة الولايات لاجتماع طارئ، كما دعا الآلية التنسيقية العليا للحوار التي تضم ممثلي القوى المشاركة في الحكومة إلى لقائه مساء الجمعة.

وتعزز هذه التحركات ما يتردد على نطاق واسع بأن الرئيس السوداني يتجه لإعادة هيكلة الحكومة والحزب في أعقاب تمدد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتنحيه وتفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد.

ونقل موقع “سودان تربيون” عن مصادره أن البشير غاضب حيال وضع حزبه وتراخي قياداته عن مواجهة الأزمة الراهنة وترك الساحة لقوى المعارضة التي علا صوتها وهي تدعو لتنحيه.

فيما نقلت صحيفة “الانتباهة” عن مصدر لم تسمه أن التغير الأكبر خلال التعديل المرتقب سيكون في مؤسسة الرئاسة، وأفادت أن موقع رئيس الوزراء سيكون موضع تقويم وربما تم فصل منصب وزير المالية عن رئاسة الوزارة.

ورجحت أن يتم حل الحكومة ودخول أسماء جديدة وعودة بعض الحرس القديم ونسبت الصحيفة إلى المصادر احتمال عودة وزير الخارجية الأسبق ونائب الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي إلى الواجهة دون أن تحدد موقعه الجديد.

إلى ذلك، أكد قيادي في الحزب الحاكم أن الفترة التي تسبق الانتخابات تستدعي أن يكون البشير رئيسا قوميا للجميع. فيما قال حزب الأمة المعارض إن “السلطة الحالية لا تحترم الحوار ولا تحترم إرادة الشعب السوداني”.

ويسيطر المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة البشير على الأغلبية الساحقة بالبرلمان السوداني إلى جانب وجود أحزاب معارضة تقليدية كالحزب الديمقراطي الاتحادي بجبهتيه. كما توجد أحزاب مستقلة أخرى لم تعد تقنع السواد الأعظم من الشعب بوجود معارضة برلمانية حقيقية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى