تقارير

التظاهرات تجتاح دول العالم.. فما هو سر غضب الشعوب؟

أحمـد الغــر

احتجاجات مطلبيّة ومظاهرات واسعة النطاق تشهدها مختلف دول العالم حاليًّا، ففي أمريكا اللاتينيّة، لا تزال تشيلي تشهد تظاهرات كبيرة انطلقت منذ أكثر من أسبوع، وفي هونج كونج لا تزال التظاهرات مستمرّة بعدما اشتعلت شرارتها في مارس الماضي، بينما تتواصل المظاهرات في الجزائر والإكوادور والعراق.

ومؤخرًا دخل لبنان إلى قلب هذه الموجة الاحتجاجية، حيث نجح اللبنانيون في جذب انتباه الإعلام الدولي إلى مظاهراتهم التي توسّعت بشكل بارز، تزامنًا مع تعقيد المشهد السياسي اللبناني.

معظم هذه الحركات الاحتجاجيّة تشترك في الكثير من النقاط، ليس فقط لكونها تحدث في الوقت نفسه، وإنما لتشابه المطالب والأهداف، فما هو سر غضب الشعوب؟

انتفاضة لبنان
في لبنان، تداعى المتظاهرون قبل أكثر من أسبوع للاحتجاج، بعدما تحدّثت الحكومة اللبنانيّة عن فرض ضريبة على خدمة تطبيق التواصل “واتساب” تقدر بـ 6 دولارات شهريًا.

وعلى الرغم من أنّ الحكومة ألغت الفكرة المطروحة بعد ساعات ثمّ أقرّت موازنة 2020 من دون أيّ ضرائب إضافيّة، إلا أن الحراك لم يتوقف.

فقد أقبل المتظاهرون على التجمّعات الليليّة في الساحات، إضافة إلى قطع الطرقات، مع المطالبة بإسقاط الحكومة، وتشكيل واحدة أخرى من المستقلّين أو التكنوقراط.

ولم يكن غضب الشعب اللبناني وليد اليوم، إذ يعاني اللبنانيون منذ سنوات من مشاكل تطال كل مجالات حياتهم، من ماء وكهرباء وتعليم وصحة وتلوث وغلاء معيشي.

يُضاف إلى ذلك الفساد السياسي، والطائفية، والكثير من المشاكل الأخرى التي لا تعدّ ولا تحصى، والتي تنعكس بدورها على التفاوت الطبقي الذي يعدّ علامة فارقة في لبنان، إذ يكسب 1% من أثرياء اللبنانيّين حوالي ربع الناتج المحلي.

العراقيون يحتجون ضد الفساد
لا يختلف الحال في العراق كثيرًا عن ما يجري في لبنان، بل ربما كان الوضع فيه يشمل كل أشكال الفساد في البلدان الأخرى، إذ يطالب العراقيون بإنهاء النظام السياسي الفاسد، والتخلص من تعيينات الحكومة القائمة على الطائفية، وليس على الكفاءة أو الأفضلية.

كما أعلن المحتجون عن غضبهم من إساءة استغلال المال العام، ومكافأة السياسيين لأنفسهم، ومن يتبعونهم، بينما لا يحصل معظم المواطنين إلا على الفتات من خيرات هذا البلد النفطي الغني.

يهتف العراقيون “إيران برا برا”، حيث يدركون أن إيران تتدخل في سياسة واقتصاد وأمن العراق بشكل فجّ، فإيران لا ترى العراق كجارٍّ، وإنما تنظر إليه كدولة تابعة لها تنهب موارده وتتحكم فيه.

الحراك الجزائري متواصل
أما الجزائر فلا تزال تشهد مظاهرات مستمرة ضد الحكومة للجمعة الـ 36 على التوالي، ضمن فعاليات الحراك الشعبي الأسبوعية، وقد أتت المظاهرات الأخيرة تزامنًا مع مسيرات لمئات المحامين في العاصمة، تدعو إلى استقلالية القضاء.

كما رفع المتظاهرون شعارات مساندة لمعتقلي الحراك، مطالبين بإطلاق سراحهم فورًا، وتستمر المظاهرات الجزائرية للمطالبة برحيل النظام القائم، وإقالة كبار المسؤولين من عهد الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، كما يطالبون بضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة وتأجيلها إن لم تتحقق مطالبهم وشروط نزاهتها.

احتجاجات عنيفة في تشيلي
وفي تشيلي؛ فقد شهدت العاصمة سانتياغو، احتجاجات عنيفة لعدة أيام متتالية، للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي، على خلفية زيادة أقرتها الحكومة في أسعار تذاكر مترو الأنفاق والحافلات، بسبب زيادة تكاليف الوقود.

وعلى الرغم من تراجع الحكومة عن القرار، لم تتوقف الاحتجاجات بل تطورت إلى أعمال شغب، وحطم المحتجون الغاضبون المحال التجارية وبعض المؤسسات الحكومية.

وبعد 5 أيام من الاحتجاجات العنيفة، قدم الرئيس التشيلي “سيباستيان بينيرا”، خطابًا اعتذر فيه للمواطنين عن القرارات التي اتخذت خلال العقود الأخيرة.

وبالرغم من إعلانه حظرًا للتجول في العاصمة سانتياغو، إلا أنه أعلن برنامجًا اجتماعيًا واقتصاديًا جديدًا للبلاد، يشمل رفع معاشات التقاعد والتأمين الطبي بأسعار معقولة وخفض أسعار الأدوية واستقرار أسعار الكهرباء.

وأكد أن حكومته سترفع حظر التجول الصادر خلال حالة الطوارئ الحالية، والتي تعدّ الأولى من نوعها بعد انتهاء حكم بينوشيه سنة 1990، وذلك عندما يتم استعادة النظام العام والهدوء، إلا أن التظاهرات تواصلت، وزادت لتصبح أوسع نطاقًا.

يُذكر أن تشيلي تُعدّ من أغنى دول أمريكا اللاتينيّة، وقد بلغ حجم ناتجها المحلّي حوالي 300 مليار دولار سنة 2018، إلا أن هنالك فجوة بين أغنى وأفقر 10% من المواطنين التشيليّين، كما أنّ ثلث العمّال هناك يعملون في وظائف غير ثابتة.

الإكوادور تتظاهر ضد إلغاء الدعم
ليس ببعيد عن تشيلي؛ واستمرارًا لمسلسل التفاوت الكبير في الثروات واتخاذ الحكومات لمواقف ضاغطة على الظروف الاقتصادية للشعب، بدأت التظاهرات في الإكوادور مع مطلع هذا الشهر، إذ أعلنت الحكومة إلغاء دعم الوقود، الذي استمر على مدى عقود.

تهدف الحكومة من خطوتها إلى تخفيض النفقات بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكن هذا الإجراء أدى بشكل مباشر إلى ارتفاع حاد في أسعار الوقود، ولم يستطع كثيرون شراءه.

فأغلق المحتجون الطرق السريعة، واقتحموا البرلمان، واشتبكوا مع قوات الأمن، مطالبين بإنهاء حالة التقشف وإعادة دعم الوقود مجددًا، وقد تراجعت الحكومة بعد أيام من خروج الاحتجاجات، بعد فشل حظر التجوال الذي فرضه رئيس الإكوادور “لينين مورينو” في إيقاف الاحتجاجات.

هونج كونج ومظاهرات لا تتوقف
في هونج كونج؛ يختلف الوضع قليلاً عن غيرها من الدول التي تشهد مظاهرات واحتجاجات شعبية، فالسبب المباشر الذي أطلق المظاهرات كان سياسيًا، وليس اقتصاديًا، حيث كانت الحكومة المحلية تدرس مشروع قانون لتسليم مطلوبين أكانوا من هونغ كونغ أو حتى من خارجها إلى الصين.

وهو ما أدّى إلى إثارة مظاهرات شعبية واسعة على مدى عدة أشهر، وفي البداية تردّدت السلطات بسحب مشروع القانون، إذ جمّدته ولم تسحبه بشكل رسمي، وهو ما دفع المتظاهرين إلى البقاء في الشوارع، مصعدين من مطالبهم.

حيث طالبوا بتشكيل لجنة مستقلّة للتحقيق في الأعمال الوحشيّة للشرطة والتراجع عن توصيف التظاهرات بأنّها أعمال شغب، وصولًا إلى المطالبة باستقالة الرئيسة التنفيذيّة “كاري لام”.

يُذكر أن هونج كونج تعدّ جزءًا من جمهورية الصين الشعبية، لكن سكانها يتمتعون بحريات خاصة وإدارة حكم ذاتي مستقلة، وهناك خوف عميق السكان في هونج كونج من أن بكين تريد فرض سيطرة أوسع عليهم.

برشلونة والانفصال عن أسبانيا
في القارة الأوروبية؛ مازالت محاولة انفصال إقليم كاتالونيا، الغني والواقع شمال شرق البلاد، يتسبب في أسوأ أزمة سياسية عرفتها البلاد منذ نهاية حقبة ديكتاتورية فرانكو عام 1975.

ومنذ إجراء استفتاء عام 2017، الذي جرمته المحاكم الإسبانية، وإعلان استقلال الإقليم بعد ذلك، تندلع التظاهرات من وقت لآخر كما تشهد أعمال عنف كبيرة في الشوارع.

فيما تدعو النقابات في كاتالونيا إلى الإضراب العام من وقت لآخر، للتعبير عن غضب سكان الإقليم، خاصةً مع إعلان مدريد عن سجن قادة الانفصال في كاتالونيا، والذين قد أدينوا بالتحريض على الانفصال.

بوليفيا تحتج ضد فوز “موراليس”
لأسباب سياسية أيضًا؛ شهدت بوليفيا مظاهرات حاشدة، احتجاجًا على نتائج الانتخابات الرئاسية، والتي رجحت كفة الرئيس “إيفو موراليس” للفوز بفترة رئاسة ثانية.

وبعدما كانت النتائج شبه النهائية تشير إلى عدم حصول أي مرشح على ما يكفي من الأصوات للفوز من الدورة الأولى، ما يعني الانتقال إلى دورة ثانية حاسمة، حصل تحوّل مفاجئ في النتائج لمصلحة “موراليس”، اعتبره المتظاهرون تزويرًا.

كانت المعارضة في بوليفيا قد دعت إلى إضراب عام الأربعاء الماضي، وسط مظاهرات وأعمال شغب احتجاجًا على نتائج الانتخابات، خاصةً في “سانتا كروز” التي تمثل العاصمة الاقتصادية للبلاد ومعقل المعارضة.

وفي مؤشر على الاستياء من عملية فرز الأصوات وإعلان النتيجة، أعلن نائب رئيس المحكمة الانتخابية البوليفية العليا استقالته.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى