تقارير

الألعاب الإلكترونية.. عندما تتحول وسائل الترفيه إلى أدوات قتل!!

أحمد الـغــر

بدلًا من أن تبقى في إطارها الطبيعي، كوسائل للترفيه والتسلية والمتعة وتمضية الوقت، تحولت بعض الألعاب الإلكترونية إلى أدوات قاتلة، فبعضها يعتمد على غسل أدمغة المراهقين والأطفال، وإدخالهم في حالة أشبه بالتنويم المغناطيسي، وشحنهم بالأفكار السلبية، مثل الضياع والكراهية، وتبث بداخلهم الانعزالية والإحساس بعدم جدواهم، مما يدخلهم في حالة من الاكتئاب، الذي قد يؤدي إلى دفعهم للانتحار في النهاية.

في هذا الإطار قررت بعض الدول العربية حظر لعبة “بابجي”، حيث حظرتها السلطات الأردنية والعراقية، بعد ثبوت تسبُّبها في أضرار نفسية واجتماعية عديدة لمستخدميها.

“راديو صوت العرب من أمريكا” يفتح معكم ملف الألعاب الإلكترونية القاتلة، في محاولة لتحذير أولياء الأمور من مخاطر هذه الألعاب على أولادهم، ودق جرس إنذار بشأنها لتجنب أضرارها.

الحوت الأزرق يلتهم المراهقين

بالرغم من التطور الكبير الذي شهده مجال الألعاب الإلكترونية طيلة السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الرسومات داخل الألعاب أكثر واقعية، وصارت جاذبة أكثر للأطفال والمراهقين، إلا أن بعضها صارت تشكل كابوسًا بالنسبة لبعض الأسر.

إحدى أبرز هذه الألعاب هي لعبة “الحوت الأزرق”، التي تستهدف المراهقين بين 12 و16 عامًا، والتي اخترعها شاب روسي يُدعى “فيليب بوديكين”، والذي تم اتهامه بتحريض نحو 16 طالبة على الانتحار بعد مشاركتهن في اللعبة، فيما انتحر أكثر من 150 شخصًا حول العالم بسببها.

وقد اعترف “بوديكين” بالجرائم، ويقبع حاليًا على إثرها في السجن، كما تم حظر المجموعات الخاصة بهذه اللعبة في صفحات التواصل الاجتماعي.

خلال هذه اللعبة يتم تكليف المشارك بعدد من المهام الغريبة، التي تصل إلى 50 مهمة، مثل مشاهدة أفلام الرعب، والاستيقاظ في ساعات الفجر لمشاهدة مقطع فيديو مصحوب بموسيقى غريبة، تضع المشارك في حالة نفسية كئيبة.

وكذلك العمل على إيذاء النفس، والوقوف على الأسطح العالية، ورسم صورة الحوت على جسده بآلة حادة، وعقب استنفاذ قواه في نهاية اللعبة، يُطلب منه الانتحار.

والمزعج أنه في حال قرر المراهق الانسحاب من اللعبة، أو قرر عدم تنفيذ أمر الانتحار، يتم تهديده بإيذاء أسرته، ويبتزونه بالمعلومات التي أعطاهم إياها لمحاولة اكتساب الثقة، ما يجعله يستسلم لطلب اللعبة، ويقتل نفسه بسبب التهديدات.

ابتزاز مريم

واحدة من الألعاب الخطرة التي انتشرت عام 2017م، كانت لعبة “مريم”، والتي تسببت في انتحار بعض المراهقين والأطفال بسبب تنفيذ طلبات بطلة هذه اللعبة، بالرغم من التحذيرات المتعددة من هذه اللعبة وما تتضمنه من أسئلة.

 

فهي تسعى لجمع أكبر قدر من المعلومات الشخصية عن المستخدمين، وتقوم بربطها مع حسابات التواصل لتحليل هذه البيانات بعد ربطها ببعضها، ومن ثمَّ يحدث الابتزاز، والذي قد يصل بالشخص في النهاية إلى انتحاره.

 

مخاطر بوكيمون

أما لعبة “بوكيمون”، فقد حرص مستخدموها علي التواجد بالشوارع والميادين للبحث عن”البوكيمونات”، وهو ما عرضهم للمخاطر، فقد أفادت تقارير بأن مِثل هذه الألعاب قد يتم استخدامها في الأعمال الجاسوسية بتصوير الأماكن المهمة استراتيجيًّا، أو التسبب في الحوادث المرورية، حيث يظهر البوكيمون في أي مكان، وقد يكون بمنتصف طريق سريع.

تحدى تشارلي

أما لعبة “تحدى تشارلى”، والتي انتشرت في 2015م،  فقد ساهم في انتشارها العديد من أطفال المدارس وصغار السن، وتتضمن نوعًا من التحدي ضد شخصية “تشارلى”، وهى شخصية أسطورية ميتة.

حيث تبدأ اللعبة برسم شبكة من المربعات على الأوراق، ويتم استخدام أقلام الرصاص، ومن ثم يتحرك القلم دون أن يعي المستخدم بذلك، ويشعر أن هناك قوى خارقة موجودة معه، ومع تحرك القلم يشعر المستخدم بالخوف والرعب.

هذه اللعبة تسببت في حدوث عدة حالات انتحار بين الأطفال، والكثير من الإغماءات حول العالم، وقد تم انتقاد اللعبة من جانب كل الأديان، حيث تقوم على قراءة بعض التعويذات الشيطانية، كما أنها يشوبها التضليل والكذب والافتراء، وأيضًا ترويع وترهيب الأطفال.

ساحة حرب PUBG

لعبة PUBG هي واحدة من الألعاب الإلكترونية، وقد ظهرت في عام 2017م، وهى الأكثر شهرة وشعبية هذه الأيام، لدرجة دفعت طالبًا بالمرحلة الثانوية إلى قتل معلمته بمدينة الإسكندرية المصرية، بسبب إدمانه الشديد لهذه اللعبة، حيث تصور أن منزل المعلمة ساحة قتال، فسدّد إليها عدة طعنات بالسكين.

وتقوم فكرة هذه اللعبة على ساحة حرب تعتمد على تقسيم الفرق للقتال، بحيث تضم 20 فريقًا، وكل فريق يتكون من 4 أفراد، وكلما تمكن الفريق من جمع أكبر قدر من الأسلحة والذخيرة، التي تساعده في قتل خصمه، كلما زادت فرصته في الفوز والوصول إلى مستويات متقدّمة من اللعبة.

حظر عربي

وقد أثارت هذه اللعبة جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد وقوع ضحايا لها، وكان العراق قد بادر إلى حظرها قبل شهور، فيما أصبح الأردن قبل أيام ثاني دولة عربية تتخذ قرار الحظر.

كما استجابت حكومات دول أخرى لمطالب حظر هذه اللعبة فيها، ومنها الصين ونيبال والهند، الأمر الذي لم يمر دون عاصفة من الجدل في كل من هذه البلدان.

لكن المشكلة تكمن في سهولة التحايل على الحظر، وذلك من خلال VPN أو تنزيل اللعبة من خلال مواقع تعرضها للبيع على الإنترنت.

ويبدو أن قرار الحظر قد جاء متأخرًا نوعًا ما، وذلك بعد انتشار اللعبة، ووصولها إلى أيدي الكثيرين بالفعل، وهو ما سيحد من فعالية قرار الحظر.

تنمر إلكتروني

القائمون على مثل هذه الألعاب يمارسون نوع من أنواع التنمر الإلكتروني، حيث يتوصلون من خلال مراحل اللعب إلى اعترافات شخصية من اللاعبين عن أنفسهم، وعن حياتهم وأسرهم، تدخل ضمن الأسرار العائلية، وتدفع اللاعب في كل مرة للإدلاء بالمزيد منها.

ومن مرحلة لمرحلة يقومون بتهديده بإبلاغ أهله عما صرح به، في حالة إذا ما أراد التراجع عن اللعب والتوقف عنه، ومن مرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر تعقيدًا، يصل اللاعب إلى حد الشعور بالعزلة والاكتئاب، وصولًا إلى الانتحار.

الممنوع مرغوب

قبل أعوام في الولايات المتحدة، أصاب طفل صغير في التاسعة من عمره طفلة صغيرة في الثالثة بالرصاص إصابة حرجة بمسدس، وذكرت الشرطة لاحقًا أنه حين سئل صغير التاسعة كيف تعلّم استخدام المسدس، قال إنه تعلم ذلك من ألعاب الفيديو مثل “بلاك أوبس”.

هذه الجريمة الطفولية كانت جرس إنذار وأحدثت ضجة في المجتمع الأمريكي، كمؤشر خطير للعنف الذي يكتسبه الأطفال والمراهقين من خلال ألعاب الفيديو.

فبعض الشركات تكتب تحذيرًا في مفتتح ألعابها العنيفة، محذرةً بأن هذه اللعبة ممنوعة عن الأطفال، غير أنه للأسف في ظل عالم إلكتروني كالذي نعيش فيه، فإنه متاح للجميع الحصول عليها.

فالقيود المفروضة على السن، هي أشبه بعبارة “للكبار فقط” التي تضعها بعض الشركات السينمائية على أفلامها، فإذا بها تجذب المزيد من المشاهدين للفيلم.

ويأتي الإقبال على هذه الألعاب من باب أن كل ممنوع مرغوب، خاصةً في ظل سهولة الحصول على المحتوى من شبكة الإنترنت.

مساوئ خطيرة

إدمان هذه الألعاب، أيًا ما كان تصنيفها، يكون له آثار سلبية من الناحية الاجتماعية والصحية، والجانب السلوكي والأمني، لاسيما لو كانت هذه اللعبة تدعو إلى العنف والدموية.

ووفقًا للعديد من الدراسات فإن هذه الألعاب لها تأثير سيئ جدًا على نفسية الأطفال والمراهقين، إذ أن أدمغتهم تشبه “الأسفنج”، فكل ما يراه الطفل يمتصه.

ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه إذا شاهد مجرمًا فإنه سيتحول إلى مجرم، هو فقط سيتشبع بالأفكار السلبية، حتى لو أنه لم يقم هو بالعمل الإجرامي مباشرة في البداية، غير أنه سيتقبل فكرة هذا العمل، وسيجد المبررات للأشخاص الآخرين إذا قاموا بها أمامه.

وقد خلُصَت دراسة أمريكية تم نشرها في مجلة الطب السلوكي الحيوي، وهي المجلة الرسمية للرابطة الأمريكية للطب النفسي، إلى أن المراهقين الذين يمارسون ألعاب الكمبيوتر العنيفة لمدة تفوق ثلاث ساعات يوميًا، لديهم ردود فعل جسدية ونفسية متبلدة عند اللعب بمثل هذه الألعاب، كما أن ممارسة الألعاب العنيفة تحرض على السلوك العدواني والغضب لديهم، بالإضافة لمشاكل بالنوم وعدد ضربات القلب.

دور الأسرة

السؤال الأهم الآن: على من تقع المسؤولية؟، على الأهل أم على الأفراد ذوي النوايا الخبيثة والشركات التي تبتكر هذه الألعاب العنيفة؟، وكيف يمكن للأهل تجنّب خطرها؟.

مبدئيًا.. التوعية والمراقبة من الأهل هي الحل الأمثل والأهم حاليًا لمنع الأطفال والمراهقين من الدخول في عالم هذه الألعاب التي تسبب في الأذى للنفس أو للغير.

وعلى الأهل أن يحيطوا أولادهم بالرعاية والاهتمام، ومنحهم المزيد من الوقت ليكونوا معهم، ومراقبة حالتهم النفسية، وأي متغيرات طارئة على حياتهم، وألا يستهينوا بأي تراجع لحالة أطفالهم النفسية، أو تغيرات في السلوك وطريقة التفكير، وأن يراجعوا أجهزتهم بشكل دائم ليراقبوا التطبيقات التي يقومون بتحميلها واستخدامها.

كما يتطلب الأمر أيضًا من أولياء الأمور أن يفتحوا النقاش اليومي مع أبنائهم بأسلوب هادئ ومريح، بعيدًا عن التهديد والعقوبات، وذلك حتى يكونوا على إطلاع دائم بحالتهم النفسية، وما يطرأ على حياتهم من مستجدات.

هذا بالإضافة إلى تنظيم الوقت، وعدم تركهم مدة زمنية طويلة وهم على أجهزتهم الالكترونية، وأن يقوموا بإدماجهم في أنشطة يومية، بحسب هواياتهم واهتماماتهم وشغفهم، بحيث يقومون بها في الواقع، كزيارة المكتبة والملعب والحديقة وغيرها.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى