تقارير

اتفاق سياسي بالسودان بعد مخاض 7 أشهر.. هل ينهي أزمة الحكم أم حلم التغيير؟

أحمـد الغــر

بعد مخاض صعب استمر 7 أشهر، وقع الفرقاء السودانيون بالأحرف الأولى، صباح الأربعاء الماضي، اتفاقًا سياسيًا يحدد أطر مؤسسات الحكم خلال المرحلة الانتقالية المقبلة، ليكون أول وثيقة رئيسية تحدد مستقبل البلاد منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في إبريل الماضي.

جاء التوقيع بعد تأجيل دام 3 أيام، وجلسة مفاوضات استمرت بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، منذ مساء الثلاثاء الماضي، وحتى الساعات الأولى من صباح الأربعاء.

فماذا حمل الاتفاق من بنود؟، وأي مستقبل ينتظر الشعب السوداني الطامح إلى التغيير؟

من الخبز إلى الحرية

في شهر ديسمبر من العام الماضي، وُلِدَت حركة الاحتجاج في السودان، بسبب الغضب الشعبي من زيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف قيمته، في ظل أزمة اقتصادية وتدابير تقشفية، اتخذتها حكومة عمر البشير.

ومع تطور حنق الجماهير، اتّخذت الاحتجاجات شكل اعتصام أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم، منذ السادس من إبريل، للمطالبة بتغيير النظام السياسي، ورحيل البشير.

وتحقق ما طالبت به الجماهير في 11 إبريل، حيث تمت الإطاحة بالبشير الذي حكم البلاد على مدى 30 سنة متواصلة، وتولى المجلس العسكري تسيير شؤون البلاد.

بداية الخلاف

ورغم مطالبة المجلس العسكري للجماهير بفض اعتصامهم، إلا أن الآلاف منهم رفضوا فضّ الاعتصام، مطالبين بنقل السلطة إلى المدنيين.

وفي ظل الأزمة المتواصلة، بدأت أولى جلسات التفاوض بين المجلس العسكري مع قادة الاحتجاج في 20 إبريل، وبعد أسبوع من التفاوض توصل الطرفان إلى اتفاق على تأسيس مجلس مدني عسكري مشترك يحكم البلاد في المرحلة الانتقالية.

ولم يكتمل الاتفاق، إذ طرأت الخلافات بين الطرفين على تشكيلة المجلس الانتقالي؛ بعد أن أراد كل طرف أن يشكل ممثلوه الغالبية، وكذلك على من يقود المجلس، شخص عسكري أو مدني.

واحتشد المتظاهرون في الخرطوم، في الثاني من مايو، مع إعلان قادة الاحتجاج أن الجيش غير جاد في تسليم السلطة.

وفي منتصف مايو، علّق المجلس العسكري المفاوضات، مؤكدًا إصراره على أن يزيل المتظاهرون المتاريس التي وضعوها في شوارع العاصمة.

وفي العشرين من مايو، انتهت المفاوضات بين المجلس العسكري وقادة الاحتجاجات بشكل مفاجئ، في إعلان رسمي لانهيار كل ما تم إحرازه.

وفي يومي 28 و29 مايو تمت الدعوة إلى إضراب عام في جميع أنحاء السودان للضغط على المجلس العسكري الحاكم، للعودة إلى التفاوض.

فض الاعتصام

في الثالث من يونيو، جرى فض اعتصام المحتجين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، حيث قُتِلَ أكثر من 100 شخص بحسب اللجنة المركزية للأطباء في حركة الاحتجاج.

وفي اليوم التالي، أعلن المجلس العسكري أن الاتفاقات التي تمّ التوصل إليها مع قادة الاحتجاجات باطلة، ودعا إلى انتخابات في فترة لا تتجاوز 9 أشهر، وهو ما دفع المحتجون للتنديد بما أعلنه المجلس العسكري، معتبرين أنه “انقلاب”.

وفي إطار الضغوط الدولية والداخلية، اضطر المجلس العسكري إلى تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات ما حدث، والتي خلصت إلى تورّط ضباط وجنود في فض الاعتصام بالقوة، وأن المجلس كان قد أعطى أمرًا بتطهير منطقة قريبة تمارس فيها تجارة المخدرات، لكن العملية لم تجر كما كان مخططًا لها.

لـكـن المتظاهرون والمنظمات غير الحكومية اتهموا “قوات الدعم السريع”، بارتكاب تجاوزات خطيرة خلال فض الاعتصام، وهي قوات منبثقة من ميليشيات الجنجويد التي ارتكبت فظائع خلال الحرب الأهلية في إقليم دارفور.

وساطة إثيوبية ـ إفريقية

في السابع من يونيو، أعلنت إثيوبيا التي كانت قد بدأت وساطتها بين الفرقاء، أن المجلس العسكري والمحتجين وافقوا على العودة إلى طاولة المفاوضات، إلى أن جاء 12 يونيو، حيث عيّنت واشنطن الدبلوماسي “دونالد بوث” موفدًا خاصًا إلى السودان.

وفي 27 يونيو، أعلنت قوى الحرية والتغيير أنها تلقت من الوسطاء الإثيوبيين والاتحاد الإفريقي “مشروع اتفاق” كي يتم بحثه، وبعد يومين أبدى قادة المجلس العسكري استعدادهم لأن يكون المشروع أساسًا لاستئناف التفاوض.

اتفاق بالأحرف الأولى

في الخامس من يوليو الجاري، وبعد يومين متتابعين من المفاوضات، جرى التوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري وقادة قوى الحرية والتغيير على هيئة انتقالية للحكم، وألغى المحتجون دعوتهم إلى عصيان مدني كان مرتقبًا في 14 يوليو.

وفي 17 يوليو، وقع الطرفان بالأحرف الأولى، على وثيقة الاتفاق السياسي التي تحدد أطر مؤسسات الحكم، بعد محادثات مكثفة، وهى لحظة ـ وصفها نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم “محمد حمدان دقلو” ـ بأنها لحظة تاريخية في حياة الأمة السودانية ومسيرتها النضالية، وتفتح عهدًا جديدًا وواعدًا من الشراكة.

أبرز بنود الاتفاق

اتفق الموقعون على الوثيقة على تشكيل مجلس السيادة من 11 عضوًا، 5 عسكريين يختارهم المجلس العسكري، و5 مدنيين، تختارهم قوى الحرية والتغيير، يضاف إليهم شخصية مدنية يتم اختيارها بالتوافق بين الطرفين.

وأن يترأس مجلس السيادة لمدة 21 شهرًا، ابتداءً من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق، أحد الأعضاء العسكريين في المجلس، على أن يترأس مجلس السيادة للـ 18 شهرًا المتبقية من مدة الفترة الانتقالية، أحد الأعضاء المدنيين في المجلس السيادي.

ويحدد مرسوم الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية صلاحيات ووظائف وسلطات مجلس السيادة، في حين ستختار قوى الحرية والتغيير رئيس الوزراء للحكومة المدنية وفق الشروط الواردة بمرسوم الوثيقة الدستورية.

كما اتفقوا على قدسية مبدأ السيادة الوطنية، ووحدة التراب السوداني، والوحدة الوطنية للسودان بكل تنوعاته، وأن يتعامل الطرفان بمبدأ الشراكة وحسن النية، والكف عن الخطاب العدائي والاستفزازي.

وأن يلتزم الطرفان بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم السودانية السمحاء، وكذلك الاتفاق التام على مبدأ تسوية جميع الخلافات التي قد تطرأ بالحوار والاحترام المتبادل.

ويتشكل مجلس الوزراء من رئيس، وعدد من الوزراء لا يتجاوز عددهم 20 وزيرًا من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور، يختارهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، ويتم اعتمادهم من قبل مجلس السيادة.

استثناءات

يستثنى من الوزراء المُختَارين من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، وزير الدفاع ووزير الداخلية، الذين يعينهما رئيس الوزراء بعد اختيارهما من قبل الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة، ولرئيس مجلس الوزراء أن يرشح استثناء شخصيتين حزبيتين من ذوي الكفاءات الأكيدة لتولي حقائب وزارية.

المرحلة الانتقالية

وفقًا للاتفاق تتمثل مهام الفترة الانتقالية في: وضع السياسة والمنهج الفعال لتحقيق السلام الشامل في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بالتشاور مع كافة الحركات المسلحة، وتحقيق سلام عادل وشامل يوقف الحرب نهائيًا، بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها مع الوضع في الاعتبار التمييز الإيجابي.

وبعد تكوين الحكومة الانتقالية، يتم تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لإجراء تحقيق شفاف ودقيق في الأحداث الدامية والجرائم التي ارتكبت في 3 يونيو 2019 (فض الاعتصام) وغيرها من الأحداث والوقائع التي تمت فيها انتهاكات لحقوق الإنسان وكرامة المواطنين.

ويجوز للجنة الوطنية أن تطلب أي دعم إفريقي إذا اقتضت الحاجة لذلك، كما يتم تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي في فترة لا تتجاوز 90 يومًا من تاريخ تكوين مجلس السيادة.

وإلى حين تشكيل مجلس النواب يمارس مجلس السيادة ومجلس الوزراء في اجتماع مشترك السلطات التشريعية للمجلس، على أن يرفع أي تشريع إلى مجلس السيادة للاعتماد والتوقيع، ويعتبر التشريع المودع قانونًا نافذًا بعد مضي 15 يومًا من تاريخ إيداعه لدى مجلس السيادة.

الطرف الرابح

لم يتفق الطرفان حتى الآن على التفاصيل الدقيقة للاتفاق وعناصره الدستورية، كما أن مجلس السيادة لم يتشكل بعد، وما سيتبعه من قرارات وتشكيل للحكومة، ولا يزال العسكريون، الذين نشبت ضدهم الاحتجاجات، في السلطة حتى الآن، وسوف يقودون الحكومة المؤقتة في بداية المرحلة، مما يهدد حلم التغيير وإقامة الدولة المدنية الذي ثار من أجله السودانيون.

وربما لهذا السبب يشعر بعض المحتجين أنهم ليسوا الجانب الرابح في الاتفاق، وتنتشر المخاوف من أن قادة المجلس العسكري قد يبدأون في تحصين أنفسهم من مقاضاتهم لاحقًا، وهذا كله يعني في نظر المحتجين أن العدالة لم تتحقق بعد، وقد شكك كثيرون بالاتفاق على موقع “تويتر”، وعبر البعض عن خيبة أملهم.

 

ردود أفعال

وبمجرد الإعلان عن الاتفاق؛ بدأت ردود الأفعال تتوالى، إذ أشادت السفارة الأمريكية في الخرطوم، بالاتفاق ، وكتبت عبر صفحتها على تويتر: “نشجع المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير على الاستمرار بروح التعاون للاتفاق على الوثيقة الدستورية خلال محادثات الجمعة”.

ومن جانبها أثنت الجامعة العربية على هذه الخطوة الإيجابية التي من شأنها أن تمهد الطريق أمام تشكيل هياكل السلطة الانتقالية، واستكمال مسيرة التوافق الوطني حول بقية الترتيبات والاستحقاقات التي يتطلع إليها الشعب السوداني.

وصرح مصدر مسئول بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أن الجامعة ستظل ملتزمة بمساندة الأطراف السودانية في هذه المسيرة، وفى كل ما يمكن السودان من عبور تحديات المرحلة الراهنة.

فيما رحب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي “يوسف بن أحمد العثيمين”، بالاتفاق الذي ينص على إنشاء هياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية لقيادة البلاد، داعيًا المجتمع الدولي لتقديم كافة أشكال الدعم للسودان في هذه المرحلة ليعم السلام المستدام والأمن جميع ربوعه.

بدوره، وصف الاتحاد الأوروبي الاتفاق بأنه “اختراق”، وقالت المتحدثة باسم وزيرة الخارجية “فيديريكا موغيريني” بأنه “من المهم أن ينفذ الأطراف الاتفاق الذي تم التوصل إليه بنوايا حسنة، وأن يواصلوا المحادثات”.

في حين رحب وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” بالاتفاق وقال في بيان له: “أشجع الأطراف على تنفيذه في أسرع وقت ومواصلة المفاوضات حول القضايا التي لا تزال عالقة”.

كما رحبت المملكة العربية السعودية بالاتفاق، ونقلت وكالتها الرسمية للأنباء عن مصدر مسئول في وزارة الخارجية قوله إن المملكة تتطلع لأن تشكل هذه الخطوة المهمة بداية لمرحلة جديدة يسودها الأمن والاستقرار، بما يلبي تطلعات الأشقاء في السودان.

وكذلك، رحبت الإمارات العربية المتحدة بالاتفاق، داعية إلى “تأسيس نظام دستوري راسخ”، وغــرد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” على تويتر: “نبارك للسودان الشقيق الاتفاق الذي يؤسس لانتقال سياسي مبشر”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى