تقارير

أطفال سوريا.. أجيال ضائعة أم قنابل موقوتة؟

الأطفال يتحملون الجزء الأكبر من مأساة نزاع مستمر لا علاقة لهم به

أحمـد الغــر

“وحدهم الأطفال في سوريا، هم من يتحملون الجزء الأكبر من المأساة، رغم أنهم لا علاقة لهم على الإطلاق بهذا النزاع، لكنهم يتحملون وطأة الصراع، جيل كامل من الأطفال لم يعرف شيئًا الآن سوى الحرب، فكيف يمكن أن يكون هذا شيئًا جيدًا لأي شخص؟”.

بهذه الكلمات اختصرت المتحدثة باسم منظمة اليونيسف “ماريكسي ميركادو”، مأساة الأطفال في سوريا، فثمة أجيال من أطفال سوريا ضيّعتهم الحرب بين الجهل والفقر واللجوء والمعاناة وحمل السلاح، ومن أفلت من كل ذلك.. كان الموت في انتظاره ليحصد روحه.

مخلفات كارثية للصراع الجاري؛ لعل أبرزها هو الجيل الضائع من الأطفال المحرومين من التعليم، هؤلاء الأطفال الذين يجدون أنفسهم، وهم لم يرتكبوا أي خطأ أو ذنب، ليسوا فقط نازحين، وإنما أيضًا محرومين من أدنى حقوقهم في الحياة.

وهذا الجيل الضائع يشكل فاجعة سوريا الحقيقة، كثيرون يرونهم ضحايا، والبعض يراهم قنابل موقوته ستنفجر في وجه العالم عاجلاً أم آجلاً.

A pair of handcuffs

صراع لا يرحم

لا يشكّل الأطفال غير المتعلمين تحديًا على المدى القصير فحسب، ولكن أيضًا تحديًا له عواقب سلبية وخيمة على المدى الطويل، سواء ظلوا في وضعهم كلاجئين في بلدان اللجوء، أو في مجتمعهم السوري متى حانت العودة واستقرت الأمور.

وطبقًا للتقرير الأممي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2013، فإن “جيلًا كاملًا من الأطفال السوريين في خطر.

حيث يشهد ملايين الأطفال داخل سوريا والمنطقة ضياع ماضيهم ومستقبلهم وسط الركام والدمار في هذا النزاع الذي طال أمده، تتزايد كل يوم مخاطر ضياع جيل بأكمله”.

والأجيال الضائعة المقصودة في التقرير هم الأطفال المحرومين من فرص الالتحاق بالتعليم، والحصول على الرعاية الصحية، أو امتلاك المهارات اللازمة ليصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع.

وإذا كان هذا التقرير قد أطلق هذه التحذيرات في العام 2013، فما بالنا بما وصلت إليه الأوضاع بعد مرور 7 أعوام من النزاع المستمر.

فالنزاع الطاحن على الأراضي السورية لم يرحم الأطفال (الذين تتراوح أعمارهم ما بين يوم و15 عامًا) من فقدان عائلاتهم، سواء توفوا أو اختطفوا أو فروا لوجهات أخرى دون تحديد مكان إقامتهم.

وفي ظل ضعف احتمالات لمّ شمل الأسرة مرة أخرى، فإن فرص تحسين أوضاع هذه الأجيال الضائعة يتضاءل أكثر فأكثر.

استهداف المدارس!

خلال الأعوام القليلة الماضية، أبلغت اليونيسف عن تعرض أكثر من 145 مدرسة في سوريا للقذف، وهناك ما لا يقل عن 7400 مدرسة مغلقة، وتلك التي لا تزال تعمل بشكل عام تعاني من سوء المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، وهو ما حرم عشرات الآلاف من الأطفال السوريين من التعليم.

فطبقًا لتقرير صادر عن لجنة الإنقاذ الدولية فإن هناك 5.8 ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا يحتاجون إلى المساعدة التعليمية، ما يعني أنهم يواجهون صعوبة في الذهاب إلى المدرسة، أو لا يتعلمون بالأساس بسبب سوء نوعية التعليم، أو عدم وجود المعلمين، أو لأسباب أخرى عديدة.

وضع مأساوي للمدارس

وخير شاهد على الوضع المأساوي للمدارس السورية، ما ذكره الدفاع المدني في محافظة إدلب، الذي أعلن أن نحو 114 ألف طالب قد حرموا من مواصلة التعليم في إدلب، حيث تقصف قوات النظام وروسيا بشكل مباشر المباني الحيوية، من مدارس ومشافي وأبنية سكنية، في إطار الحملة العسكرية المتواصلة لإخضاع المدينة.

وفي حين يبلغ عدد المدارس في محافظة إدلب نحو 1200 مدرسة، فقد تم تدمير نحو 100 منها بالقصف المباشر من الطائرات الروسية وطائرات النظام السوري خلال الشهر الماضي فقط، وهو ما دفع مديرية التربية والتعليم في إدلب إلى تعليق الدراسة بكامل المدارس، وتبقى هذه مجرد أرقام عن محافظة سورية واحدة!

أجيال مجهولة

تُشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى وصول عدد المهاجرين الدوليين إلى ما يزيد على 272 مليونًا في عام 2019، وهو معدل يفوق سرعة نمو تعداد سكان العالم.

وبحسب البيانات التي أصدرتها إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالمنظمة، فإن سوريا تعد أكبر بلد مصدر للاجئين حول العالم، إذ يتجاوز عدد اللاجئين السوريين الـ 6 ملايين لاجئ.

وللأسف هناك قطاع لا يُستهان به من الأطفال قد وُلِدُوا خلال فترة الحرب السورية، ولم يتم تسجيلهم في السجلات الرسمية، وبعضهم تم تسجيله باعتباره “مجهول الأب”، لأن والده محسوب على قوى المعارضة، حيث لا تجرؤ أم المولود، وفقًا لتقارير عديدة، على التصريح بذلك خشية الاعتقال.

هؤلاء الأطفال يشكلون شريحة آخذة في الاتساع، خاصةً في مناطق سيطرة النظام. وقد عبر عن هذا القلق المبعوث السابق للأمم المتحدة في سوريا “ستيفان دي ميستورا”، في 14 أغسطس 2015، عندما قال: “لدينا جيل كامل من السوريين، أطفال صغار، لم يشهدوا سوى الحرب”.

جنود صغار !

أكثر ما هو مؤسف في زمن الحرب، هو الاتجاه نحو تجنيد الأطفال داخل ساحات القتال وفي صفوف أطراف الصراع، تنظيم “داعش” لم يتهاون في تجنيد الأطفال اليتامى والمهجورين والمختطفين.

وقد أطلق عليهم “أشبال الخلافة”، واستعان التنظيم بالجمع بين التشدد الديني والتدريب العسكري، وزرع الشعور المتغلغل بالانتماء لدى هؤلاء الصبية.

بخلاف ذلك فإن ثمة أطفال أصابهم الضجر من العمل لساعات طويلة في بعض الأعمال الشاقة في بعض مناطق سيطرة بعض الفصائل، مقابل أجور ضئيلة، فسحرتهم الأجور المغرية التي يحصلون عليها جراء الانخراط في ساحات القتال في صفوف هؤلاء المسلحين، وهو ما جعلهم يتحولون فجأة إلى مقاتلين خالعين ثوب الطفولة والبراءة.

النظام ذاته لم يتورع في تجنيد من هم تحت السن القانونية، خاصة في الفترات التي عاني فيها من الانشقاقات وهروب الشباب السوري من التجنيد الإلزامي، فلم يجد بدًا من تجنيد شرائح من الفتيان الصغار والزج بهم في صفوف القتال.

وقد عبّر ذات يوم، عن هذا الوضع المأساوي للأطفال السوريين، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “جوردون براون”، قائلًا: “إن الأطفال النازحين هم أكثر عرضة ليصبحوا أصغر العمال في المصانع، وأصغر العرائس، وأصغر الجنود في الخنادق”.

أذى نفسي وعنف مفرط

طبقًا لدراسة أنجزتها منظمة “أنقذوا الأطفال”، فإن 5.8 ملايين طفل في سوريا بحاجة إلى مساعدة نفسية بسبب الحرب مع إقتراب دخولها للعام العاشر على التوالي.

ونبّهت الدراسة إلى أن سوريا تشهد أزمة في الصحة النفسية بشكل عام، حيث سجلت معدلات مفزعة للصدمات النفسية الحادة والمزمنة بين الأطفال.

فـ 70% من الأطفال الذين شملتهم الدراسة ظهرت عليهم أعراض الصدمات والاضطرابات النفسية مثل التبول اللاارادي، وفقدان القدرة على الكلام، والعنف والإدمان على المخدرات.

الاكثر أسفًا في الأمر، أن سوريا قد باتت بيئة صادمة للغاية يعرفها الأطفال ولا يودون العودة إليها مرة أخرى، تجنبًا لذكريات العنف المفرط فيها، ففي بعض الحالات، يرفض الأطفال أنفسهم العودة إلى أهلهم لأن ذلك قد يعني بالنسبة إليهم العودة إلى الحرب التي هربوا منها.

وفي ظل عدم قدرة المنظمات الإغاثية الدولية والإقليمية المعنية بتوفير الخدمات المتخصصة الطبية، وخاصة الرعاية النفسية، على توفير العلاج النفسي اللازم لهؤلاء الأطفال، في ظل ضخامة التحديات التي تواجهها هذه المنظمات، فإن إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال تصبح شبه مستحيلة.

تحديات عظيمة

قبل اندلاع الحرب في سوريا؛ كانت سوريا تحظى بمعدل 99% كمعدل تسجيل في صفوف التعليم الابتدائي، لكن الصراع الدائر على مر السنوات الماضية قد أدّى إلى انخفاض هذه النسبة بشكلٍ كبير.

وحتى عندما لاحت بادرة أمل لحل المشكلة من خلال تسجيل هؤلاء الأطفال في مدارس الدول المجاورة، تحمّلت هذه الدول عبئًا ضخمًا على بنيتها التحتية التعليمية المنهكة بالأساس، خاصةً لبنان والأردن، أما تركيا، فتُعطى أغلبية الدروس باللغة التركية، الأمر الذي خلق تحديًا كبيرًا أمام الطلاب القادمين من دولِة ناطقة باللغة العربية.

ورغم أن هناك تمويل متزايد من جهات مانحة لتقديم التعليم المناسب لأطفال اللاجئين، إلا أن الفجوات التمويلية التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات لا تزال تعيق الجهود الرامية لتقديم التعليم المناسب لهؤلاء الأطفال.

فاستنادًا إلى دليل التنمية البشرية الذي يصدر عن الأمم المتحدة، فقد تراجع دليل التعليم في سوريا بنسبة 32.2% مقارنة بالعام 2010، وذلك بسبب انخفاض معدل الالتحاق بالمدارس، وانخفاض سنوات التدريس، وتسرب ملايين الأطفال نتيجة الحرب، وتراجعت مرتبة سوري لتصبح في ذيل الترتيب الخاص بدليل التعليم من حيث الجودة على مستوى العالم.

خطوة نحو المستقبل

تسببت أعوام الصراع الماضية في حدوث آثار مدمرة على التعليم في سوريا، فلا يزال ما يقرب من مليوني طفل غير ملتحقين بالمدارس في أرجاء البلاد، وهؤلاء الأطفال بحاجة ماسة للتعافي بعد أعوام من معايشة أهوال الصراع، كما أصبح ما يقرب من ثلث المدارس في البلاد خارج الخدمة بسبب الصراع،

إن تمكن هؤلاء الأطفال من الوصول إلى مدارسَ آمنة، والحصول على تعليم محايد وغير مسيّس ويتناسب مع العصر الراهن، فإن هذا لا يمثل إعطاءهم حقهم في التعليم فحسب، بل يشكل خطوة أولى باتجاه تعافيهم وعودتهم إلى الحياة الطبيعية، ومشاركتهم الفاعلة في جبر الشرخ الاجتماعي الحاصل في نسيج المجتمع السوري.

لقد فقدت سوريا الكثير والكثير خلال الأعوام الماضية.. ويبقى الأمل الأكبر في الأجيال الصغيرة والناشئة، لعل وعسى يأتي المستقبل المنشود بما طال انتظاره من نهاية للحرب، وإنقاذ أجيال جديدة من الضياع.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى