تقارير

أزمةٌ بلا نهاية.. المأساة السورية تبدأ عامها العاشر

أحمد الغـر

قبل 9 سنوات حيث كانت بداية الثورة السورية؛ كان واضحًا بجلاء أن “بشار الأسد” ينوي التغلب على المظاهرات والمعارضين بأي شكل ممكن، خاصة بعد أن أرسل الشبيحة إلى الشوارع لقمع المظاهرات في أشهرها الأولى، وثمة عبارات تمت كتابتها على الجدران في الشوارع وقتها، على شاكلة “الأسد أو إحراق البلد”.

وبعد مرور 9 سنوات كاملة ودخول الأزمة عامها العاشر، يبدو جليًا أن إحراق البلد وتدميرها وتفريغها من معظم أهلها قد تمّ على أكمل وجه، لكن لم يبق الأسد وحده في الحكم، إذ يشاركه الروس والإيرانيون وحزب الله.

بداية حلم
في مارس من عام 2011؛ وفي خضم الثورات التي كانت تشهدها بعض البلدان العربية، أوقفت قوات النظام السوري 15 شابًا وعرضتهم لتعذيب وحشي، بسبب كتابتهم شعارات مناهضة للنظام في درعا، كانت هذه الحادثة بمثابة شرارة الثورة السورية التي اشتعلت لاحقًا، لتخرج بعدها عشرات التظاهرات في دمشق، قبل أن تمتد إلى مدن سورية أخرى.

طالبت المظاهرات بالحرية في بلد تحكمه عائلة الأسد منذ 1971 بيد من حديد. وكان النظام يواجه كافة التظاهرات بالقمع والقوة المفرطة، حتى شهد شهر يوليو من نفس العام، تأسيس ما يُعرف بـ”الجيش السوري الحر”، المؤلف من مدنيين قرروا حمل السلاح، وعسكريين من الجيش العربي السوري، ليتحول الأمر إلى نزاع مسلح.

تدخلت دول غربية وعربية على خط الأزمة، لتتحول سوريا إلى ميدان حرب ومناطق للسيطرة وتزداد شراسة القتال. بعد عام تقريبًا، وتحديدًا في مارس 2012، سيطر النظام على معقل المعارضة السورية في حمص، وبالرغم من سيطرة النظام على العاصمة دمشق، لكن بعض فصائل السيطرة سيطرت على مناطق واسعة في ضواحيها، كان أبرزها الغوطة الشرقية.

منحى جديد
ابتداءً من عام 2013؛ أخذ الصراع السوري منحى جديدًا، حيث بدأت الطائرات والمروحيات التابعة للنظام في إلقاء الصواريخ والبراميل المتفجّرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل تزامناً مع حصار بري خانق على معظم مناطقها.

وتطور الأمر إلى الهجوم بأسلحة كيميائية محرمة على ريف دمشق، وهو ما تسبب في مقتل أكثر من 1400 شخص، وفي نفس العام أعلنت ميليشيات حزب الله اللبناني دخولها ساحة الحرب في سوريا دعمًا لنظام الأسد.

فيما كان الدعم الإيراني ماديًا وعسكريًا للنظام السوري بلا حدود، فلم تبخل إيران على نظام الأسد بالمال ولا المعدات ولا حتى في إرسال مقاتلين شيعة من إيران وباكستان وأفغانستان والعراق، حيث دأبت على وصفهم بـ”المستشارين العسكريين”.

ليشهد العام التالي؛ إعلان تنظيم ما يُعرف بـ”داعش” إقامة الخلافة في مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا وفي العراق، وبعد ذلك بثلاثة أشهر، بدأ تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة شنّ أولى ضرباته الجوية ضد التنظيم في سوريا، ومن ثمَّ في العراق.

تدخل الروس ومأساة الكيماوي
في 30 سبتمبر 2015؛ بدأت روسيا دخولها المباشر والعلني في الميدان السوري، حيث بدأت تنفيذ ضربات جوية دعمًا لنظام الأسد، وقد شكّل هذا التدخل منعطفًا جديدًا في النزاع، حيث سمح بتعديل موازين القوى ميدانيًا لصالح النظام السوري، إذ بدأت المعارضة تتكبد الهزيمة تلو الأخرى.

وكان أبرزها خسارتهم مدينة حلب في نهاية 2016، ثم الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2018، وفي أبريل 2017 نفذ النظام هجومًا جديدًا بغاز السارين مما أدى إلى مقتل أكثر من 80 سوريًا في خان شيخون بمحافظة إدلب، حيث تجرأ النظام مجددًا على استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا.

حدث ذلك نظرًا لأن المرة الأولى التي استخدم فيها مثل تلك الأسلحة لم يواجه سوى تهديدات شفوية من الرئيس الأمريكي آنذاك “باراك أوباما”، الذي قال إن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وتراجع عن تنفيذ أي ضربات ضد النظام بعد اتفاق مع موسكو تعهدت بموجبه أن يقوم النظام بتدمير ترسانته من الأسلحة الكيميائية.

لكن هذا لم يحدث، وتكررت المأساة في خان شيخون، وكذلك في دوما، ولكن هذه المرة، أمر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بتوجيه ضربات على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للنظام بوسط سوريا، كما شنت أمريكا وفرنسا وبريطانيا ضربات مشتركة على مواقع عسكرية للنظام ردًا على الهجوم الكيميائي في دوما.

وفي خضم هذه الأحداث، كانت هناك العديد من المعارك الطاحنة تدور بين النظام وفصائل المعارضة العربية والكردية وتنظيم داعش والميليشيات الإيرانية والقوات الروسية، وقد شهد العام 2019 مقتل زعيم تنظيم داعش “أبو بكر البغدادي”.

تدخل الأتراك
وفي أكتوبر 2019، دخلت تركيا عسكريًا على خط الأزمة، حيث تدخلت جويًا وبريًا لإبعاد الوحدات الكردية عن حدودها مع سوريا، فيما بدأ النظام مدعومًا من روسيا، في ديسمبر من نفس العام، هجومًا واسعًا لاستعادة إدلب، التي تعدّ آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة.

ولا تزال هذه العملية العسكرية تسبب أزمة إنسانية كبيرة في إدلب، حيث أرغمت نحو مليون سوري على الفرار من مدنهم وبلداتهم وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية.

مفاوضات بلا فائدة
بالتوازي مع المعارك والتهجير والقتل المستشري في سوريا كانت اللقاءات الدبلوماسية والمفاوضات السياسية لا تتوقف، لكنها لم تصل إلى أي شئ سوى إطالة عمر النزاع حتى الآن.

وفي الإطار دُمِّرَ الاقتصاد السوري، وقُتِلَ مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري. بعض الإحصاءات تتحدث عن أكثر من 370 ألف قتيل، فيما نزح ملايين آخرين، وتقبع العديد من المدن والقرى في الخراب والدمار، حيث لا تتوافر فيها الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والغاز والمياه النظيفة والخدمات الصحية، ومن بقى في هذه المدن والقرى يعيش تحت خط الفقر، وبمعدلات بطالة مرتفعة جدًا.

وفي ظل غياب الدولة السورية والحكومة الوطنية.. تسعى روسيا وإيران لتأمين مشاريع اقتصادية مدرة للربح لهما، ولكن لا يوجد الكثير من هذه المشاريع في سوريا المخربة الآن، لذلك اتجه تركيزهما لاستخراج احتياطيات سوريا من الموارد الطبيعية ونهبها.

العام العاشر للأزمة
بعد دخول الأزمة السورية عامها العاشر، لا تزال المظالم التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية ذات يوم، مثل الفساد والقمع السياسي وعدم المساواة وغياب العدالة، موجودة كما هى!، بل إن الظروف داخل سوريا أصبحت أكثر سوءًا بعد مرور تلك السنوات.

فبات الشعب السوري يواجه الآلة العسكرية الشرسة، بما فيها الطائرات والمروحيات والأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، إضافة إلى جرائم الاعتقال والتعذيب والحصار والتهجير، كما تحولت سوريا من ساحة صراع محلي بين المعارضة والنظام إلى ساحة نزاع إقليمي، بل وحتى عالمي.

في عام 2011؛ كان السوريون يفتخرون بـ “كسر حاجز الخوف”، لكن الخوف بدلًا من أن يزول، ساد الآن بشكل أكبر مما كان عليه، ليأخذ ما تبقى من سوريا ومن تبقى من السوريين إلى المجهول.. ترى ما الذي يمكن أن تشهده سوريا في العام العاشر للثورة.. وهل يمكن أن تحدث انفراجة أم سيظل العالم صامتًا أمام أكبر أزمة إنسانية في القرن العشرين؟

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى