الراديو

في رحاب رمضان: كيف نحافظ على أخلاق الصيام؟

واشنطن- راديو صوت العرب من أميركا

أجرى اللقاء: د. شادي ظاظا 

أعده للنشر: مروة مقبول – تحرير / علي البلهاسي 

ضيف الحلقة : الشيخ محمد ياسين إمام مسجد الهدى في مدينة ديترويت

“الدين المعاملة”, مقولة انتشرت بين العوام.. بعضهم يرددها على أنها حديث نبوي وهو ما لم يثبت صحته، وبعضهم تجري بينهم مجرى الأمثال وهو الأرجح، فهو مثل يدل على مدى أهمية الأخلاق في الإسلام، وهو ما أكدته الأحاديث النبوية في هذا الشأن، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “أحبكم وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً” وقوله أيضًا: “إن من خيركم أحسنكم خلقاً”.

وهذا يبين لنا عظمة الأخلاق في الإسلام، فالمسلم بأخلاقه يمكن أن يكون داعية للإسلام دون أن يتكلم بكلمة، فالناس أسرع تأثراً بالأفعال منهم بالأقوال. والناس يفتقدون اليوم للمعاملة الحسنة التي يجب أن يتسم بها المسلم. حتى أن هناك من يقول “أنا لا يهمني ما هو دينك، ولكن يهمني معاملتك لي”.

أخلاق الصائم

شهر رمضان هو شهر الخير، ويعرف أيضًا بأنه شهر الأخلاق، ففيه يتحول البشر إلى فعل الخير وحسن المعاملة بعد أن كان معظمهم يشتكي من سوء المعاملة في غير رمضان.  حتى أن الله سبحانه وتعالى حين تكلم عن الصيام قال إن الصيام لابد وأن يكون له مردود، لأن أي عبادة لا يكون لها مردود فلا قيمة لها، ومردود الصيام هو أن ينعكس على أخلاق ومعاملات المسلم فيما يمكن أن نطلق عليه “أخلاق الصائمين”.

ومعلوم لدينا أن الصيام ليس انقطاع عن الطعام والشراب وملذات الحياة فقط، وإنما يجب أن يترك الصيام أثره على أخلاق الإنسان وأفعاله. فقد قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، لماذا يا رب،  (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وكلمة التقوى بمعناها الواسع تشمل تقريبًا كل ما دعا إليه الإسلام.

فإذا كان الإنسان صائمًا وليس للصيام مردود على أخلاقه وأفعاله فالصيام هنا لا قيمة له، وذلك وفقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). فالأخلاق هي أهم ما يتصف به الإنسان في رمضان أو في غيره من الشهور.

أخلاق النبي

وقد خاطب الله تعالى نبيه الكريم بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم”، فقد كان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يتصف بالأخلاق الحسنة حتى قبل الإسلام، فكان يُعرف بـ” الصادق الأمين”.  فعندما نزل عليه الوحي في غار حراء رجع إلى زوجته السيدة خديجة وهو يرجف، وكانت هي أعلم الناس بالرسول عليه الصلاة والسلام، فلما رأته يرجف وهو يقول (زمّلوني زمّلوني … دثّروني دثّرون)، قالت له كلمة جميلة وهي ” أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا” وعدت له صفاته وأخلاقه التي يتحلى بها فقالت له “إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق، وتكسي المعدوم”.

كل هذه الأشياء التي ذكرتها السيدة خديجة أم المؤمنين – رضي الله عنها – كانت في النبي قبل أن يبعث. وفي حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فمن أسباب بعث الرسول عليه الصلاة والسلام هي أن ينشر الأخلاق الحسنة، ولذلك كان يعلمنا أن ندعو الله أن يرزقنا الأخلاق الحسنة، حيث قال في الحديث الشريف (اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي) .

الإيمان هو الخُلق

عن الحسن البصري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له مقولة ( أن الإيمان هو الخُلق). وسيدنا عبد الله بن عباس – رضي الله عنه –  عندما سئل عن معنى قول الله سبحانه وتعالى في سورة القلم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، قال “وإنك لعلى دين” لأن الدين هو الخُلق، وإذا خلا الدين من الخُلق أصبح لا قيمة له.

الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عنك في الخُلق، زاد عنك في الإيمان. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا). إذن  ليس الأمر بكثرة الصلاة  والصيام، وإنما بما ينعكس من عبادات على خُلق الإنسان.

ويقول الشيخ ابن تيمية (الأخلاق الحسنة حسنة لا تضر معها سيئة .. والأخلاق السيئة سيئة لا تنفع معها حسنة) .

وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال (والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن .. والله لا يؤمن ..، قالوا من يا رسول الله؟، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه”. وروي أن امرأة كانت “صوّامة قوّامة “أي أنها تُكثر من الصيام وقيام الليل، ولكنها تؤذي جيرانها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (هي في النار). والمقصود هنا بالجار هو الجار المسلم وغير المسلم.

سفير الإسلام

وفي دعاء القرآن (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً)، ويكون الإنسان فتنة إذا أخطأ في تعامله مع البشر، فيُساء النظر إلى ما يحمله من عقيدة وإيمان. ونحن نريد من الجالية الإسلامية التي تعيش في أمريكا أن تعي هذه المسؤولية. فأنت رسول هذا الدين وسفير الحق في هذه الأرض، فلابد أن تكون على قدر من المسئولية، لأنك إن أحسنت للناس فسينظرون نظرة حسنة إلى دينك وأمتك من خلفك.

* كيف يكون الإنسان سفيرًا حسنًا ؟

** فلينظر المسلم إلى أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام. فالصيام وسيلة لتهذيب للنفس، وليس لضيق الأخلاق كما يتصور البعض. ولو قال مسلم أن خلقي يسوء في صيامي، فليس لله حاجة من صيامه هذا، لأنه امتناع عن الطعام و الشراب فقط.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذبح قال (اهدوا له) لجاره اليهودي. وللنبي الكريم مواقف كثيرة مشهورة مع غير المسلمين، ما يدل على قيمة الأخلاق عند الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان يريد أن يزرع الأخلاق في الأمة قبل كل شيء، حتى تكون هي سببًا في انتشار الإسلام. ومن المعروف أن الإسلام ما انتشر في دول شرق آسيا إلا من خلال أخلاق المسلمين.

وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

(وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • برنامج “في رحاب رمضان”، برعاية: منظمة رحمه للإغاثة، وهي منظمة غير ربحية، تأسست عام 2014، وهي تعمل بجد وتفاني بهدف خدمة الإنسانية خصوصًا في المناطق المنكوبة بسبب الأوضاع في سوريا، وتعمل أيضًا في دول الجوار التي تستقبل اللاجئين السوريين، وتقدم خدماتها الإنسانية للجميع دون أي تمييز من خلال عدة برامج مثل برنامج سلة الغذاء، الرعاية النفسية والطبية، الملابس، المشاريع التعليمية وإنشاء المدارس للاجئين، رعاية الأيتام، والاستجابة الأولى لحركات النزوح في الداخل السورين وتعمل على توسيع النشاط لإضافة مكاتب في بلدان جديدة مثل العراق واليمن والأردن ومكتب في إِفريقيا.

لمتابعة اللقاء :

 

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى