الراديو

5 سنوات على رحيل عميدة مراسلي البيت الأبيض “هيلين توماس”

راديو صوت العرب يستعرض محطات في حياة السيدة الأولى في الصحافة الأمريكية

تقديم: ليلى الحسيني- أعده للنشر: مروة مقبول

خمس سنوات مضت على رحيل الصحفية العربية – الأميركية “هيلين توماس”، التي كانت تُعرَفُ بلقب عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض.

توفيت “توماس” في واشنطن عام 2013 عن عمر ناهز 92 عامًا، وذلك بعد مسيرة إعلامية حافلة امتدت 69 عامًا، قضت 50 عامًا منها كمراسلة ومعلقة صحفية في البيت الأبيض.

وعاصرت خلال عملها فترات حكم 11 رئيسًا أميركيًا، حيث بدأت عملها منذ نهاية فترة حكم الرئيس إيزنهاور في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وحتى فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما في 2013.

الإعلامية ليلى الحسيني استعرضت أهم المحطات في حياة الإعلامية الكبيرة الراحلة، مع الصحفي الدكتور محمود الزواوي، والذي كان قد أجرى مقابلة مع السيدة هيلين داخل منزلها في الولايات المتحدة قبل وفاتها بعامين، أرسلها حصريًا إلى “راديو صوت العرب من أمريكا”، حيث تم بثها ومناقشته حول ما دار فيها.

علاقة قديمة

في البداية سألت الإعلامية ليلى الحسيني الدكتور الزواوي عن انطباعاته الشخصية التي بناها أثناء مقابلته مع السيدة هيلين، فأجاب: “علاقتي بها تمتد إلى ستينات القرن الماضي، فقد كان لي شرف التعرف عليها في واشنطن قبل أكثر من 50 عامًا، خلال دراستي الجامعية في جامعة جورج واشنطن، ونشأت بيننا صداقة منذ ذلك الوقت. ونمت هذه العلاقة عندما تعرفنا داخل مطعم عربي في واشنطن كانت السيدة هيلين دائمة التردد عليه. ومن هنا تطورت العلاقة بيننا، وأصبحت أحضر مؤتمراتها الصحفية خارج البيت الأبيض، كما تمت دعوتي لحضور حفل زفافها”.

وأضاف: “قمت قبل وفاتها بعامين بزيارتها في منزلها بواشنطن، لتسجيل مقابلة تلفزيونية معها، نيابة عن الجمعية الأردنية للبحث العلمي، وتم عرض هذه المقابلة في المؤتمر السنوي للجمعية. وتركزت المقابلة على تصريحاتها المثيرة للجدل المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وعلى مسيرتها الصحفية في البيت الأبيض وتقويمها لبعض الرؤساء الأميركيين الذين تعاملت معهم.

أصول وتراث عربي

وأوضح أن هيلين كانت تعتز بأصولها وتراثها العربي، وقالت إنها تشعر بانتمائها إلى ثقافتين (العربية والأمريكية)، وكانت على معرفة متواضعة باللغة العربية، لكنها كانت من أشجع من الناطقين بلسان العرب الأمريكيين.

وهي أمريكية لأبوين هاجرا من طرابلس لبنان إلى الولايات المتحدة قبل ولادتها، وهي تنتمي لعائلة (طولوس) والتي حرفت بعد ذلك إلى (توماس). وولدت هيلين في 4 أغسطس 1920، في مدينة وينشستر بولاية كنتاكي، ونشأت في مدينة ديتروت بولاية ميشيغان، وتخرجت من جامعة وين في تلك المدينة، حيث حصلت منها على البكالوريوس في 1942.

مشوار صحفي

يقول الزواوي إن السيدة هيلين بدأت مشوارها الصحفي كموظفة طباعة في جريدة “واشنطن ديلي نيوز”، ثم انضمت إلى وكالة “يونايتد برس إنترناشنال” في العام 1943، بعد عام على تخرجها من الجامعة، وعملت مع هذه الوكالة لمدة 57 عامًا، ثم أصبحت كاتبة عمود في سلسلة صحف “هيرست” التي قضت فيها 10 سنوات انتهت باستقالتها منها في العام 2010 وهي على مشارف سن التسعين، وذلك بعد الإدلاء بتصريحات جريئة وصريحة مؤيدة لحق الفلسطينيين في أرضهم ودعوة اليهود للعودة إلى الدول التي جاؤوا منها. وواصلت بعد ذلك عملها كمعلقة صحفية في نيوز بريس حتى العام 2012.

وقال الزواوي إن السيدة هيلين كانت دائرة معارف كاملة، وتحولت على مر السنين إلى أبرز صحفية في الولايات المتحدة بلا منازع، ومن الألقاب التي أطلقت عليها لقب “السيدة الأولى في الصحافة الأميركية” و”الصحفية الأسطورة”. وحصلت على أكثر من ثلاثين جائزة صحفية وشهادات جامعية فخرية منها دكتوراه من جامعتها “وين ستيت”.

إنجازات إعلامية

وأضاف أن إنجازاتها في الإعلام غير مسبوقة، حيث كانت أول امرأة تترأس نادي الصحافة القومي الأميركي، وأول رئيسة لجمعية الصحفيين في البيت الأبيض، وأول عضو نسائي في نادي جريد أيرون، أقدم وأحد أشهر وأهم المنظمات الصحفية في واشنطن.

وهي مؤلفة لعدة كتب تتصدر المبيعات في الولايات المتحدة، ومنها كتاب “الصف الأمامي في البيت الأبيض” الذي تتحدث فيه بحرية عن ذكرياتها مع الرؤساء المختلفين، وكتاب “كلاب حراسة الديمقراطية”، وكتاب “الأجساد الثقافية”، وكتاب “اسمعني سيدي الرئيس” بالتعاون مع الكاتب “كريج كرافورد”.

وكانت هيلين مضطلعة على الوضع السياسي في أمريكا، فمن خلال قضاء خمسين عامًا داخل البيت الأبيض غطت فيها حكم 10 رؤساء أمريكيين كَوّن لديها رؤية واضحة عن السياسية الأمريكية الداخلية والخارجية، والدور الذي يلعبه اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة.

وكانت جريئة جدًا في مواقفها، حيث تحدثت بصراحة عن النفوذ اليهودي داخل الولايات المتحدة في الوقت الذي كان الكثير من الإعلاميين الأمريكيين المعروفين يتجنبون الحديث في مثل هذه الأمور. فمن مواقفها المؤثرة أنها قالت أن اليهود يملكون الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض وهوليوود و”وول ستريت”، ما يعني امتلاكهم المؤسسات المالية الأمريكية.

موقفها من إسرائيل

وعن المقابلة الشهيرة التي عصفت بالسيدة هيلين خارج البيت الأبيض وأنهت حياتها المهنية، يقول الدكتور الزواوي إنه تم إجبار هيلين على الاستقالة من عملها كمراسلة دائمة في البيت الأبيض، بعد جدل كبير أثارته تصريحات أدلت بها في 27 مايو 2010، حين دعت الإسرائيليين إلى مغادرة فلسطين والعودة إلى ديارهم.

وأوضح أنها ذكرت في تلك المقابلة موقفها حيال القضية الفلسطينية، وأكدت أن أرض فلسطين للفلسطينيين، وأن على اليهود أن يرحلوا عن هذه الأرض. فسألها المذيع عن المكان الذي ينبغي عليهم الذهاب إليه، فأجابته: “فليذهبوا من حيث أتوا، إلى الولايات المتحدة وألمانيا وبولندا وغيرها”.

وقد اعتبر المتحدِّث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس تصريحاتها «عدائية وغير مسئولة، وتستدعي التوبيخ» وطالبها بالاعتذار فاعتذرت. وبالطبع لم تعجب تصريحاتها المؤسسة الصحفية التي كانت تعمل لديها، فأجبرتها على الاستقالة، وتقاعدت بعد مسيرة مهنية حافلة امتدت ستة عقود، ولكن هذا لم يجعلها تتوقف عن قول الحقيقة أو تتخلى عن مبادئها. والشيء الجميل أنها عندما انتقدت الصهاينة، ذكرت ذلك لحاخام يهودي

وكان الزواوي قد سأل السيدة هيلين عن سبب إنهاء عملها في البيت الأبيض في مقابلته التي أجراها معها، فأجابت: ” لقد قلت أن الإسرائيليين ليس لهم حق الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، فقد أتوا من أوروبا وما يفعلونه في فلسطين لا يُحتمل. هم يريدون السيطرة على كل شيء، لقد استولوا على القدس، وقاموا بإذلال الفلسطينيين الذين عاشوا في تلك البلاد لقرون من الزمن، وطردوهم خارج بيوتهم ليبنوا هم مستوطناتهم. ولا يمكن لشخص عنده ضمير أن يفعل ما يفعله الإسرائيليون في فلسطين”.

وعندما سألها عن الحل العادل من وجهة نظرها، قالت إن الحل العادل هو أن يستعيد الشعب الفلسطيني أراضيه التي استولى عليها الإسرائيليون دون وجه حق.

كيندي الأكثر تأثيرًا

في 1960 بدأت هيلين تغطي أنشطة الرئيس المنتخب لاحقا جون كيندي لتلحق به في البيت الأبيض في يناير 1961 كمراسلة لوكالة يونايتد برس. واشتهرت توماس بلقب “بوذا الجالس”، و”ظِل الرؤساء الأمريكيين”. وابتداء من فترة الرئيس كندي أصبحت هي من يطرح السؤال الأول على الرئيس لأنها عميدة المراسلين.

ولأن هيلين عاصرت خلال عملها 11 رئيسًا أمريكيًا فقد سألها الزواوي عن رأيها في هؤلاء الرؤساء، ومن ترى منهم أنه كان الأكثر تأثيرًا ونجاحًا، فقالت إن الأكثر تأثيرًا بين رؤساء الولايات المتحدة كان الرئيس كيندي، فقد كان لديه رؤيته الخاصة، ويهتم بالناس، كما كان يحث الشباب على الانخراط  في العمل المجتمعي، وأن يعلموا من أجل بلدهم، وكان رجلاً محبًا للسلام، ولم يفكر أبدا في الحرب.

وفيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، كان الرئيس كيندي يسعى دائمًا إلى تكوين علاقات جيدة مع الدول العربية، وكان يعي تمامًا قوة إسرائيل، لكنه لم يرضخ لها كما هو الحال مع غالبية الرؤساء الأمريكيين.

ومن المواقف المؤثرة له، تصرفه بحكمة في أزمة الصواريخ الكوبية بين أمريكا وروسيا، التي كان يمكن أن تنتهي بكارثة نووية، فكلا البلدين لديه ترسانة نووية، ولكن خيار الحرب لم يكن بين خيارات الرئيس كينيدي أو حتى الرئيس السوفيتي في ذلك الوقت نيكيتا خروتشوف، لأنهما كان يدركان جيدًا مدى فظاعة الحروب. وفي النهاية توصل القائدان إلى اتفاقية لإنهاء تلك الأزمة.

أعدل الرؤساء تجاه العرب

وحول رأيها في أداء الرئيس جيمي كارتر، والدور الذي لعبه فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، خاصة بعد أن ترك البيت الأبيض قالت هيلين إن الرئيس كارتر كان من أعدل الرؤساء الأمريكيين تجاه القضايا العربية.

صِدام مع بوش الابن

وأوضح الزواوي أن هيلين توماس كانت تجلس دائمًا في الصف الأمامي في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها الرئيس الأمريكي، وتبدأ بتوجيه سؤالها، وكانت هي المسئولة عن اختتام المؤتمر الصحفي بعبارة (شكرًا سيدي الرئيس) لكن بوش الابن حرمها ذلك الامتياز، وكان ذلك بسبب انتقادها الدائم له، حيث قالت عنه إنه “لا يفقه شيئًا”. ولم تتوانى عن توجيه الأسئلة المحرجة له مما دفعه لتجاهلها في المؤتمرات الصحفية، على غير عادة من سبقوه من الرؤساء.

ولم تتردد في القول أمام مركز الحوار العربي في واشنطن أن بوش الابن هو أسوأ الرؤساء الأمريكيين على الإطلاق، لأنه أدخل العالم في مرحلة من الحروب الأبدية المستديمة، وهو ما يكرر أهوال الماضي. وفي عهده خسرت أمريكا معظم أصدقائها في العالم.

وقد أثار هجوم السيدة هيلين الشديد على جورج بوش الابن والحرب على العراق حفيظة الصحافة اليمينية بالولايات المتحدة، وأطلق عليها لقب (العرافة العجوز) القادمة من الشرق. وكان آخر الكتب التي ألفتها كتاب (كلاب حراسة الديمقراطية) الذي انتقدت فيه وسائل الإعلام الأمريكية في فترة رئاسة جورج بوش الابن، حيث وصفتها بأنها انتقلت من السلطة الرابعة التي تحرس الديمقراطية إلى كلاب أليفة. 

إشادة وانتقاد لأوباما

وسأل الزواوي السيدة هيلين عن رأيها في سياسة أوباما تجاه قضايا الشرق الأوسط، فأكدت أنها سياسة ضعيفة، فقد خان العرب بشكل كبير، مشيرة إلى أنه على الرغم من ذلك فقد فضلت أن تقوم بانتخابه للمرة الثانية، لأنه كان أفضل من الجمهوريين الذين ساندوا الإسرائيليين.

وحول رأيها في خطابات أوباما، بصفة خاصة خطابه الشهير الذي ألقاه في القاهرة، قالت إنها ترى أن جميع خطابات أوباما كانت خطابات سياسية، الهدف منها هو الفوز في الانتخابات فحسب. وانتقدت حكومة أوباما ووصفتها بأنها ضعيفة.

تقدير واحترام

كان الرئيس أوباما قد أصدر عند وفاة هيلين توماس بيانا أعرب فيه عن حزنه الشديد، وجاء في البيان “كانت هيلين توماس رائدة فعلية، فقد فتحت الأبواب وكسرت الحواجز لأجيال من النساء في ميدان الصحافة، ولم تكف أبدا عن إبقاء الرؤساء – بمن فيهم أنا شخصيا – في حالة توخّ للحرص والحذر”.

كما أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون بيانا قالا فيه: “كانت هيلين صحفية رائدة، غطت طوال مسيرتها بمثابرة وتفان عنيد القضايا والأحداث التي شكّلت مسيرة عالمنا. كان عملها غير عادي بسبب ذكاءها وروحها المتقدة وحس الفكاهة الكبير لديها، والأهم من ذلك التزامها بدور الصحافة القوية في ظل ديمقراطية سليمة”.

وأصدرت جمعية مراسلي البيت الأبيض بيانا قالت فيه: “كانت هيلين توماس رائدة في الصحافة وفي فريق صحافيي البيت الأبيض حيث كانت المرأة الأولى التي تغطي الرئيس وليس فقط السيدة الأولى. ويدين النساء والرجال الذين لحقوا بفريق الصحفيين بالعرفان للعمل الذي قامت به هيلين والأبواب التي فتحتها، وصحافتنا أفضل جراء ذلك”.

ووصفت جريدة “كريستيان ساينس مونيتور” الأميركية المرموقة “هيلين توماس” في مقال نشر في العام 2008 بأنها “عنصر ثابت في السياسة الأميركية، وهي صريحة وجريئة وبارعة وقوية وصارمة”.

وعندما سئل الرئيس الكوبي فيديل كاسترو عن الفرق بين الديمقراطية في كوبا وفي الولايات المتحدة، أجاب قائلا “أنا لست ملزما في كوبا بأن أجيب على أسئلة توجهها هيلين توماس”. واعتبرت هيلين توماس هذا الجواب قمة الإطراء لها.

رسالة أخيرة

وقت إجراء اللقاء مع هيلين توماس كان العالم مشغولاً بتطورات أحداث الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط، وسأل الزواوي هيلين عن رأيها في هذه الأحداث، والرسالة التي تود توجيهها إلى العالم العربي، فقالت إنها تود أن تهنئ شعوب المنطقة بأنهم أخيرًا تمكنوا من إحداث التغيير، وأضافت: “أعتقد أن هذا هو أعظم وقت في تاريخ تلك الدول الحديث، حيث أعلنت تلك الشعوب رفضها لأن تقع تحت الحكم الدكتاتوري”.

أما عن رسالتها الأخيرة للشباب العربي والأمريكي من أصول عربية فقد طالبتهم بأن يحافظوا على وحدتهم وعلى إمكانيات النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كما حثتهم على أن يكون لهم دور مؤثر في الحياة الأمريكية، سواء الاقتصادية أو السياسية،  أن يكونوا متحدين دائمًا .

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لمتابعة اللقاء على اليوتيوب مع السيدة  هيلين توماس من داخل منزلها :

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى