الراديو

نايل الجوابرة على راديو صوت العرب من أمريكا : ‏بعد قيام دول بسحب احتياطي الذهب من أميركا.. هل يتجه العالم نحو التعددية المالية؟

لقاء خاص مع المحلل المالي نايل فالح الجوابرة على راديو صوت العرب من أمريكا

أجرى اللقاء: ليلى الحسيني- أعده للنشر: مروة مقبول

تحرير / علي البلهاسي

في خطوة وصفت بالمفاجئة أعلنت تركيا أنها سحبت احتياطي الذهب الخاص بها من أمريكا. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أنه بنهاية عام 2017 تم نقل 66.5 في المائة من سبائك الذهب التركية إلى البنك المركزي البريطاني ونقل 3.3 في المائة منها إلى سويسرا، بينما أعيد الجزء المتبقي إلى تركيا.

وكانت تركيا تسعى إلى استعادة 28.6 طن من الذهب المودع في خزينة النظام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بينما تحتفظ ببقية الاحتياطي في بنك التسويات الدولية بسويسرا، وبنك إنجلترا في لندن.

ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، تقدَّر احتياطيات الذهب في تركيا بنحو 591 طناً، والتي تعادل قيمتها 25.3 مليار دولار. ويفوق احتياطي الذهب الذي تمتلكه تركيا خارج البلاد ما تمتلكه داخلها بنسبة 10%، أي نحو 70 طناً على الأقل.

وتقول بيانات رسمية تركية إن المركزي التركي عزز احتياطاته من الذهب لتصل إلى نحو 137.1 طنًا منذ بداية العام الجاري 2018، بزيادة قدرها نحو 21 طنًا أو ما يعادل 11.8 بالمائة عن 2016. وتسهم زيادة احتياطي الذهب في التخفيف من حدة تقلبات أسعار العملات الدولية الأساسية في الاحتياطي، مما يضفي مزيدًا من الاستقرار على العملة المحلية (الليرة).

أسباب متعددة

ووفقًا للخبراء فقد تعددت الأسباب وراء القرار التركي باستعادة الذهب من الولايات المتحدة، وهناك من يرى أن الأمر يرتبط عموماً بالأزمة السياسية القائمة بين الجانبين فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا، ومواقفهما المتناقضة بشأن القضية الكردية.

ويؤكد الخبراء أن الهدف الأساسي من استعادة تركيا ذهبها من الولايات المتحدة، هو حماية نفسها من العقوبات الأميركية المحتملة. فقد سبق أن أعلن البيت الأبيض أنه يدرس فرض عقوبات إضافية على روسيا، وحذرت واشنطن الحكومات الأخرى بأنها ستتعرض لعقوبات في حال قيامها بـ”صفقات مهمة” مع الجيش الروسي. وتشمل تلك التحذيرات تركيا التي أعلنت شراء منظومة اس-400 الدفاعية الجوية من روسيا.

ويأتي الإجراء التركي بسحب احتياطي الذهب من أميركا وسط توقعات بفرض الخزانة الأمريكية عقوبات مالية ضخمة على بنك الشعب التركي ومؤسسات مالية أخرى، بسبب خرق العقوبات على إيران المتورط فيها رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل رضا ضراب ونائب رئيس بنك الشعب محمد هاكان عطا الله، والمحتجزان في الولايات المتحدة.

وسواء كان الأمر يتعلق بسوريا أو روسيا أو إيران فإن هناك شبه إجماع على أن قرار تركيا بإخراج سبائك الذهب الخاصة بها من الولايات المتحدة هو قرار احترازي، تحسبا لمصادرة السلطات الأمريكية لممتلكاتها من الذهب والنقود في حالة فرض العقوبات المتوقعة.

عملة احتياطية عالمية

يعتبر الذهب بمثابة العملة الاحتياطية العالمية، وتواصل البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا مساعيها نحو حيازة أكبر كمية من الذهب. وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الأكثر حيازةً للذهب باحتياطي يصل إلى 5 .81333 طن، ويعد هذا الأمر طبيعيًا، خاصة وأن الدولار يمثل العملة الاحتياطية العالمية لأي بلد.

ويكشف تقرير لمجلس الذهب العالمي عن أن فوائد الإقراض المنخفضة ودعم الأسواق المالية يشجعان على الاستحواذ على الذهب. فلم يعد الذهب أداة في مواجهة التضخم فحسب، بل أصبح مفتاحاً للحفاظ على استقرار سعر صرف العملات في العالم.

ويرى بعض المحللين الاقتصاديين أن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها تركيا بسحب احتياطي الذهب من أميركا تشير إلى وجود توجه نحو التعددية  المالية العالمية، خاصة وأن هناك دول أخرى سبقت تركيا في هذا القرار.

حول هذا الموضوع أجرت الإعلامية ليلى الحسيني لقاءً خاصًا على راديو صوت العرب من أمريكا مع الخبير المالي والمحلل الاقتصادي الإماراتي نايل فالح الجوابرة، وإلى تفاصيل اللقاء:

ملاذ آمن

* سيد نايل، نود أن نعرف بداية سبب لجوء بعض الدول لإيداع احتياطي الذهب الخاص بها لدى دول أخرى؟ ‏

** تأخذ الدول احتياطي من الذهب لأن قيمته كبيرة بالنسبة إلى العملة، وفي السابق كانوا يتجهون إلى إيداع الذهب لدى البنوك. وكما هو معلوم للكثيرين فإن قيمة العملة تعتمد ‏قيمة احتياطي الذهب الذي تستند عليه هذه العملة، فإذا كانت قيمة عملة دولة ما مرتفعة فهذا يعني أن هناك قيمة كبيرة من الذهب يمتلكها ‏البنك المركزي لهذه الدولة. ‏

وفي الفترة الأخيرة، بعد الاعتماد على العملة الأمريكية التي أصبحت تمثل جزء أساسيًا في ‏اقتصاديات العالم، اتجهت بعض الدول إلى وضع احتياطها من الذهب لدى البنك المركزي الأمريكي وشراء أصول في ‏الولايات المتحدة، ووضع عملة أمريكية في بنوكها المركزية بدلاً من الذهب، بحيث تكون هذه ‏الاحتياطيات من العملة الأمريكية ومن الذهب بمثابة ملاذ آمن لها في أي وقت، خاصة في أوقات الحروب.

توجه عالمي

* كيف ترى تأثير الإجراء التركي على الأسواق الأمريكية، لاسيما وأن دولاً أخرى مثل ألمانيا والمجر وهولندا حذت حذو ‏تركيا في هذا الإجراء؟ ‏

** اتجاه تركيا لهذا الإجراء كان بدوافع سياسية، خاصة بعد احتضان الولايات المتحدة الأمريكية للمعارض التركي فتح الله جولن، حيث تريد تركيا تسلمه من أمريكا لتحاكمه بتهمة تدبير الانقلاب ضد أردوغان. أما عن المجر وهولندا وغيرها فالسبب اقتصادي ويتمثل في وجود توجه لديهم بأن يكون لديهم ‏رصيد احتياطي من الذهب في بنوكهم المركزية.

ولا ننسى أن إسدال الستار على برنامج التيسير الكميّ في الولايات المتحدة عام 2014، وعودة التجار الكبار في العالم إلى الولايات المتحدة، قد أثر بشكل كبير على الاقتصاد، خاصة أن هناك 4 دول عانت في 2013 من تأثير سلبي على عملتها وهي الهند وتركيا والبرازيل  وروسيا. ‏لذلك تتجه الدول حاليًا إلى تعزيز عملتها وشراء الذهب. وقامت هذا الدول أيضًا ببيع الذهب في ‏الأسواق لكي تكون عملتها قوية بعد عودة الدولار الأمريكي إلى موطنه الأصلي عن طريق التجار العالميين. ‏

وهذه العودة إلى الذهب سواء كان من جانب تركيا لأسباب سياسية، أو من جانب المجر وألمانيا لأسباب اقتصادية، سوف ‏يكون لها تأثير على تلك الدول، لأن قيمة عملتها متدنية بشكل كبير. وبالنسبة لألمانيا فهي تعتمد على اليورو بشكل كبير، وهي ‏عملة أصبحت قيمتها متدنية عما كانت عليه في السابق. وتتجه ألمانيا إلى التجارة في الذهب حاليًا، لأنه يعتبر الملاذ الآمن اللامع بالنسبة لها، و‏بعودته إلى ألمانيا سيكون لديها احتياطي كبير يسهم في تنشيط التجارة لديها، وكذلك تعزيز عملة اليورو التي كانت تسعى في السابق ‏لأن تكون هي العملة الرئيسية في السوق، لكن هذا لم يحدث. ‏

* وهل قيام بعض الدول بسحب احتياطي الذهب من أمريكا خطوة نحو التعددية المالية العالمية؟ ‏

** هي تعددية بالنسبة للدول التي قامت بسحبها، أكثر منها في السوق ‏العالمي، مثلما حدث مع تركيا التي لجأت لذلك بعد انخفاض عملتها في السوق المحلي.

تنويع المخاطر

* هل ترى أن الشرق يحاول تنويع مخاطره بتغطية العملات بالذهب؟ ‏

** بكل تأكيد، وهذا هو الجواب الصحيح عن سبب سحب الذهب من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو سبب اقتصادي يضاف إلى أسباب أخرى بعضها سياسي. وتركيا هدفت من هذا الإجراء إلى ‏تعزيز عملتها، فبعد دخول القوات التركية إلى مناطق في سوريا انخفضت قيمة الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها، وشهدت عمليات بيع مكثفة ‏ من جانب المستثمرين داخل تركيا، الذين اتجهوا إلى التعامل بالدولار وأجروا عمليات ‏شراء مكثفة لعملات أخرى مقابل الليرة التركية.

لذلك قررت تركيا تعزيز عملتها بأن يكون ‏لديها رصيد كافي من الذهب.‏ وقام البنك المركزي التركي بعمليات بيع مكثف بالنسبة للدولار، وهذه تعتبر محاولة من جانبه لترضية البنوك. لذلك ‏شهدنا اتجاه البنوك في تركيا لعمليات السحب حتى يكون لديها تغطية كبرى بالنسبة لعملتها المتدنية. ‏

العملة الصينية

* أعلنت الصين مؤخرًا عن بدء شراء النفط بالعملة الوطنية، هل ترى في ذلك إشارة إلى تجارة بالعملة الوطنية المدعومة بالذهب، ‏وتخطيط للتداول مع دول البريكس على أساس الذهب؟ ‏

** الصين منذ فترة طويلة تعتمد اعتمادًا كليًا على أن يكون هناك تدني لعملتها لتعزيز التجارة بشكل كبير، والتصدير إلى العالم ‏كله، فعملتها المتدنية تساعدها على أن يكون لديها تجارة قوية، لأنها تعتمد بشكل كبير على سكانها الذين يفوق عددهم ‏المليار ونصف مليار نسمة.

ويأتي اتجاه الصين إلى تعزيز عملتها في إطار المحاولة لأن يكون هناك عملة جديدة في العالم، وفي إطار توجه العالم إلى العملة الصينية غير ‏الدولارية في احتياطها المركزي. لكن حتى وقتنا الحالي فإن الاقتصاد العالمي يعتمد كليًا على العملة الخضراء باعتبارها العملة السائدة.

ويمكن القول إن اتجاه ‏الصين لعمليات الشراء باليوان الصيني جاء بعد الأزمة التجارية التي حدثت في الأسابيع الماضية بين الولايات المتحدة والصين بسبب قرارات الرئيس الأمريكي والرئيس الصيني بفرض رسوم على الاستيراد الأمريكي من الصين والعكس، وهذه التطورات ‏بين الدولتين هي التي دفعت الصين إلى الاعتماد على أن يكون الشراء من الولايات المتحدة الأمريكية باليوان الصيني، خاصة بعد قرار الرئيس ‏ترامب بأن بفرض رسوم جديدة ومرتفعة تصل إلى 25% على الواردات من الصين. وتشتري الصين نحو 400 مليون برميل يوميًا ‏من الولايات المتحدة باليوان الصيني فقط. ‏

حرب تجارية

* طالما تحدثنا عن قرارات الرئيس ترامب بفرض الضرائب على بعض السلع فيما يتعلق بالاستيراد و ‏التصدير .. فهناك من يؤيد هذا القرارات وهناك من يعارضها.. كمراقب لهذه التطورات، هل ترى أنها يمكن أن تسبب ضررًا ‏مستقبليًا على التجارة في العالم وفي الولايات المتحدة؟ ‏

** الولايات المتحدة الأمريكية تستورد بضائع من الصين بما يعادل 505 بليون دولار وفقًا لإحصائيات 2017، بينما تصدر أمريكا بضائع إلى الصين بما ‏يقارب 150 بليون دولار في السنة، وهذا يعني أن هناك عجز في الميزان التجاري يما يوازي 375 بليون دولار، وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة نسبة البطالة، وهو الأمر الذي تخشاه الولايات ‏المتحدة في المستقبل.

وتلك القرارات ستؤثر على البلدين بصفة خاصة، وعلى التجارة العالمية بصفة عامة، ‏ولا ننسى في هذا الإطار دور منظمة التجارة العالمية، فهناك قوانين صارمة بين الدول في عمليات التجارة، وتحكم معاملات كل دولة مع الأخرى. وسيؤدي ‏ذلك إلى إصدار قوانين جديدة من شأنها أن تؤثر على التجارة العالمية بشكل عام، وتفاقم مشكلة البطالة سواء في ‏الولايات المتحدة أو الصين، وحتى في العالم كله، إذا استمرت تلك الحرب التجارية.  ‏

دول البريكس

* من هي دول البريكس ولماذا تم إنشاء هذه المنظومة؟ ‏

** دول البريكس هي الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم. وهي (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وأنشأت هذه الدول تلك المنظومة ليكون هناك ترابط بينها وبين بقية الدول، خصوصًا دول مجموعة العشرين التي تمثل ثلثي التجارة في العالم، وتمثل أيضا أكثر من 90 بالمائة من الناتج العالمي الخام.

وهذا التجمع الاقتصادي هدفه ألا تحتكر كل دولة ما لديها من منتج، وهذه المظلة تحمينا كمستهلكين في ‏جميع أنحاء العالم، حتى لا يقوم شخص أو فئة أو جماعة أو دولة باحتكار شيء معين لديها، و نكون نحن المتضرر الأول و‏الأخير. ‏

وبالنسبة للولايات المتحدة والصين إذا استمرت هذه الخطابات بين الرئيس ‏الأمريكي والصيني، فسوف يكون هناك ابتعاد عن هذه المظلة، وعن هذه القوانين، وسيتم إنشاء قوانين جديدة قد تضر بالتجارة ‏العالمية في المستقبل، وقد تؤثر على العالم والولايات المتحدة، وحتى على الشرق الأوسط. فالضرر سيكون في المستقبل، وليس في الوقت الحاضر. ‏

https://www.youtube.com/watch?time_continue=2&v=J3JnoJn5rfM  ‏

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى