الراديو

من يقف وراء أحداث محافظة السويداء السورية؟

مالك أبو الخير: ما حدث ليس صراعًا طائفيًا والنظام تواطأ لتسهيل وقوع المجزرة

راديو صوت العرب من أمريكا

 أجرى اللقاء: ليلى الحسيني

أعده للنشر: مروة مقبول وهارون محمد، تحرير : علي البلهاسي

أسبوعان مرا على المجزرة البشعة التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي في الـ25 من يوليو/تموز الماضي بمحافظة السويداء السورية، والتي راح ضحيتها أكثر من 250 شهيدًا معظمهم من المدنيين، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتقع مدينة السويداء التي شهدت المجزرة جنوب غرب سوريا، وهي المركز الإداري لمحافظة السويداء ، بالقرب من الحدود مع الأردن، وتعد المعقل الرئيسي لدروز سوريا.

وتشهد المدينة حالة استنفار قصوى منذ وقوع هذا الاعتداء الذي وصف بأنه الأكثر دموية تجاه الأقلية الدرزية منذ اندلاع النزاع عام 2011.

فقد خطف التنظيم لدى انسحابه إلى مواقعه في البادية السورية المتاخمة 14 سيدة مع 16 من أولادهن. وتوفيت امرأة مسنة من بين الرهائن الذين خطفهم التنظيم، فيما تم إعدام رهينة من المحتجزين.

وتُبدي العائلات خشيتها على مصير المخطوفين خصوصًا بعد تكثيف قوات النظام قصفها على مواقع التنظيم في البادية السورية. وتقود روسيا بالتنسيق مع النظام الذي تدعمه عسكريا، مفاوضات مع التنظيم المتطرف للإفراج عن المخطوفين مقابل إطلاق عناصر من التنظيم لدى النظام دون أن تحرز أي نتائج.

خطر داعش يتجدد

المجزرة الأخيرة في السويداء كشفت أن تنظيم داعش ما زال على قيد الحياة ويتمتع بوضع جيد، على الرغم من التقارير الدولية التي تفيد بأنه قد هزم بشكل كامل. وأعرب مسئولون دروز عن قلقهم من تكرار الهجوم قائلين إنه “إذا كانوا قد قاموا باختطاف واحد، فإنهم سيختطفون المزيد، فلا تزال هناك حوالي 114 قرية وبلدة صغيرة حول السويداء يعيش بها نصف مليون درزي”.

ويناشد قادة جبال الدروز المجتمع الدولي أن يتدخل لحمايتهم عن طريق إرسال قوات حماية دولية، مثلما يحدث مع الأكراد المحميين من قبل القوات الأميركية، ومساعدتهم على إعادة المخطوفين إلى عائلاتهم.

فقد تعمد مسلحو داعش أن تكون المجزرة بشعة قدر الإمكان، حيث دخل المئات من مقاتلي التنظيم قرى قريبة من السويداء، وانتقلوا من بيت إلى آخر، وذبحوا عائلات البيوت فردًا فردًا، وتركوا شاهدًا واحدًا ليروي حقيقة المجزرة البشعة وقتل عائلته بالكامل، ثم دخل عدد من الانتحاريين المحافظة وقاموا بتفجير نفسهم، فيما نشروا القناصة خارج حدود البلدة وأمطروها بالرصاص.

وقال شاهد عيان: “ذبحوا الأهالي داخل المنازل، وطلقات داعش كانت في كل مكان في أرجاء المحافظة، مضيفا: “لن أنسى هذا المشهد طوال حياتي، ولا توجد كلمات يمكن وصفها”.

لماذا السويداء بالذات؟

الإعلامية ليلى الحسيني أجرت مقابلة هاتفية مع الصحفي مالك أبو الخير من فرنسا، على راديو صوت العرب من أمريكا، للتعليق على الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء مؤخرًا.

* محافظة السويداء بقيت آمنة نوعا ما، حتى أنها تحولت إلى ملجأ لكثير من النازحين خلال سنوات الأزمة. لماذا الآن تستهدف السويداء؟

** بالطبع كان هناك استهداف واضح لمدينة السويداء، فالنظام خلال معاركة حاول استعادة كل المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي لا تتبع قراره بشكل مباشر. والسويداء اتخذت موقفًا حياديًا منذ 7 سنوات، وقررت أنها لن تشارك في المعارك سواء مع النظام أو مع المعارضة. وانتهجت وأخذت الدور السلمي الإغاثي، من خلال استيعاب القادمين من جميع المحافظات السورية، والذين بلغ عددهم حوالي 400 ألف نازح من مختلف المحافظات، جميعهم أصبحوا في مدينة السويداء.

لكن المدينة خرجت عن سيطرة النظام من خلال التعليمات، بمعنى أنه يوجد في السويداء حوالي أكثر من 30 ألف مقاتل رفضوا الخدمة في الجيش، وهذا القرار تم اتخاذه منذ 7 سنوات، حيث قرر أبناء الطائفة الدرزية عدم مشاركتهم في القتال إلى جانب القوات التابعة للجيش الذي يقوم أيضا بممارسة انتهاكات وجرائم بحق السوريين.

وهذا القرار الذي اتخذه أبناء السويداء أزعج السلطة الحاكمة في دمشق. وكان من الواضح أنه جاء دور إخضاع السويداء من خلال ما حدث مؤخرًا.

* هناك من يشير إلى وجود قوات موالية للجيش السوري في السويداء، كيف ترد على ذلك وأنت من السويداء؟

** لا توجد قوات موالية للجيش السوري السويداء. حيث توجد فيها الفرقة 14، والفرقة 15، وهي موجودة بالكامل ضمن مدينة درعا، وتحت الإشراف الروسي. وحاليا بشار الأسد ليس هو من يطلق الأوامر العسكرية للتنفيذ على الأرض، فالذي يطلق الأوامر ويتحكم بالقوات السورية هم الروس.

ولكن في السويداء لا يوجد جيش؛ لأن أبناء السويداء منعوا دخول الجيش لحين انتهاء العملية، وإيجاد حل سياسي يرضي جميع الأطراف؛ وحتى لا يتم اعتقال الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية، أو اعتقال السورين الموجودين فيها والنازحين من كل المحافظات، حيث وضعت الأجهزة الأمنية الكثير منهم ضمن أسماء المطلوبين، وهم الآن بحماية السويداء.

اتهامات متبادلة

* هناك اتهام متبادل بين الائتلاف والنظام السوري بتمكين داعش من السويداء، إذا كان هذا السيناريو صحيحًا، فما الهدف الذي يريده النظام، لو افترضنا جدلا أن هذه الاتهامات صحيحة؟

** بالنسبة للائتلاف، فهو من أيد وأكد على وجود جبهة النصرة من خلال العديد من أعضاءه، ورغم أنها تعتبر جبهة متطرفة، كان يتم اعتبارها كفصيل من فصائل الثورة، وهو من كان منحازًا لتنظيم داعش في الكثير من التصريحات، وهو من رفض قصف المناطق التي يوجد بها داعش بحجة حماية المدنيين.

فإذا أخذنا تصريحات ومواقف الائتلاف بعين الاعتبار، فلا يمكن لأهل السويداء أن يعتبروا الائتلاف مصدرًا يمكن الاعتماد عليه في أي تصريح. فتصريحاته مرفوضة جملة وتفصيلا، ومن كل أعضاءه، من أكبرهم إلى أصغرهم.

وبالنسبة لما يخص النظام، فقد قام كل أبناء السويداء ومشيخة العقل باتهام النظام مباشرة، ولم يشترك الائتلاف في ذلك، حتى أن شيخ العقل عندما ظهر على التليفزيون السوري وتم سؤاله عن المعارك التي تحدث، قال إن أبناء السويداء هم من يدافعون عن الأرض لعدم وجود جيش، وقد قام التليفزيون السوري بحذف هذا المقطع من حديثه، ووضع خبر عاجل بأن أبناء السويداء يقاتلون إلى جانب الجيش السوري. وبالطبع نحن نعلم كذب التليفزيون السوري منذ البداية.

تحول الصراع

* نحن هنا نتوخى الشفافية. فالمتابع من الجالية العربية والأميركية لا يعرف حقيقة الصراع في سوريا. فهل الصراع في سوريا لا يزال ثورة شعبية؟، أم هو حرب أهلية؟، أم صراع طائفي؟، نحن نوثق معك الآن هذه المرحلة التاريخية التي يغيب على العديد من مستمعينا، ما الذي يجري على أرض سوريا الآن؟

** لو عدنا إلى الوراء قبل 7 سنوات، سنرى أن الثورة السورية ظلت ثورة حقيقية لمدة ستة أشهر أو سنة تقريبًا من قيامها، وذلك من خلال العمل المدني والمظاهرات فقط، والتي قامت الأجهزة الأمنية بالتعامل معها بعنف من خلال إطلاق النار على المتظاهرين بحجة وجود عصابات إرهابية بينهم، وكانت تلك بداية تنفيذ المجازر بحق المدنيين.

وفي الواقع كانت تلك المظاهرات مدنية تطالب بالتعديلات والإصلاح ومحاربة الفساد، ثم تصاعدت إلى المطالبة بإسقاط النظام مع تزايد الحدة والعنف الأمني والاعتقالات التي كانت الأجهزة الأمنية تمارسها.

لكن بعد مرور سنة تسلحت الثورة. ومع دخول أول قطعة سلاح إلى سوريا، تحول العمل المدني إلى عسكري؛ فتحولت الثورة إلى لعبة استخباراتية، أصبح فيها للمعارضة والنظام أجندات استخباراتية خاصة، ظلت تتصارع على الأرض السورية لمدة 6 سنوات.

كان الطرفان جاهزين لأن يكونا أدوات لأجهزة خارجية، لكنهما لم يكونا جاهزين لأن يجلسا سويًا ويتوصلون إلى حل وسط. للأسف نحن أصبحنا ننتظر هذه الدول الداعمة على الأرض، لأن تتفق فيما بينها لنستطيع أن نصل إلى حل سياسي، لأن السوريين لا يستطيعون أن يصلوا إليه بمفردهم .

ومن لحظة إطلاق أول رصاصة، أي من لحظة دخول السلاح إلى المعارضة، بدأت التنظيمات المدعومة من دول متفرقة في الظهور، وأصبح الوضع على الأرض السورية عبارة عن حرب استخباراتية، بحيث يمكننا القول إنها عملية تصفية حسابات لا أكثر ولا أقل، تتم بأيدي السوريين فيما بينهم، لتنفيذ أجندة تحقق مصلحة هذه الدول الداعمة لهذه التنظيمات. فما يحدث ليس لمصلحة السوريين، ولا لمصلحة أي طرف من الأطراف المتقاتلة؛ وجميعهم سوريون للأسف.

إشعال الصراع الطائفي

* أنت من الصحفيين القلائل المعروفين بالشفافية وتوثيق الحقيقة، وقد لاحظتّ ذلك من خلال متابعة عملك الطويل في توثيق الحراك السوري والثورة السورية وما آلت إليه الآن. هل ترى أن أحداث السويداء ربما كان الهدف منها هوتأجيج طائفي، أو زج محافظة السويداء في الصراع الطائفي ظاهريًا كي يظهر للعموم أنه صراع سني درزي؟

** هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين: القسم الأول، وهو القسم الحقيقي والأساسي، وهو سبب الهجوم؛ فالمنطقة الجنوبية هي منطقة محاذية لإسرائيل، وهذه الدولة تحافظ على أمنها ولو عن طريق استخدام القوة. وإسرائيل فرضت على روسيا عدم التواجد الإيراني في المناطق القريبة منها إلى بعد 100 كيلو متر، أي في آخر حدود السويداء. والإيرانيون ليسوا موجودين ضمن هذا الإطار، ولا يريدون حل القضية السورية، بينما روسيا تسعى إلى إيجاد حل؛ لأنه ليس من مصلحتها استمرار الحرب.

مع العلم أن الصراع كان متمركزًا في منطقتي الشمال والوسط وفي الغوطة، أما الآن فانتقل الصراع أيضًا ليشمل المنطقة الجنوبية، فبعد انتهاء ملف درعا والسيطرة الروسية عليها، أتى دور السويداء، فهي ليست ضمن السيطرة الروسية ولا الإيرانية ولا تحت سيطرة النظام، ويمكننا القول إن السويداء أصبحت صندوق بريد بين هذه الجهات التي تتصارع فيما بينها؛ ولكن لا توجد جهة ظاهرة على الساحة. الظاهر على الساحة هم أبناء السويداء وتنظيم داعش.

ولا يمكننا القول أن تنظيم داعش هم أبناء الطائفة السنية؛ فأكثر من قام بقتلهم في سوريا هم أبناء الطائفة السنية نفسها، وداعش هو أكثر من قام بارتكاب مجازر بحق أبناء السنة، لذلك لا نستطيع أن نقول أن هذه العملية هي حرب طائفية ما بين الدروز والسنة. وإنما هي حرب طائفية ما بين الدروز وكل السوريين تجاه تنظيم إرهابي متطرف مدعوم خارجيًا، ويهدف لتحقيق أجندة استخباراتية.

القسم الثاني هو أنه لا توجد طائفية. ففي الهجوم الأخير على السويداء كان هناك عدد كبير من الجرحى، ولم تتمكن المستشفيات من توفير أكياس بفصائل دم معينة، وما حدث أن كل الطوائف من أبناء السويداء (سنة، دروز، مسيحيين)، توجهوا للتبرع بالدم.

وما أريد توضيحه لكِ هو أن الحالة الطائفية ليست موجودة بالنسبة للسوريين، ولا يمكننا القول أن الصراع سني درزي، فهو صراع سوري في واجهته الطائفة الدرزية؛ كون السويداء ذات غالبية درزية، ضد التنظيم الإرهابي المتطرف الذي هو عبارة عن مرتزقة قادمين من كل أنحاء العالم ليحاربوا السوريين على أرضهم، ولكنهم يضعون الحالة الدينية في الواجهة. وهذا ما يدركه أبناء السويداء قبل أي أحد آخر.

جبهة النصرة

* أريد أن أوضح نقطة هنا، فهناك أنباء تناقلتها وكالات الأنباء أن من شارك في الهجوم أيضًا جبهة النصرة، فهل من قام بتنفيذ الهجمات تنظيم داعش الإرهابي أم جبهة النصرة والمصنفة بأنها تنظيم إرهابي أيضًا؟

** جبهة النصرة غير موجودة في المنطقة الجنوبية، ويوجد قسم بسيط منها فقط في مدينة درعا وليس السويداء ولا حتى بمحيطها، وهم الآن يرحلون بالباصات باتجاه مدينة إدلب. والهجوم لم تشارك فيه النصرة، لأنه تم من منطقة البادية السورية، ولم يتم من أي مكان آخر. فالمتواجد في البادية السورية هو تنظيم داعش الإرهابي فقط،  الذي وصل إلى هناك من خلال اتفاق علني مع جيش النظام، حيث قام الجيش بنقلهم بالأتوبيسات من مخيم اليرموك إلى البادية السورية القريبة والمحاذية للسويداء. وتم نقلهم بأتوبيسات مكيفة، ومع جميع أسلحتهم المتطورة، والتي لا يمتلكها الجيش. وقد تساءل الجميع: “لماذا لم يتم نقلهم إلى منطقة دير الزور، التي تعرف بأنها مكان تواجدهم، مع العلم أن كل عمليات نقل داعش تتم إلى ريف دير الزور؟، فلماذا تم نقلهم باتجاه السويداء؟”، وبعد نقلهم تم الهجوم الذي حدث.

رسالة السويداء

* ما هي رسالة التي يريد أهل السويداء أن يوجهوها إلى كل من يستمع إلينا، وكيف يرون الأحداث الدموية التي شهدتها المحافظة مؤخرًا؟

** لابد أولاً أن نوضح كيف تم الهجوم لكي نستطيع أن نعرف ما هي الرسالة. فقد كان هناك تواجد للجيش في الجهة المقابلة للقرى التي تم عليها الهجوم. وفي يوم 18 يونيه تم نقل الجيش ومعداته من الريف الشرقي والذي وقع فيه الهجوم إلى منطقة أخرى.

 ثانيا: كان هناك دفاع وطني موجود في هذه المنطقة، حيث كان الجيش موجودًا بمحاذاة السويداء وليس داخلها، ومن ضمن مهمته حماية القرى الموجودة خارج حدود السويداء من هجمات التنظيم.

لكن قبل الهجوم انسحب الجيش وترك المدينة بدون مدفعية أو حتى دبابات ولا أي شيء. وبعد أيام تم نقل عناصر الدفاع الوطني داخل السويداء؛ فأصبحت المنطقة فارغة تمامًا. وتم سحب السلاح من يد الناس المتواجدين هناك بحجة وجوب مصادرة السلاح، ولأنهم أعطوهم السلاح كأمانة.

هكذا تركوا الناس بدون أي مقاومة؛ فدخل التنظيم بكل سهولة. والعملية بكل تأكيد كانت مدبرة ، فلم يكن هناك جيش أو دفاع وطني أو حتى سلاح، وهذا ليس رأيي الشخصي وإنما هو رأي أهل السويداء، الذين قالوه بشكل علني أمام محافظ السويداء، حيث تم طرده وطرد القيادة التي كانت موجودة معه، وتم اتهامهم بارتكاب هذه المجزرة.

الجيش والنظام هو من سهل هذه العملية. وهذا ليس كلامي وإنما كلام أهل السويداء. وإذا أردتِ أن تعرفي رسالة أهل السويداء، فأسمعي ما قالوه للمحافظ أثناء تشييع جنازة الشهداء، عندما قالوا: “أنتم والنظام من سهلتم دخول التنظيم علينا، وأنتم ومن سهلتم حدوث هذه المجزرة؛ لأننا رفضنا أن نقاتل إلى جانبكم ونقتل أخوتنا السوريين”.

أما مطالب أهل السويداء فتتمثل في الحصول على حماية دولية، لأنهم لا يثقون بهذا النظام المتلاعب، الذي أتى بكل هذه العناصر القذرة لكي يظل على كرسي الحكم.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى