الراديو

عصفور من الشرق – د. وجدي عطية.. رَحّالة الطب الذي قضى نصف عمره في بحور الصحة النفسية

أجرى الحوار: ممدوح زكي – أعده للنشر: محمد سليم ومروة مقبول

شخصية عربية أميركية مميزة، لها تاريخ طويل مع المجتمع الأميركي، كطبيب نفسي، وأستاذ جامعي، وكمشارك نشط في أنشطة الجمعية العربية الأميركية في واشنطن الكبرى. إنه الدكتور محمد وجدي محمد عطية، أستاذ الصحة النفسية والسلوك، وهو مصري أمريكي، متزوج من ابنة رئيس الوزراء المصري الراحل كمال حسن علي، ولديه ولدين.

ولد بالقاهرة، ونشأ وتعلم هناك، حتى تخرج في كلية الطب بجامعة عين شمس المصرية، وحصل منها على شهادة الدكتوراه عام 1978، وجاء إلى أميركا بعدها بعام لاستكمال دراسته، لكن المهمة الدراسية تحولت إلى هجرة وإقامة دائمة في أميركا.

وخلال عمله الطبي تنقل بين تخصصات النساء والولادة والأمراض الباطنية، ليقرر في النهاية أن يتخصص في مجال الطب النفسي بجامعة تكساس، ومارس هذا التخصص لمدة 30 عامًا، ليصبح أستاذًا للصحة النفسية والسلوك بجامعة جورج واشنطن.

له أنشطة كثيرة في خدمة الجالية من خلال الجمعيات العربية الأمريكية، وبصفة خاصة الجمعية الثقافية المصرية الأمريكية، وقدم لسنوات برنامجًا طبيًا للعرب الأمريكيين في الشبكة العربية الأمريكية.

الدكتور وجدي عطية كان ضيف الإعلامي ممدوح زكي في برنامجه “عصفور من الشرق” على راديو صوت العرب من أمريكا.

البداية من القاهرة

* دكتور وجدي دعنا نبدأ معك باستعراض شريط ذكرياتك عن سنوات الصبا والشباب في مصر، حدثنا أولاً عن الأسرة التي نشأت فيها بالقاهرة.

** هذا يدعوني للعودة بالذاكرة 70 عامًا إلى الوراء، والحقيقة أن من قامت بتربيتي هي أمي لأن أبي توفى وأنا في عمر السادسة، وكان قد ترك 9 أبناء أنا واحد منهم، وأصغرهم كان عمره سنة، فيما كان ترتيبي بين أخوتي هو الثامن.

الأخت الكبرى كانت خريجة فنون طرزية، وكانت مشهورة جدًا في مجالها، حتى أنني علمت بعد ذلك أنها شاركت في تصميم وتنفيذ فستان حرم الملك فاروق.

الحافز والقدوة

أما أختي الثانية فكانت طبيبة وزوجها كان طبيب نساء وولادة، وكانا يمثلان القدوة لي، وذلك لسببين، السبب الأول هو محبة الناس لهم، والسبب الثاني هو محبتهم للناس، فقد كانا يحبان مساعدة الناس، وكان زوج أختي شخصية جميلة وعظيمة، لذلك كان لهما الفضل في أن أقرر منذ بداية حياتي أن ألتحق بكلية الطب.

وبالإضافة إلى ذلك فقد شجعاني كثيرًا على تحقيق هذا الهدف، حيث ساعدتني أختي على التفوق في الثانوية العامة، وكانت لا تنام حتى تذاكر لي، فيما كان زوجها يقوم بتسميع ما حفظت، وساعدني ذلك في الحصول على درجات عالية في المرحلة الثانوية وأيضا في كلية الطب.

أما أخي الأكبر فكان مدرس رياضيات، وكان يعتبر هو الأب في العائلة، وفي بعض الأحيان يكون قاسيًا بعض الشيء فيضربنا حتى نذاكر ونحصل على مجموع أفضل، وكان رحمه الله إنسانًا عظيمًا، ولم يتخل عنا أبدًا، وكان يأخذنا من بداية الصيف حتى نهايته في مدينة الإسكندرية، لذا أعتبره بمثابة الأب الروحي لي وفي نفس الوقت الأستاذ الذي كان يجب أن أنهي معه منهج الرياضيات قبل أن أدخل المدرسة، ولذلك كنت متفوقًا في مادة الرياضيات وكنت أحصل فيها على الدرجات النهائية. ثم كان لي أختين تلقتا تعليمهما في المدارس الفرنسية، وأخت أخرى توفيت أثناء ولادتها.

البحث عن تخصص

* العصفور ينتقل من شجرة لشجرة، وأنت انتقلت من تخصص إلى تخصص في مجال الطب، فما هو المشوار الذي قطعته باحثًا عن التخصص الذي تفضله؟

** في الحقيقة كنت أرى أن أرقى التخصصات في مجال الطب هو تخصص النساء والولادة، وكان عندي خبرة كبيرة فيه بسبب عملي مع زوج أختي في عيادته، وفي نفس الوقت كنت أشعر أن الطب فيه أشياء أكثر من النساء والولادة، وأشعر أن تخصص أمراض الباطنة مهم لأنه يزيد معرفتي عن أعضاء الجسم المختلفة وطريقة عملها، فدخلت أمراض باطنة وقدمت نيابتي وأصبحت متخصصًا في الأمراض الباطنية.

وعندما أتيت إلى أميركا وحصلت على الدكتوراه في المناعة، كانت دراستي من أوائل الأبحاث في علم المناعة، وكانت ثاني رسالة دكتوراه في هذا العلم، ووسعت مداركي جدًا حول عظمة الخالق، وكيف أنه هناك خلايا مناعية تقوم بكل هذا المجهود العظيم حتى تتحسن صحة الناس، وحصلت بعدها على منحة دراسية.

جاذبية الطب النفسي

لكني شعرت بأن هناك مجال أجهل عنه الكثير وهو الأمراض النفسية، فأحيانًا كان يأتي إليّ مريض يشتكي من أمراض روماتيزمية أو عضوية، ثم يتم تشخيص هذا المريض على أنه مرض ثنائي القطب bipolar  أو أنه يعاني من الفصام (شيزوفرينيا). بالإضافة إلى اكتشاف علاقة أمراض مثل الروماتيزم وأنواع أخرى من الأمراض المناعية بالتوتر والأمراض النفسية.

وأحمد الله على أن كل مجال كنت أدخله كنت أشعر فيه بالنجاح والتعويض الأدبي والمادي، فقررت أن أتخصص في مجال الأمراض النفسية. ورغم أنني عملت كثيرًا في مجال الروماتيزم ولي أبحاث منشورة فيه، وبناءً عليها حصلت على الـ green card  (البطاقة الخضراء)، إلا أنني شعرت أن مجال الطب النفسي أعمق، وأنني إذا استطعت أن أقوم فيه بشيء مختلف فسأكون أكثر سعادة.

ولأنني كنت أتمتع بخلفية طبية فقد كان من الممكن أن تكون دراسة الطب النفسي بالنسبة لي من 3 إلى 4 سنوات، ولكنني فضلت أن أبدأ المشوار من أول سنة. وفي الحقيقة تعلمت الكثير وشعرت أنني أحتاج أن أكمل المشوار، وأنني سأستطيع أن أقوم بشيء جيد جدًا في هذا المجال. لكن للأسف فقد كانت لدينا صورة ذهنية خاطئة عن الطبيب النفسي بأنه يتعامل مع أناس لا أريد أن أقول مجانين ولكن أقول إنها نظرة سلبية في المجتمع.

وفوجئت بأن المرض النفسي لا يفرق بين غني أو فقير، أو بين رجل أو امرأة، أو صغير وكبير، ولا بين طبيب أو مهندس أو وزير أو غفير، فكل الفئات والطبقات تصاب بالأمراض النفسية بداية من الاكتئاب إلى الاضطراب النفسي إلى أمراض الشيزوفرنيا schizophrenia وثنائي القطبية bipolarity.

فبدأت أنظر إلى أن هؤلاء الناس هم أناس “طبيعيين” لديهم الفرصة في الحصول على العلاج الصحيح وأن يكون لهم وظائف وعائلات ويتزوجوا، وعلى ذلك كان هدفي أن أرتبط بهذا التخصص، وقررت أن أكمل في تخصص الأمراض النفسية والعصبية.

*  كم سنة قضيتها في هذا التخصص؟

** قضيت أربع سنوات نيابة من 1994 حتى 1998، وقضيت بعدها 30 سنة أمارس مهنة الطبيب النفسي.

* ذكرت أنك حصلت على دكتوراه في علم المناعة، ثم في دراستك تبين لك وجود علاقة بين الأمراض العضوية والأمراض النفسية، فما هي حقيقة هذه العلاقة؟

** أساس هذه العلاقة هو الاكتئاب، فالاكتئاب كالشيطان يجعلك تنظر إلى الدنيا وتسود في عينك، وتنسي أن ترى النصف المملوء من الكوب، وهذا لا يجب أن يحدث، فلا تدع الوسواس القهري السيئ يدمر لك عقلك، وقم بفعل الخير، وسيعطيك الله ما تستحقه، فعلى قدر ما تقوم به سيعود لك.

الهجرة لأمريكا

* متى كان خروجك من مصر؟ وهل كان بهدف الدراسة أم بهدف الهجرة إلى الولايات المتحدة؟

** حصلت على الدكتوراه في مصر من جامعة عين شمس، وبعد أن تحصل على الـ Ph.D يكون من حقك أن تسافر إلى أميركا لمدة سنة، لذلك فبعد بعد أن حصلت على الدكتوراه بسنة سافرت إلى أمريكا، وكان ذلك عام 1978، وقضيت 4 سنوات في مستشفي جامعة هاورد وعملت فيها كطبيب نفسي وأخذت دبلومة الـBoard of psychiatry and neurology في عام 2005.

* وكيف تحولت المهمة الدراسية إلى هجرة وإقامة دائمة في أميركا؟

** عندما كنت في مصر استطعت أن أنشئ مستشفي، وكانت تعمل بشكل جيد، وتزوجت أيضًا، وبالمناسبة زوجتي خريجة طب، ولم أكن أفكر في الهجرة بأي شكل من الأشكال، فقد قدمت إلى أميركا حتى أعمل سنة وأعود، ولكن الشيء الذي ربطني بهذه البلد هو احترام الفرد وإدراك أهميته وقيمة ما يفعله.

ولم تكن اللغة الانجليزية الخاصة بي جيدة جدًا، ولكني وجدت تشجيعًا كبيرًا أثناء نيابتي، وأنا أعمل في أول سنة لي في مجال الباطنة، وفي تخصصات ، وعملت من شهرين إلى 4 أشهر منهم كطبيب نفسي، حتى أنهم أعطوني فرصة لكي أذهب إلى أمريكا سنة أخرى.

وعملت سنة الامتياز الخاصة في الطب النفسي، وكان من الممكن أن ألغيها لأن خلفيتي جيدة عن هذا المجال، وكنت قبل ذلك قد عملت في مستشفي George town، ففضلت أن أدخل من السنة الأولى حتى أستطيع فتح عيادة، وقررت أنني لو نجحت فسأستمر، والحمد لله نجحت وواصلت مسيرتي.

واستطعت تحقيق ذلك بالرغم من أنني كنت أمكث وحدي بعيدًا عن العائلة، لأنني اخترت “تكساس” لأنها كانت تتمتع بأفضل البرامج الموجودة في الطب النفسي، ثم عدت وعملت في جامعة هاورد، وكان لدي الكثير من الفرص وقتها.

مهمة إنسانية

وأحببت مجال الطب النفسي لأنني رأيت فيه أناسًا يتمتعون بعلم كبير وعلى أفضل مستوى، ولا يفرقون بين غنى وفقير، وشعرت أني أستطيع أن أقوم بعمل إنساني كبير من خلال هذا المجال، وأساعد هؤلاء الناس ممن يعانون من أي مرض نفسي أن يجدوا عملاً، وأن يعيشوا حياة طبيعية، لأنهم لم يختاروا أن يكون عندهم هذا المرض.

وأعتقد أنه شيء جميل أن يكون عندك هدف إنساني، ولا يكون كل هدفك أن تقوم بجني المال، وأن يكون هدفك أن تجعل الشخص المريض يكون لديه وظيفة أو هدف تحققه أنت والمريض، لأن المرض النفسي لا يمنعك من أن تحصل على وظيفة، فمثلا في حالة الـ bipolar يمكن للمريض أن يحصل على Ph.D، ويصل إلى أعلى المراكز.

وعلى ذلك شعرت أنني أستطيع أن أخدم في هذا المجال، ودائمًا من أول جلسة أقول للمريض أنا أعرف أن عندك تشخيص طبي، ولكن أنا لا أعالج هذا، فقط أريدك أن تقول لي ما هدفك، وما الذي تريد أن تصل إليه، وبعدها ستستطيع أن ترى قمة الهرم وتعرف ما الذي تريد أن تفعله في حياتك، ونتجه معًا في هذا الاتجاه، وعلى ذلك بنيت اسمي، والنتائج التي تحققت مع المرضى جعلتني سعيدًا جدًا بما أفعل، وهذا من فضل الله وتوفيقه.

* تتبع طريقة مختلفة في علاج مرضاك، فما مدى نجاح هذه الطريقة؟

* ارتبطت كثيرًا بتخصص الطب النفسي، وعرفت من خلاله أن المخ والأسلوب النفسي له علاقة وتأثير كبير جدًا على الإنسان، فإذا كنت في مقعد السائق فإن عينك هي التي توجهك، ومخك هو الذي يجعلك تفكر كيف تقود.

والبعض ينظر إلى المرض النفسي على أنه مرض، ولكنه ليس كذلك، فمهما كانت المشاكل النفسية التي يعاني منها المريض فهي قابلة للعلاج، ولكن يجب أن يكون هناك هدف يسعى إليه المريض حتى تتحسن حالته، وقد كنت موفقًا في ذلك مع ن أعالجهم والحمد لله، وبنيت سمعة طيبة جدًا، لأني أفكر في هدف وليس في شيء مادي، وكانت النتائج بالواقع وليس بالكلام، فقد كنت أطلب من المريض أن يذهب ويتقدم في الكلية أو يتطوع لعمل ما، أو يتقدم للحصول على وظيفة، وبتوفيق من الله كان كل هدف نضعه مع المرضى يتحقق، ولذلك آمنت بأنه في تخصصي يجب أن يكون هناك هدف ونعرف كيف سنحققه.

محطات رئيسية

* دكتور وجدي، لو قسمنا مشوارك على الأرض الأميركية إلى محطات، فما هي أهم محطاتك الرئيسية هنا في أمريكا؟

**في الحقيقة لا أرى أنني أقف عند محطات، ولكنني مررت بمراحل، فأنا أشعر وكأنني أصعد هرمًا، وقد تندهش عندما تعرف أنني في وقت من الأوقات أصبت بمرض تم تشخيصه على انه سيتسبب في وفاتي خلال 3 سنوات، فقد أصبت بانسداد ثنائي حوضيpelvic ureteric obstruction bilaterally، وأخبرني الطبيب بأنني لن أعيش أكثر من 3 سنوات، وكان عمري وقتها 28 سنة، وكانت زوجتي حامل، ولم أكن أعرف وقتها ما الذي أستطيع أن أفعله بالضبط، ولكني بدأت في تجهيز نفسي للانتقال إلى الرفيق الأعلى.

واكتشفت بعدها أن المشكلة تتمثل في وجود حصوة في حوض الكلية اليمنى، وعند نزع الحصوة انتهت المشكلة، وبالطبع عندما تكون هناك حصوة تؤثر على الكليتين في وقت واحد، ثم كانت هناك حصوة أخرى استطعت أن أسافر لتفتيتها. وكانت هذه المحنة بداية لشيء مهم جدًا في حياتي، حيث شعرت أنني في هذا الوقت أنني طالما أسير في الطريق الصحيح فسيساعدني الله ويحافظ على.

* أين كانت محطة الإحباط في حياتك، وكيف تغلبت عليها؟

** محطة الإحباط هي عندما مرضت وعلمت أنني سأموت، فقد كان من واجبي أن أضمن لزوجتي وأولادي وأخوتي حياة جيدة، والحمد لله بعد أن مرت سنة، وقمت بتحليل أخر أتضح أن كل شيء جيد.

وكما قلت لك أنني ثامن فرد في إخواتي، وكانت أمي مرتبطة بي جدًا وكنت مرتبط بها أيضًا، فقد كانت رحمها الله سيدة عظيمة، فقد توفى أبي وترك لها الكثير من الأولاد في مسئوليتها، ومات صغيرًا بعمر 53 عامًا وأصغرنا كان عمره سنة. ولم تتأخر أبدًا في تربيتنا.

* هل كان هناك ظرف معين في حياتك جعلك تتخذ قرارًا مصيريًا في مشوار حياتك؟

** القرار المصيري كان في اختيار تخصصي، فنتيجة لظروف مررت بها قررت أن أكون طبيبًا نفسيًا، ففي بداية حياتي كنت أحب النشاط، وكنت أعمل مع زوج أختي في عيادة النساء والولادة، ثم بعد ذلك شعرت أن هذا المجال محدود، فقررت أن أدخل في مجال الأمراض الباطنية، وبالمناسبة أدعو كل الزملاء بأن يدرسوا هذا التخصص حتى ولو لم يعملوا فيه، لأنه يجعلك تفكر كيف تعمل كل أجزاء الجسم، وهي عظمة إلهية لا تتخيلها، وعلي رأس كل هذا هو المخ، فكيف يعمل المخ ويكف يتحرك، لذا عندما دخلت مجال الطب النفسي كنت أريد أن أتعلم أكثر، وبالتأكيد فإن كل ما نعرفه حتى الآن هو لا شيء بالنسبة لعلم الله.

في حضرة رئيس الوزراء

* عشت في مصر بين فترتي رئاسة، كانت الفترة الأولى للرئيس جمال عبد الناصر، ثم كانت الفترة الثانية في عهد الرئيس أنور السادات قبل قرار البقاء في أميركا، فهل كان لأي من الزعيمين تأثير على تفكيرك ومشوار حياتك؟

**الحقيقة أن الذي كان له تأثير عليّ هو حماي العزيز رحمه الله، وهو الفريق كمال حسن على، وهو كان شقيق زوج أختي الطبيبة، وكان زوج أختي شخص محبوب، وعندما كنت أمكث عند أختي في مرحلة الثانوية العامة كنت أحضر جلسات حماي العزيز، وكان هو المصلح بين أختي وزوجها، وكان مثل البلسم، ويجعل كل شيء سهلًا وعاديًا بالرغم من صعوبته، فارتبطت به ارتباطًا روحيًا، وعندما تخرجت شعرت أن لدي أب وأخ وإنسان عظيم، فبدأت أتردد عليه، وعندها بدأت أرى زوجتي، وكانت هي البنت الصغرى له، وطلبت يدها فقال لي أنت ابني وهي بنتي، وبارك هذا الزواج، فكان حماي هو الأب والأخ وكل شيء بالنسبة لي.

* هو أيضًا كان نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع في عهد الرئيس السادات، وهذا يجعلني أسأل على التأثير السياسي له عليك؟

** في هذه الأيام كان حماي مازال قائد سلاح المدرعات، وكان إنسانًا متفتحًا وتقيًا ويعرف الله جيدًا، وكان يحب البلد جدًا جدًا جدًا، وتقلد مناصب كثيرة و في عهد الرئيس السادات حتى أصبح رئيس وزراء مصر، وفي عهد الرئيس مبارك أصبح أيضًا رئيس وزراء، وفي فترة من الفترات كان وزيرًا للدفاع، ولكن آخر منصب له كان رئيس وزراء مصر.

تربية الأبناء

* لو انتقلنا إلى الحياة العائلية، كيف كانت تجربة تربية الأبناء في ضوء التوازن بين الأصل العربي والحياة في أميركا؟

** في هذا الشأن يجب أن أقدم التحية لزوجتي التي قامت بهذه المهمة معي على أكمل وجه، لأنني بعد أن أتيت إلى الولايات المتحدة، وكنت أعمل في الـ MIH، أتيحت لي وظيفة في دالاس بتكساس، وكانت زوجتي وقتها طالبة في جورج تاون، والأولاد كانوا صغارًا، فاستأذنتها وذهبت للعيش في دالاس لمدة 3 سنوات.

وكان برنامج الطب النفسي في دالاس بجامعة South Western، وهو واحد من أفضل هذه البرامج، ومن حسن حظي أنني تقدمت وتم قبولي رغم أن سني كان كبيرًا وقتها، وعرضوا عليّ أن أدخل من السنة الثانية ولكني رفضت.

* إذًا كانت مهمة تربية الأطفال على زوجتك الدكتورة منى وليس عليك دكتور وجدي؟

** كان هذا في بداية مرحلة وجودنا في أمريكا، لأنني كنت مقبلاً على تخصص ليس عندي خبرة فيه، وكنت مرتبطًا بها جدًا، لذلك كنت أحرص على الذهاب إلى المؤتمرات وإلى أكثر من مكان لأسمع من المتخصصين وأتعلم كل جديد، فكان العبء في تربية الأولاد خلال هذه الفترة يقع على زوجتي منى.

* متى بدأ تجربتك مع تربية الأولاد، وما الذي نقلته من تجربتك الشخصية لأولادك هنا في أميركا؟

** أهم شيء هو مصاحبة الأولاد والإنصات لهم، ومعرفة ماذا يريدون وليس ماذا نريد نحن منهم، وهذا مهم جدًا، وهناك شيء آخر مهم جدًا وهو أنك لا تستطيع أن تقول لأولادك لا تشرب هذا ولا تأكل هذا ولا تفعل هذا، ولكن يجب أن تكون أنت القدوة لهم في كل ما يفعلونه، كأن تثبت لهم مثلاً أنك يمكن أن تعيش بدون أن تشرب كحوليات وأنهم يجب أن يتواصلوا مع الآخرين.

الوطن الأم

* كيف تصف علاقتك بالوطن الأم مصر، وكيف حاولت خدمة مصر من خلال وجودك في أميركا؟

** كان هناك برنامج إذاعي لمصر في القنوات العربية، وعندما كنا نسافر إلى مصر لمدة شهر مثلاً كنت أقدم أي خدمة لزملائي في هذا المجال، وما كنت أعرفه أذهب وأشارك به، وفي نفس الوقت دخلت في أكثر من موضوع بحثي مع شركات الأدوية هنا، وهذه طبعا توسع الأفق وتساعدني على السفر وحضور المؤتمرات، وأثناء تجارب الأدوية يأخذوننا لنسمع تجارب الناس مع هذا الدواء.

* هل هناك أغنية عندما تستمع إليها تشعر بأنها تلخص موقفك من الحياة؟

**أغنية بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي، وهي النشيد الوطني المصري، فلا تتخيل مدي ارتباطي بهذا النشيد وبمصر، وكل ما أنا فيه أرجعه إلى فترة نشأتي في بلدي.

نصائح للمهاجرين الجدد

* لو طلب منك مهاجر عربي جديد إلى أميركا نصيحة ليبدأ مشواره على الأرض الأميركية فبماذا تنصحه؟

**أولاً حافظ على إرثك الحضاري وعلي دينك وعاداتك وتقاليدك، ولا تذهب إلى الحانات، وحافظ على أسرتك لأنها هي حصنك الأول وهي المكون الأهم في حياتك، ولو كنت غير متزوج حاول أن يوفقك الله وتجد زوجة صالحة، ويفضل أن تكون من جنسيتك ومن أهلك، لأنك ربما ستكون متكيفًا معها أكثر، ولا أقول لك ألا تتزوج أميركية، فهناك منهم من هن في منتهي الجمال والأخلاق، ولكن لا تستعجل في اتخاذ القرار حتى تتأكد من ذلك.

* وماذا عن أهمية إتقان اللغة الانجليزية هنا في أمريكا؟

** اللغة ليست مشكلة كبيرة في أميركا، لأننا كلنا لا نتكلم بالطريقة الأميركية الصحيحة، ولكن مع الوقت تتحسن الأمور، وأريد أن أقول للمهاجر ألا يقلق، ولكن يحاول أن يتقنها لأنها ستساعده على فهم البيئة والمجتمع من حوله، وستساعده على التطور السريع، وليس معنى ذلك أنه لو لم يتكلم باللغة الإنجليزية ستكون مشكلة.

* وماذا عن أهمية الإخلاص والتفاني في العمل باعتبار أن البعض يأتي إلى هنا بعقلية أنه موظف في الحكومة ويعمل على قدر ما يعطونه؟

** هذا المبدأ ليس صحيحًا هنا ولا في أي مكان آخر، فعندما تعمل لا يراك صاحب العمل فقط، وإنما يراك الله أيضًا، لذلك يجب أن تقوم بالشيء الصحيح ولا تقلق، لأنه ليس هناك شيء اسمه عمل على قدر المال، لأنك وجدت وظيفة وقبلت بها وبراتبها، فأفعل الشيء الصحيح وستجد أن صاحب العمل سيقدر ذلك ويرفعك إلى أعلى الدرجات.

وأذكر أنني قبل أن أحصل على رخصة عملي، كنت أعمل مع توماس براون، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، وكان هاروب كلارك هو رئيس المعامل عنده، وبدأنا نعمل على نظريات كثيرة جدًا، وفي أوقات كان رأيي يكون هو الرأي الصحيح، وفي أوقات أخرى يكون خاطئًا، وبعد ذلك وفقني الله وحصلت على الـgreen card (البطاقة الخضراء).

الشعور بالرضا

* هل هناك حكمة تقتنع بها وتلخص مشوار حياتك؟

** هناك قول مأثور أؤمن به يقول: “أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد”

* وكيف تطبق هذا القول على حياتك؟

** لم أتخيل نفسي أبدًا كطبيب نفسي، فقد بدأت حياتي وأنا أحب عمل زوج أختي في مجال النساء والولادة وكنت أساعده فيه، ثم دخلت إلى مجال الأمراض الباطنية، وكنت أريد التدريس في الجامعة، ولأنني أريد في النهاية أن أكون بروفيسور، فقد عملت في مجال البحث العلمي، وكنت ناجحًا فيه ونشرت الكثير من الأبحاث.

فأي فرصة كانت تأتي لي كنت أسعى ورائها، وقد يظن الناس أنني ليس لدي ثقة فيما أفعله، لذلك أغير تخصصي ومجالي، ولكن بالعكس كنت سعيدًا جدًا بالتنقل من مكان إلى آخر، لأنني كنت أشعر أنني أحقق ما أريد أن أعرفه وأتعلمه.

خلاصة تجربة

* قبل أن ننهي لقائنا معك دكتور نريد أن نتعرف على خلاصة تجربتك في الحياة، فهل يمكن أن تلخصها لنا؟

** يجب أن تشكر الله علي كل شيء يأتي لك، ولا تعتقد أنك مسيطر تمامًا، فنحن كلنا ضيوف على الأرض، فإذا أعطاك الله فهو لسبب، وإذا أخذ منك فهو لسبب أيضًا، وفي الحالتين يجب أن تقول الحمد لله، وتذكر أننا في فسحة جميلة حتى لو كنا مرضى، ويجب أن نقوم بعمل الخير وألا نسمع لوساوس الشيطان، فنحن في الدنيا ضيوف، والحياة لا تنتهي عندما نموت، فعلي قدر المستطاع يجب أن تقوم بفعل الخير.

* لو أتيحت لك فرصة أن تعيش حياتك مرة أخرى، فما هو الشيء الذي لم تكن لتقوم به أو الشيء الذي ندمت على فعله؟

** هناك أشياء كثيرة، فأنا أقول يا ليتني لم أدخن أو أشرب قهوة، والحمد الله لم أشرب الخمر يومًا ما، وعندما كنت أرى من يشرب كنت أتجنبه ولا أريد أن أكون مثله أبدًا. وبصفة عامة من الصعب أن تندم علي ما فعلت، لأن هذا لن يفيد كثيرًا، ولكن ضع خطة جديدة لحياتك، وسر في طريق واضح وصريح، وحاول أن تقوم بالخير، وأشكر الله على ما عندك، وأن كنت تحتاج أكثر فأطلب من الله، فإن كنت تستحقه فسيعطيه لك، ومن أوسع الأبواب، وإن لم تكن تستحقه فلن تأخذه، فلا تحزن، وكن راضيًا بما قسمه الله لك.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لمتابعة الحلقة على اليوتيوب :

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وللاستماع الى الحلقة عبر الساوند كلاود :

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى