الراديو

د. ظافر عبيد يجيب: كيف نتجنب مخاطر مرض السكري؟

حصري- راديو صوت العرب من أمريكا

أجرى اللقاء: ليلى الحسيني

أعده للنشر: هارون محمد – تحرير : علي البلهاسي

مرض السكري هو أحد الأمراض المزمنة الشائعة المنتشرة بين الملايين من البشر، يصفه البعض بـ”حرامي الجسد” لأنه يؤدي لزيادة السكر في الدم وتسلله إلى أعضاء الجسم المختلفة والإضرار بها، فيما يرى البعض أنه من الأمراض التي يمكن مصادقتها والتعامل معها بحذر لتجنب مخاطرها من خلال الحفاظ على الدواء والطعام والرياضة.

لكن ما هو السكري؟، وما هي أنواعه وأعراضه ومضاعفاته؟، وما هي مخاطره على الإنسان، وكيف يمكن تجنب هذه المخاطر؟، هذه التساؤلات وغيرها أجاب عليها الدكتور ظافر عبيد في لقائه مع الإعلامية ليلى الحسيني في فقرة “نصيحة الصباح” على راديو صوت العرب من أمريكا، وإلى تفاصيل اللقاء:

مفتاح الخلايا

* د. ظافر، نعلم أن مرض السكري مرض متشعب إلى حد ما، فهل من معلومات محددة يمكن أن نعطيها لمستمعينا في نصيحة الصباح ليتعرفوا على طبيعة هذا المرض؟

** الحديث حول مرض السكري مجاله واسع، لكن يمكن أن نلخصه للمستمعين في أجزاء تتضمن أهم النقاط حول هذا الموضوع. فدائمًا عندما يأتينا مريض ونشخص له مرض السكري نحاول أن نشرح له بأبسط طريقة ما الذي يعنيه هذا المرض، فالكثير من المستمعين يعرفون أن مرض السكري هو ارتفاع في السكر، لكنهم لا يعرفون ما سببه أو تأثيره، فهذا موضوع غامض قليلا، لكننا ببساطة نشرح للمريض أن سكر الجلوكوز أو السكر هو الوقود بالنسبة لجسم الإنسان مثل البنزين أو الجاز بالنسبة للسيارة، وبدون هذا الوقود لا يستطيع الجسم العمل أو الحركة أو التفكير أو حتى القيام بالمهام الرئيسية للأعضاء.

وهذا البنزين أو الوقود لكي يدخل إلى كل خلية من خلايا الجسم فإنه يحتاج إلى مفتاح خاص وهو الأنسولين، فالأنسولين الذي نعرفه هو المفتاح الذي يفتح باب كل خلية من خلايا الجسم لكي يدخل الوقود إليها ويتم إحراقه وإنتاج الطاقة اللازمة للجسم. وإذا طرأ أي عطل على سن من أسنان هذا المفتاح أو إذا تم فقد هذا المفتاح نهائيًا يحدث مرض السكري، لأنه في هذه الحالة لن يستطيع الوقود أن يدخل إلى كل خلية من خلايا الجسم، وبالتالي يتراكم السكر في الدم، وعندما يزيد مستواه عن حد معين يبدأ بالتغلغل والدخول في الأنسجة المختلفة مثل العين والأعصاب والشرايين، وبالتالي يؤدي إلى ظهور الأضرار الناتجة عن زيادة نسبة السكر في هذه الأعضاء.

إذًا فالمشكلة الرئيسية هي في المفتاح الذي يفتح باب كل خلية وهو الأنسولين، ولذلك ينقسم مرض السكري بشكل عام إلى نوعين رئيسين، الأول هو السكري من النمط الأول Diabetes mellitus type 1، وفيه يحدث فقدان نهائي لمادة الأنسولين، وعادة ما يظهر عند صغار السن، أي في سن الأطفال والمراهقة، ويستمر طوال العمر، وعلى عكس ما يظن الناس فهذا النوع من السكري ليس وراثيًا، ويحدث نتيجة وجود عطل طارئ على إنتاج الأنسولين في غدة البنكرياس الموجودة خلف المعدة، مما يؤدي إلى ظهور هذا النمط.

أما النوع الثاني فهو السكري من النمط الثاني، وهو الأكثر شيوعًا، حيث يوجد عند 90% من مرضى السكري، وعادة ما يظهر في العمر المتأخر أي بعد عمر الأربعين، لذلك نجد الكثير من الأشخاص يقولون إن “هناك سكري عند الوالد أو الوالدة ولكنه ظهر متأخرا”، وهذا هو السكري الذي يظهر عادة في عمر متأخر، وهذا النوع وراثي، وطبعًا لا نقصد بالوراثة الانتقال المباشر من الآباء إلى الأبناء، وإنما نقصد أن هناك استعداد وراثي في العائلة، بمعنى أن يولد الشخص ولديه استعداد في مورثات الجينات لظهور مرض السكري، فإذا أهمل هذا الشخص في الصحة والأكل والرياضة والوزن يظهر لديه مرض السكري، أما إذا لم يهمل واهتم بهذه الأمور بشكل كامل فقد لا يظهر لديه السكري مطلقًا، حتى ولو كان لديه استعداد في مورثات الجينات.

سكري مبكر

* نلاحظ ظهور الكثير من حالات مرض السكري في أعمار صغيرة جدًا، فما سبب ذلك؟ وما تأثيره على العادات الغذائية ونوع الأطعمة التي يتناولها الأطفال؟

** كما ذكرت فإن النمط الأول من السكري يظهر عادة عند صغار السن، وهذا ليس له علاقة بالوراثة، فالنمط الذي نراه في صغار السن من المفروض أن يكون عند الأكبر في العمر، وهو النمط الثاني، ورغم أن متوسط العمر لهذا النمط هو 40 سنة، إلا أنه قد يظهر في أعمار أصغر مثل بداية مرحلة المراهقة أو عمر الشباب، وغالبًا ما تكون البدانة وزيادة الوزن هي السبب والعامل الرئيسي من عوامل ظهور السكري، بالإضافة إلى نقص الحركة ونوعية الأطعمة التي نتناولها، وكل هذا يؤدي إلى ظهور النمط الثاني في أعمار أصغر من المفروض ألا يظهر فيها، لأن هؤلاء الأشخاص لديهم استعداد وراثي، وظهر عندهم في عمر مبكر نتيجة للبدانة وقلة الحركة وعدم الاهتمام بالغذاء.

* دكتور.. كيف أعلم أنني مصاب بالسكري، وما هي الأعراض التي يشعر بها مريض السكري؟

** طبعًا هناك أعراض معروفة لمرض السكري، والعرض الرئيسي الأول هو زيادة التبول، بمعنى أن يشعر المريض أنه يذهب للحمام بعدد مرات أكثر من العادة، وهذا بدوره يؤدي إلى جفاف الفم، وكما ذكرت فهذا كله يعود إلى تفسير الآلية التي يحدث بها السكري، وهي عدم حرق السكر الزائد، مما يؤدي إلى زيادة نسبته في الدم عن حد معين، أي عندما يزيد عن حد العتبة الكلوية، بمعنى أنه عندما يرتفع عن مستوى معين يبدأ بالذهاب إلى الكلية وإلى البول ويسحب معه كمية من الماء، وهذا بدوره يؤدي إلى التبول الزائد والشعور بجفاف الفم.

أيضًا عندما يذهب السكر الزائد إلى داخل العين فإنه يؤدي إلى زغللة في النظر، وعندما يذهب إلى الأعصاب فإنه يؤدي إلى حدوث خدران في الأعصاب. إذًا فالأعراض الرئيسية هي خدران في الأعصاب وغشاوة في النظر وزيادة مرات التبول، وهذه هي أولى الأعراض التي تظهر عند مريض السكري، وقد يظهر نقص مفاجئ في الوزن، فإذا انخفض وزن الشخص بسرعة نشك أنه مصاب بمرض السكري، كما أن سرعة التعب هي أحد الأعراض، لأن السكر هو الوقود لخلايا الجسم وإذا لم يصل إلى كل خلية فإن المريض لا يستفيد منه لإنتاج الطاقة ويشعر بالتعب الذي هو إحدى العلامات التي تنبئ بوجود السكري.

وهنا يأتي دور الطبيب في تشخيص مرض السكري، وتحدثنا في حلقة سابقة عن أهمية الفحص الدوري في الاكتشاف المبكر للأمراض ومن ثم إمكانية علاجها، فمن خلال الكشف الدوري قد يكتشف الشخص إصابته بمرض السكري قبل ظهور الأعراض، وأغلب الدراسات تشير إلى أن المريض عندما يذهب لفحص السكري فإنه عادة ما يكون مصابًا به قبل ذلك بسنوات دون أن يشعر به، لذلك فالفحص الدوري ضروري لاكتشاف المرض مبكرًا.

وأود أن أوضح أن تشخيص مرض السكري سهل، ويكون عن طريق قياس مستوى السكر الصباحي، فالسكر الطبيعي يجب أن تكون نسبته أقل من 100 صباحًا، وهذا يدل على أن المريض ليس لديه أي مشكلة في حرق السكر، أما مريض السكري فتكون نسبة السكر لديه أكثر من 126، وللتأكد نقوم بقياس السكر أكثر من مرة، وبالنسبة لبقية المرضى الذين تكون نسبة السكر لديهم ما بين 100 و126 نقوم بوضعهم في خانة نسميها “مرحلة ما قبل السكر”، بمعنى أنهم مؤهلين لظهور السكري إذا أهملوا الطعام والرياضة والوزن.

طعام السكري

* أحب أن أركز هنا على موضوع مهم، وهو الطعام الخاص بمرض السكري، سواء كان هذا الطعام للشخص العادي الذي يريد تجنب الإصابة بالسكر، أو للشخص الذي لديه استعداد وراثي للإصابة بالسكر، أو الشخص الذي أصيب بالفعل بمرض السكري، بماذا تنصحنا؟

** النشويات والسكريات هي المشكلة الرئيسية عند مريض السكري، أو حتى عند أي مريض آخر، لأنها هي السبب الرئيسي لزيادة الوزن، ومريض السكري ممنوع منعًا باتًا من أكل الحلويات والسكر والقصب والشمندر والعصير بكل أنواعه، وبالنسبة للنشويات نتحدث عن الخبز والأرز والبطاطا، وهي أصناف لا نحرم مريض السكري منها تمامًا ولكن ننصحه بتقليل الكمية، فيأخذ مثلاً نصف الكمية التي كان يأخذها قبل أن يُصاب بالسكر، وفي الغالب ننصح بتناول الخبز الأسمر.

الخبز الأسمر

* بالحديث عن الخبز الأسمر بالتحديد، هناك قول شائع بأن “الخبز الأسمر لا ضرر منه فكلوا منه كما تشاءون”، فهل هذه المقولة صحيحة؟

** لا طبعًا، فمجال تناول الخبز الأسمر ليس مفتوحًا كما يظن البعض، لكننا نعتبره الأقل ضررا بالنسبة لمرضى السكري والمرضى الآخرين، ولكن زيادة تناوله قد تضر، بمعنى أنه إذا كان المريض يحب تناول الخبز مع الطعام فيجب أن يكون الخبز أسمر، وأن يتناوله بكمية معتدلة.

* هل هذا يعني أن رغيف واحد في اليوم كافي؟

** رغيف واحد كافي طبعًا، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن المريض سيأخذ كمية قليلة من الأرز والبطاطا.

مفاجأة البطيخ

* وماذا عن العصائر والفواكه؟

** العصائر ممنوعة تمامًا، وأنا أمنع المريض من تناولها حتى وإن كانت طبيعية، لأنها تحتوي على السكر، أما بالنسبة للفواكه وبالذات “البطيخ والعنب” فممنوع تناولهما لأنهما يحتويان على نسب عالية من السكر، أما بقية الفواكه فأنصح المرضى بالاعتدال في تناولها.

* أعلم أن العنب يضر مرضى السكر، لكن بالنسبة للبطيخ فقد فاجأتني دكتور، فمن حولنا ينصحوننا دائمًا: “كلوا البطيخ كما تشاءون لأنه لا يسمن ولا يسبب أي مشكلة”؟

** لا توجد مشكلة في تناول البطيخ بالنسبة للأشخاص العاديين، أما بالنسبة لمرضى السكري فأنا أمنعهم من تناوله، أما بالنسبة لبقية الأطعمة فيجب أن ندرك أن مرضى السكري يكون عندهم عادة ارتفاع في نسبة الكولسترول وفي الدهنيات، لذلك ننصح بالتخفيف من تناول الدهون والأطعمة التي يحتوي على الدهون والكولسترول، وبشكل عام يُفضَل الإكثار من الخضروات بكل أنواعها، أما الجزر وعصيره فهو ممنوع لأنه يحتوي على السكر، كما يمكن تناول الفواكه بكل أنواعها ماعدا العنب والبطيخ فيجب الاعتدال في تناولهما، كما أن الحلويات ممنوعة نهائيًا، وإذا كان المريض يحب القهوة والشاي فيجب أن يكون السكر المستخدم فيهما اصطناعي، بالطبع يجب أن يكون البيبسي والكولا “دايت” علمًا بأن الزيادة منها عن حد معين تضر حتى لو كانت دايت، وبصفة عامة فإن أي شيء لا يوجد فيه سكر فهو مقبول بالنسبة لمريض السكري.

مضاعفات السكري

* هل يمكن أن توضح لنا دكتور ما هي أهم المضاعفات لمرض السكري إذا لم يتم السيطرة عليه؟

** كما ذكرت فإن زيادة نسبة السكر في الدم تجعله يدور في الدورة الدموية ويتغلغل في أعضاء الجسم المختلفة، وبالنسبة للعين فهو السبب الرئيسي للعمى في العالم، لذلك فإن أي مريض سكري، سواء كانت لديه مشكلة في النظر أم لا، فإننا ننصحه بأن يقوم بفحص شبكية العين عند أخصائي عيون مرة كل سنة حتى ولو لم يشعر بأي شيء، لأن الكشف المبكر ضروري لتجنب الإصابة بالعمى.

وبالنسبة لشرايين القلب والشرايين الدماغية فالسكري هو السبب الرئيسي للجلطات القلبية، خاصة إذا ترافق مع الكولسترول أو التدخين أو مع ضغط الدم، وبالنسبة للكلى فهو أيضًا سبب للفشل الكلوي، لذلك فهناك فحوصات معينة يجب إجرائها بالنسبة لوظائف الكلى وتناول أدوية لحماية الكلى.

كما أن السكري سبب رئيسي أيضًا لبتر القدمين، لذلك فنحن ننصح مريض السكري دائمًا بفحص القدمين، وعند وجود جرح أو التهاب يجب مراجعة الطبيب فورًا، وإن كانت حلالات البتر قد تراجعت كثيرًا بسبب تقدم علاجات السكري، لكن الحذر واجب.

وأود أن أقول كلمة أخيرة، وهي أن السكري مرض مزمن، بمعنى أنه إذا ظهر فإنه سيستمر طوال العمر، ولا يوجد حتى الآن علاج شافي نهائي منه، والعلاجات المتوفرة هي فقط لتخفيف نسبة السكر في الدم لمنع ظهور الاختلاطات. والأهم من الأدوية بالنسبة للمريض هي الحمية الغذائية والرياضة وتخفيف الوزن، ودائما ننصح بها، وإذا أراد المريض أن يتجنب البدء بالأنسولين فيجب عليه أن يقوم من البداية بالاهتمام بصحته وبالرياضة والحركة وتخيف الوزن والطعام.

https://www.youtube.com/watch?v=RMT4qb254BI&feature=youtu.be

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى