الراديو

د ايهاب حمدي ضيف برنامج “الشخصية العربية في الميزان” … يقول : الشعوب العربية تعاني من الازدواجية

فهرس المحتوى

د. ايهاب حمدي أكاديمي و صحفي مصري حاصل علي الدكتوراه في الإعلام و خبير في شئون تمكين الشباب في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، صحفي زائر في معهد رويترز للصحافة في جامعة اكسفورد و زميل لهيئة فورد و برامج ادوارد مور للصحافة بالولايات المتحدة الامريكية. أيضا مهتم بقضايا التعليم العالي و المواطنة و التربية المدنية.

 نفتح معك اليوم ملفات حرة ، و نبدأ بمشاهداتك في الفرق بين الشخصية العربية و ما وجدته هنا في المجتمع الأميركي… أحب أن أسلط الضوء علي د. ايهاب أولا كإنسان ثم كصحفي و أكاديمي بارز و باحث في أمور تتعلق بحياتنا و مستقبل أبنائنا و في البداية نود أن نعرف المزيد عن الدكتور ايهاب حمدي..

أنا نشأت بالاسكندرية ، وهي عاصمة كوزموبوليتان ( عالمية) لديها اقليات من مختلف الجنسيات، نشأت بهذه المدينة علي ساحل البحر المتوسط ، في كثير من الأحيان كان يراودني التفكير في الإنتقال الي القاهرة، فهي العاصمة التاريخية و الثقافية لمصر حيث تلاقت فيها كل الحضارات المختلفة. ففي القاهرة يوجد الآثار الفرعونية والاسلامية و القبطية و اليونانية و الرومانية وغيرها ،  لكن في الحقيقة كان هناك ارتباط شديد القوة بمصر و بالاسكندرية علي وجه الخصوص لما تمثله من تجربة فريدة تميزت بها كتابات المثقفين و انفتاح كبير علي العالم الغربي و اوروبا بواقع وجود الجاليات المختلفة و استمرار التواصل باعتبارها الميناء الرئيسي للاستيراد و التصدير و التجارة. و كنت أنظر بدرجة كبيرة إلى هذا الأمر و كان يمثل لي قدرا كبيرا من الأهمية أن أخرج كل صباح إلى الشاطئ  و أتأمل الطبيعة و المراكب و السفن.

هل كان للإسكندرية خصوصية تختلف عن القاهرة ، وهل للطبيعة و خصوصيتها علاقة بالابداع؟

أحيانا الطبيعة تسمي البيئة الايكولوجية التي يعيش بها الانسان وهي تؤثر بشكل كبير علي اختياراته و إتاحة الفرصة للتأمل الذي يمثل شكلا ً من أشكال الإنتاج ، كما هو شكل من أشكال العبادة في بعض الديانات مثل المسيحية والاسلام ، أنا أعتقد أن إتاحة الفرصة للتأمل سواء في الصعيد أو في النوبة أو في مطروح أو سيناء وغيرها من الأماكن في مصر أكثر بكثير من المدن المزدحمة بالسكان ، حيث يعاني المواطن من شقاء الحياة اليومية و الإنتقال و ضغوطات الحياة علي النحو الذي يجعله لا يجد حتي الفرصة للتأمل ، فأنا أعتقد أن الطبيعة أوالسواحل أوالصحراء لها قدرة علي إطلاق الإبداع و لذلك تميز العرب علي وجه الخصوص علي مدي عصور طويلة منذ العصر الجاهلي بالشعر و الخطابة و الوصف و القدرة علي نسخ القصص الخيالية المبنية علي تأمله للصحراء و للجمال العربي.

*** لديك سيرة مهنية غنية جدا .. فأنت حاصل علي الدكتوراه بتقدير امتياز من جامعة الاسكندرية في تخصص الإتصال و الإعلام، حصلت علي درجة الماجيستير في الصحافة و الإعلام من الجامعة الأمريكية في القاهرة بعنوان ” الأطر الصحفية لقضية دارفور” ، حصلت علي درجة الليسانس في الآداب قسم الإتصال و الإعلام من جامعة الاسكندرية بتقدير جيد جدا و هناك العديد من الأبحاث و التدريب الذي أجريته تحت اشراف العديد من الأساتذة في الولايات المتحدة الامريكية و أيضا في لندن.. كما انك طوفت العالم كباحث فهل يمكن أن تطلعنا علي هذه الأبحاث ؟

  • كانت البداية في جامعة الاسكندرية و الحصول علي درجة الليسانس في الاداب و كانت دائما التجربة في الاسكندرية مميزة باعتبار أنه في يوم من الايام كان عميد كلية الآداب هو عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فكان هناك نوع من أنواع العبق في المكان و الشعور باستمداد المعارف من تاريخ قديم له صلة بنزعة الحداثة في العربية المعاصرة ، و تأمل الأدب العربي الجديد من جيل الرواد الذين سافروا إلى الخارج و درسوا في فرنسا و انجلترا ، وساهموا في تأسيس الجامعة المصرية و إحياء التعليم العالي و ظهور أول الجامعات في المنطقة العربية و أفريقيا مثل جامعة القاهرة و الاسكندرية و جامعة فؤاد الاول و غيرهم و لكن في واقع الأمر كانت معظم الأبحاث تدور حول قضايا معاصرة برغم أنها مستمدة من التاريخ و تنظر بشكل متعمق للتاريخ و كيف يمكن الاستفادة منه. و لكن كانت العين الاخري تركز على المستقبل و تري كيف يمكن للمستقبل أن يكون اكثر اشراقا ً ، فمعظم أنواع الدراسات و البحوث التي قمت بها كانت بعد انتقالي الي الجامعة الأمريكية بالقاهرة ودراستي هناك تخصص الصحافة و الاعلام ، و كانت تركز علي المستقبل.

مثلا أحد الدراسات التي قمت بها في هذه الفترة عام 2005 كانت تدور حول إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، و كيف يمكن أن تسهم شبكات التواصل الاجتماعي في تغيير الكثير من الأنماط الثقافية السائدة و الموجودة في المجتمع المصري ، و تناولت الظواهر الاجتماعية الجديدة التي ترتبت حول انتشار هذه الأنماط من التكنولوجيا ،

عندما قمت باختيار موضوع دراسة للتقدم إلى المسابقة التي فزت بها بجائزة أفضل باحث في مصر من المجلس القومي للمرأة، كانت تتناول دراسة خاصة بدور المرأة و تمكينها في مجال العمل الاعلامي والصحافة ، وكانت من الفرص اللطيفة أني حصلت علي تكريم من الدولة و جائزة هي بالنسبة لي مميزة حيث إنها كانت تتناول قضية دور المرأة في الاعلام و الصحافة المصرية في فترة زمنية معينة ليرتفع ويزداد أهميته فنجد المرأة رئيسة تحرير و رئيسة مجلس إدارة مؤسسة اعلامية و في فترات أخري يعاني فيها الوضع الثقافي من القيود النابعة من النزعات اليمينية أو المحافظة فنجد المرأة تتراجع إلى صفحات الفن أو الموضة أو ترأس المجلات الفنية ، وتبعد عن الرأي السياسي والاقتصادي و غيره. كان هذا احد النماذج من البحوث و الابحاث. تلتها بالطبع دراسات أخري متنوعة منها دراسات حول أزمة دارفور بالسودان و في ذلك الوقت كانت من القضايا الشائكة في العالم العربي حيث تصارعت الصحافة العالمية لاثارة الامر ، فكانت الدراسة حول كيفية الاستفادة من تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي و الفيديو الرقمي في عملية توثيق ما يحدث في دارفور على نحو لا يؤدي به الي الاكتفاء بمشاهدات و زيارات الغربيين أو الشرقيين أو العرب ، ولكن يتاح لأهل البلد أنفسهم في التعبير وتوثيق الأحداث بما لا يؤدي إلى المزايدة أوالمبالغة.

في هذه الفترة كان التدوين الرقمي شكل جديد من أشكال التواصل الاجتماعي ، و أثار العديد من الجدل ووجهات النظر المتنوعة و لم ينتقل التدوين إلى تناول القضايا السياسية حيث كان قائما في بداية الامرعلي تدوين القضايا الإنسانية والآراء الإجتماعية ثم ظهر تناول المدونات للقضايا السياسية بشكل واضح أثناء الثورة المصرية ، حيث ساهمت بشكل كبير قبل ظهور الفيس بوك في إحداث حالة من  تشكيل الرأي العام السياسي حول قضايا متنوعة و استفاد فيها المدونون من وجود مجهولية لصاحب المدونة على النحو الذي يحميه من التعرض لأي عقوبات نتيجة ما يبث من أفكار فرفع سقف الحوارإلى درجات كبيرة وأحدث نوعا ً من التواصل و التفاعل بين قطاعات معينة و خصوصا قطاعات الشباب حيث استخدموا في هذه الفترة مدونات آلية للتعبير عن وجهات نظرهم و التخلص من فكرة  البوابة الإعلامية التي يسيطر عليها المؤسسات الكبرى في الإعلام و الصحافة المطبوعة وغيرها  و يمنعونهم من توصيل وجهات نظرهم ، كانت معظم هذا الدراسات تتناول هذه المدونات .

أحد الأبحاث تناول معاناة المرأة الفلسطينية ، كما تبرزها المدونات الموجودة علي شبكة الانترنت و ربما كانت معاناة المرأة الفلسطينية خصوصا في المناطق التي تتعرض فيها للقهر و لم تجد الاهتمام الكافي من الباحثين نظرا لصعوبة التواصل بالاضافة إلى الصعوبات اللوجيستية التي تعيق الباحث عن الوصول الى غزة أو رام الله و غيرها من المناطق ، لكن شبكات التواصل الاجتماعي و المدونات و الإعلام أسهمت في أن يصل صوت المرأة الفلسطينية إلى العالم سواء كانت باللغة العربية أو الإنجليزية . و بدأت تعبر عن أنواع أخري من المعاناة،  ليس فقط معاناة المعابر أو الفقر، إنما أيضا المعاناة النفسية التي تعاني منها المراة في مناطق الصراعات و مناطق النزاعات المسلحة و هذه الأمور تحتاج الى نظرات عميقة حيث إن المرأة من وجهة نظري هي من تدفع فاتورة النزاعات المسلحة سواء كان بفقدان الزوج أو الأب أو الحبيب او الإبن أوما يتعلق بها من تعرضها للعنف نتيجة ممارسة أحد افراد العائلة الذكور للعمل السياسي.

 يقول نزار قباني ” لماذا نحن مزدوجون إحساسا وتفكيرا ؟ لماذا نحن أرضيون .. تحتيون .. نخشى الشمس والنورا ؟ لماذا أهل بلدتنا ؟ يمزقهم تناقضهم” و بين هذه الابيات يعيش المواطن العربي ازدواجية بين روحه و ما يؤمن به و بين ما يفعله ، هذا ما كتبته الكاتبة فاطمة الشيبي في صحيفة القدس حيث تقول ” هذه الازدواجية الفكرية و النفسية و الاجتماعية تبدأ من لحظة الميلاد غالبا و قد لا تنتهي حتى لحظة الموت إلا مع القليل ممن يتصالحون مع ذواتهم وأفكارهم ، و يعيشون ما يؤمنون به خارج مظاهر النفاق المجتمعي” إلى أي حد تتفق مع هذه الكلمات ..

  • أتفق معها الي درجة كبيرة فمن المشاكل الرئيسية التي تعاني منها الشخصية العربية هي الازدواجية بمعناها الكبير و ليس بمعناها الضيق وهي أن يعاني الفرد من ازدواجية المشاعر او لديه مشاعر متخبطة نحو أمر ما. الازدواجية التي أتحدث عنها هي ما تحدث عنها نزار قباني ، فالشخصية العربية لديها وجهة نظر قائمة على الجماعة أو العائلة أو الأسرة أو حتي القبيلة و ليس الفرد.

عندما أتيت الي الولايات المتحدة الامريكية تفاعلت مع كثير من الأصدقاء و العائلات و الزملاء الأمريكيين علي مستويات متنوعة من الثقافة و التعليم ، و خلال سفرياتي السابقة إلى المملكة المتحدة ، وجدت أن الشخصية الغربية ترتكز علي فكرة الإيمان بفردية الفرد. وحدة القياس للمجتمع ، الرضا عن الأداء السياسي ، الوضع الاجتماعي او الاقتصادي أو حتي مستوي المعيشة هي الفرد. أحيانا للأسف الشديد فيما يتعلق بالقرارات ، حتي البسيطة المرتبطة بنوع الدراسة أو التخصص الدراسي الذي سيقبل عليه الفرد أو حتي الزواج ، تخضع لوجهات النظر القائمة على الأسرة و ليس الفرد. و لذلك نجد التركيز و خصوصا في منطقتنا العربية حيث الصعوبة الاقتصادية و التحديات الأمنية و انتشار التطرف الديني و الارهاب عندما نتكلم عن قائمة أولويات الاهتمام لدي الرأي العام أو السياسيين نجد في البداية يأتي الغذاء و الكساء و استقرار الامن و غيره و هي أمور كلها غاية في الاهمية و لكن فيما يتعلق بالأمور المرتبطة بالرخاء الانساني و الثقافة البشرية و نمو شخصية الفرد هي أيضا لا تقل أهمية عن الاستقرار السياسي.

انتاج شخصيات تتمتع بالاستقلال و القدرة علي التعبير عن وجهة نظرها واختيار شريك الحياة و اختيار مجال التعليم و التخصص الذي يريد ان يستكمل دراسته فيه لا يقل أهمية عن الاهتمام بالنمو الاقتصادي.

 إذن نستطيع أن نقول إن الدائرة الثلاثية ” الدينية – الاجتماعية – السياسية ” هي من كونت هذه الشخصية العربية المرتبكة و التي أنتجت بدورها هذه الكوارث المتلاحقة ربما السياسات العربية القائمة علي القهر ، القمع ، تكميم الافواه و خنق الحريات أدت الي حجر الوعي

أنا في هذه الأيام خلال زيارتي الى جامعة ميريلاند أقوم بدراسة أسباب التطرف والارهاب لدي شريحة الشباب وراجعت العديد من الأدبيات التي كتبت في هذا الإطار ، و فوجئت أن أمورا قد تبدو من الوهلة الاولي ليست مبررا كافيا لان يتحول الشاب السوي اللطيف إلى ارهابي أو متطرف يلتحق بتنظيم القاعدة أو الدولة مثل إنهيار علاقة عاطفية ، فهذا الامر دفع شابا الى الاندفاع الى التشدد الديني و الانتماء الى جماعات تحقق له قدرا ً كبيرا ً من الإشباع النفسي بديلا عن الإشباع العاطفي الذي فشل أن يجده في فتاة أحلامه التي رفضت ظروف القبيلة أو العائلة الاقتصادية ، علي سبيل المثال أن تسمح لهذا الحب أن يكلل بالزواج ، يعتبر هذا من الأسباب التي لا يتفهمها المجتمع العربي و يجدها سطحية و ربما هناك دوافع أخرى أكثر قوة هي السبب في التطرف و لكن في واقع الأمر هذا من السباب الجوهرية.

أحد الأفلام الوثائقية كان عن شاب من أحد المدارس الأجنبية المميزة جدا في المجتمع المصري ، وكان شخصية سوية يتمتع بالخلق الحسن و روح الدعابة لكنه تحول فجأة الى التطرف و شارك في أعمال ارهابية تابعة لتنظيم الدولة ، و كان له حساب علي تويتر و كان الناس يناقشون  كيف تحول هذا الشاب حتى إن قناة البي بي سي و غيرها أصدرت عنه مجموعة وثائقيات و أجرت المقابلات مع أسرته و أصدقائه. ففي واقع الأمر النظرة الدونية للمشاعر الانسانية ، أو تصور أن المشاعر الانسانية قد لا تؤدي بالانسان الى أن يسلك طرقا خاطئة قد تكون تطرفا او إدمان للمخدرات أو مجرد سلبية وعدم رغبة في المشاركة المجتمعية أو المساهمة في الأنشطة في المجتمع المحلي الذي يعيش فيه ، لا يمكن النظر اليها و كانها شيء ثانوي و ان الاهم هو التعليم او الامن الاجتماعي و الاقتصادي و مستوي الدخل.

بعيدا عن المجد العربي العظيم ، ماذا حدث للشخصية العربية ؟

مجرد التفكير في هذا الأمر يشعرنا بالألم و الأسف ، لأنه في أوقات تاريخية متنوعة كانت الشخصية العربية تتمتع بالحرية في إعادة بناء وجهات النظر و الحوار والقدرة علي تحقيق استقلال شخصي حقيقي في الخيارات.

لا أريد أن اتحدث دون أن يكون لدي أدلة علمية ، و لكني هنا أعبر عن رأي الشخصي. فأنا أعتقد أن هناك فترة زمنية ما في تاريخنا المعاصر سمح فيها لكل من ليس له أي نوع من أنواع التخصص سواء في العلوم الشرعية أو الدينية و هي علوم منهجية بحثية بتولي مناصب الدعاة و الافتاء و خطباء في المساجد و هم ليسوا أهلا ً لها. و بالتالي فوجئنا بمن يبحث في أمهات الكتب بالإجتهاد و بمنتهي السطحية و يستخرجون منها نصوصا و يفسرونها كما يشاؤون.

هل تري أن تفريغ الدين من محتواه الروحي ، جعل مهمته الأساسية هي إغلاق العقول و منعها من التفكير و الدوران الأعمي في دوائر الحلال و الحرام و دوامة السلطة الدينية؟

هذا ما حدث بالفعل في بعض الأحيان لاستغلالها لأسباب سياسية و تحقيق مكاسب اقتصادية و نفوذ سياسي واهمال كل ما يتعلق بالجوانب الأخلاقية و القيمية و الروحية و يحل محلها الارتباط بالجوانب الشكلية فقط من الدين مثل المظهر و الحجاب و اللحية كذلك و للأسف لا يتم التكامل بينهم ، و حتى الجوانب الشكلية يوجد عليها جدل كبير و لا يوجد اتفاق عليها منذ 14 قرنا ً من الزمان.

  تعكس مواقع التواصل الاجتماعي ازدواجية خطيرة في مجتمعاتنا

المجتمعات الغربية تؤمن بالاعتراف بالمشاعروعدم الخجل منها عكس مجتمعاتنا التي تستهين بالمشاعر و تسخر منها و هو ما يؤصل جذور السلبية. فمن ضمن المفاهيم المغلوطة في التربية أن تعبير الشاب عن مشاعره حتى و لو لوالده هو دليل على ضعف و نقص في رجولته ، وهذا الأمر لم يكن موجودا حتي في عصور الجاهلية . حيث كان الشعراء ينظمون الشعر و يعبرون عن أرقي مشاعر الانسانية و هم في نفس الوقت فرسان و يخوضون الحروب و لديهم من التراث التاريخي في الانتصارات العسكرية ما يجعلهم في قمة المجد ، فالأمر لم ينتقص من رجولتهم شيئا ً، هؤلاء لم يعانوا من التناقض .

العديد يلخصون الحب في هدايا وورد و لكن أين هو الحب في مجتمعاتنا العربية ؟

أنا لا أدعو الى التشاؤم لكن هناك قدر كبير من الإجتهاد لتشويه هذه القيمة النبيلة و هي من أرقي العواطف حيث إنها تميز البشر عن سائر المخلوقات و تضفي عليهم صبغة الإنسانية ، هذه المشاعر السامية يتم اغتيالها بشكل متعمد عند تحويل الزواج الى مؤسسة اجتماعية يسيطر عليها التقارب الاقتصادي أو الانتقال من مستوي اجتماعي الى مستوي اجتماعي أفضل أو أمور شكلية يتم التوقيع عليها. و يكون الإنفصال من أهون الحلول التي يتم التوصل إليها ، ففي الغالب ترفض الفتاة الانفصال لأنها لا تتمتع بالاستقلالية فترضي بالذل و تستمر الحياة بدون مشاعر و يختفي الحب.

وأنا دائما أردد القول المأثور ” تزوج من لا تستطيع العيش دونها و لا تتزوج من تستطيع العيش معها” . نحن نناقش في المؤسسات الاقتصادية  للامم المتحدة الأهداف الألفية للتنمية و محاولات النمو بدخل الفرد و صنعنا مؤشرا يسمي مؤشر السعادة فيجب أن نؤمن أن السعادة في الأصل هي مشاعر وليست مجموعة مؤشرات رقمية اقتصادية. المجتمعات السعيدة هي مجتمعات تسمح بوجود الحوار ، فالتظاهرات و العنف و عدم الرغبة في الحوار و رفض الآخر و إعتقاد كل فرد أنه مع الفريق الحق و من دونه هو الضلال كلها مؤشرات علي عدم السعادة.

اذا كان هو الحال ، أين دور المثقف العربي ؟

هو في الواقع شخص يشعر بكثير من القهر حيث إنه يقدم الحلول و لكن الأصوات التي تتسم بقدر كبير من الغوغائية ستكون أعلي وأكثر قبولا ، و للأسف تقوم وسائل الإعلام و خاصة التليفزيون بمساعدتها علي الانتشار حيث إنها أصبحت مؤسسات ربحية في المقام الأول. فنحن نحتاج الى تعميم لمفهوم ” المصالحة” في مجتماعتنا العربية علي جميع المستويات، بين النفس ، الاحزاب السياسية و المذاهب الدينية.

 ما هو الفرق الأساسي الذي وجدته بين المجتمع الغربي و خاصة الأميركي و المجتمعات العربية؟

أنا أشعر بالتعاطف مع الفتاة المصرية خصوصا عندما آتي لزيارة الولايات المتحدة او زيارة أوروبا او المملكة المتحدة ، فالفتاة في هذه المجتمعات تشعر بقدر كبير جدا من الثقة بالنفس و الاستقلالية فالمجتمع كله يسعى لخدمتها ، تسير في الشوارع آمنة دون أن تخشى من التحرش سواء لفظا او فعلا ، و هو ظاهرة تحتاج في مصر إلى ضوابط أمنية اكثر قوة.

في الغرب تجد الفتاة شبكة من المساندة الاجتماعية سواء من الأقارب ، الأصدقاء ، أو حتي من مؤسسات الدولة نفسها. أما في مجتمعاتنا فالفتاة في كثير من الأحوال تعاني من القهر و القمع .

للاستماع الى اللقاء اضغط الرابط التالي

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى