الراديو

المهاجرون إلى أمريكا بين الحلم والواقع- الجزء الأول

بعد تفاقم أزمة المهاجرين.. هل ما زال طريق "الحلم الأميركي" مفتوحًا؟

د. عاطف عبد الجواد: الحلم الأميركي لا زال قائمًا، لكن تحقيقه يجب أن يتم بصورة مشروعة

ليلى الحسيني- راديو صوت العرب من أمريكا

أعد الحلقة للنشر: هارون محمد – مروة مقبول  – تحرير : علي البلهاسي

ارتبط اسم أميركا دون غيرها من الدول بكلمة “الحُلم”، فأصبحت تمثل بالنسبة للكثيرين “أرض الأحلام”، وأصبح “الحلم الأميركي” هو ما يستحوذ على خيال المهاجرين، الذين يتركون بلادهم قاصدين أمريكا، سعيًا وراء فرص لتحقيق الحلم، ربما لا تُتاح لهم سواء في بلادهم أو في غيرها من البلاد.

يفعلون ذلك وهم يعلمون أن ما يعتقدونه ليس بعيدًا عن الواقع، فلطالما أثبتت تجارب الكثير من المهاجرين أن أميركا بالفعل هي “أرض الفرص” و”أرض تحقيق الأحلام”.

لكن بعد التطورات الأخيرة فيما يتعلق بملف الهجرة، وسياسة إدارة ترامب المتشددة تجاهها، هل ما زال طريق “الحلم الأميركي” مفتوحًا؟، وهل مازال الحلم الأميركي واقعًا ملموسًا شأنه شأن الرموز المميزة للولايات المتحدة كالإنتاج الإبداعي واحترام حقوق الفرد وحرياته؟. ثم ما علاقة ذلك كله بوصول دونالد ترامب إلى رئاسة أميركا؟.

“راديو صوت العرب من أمريكا” يستطلع آراء عدد من الخبراء حول هذه القضية، ومعنا في الجزء الأول من الحلقة الدكتور عاطف عبد الجواد، الصحفي والمحلل السياسي.

العرق الأبيض

* دكتور عاطف.. هناك من يرى أن شعار “فلنجعل أميركا عظيمة مجددًا”، الذي رفعه الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية، فيه إشارة إلى تفضيل الأوروبيين الغربيين من جديد.. ودعني أعود معك ومع متابعينا إلى ما قاله المؤرخون حول التجربة الأميركية.

فرغم أن العديد من الأميركيين لا يحبون الاعتراف بذلك، إلا أن الحقيقة تقول إن هذا البلد تأسس جزئيًا على الأقل على مبدأ تفوق العرق الأبيض، وترحيل السكان الأصلين، وممارسة التمييز ضدهم على  أساس هويتهم، وتوطينهم على أرض قبلية.

وبالعودة أيضا إلى تاريخ المهاجرين إلى أميركا في البدايات، سنجد أن سياسة الهجرات في أميركا قامت على تفضيل الأوروبيين الغربيين تحديدًا، والحد من أعداد المهاجرين الذين يأتون من خارج قارة أوروبا، وكان هذا حتى بداية عام 1962. إلى أي حد ترى صحة هذا الرأي بالنظر إلى ما يجري الآن في ملف الهجرة ؟

** هذا الرأي صحيح إلى حد كبير، والتاريخ يؤكده، والسبب موضوعي ومفهوم منذ البداية،  وهو أن موجات المهاجرين الأولى إلى الولايات المتحدة جاءت من أوروبا. والثورة الأميركية ضد الإمبراطورية البريطانية قام بها وقادها أوروبيون. وجورج واشنطن نفسه زعيم الثورة الأميركية، وأول رئيس للولايات المتحدة، جاء من إنجلترا، أو لنقل أن جذوره تعود إلى إنجلترا، والتي هي نفس الدولة التي ثار ضدها وضد الملك جورج، وسعى إلى تحقيق الاستقلال الأمريكي عنها.

إذاً فهذا الرأي صحيح من الناحية التاريخية، ومن ناحية أخرى نجد أنه على مر التاريخ بعد ذلك كانت هناك محاولات وجهود من جانب الولايات المتحدة والحكومات الأميركية المتعاقبة على تعديل نسب المهاجرين من أماكن أخرى وفقا للظروف.

ففي عام 1924 على سبيل المثال قيدت الحكومة الأميركية نسب المهاجرين القادمين من دول إسلامية. وهذا يوضح أن القيود التي يحاول الرئيس ترامب فرضها اليوم على أعداد المسلمين الوافدين إلى الولايات المتحدة أو منعهم تمامًا من الدخول، لم تكن المحاولة الأولى في هذا الإطار. لكن الفرق أن قانون عام 1924 ربط بين أعداد المهاجرين القادمين من دول معينة وبين الجذور القومية لمن هم موجودين بالفعل داخل الولايات المتحدة من هذه الدول.

النقطة الأخيرة التي أود أن أشير إليها في هذا الصدد هي أنه في المستقبل في عام 2050، سيتحول البيض في أميركا إلى أقلية. بمعنى أن إجمالي أعداد المهاجرين أو الأقليات الموجودة في المجتمع الأميركي عام 2050 ستكون أكثر من عدد البيض الموجودين داخل الولايات المتحدة.

سياسات متغيرة

* إذاً التغيرات الديموغرافية وتطوراتها هي الفيصل الآن في مواجهة ما يروج له الرئيس ترامب من خلال شعاره “فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، بمعنى أن عودة تفوق العرق الأبيض في أميركا لن يتحقق في منتصف القرن الواحد والعشرين، وفقًا لم يقوله متابعون في شأن الهجرة، وكما تشير إليه الأرقام أيضًا؟

** نعم وعلينا أن نتذكر أنه ليست هناك سياسة ثابتة واحدة مستمرة على مر التاريخ الأميركي حول مسألة الهجرة. فمثلا عام 1953، وأعتقد أن هذا كان في عهد الرئيس آيزنهاور أو في أواخر عهد الرئيس ريجان، فتحت الحكومة الأميركية أبواب الهجرة بصورة واسعة، وألغت قانون 1924. بينما الآن فيحاول الرئيس ترامب فرض قيود على المهاجرين. إذاً ليس هناك اتجاه ثابت واحد يحكم مسار تعامل الحكومات الأميركية المتعاقبة مع ملف الهجرة.

وأنا أميل إلى التفاؤل بأن هذا التوجه الجديد مرتبط فقط بوجود الرئيس ترامب في الحكم، ونزعاته الشخصية وأفضلياته. كما أنه يرتبط أيضًا بما تقوم به بعض الأقليات من عرقيات مختلفة،  وأنا أشير هنا إلينا نحن كمسلمين على سبيل المثال، فنحن أصبنا أنفسنا بأضرار كثيرة لأننا صنعنا لأنفسنا سمعة “الإرهاب”.

استغلال القانون

* كيف تؤثر قرارات إدارة الرئيس ترامب المتعلقة بالهجرة على المجتمع الأميركي وصورة أميركا في الخارج، خاصة وأننا رأينا مؤخرا ردود فعل واسعة محليًا وعالميًا حول سياسة فصل الأطفال عن أسرهم في قضية الهجرة غير الشرعية، فكيف يمكن أن يؤثر ذلك على المجتمع الأميركي وعلى سمعة أميركا في الخارج؟

** لا يدرك الكثيرون، سواء خارج الولايات المتحدة وربما داخلها، حقيقة مهمة للغاية، وهي أن سياسة فصل الأطفال عن أبائهم تستند إلى وجود قانون أميركي.. لكن ماذا يقول هذا القانون؟.. أولاً دعيني أوضح أن الآباء والأمهات الذين تم القبض عليهم بتهمة جنائية وهي عبور الحدود الأميركية بصورة غير شرعية وغير قانونية، هؤلاء مقبوض عليهم ومحتجزون وينتظرون موعد تقديمهم للمحاكمة، والقانون الذي أشير إليه يقول هنا إن الأطفال لا يتم القبض عليهم ولا يحتجزون إلا لمدة 20 يومًا فقط.

ومن هنا نبعت فكرة فصل الأبناء عن الآباء والأمهات، لكن الرئيس ترامب استغل فرصة وجود هذا القانون الذي يسمح بفصل الأطفال لإرسال رسالة إلى هؤلاء المهاجرين من أميركا اللاتينية وغيرها مفادها “أن هذا هو ما ستتعرضون له إذا حاولتم عبور الحدود بصورة غير مشروعة”.

تشريعات جديدة

* الرئيس كان واضحًا، قال “لا نريد أن يتدفق الناس إلى بلادنا، نريدهم أن يأتوا من خلال عملية قانونية، ونريد في النهاية نظامًا يقوم على الجدارة، فإذا لم تكن لدينا حدود لن تكون لنا بلاد. يجب علينا أن نوقف الأشخاص الذين يدخلون بلادنا بشكل غير شرعي”. فهل تتفق مع ما يراه الرئيس من أنه يريد هجرة شرعية فقط ولا يريد مهاجرين غير شرعيين؟

** نعم هو محق في هذا من الناحية النظرية، فكل دولة لها سيادة، ومن حقها أن تحمي حدودها وتحدد من يدخل إلى البلاد ومن لا يدخل، ولهذا السبب تم وضع نظام التأشيرة. ولكن الأسلوب والطريقة التي يستخدمها الرئيس ترامب هنا تثير شكوك واعتراضات حتى داخل المجتمع الأميركي نفسه. والدليل على ذلك هو كمية الاحتجاجات التي رأيناها ونراها ضد هذا الأسلوب الجديد.

إذاً هناك حاجة إلى تشريعات جديدة، وإلى أن يقوم “الكونغرس” بتشريع قوانين تقوم بإصلاح منظومة الهجرة بصورة شاملة، وتكون عبارة عن حلول وسط تُرضي جميع الأطراف من الديمقراطيين والجمهوريين المتشددين والمعتدلين. لأنه بدون إصلاح منظومة الهجرة ستظل صلاحية الرئيس تعصف بالمجتمع الأميركي كما نرى الآن.

 تأثير انتخابي

* إلى أي مدى سيؤثر ذلك على الانتخابات القادمة؟.. فهناك من يشير إلى أن الجمهوريين ربما ستلحق بهم الخسارة بسبب هذه الإجراءات المتعلقة بالهجرة وغيرها من الإجراءات التي تقوم بها إدارة الرئيس ترامب؟

** لن أعتمد على هذا الأمر بالتحديد، فهناك أداة تحدد بصورة حاسمة النتائج التي يمكن أن تسفر عنها الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل. ولكن هناك مجموعة من العوامل من شأنها أن تؤثر على نتيجة الانتخابات، من بينها مسألة الهجرة. فولاية فلوريدا على سبيل المثال بها أعداد كبيرة من المهاجرين اللاتينيين الذين قام عدد كبير منهم بالتصويت للرئيس ترامب في الانتخابات الماضية، رغم ما أدلى به من تصريحات وأقوال ضد المهاجرين والهجرة وضد المكسيك، ووصفهم بأنهم مغتصبون ومجرمون وما إلى ذلك. إذًا فنحن لا نستطيع الاعتماد على هذا العامل بمفرده كأداة يمكن أن تحسم نتائج الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، وإنما أقول إنه ربما كانت قضية الهجرة من بين مجموعة من العوامل الأخرى التي ربما قد تحرم الجمهوريين من الأغلبية التي يتمتعون بها الآن في مجلسي الكونغرس والسينات الأميركي.

ترامب والإعلام

* وصف الرئيس ترامب وسائل الإعلام بأنها “متواطئة وكاذبة” في إشارة إلى موقع للصحافة الاستقصائية نشر التسجيل المسرب الذي أسمع العالم صوت الأطفال وهم يبكون بعد فصلهم عن أهلهم، هل ترى أن هناك فعلا تهويل في وسائل الإعلام الأميركية من شأن ما يحدث، أم أن الإعلام فعلاً ينقل الحقيقة، والرئيس لا يتقبل هذا النقل؟

** الأمران صحيحان، فبدون شك الرئيس ترامب سيقول لك أنتِ عدوي إذا لم يرق له ما تقولين. بمعنى إذا كنتِ ضده فسوف يصفك بأشد الأوصاف، وسوف يتجاوز في ذلك كل الحقائق. ولكن من ناحية أخرى هناك نوعان من الإعلام لدينا في الولايات المتحدة، وفي كل مكان في العالم، فهناك الإعلام الحزبي، وهناك الإعلام المستقل. فالإعلام الحزبي هو يسعى بدون شك إلى إحباط خطط ترامب وتقويض وضعه لأنه وصف الإعلام بأنه العدو وأنه كاذب وما إلى ذلك.

إذاً أنا لن أعول كثيرًا على مسألة صورة تم التقاطها لأطفال في قفص أو لأصوات أطفال يبكون. فالأطفال يبكون طوال الوقت، ولدينا صور أخرى من إعلام مستقل على سبيل المثال توضح لنا أن الأطفال يلعبون الكرة في الملعب.

ما أريد أن أصل إليه هنا أن أهم خطأ فيما يتعلق بعلاقة الرئيس ترامب بالإعلام في هذا الصدد بالذات وبشأن الأطفال المحتجزين والهجرة، هي أن السلطات الحكومية الأميركية رفضت أو منعت الإعلام بما في ذلك الإعلام المستقل من دخول ومعاينة أماكن احتجاز هؤلاء الأطفال. فلو كان الرئيس ترامب سمح لشبكات التليفزيون والصحف المستقلة المحترمة في الولايات المتحدة بدخول ومعاينة هذه الأماكن، لما كان لدينا هذا الاتجاه أو هذه الانتقادات والهجمات الشديدة ضد ما يحدث لهؤلاء الأطفال أو المهاجرين.

حلم مشروع

* هل ترى أن طريق الحلم الأميركي ما زال مفتوحًا في ظل كل ما يجري الآن؟

** نعم، ولكن هذا الحلم يجب أن يتحقق بصورة مشروعة، فأنا مهاجر وأنتِ مهاجرة على سبيل المثال. وفي كل دولة في العالم هناك قانون وهناك سيادة وحدود. فلا أحد يستطيع أن يحقق الحلم الذي يحلم به، لو حاول منذ البداية أن يحققه عن طريق كسر وانتهاك قانون المجتمع والبلد الذي يريد أن يعيش فيه.

ويجب أن نتذكر أيضًا أنه رغم كل مساوئ ما يحدث الآن في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالهجرة، فيجب أن نقارن بين ما يحدث هنا وما يحدث في بقية دول العالم. ففي بقية دول العالم ليست هناك هجرة، وليست هناك حقوق للمهاجرين، والمهاجرون يصبحون مواطنين من الطبقة الثانية بعد أن يحصلوا على الجنسيات في تلك الدول. وفي واقع الأمر وفي كثير من هذه الدول لا يحصل المهاجر أبدًا على الجنسية، مثلما يحدث اليوم في بعض الدول العربية.

للتعرف على وجهة نظر حقوق الإنسان حول تطورات ملف الهجرة إلى أمريكا.. تابعونا في الجزء الثاني من الحلقة

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى