الراديو

الاغتصاب.. جريمة عمياء تدمر الضحايا ولا تفرق بينهم

خبراء علم النفس والاجتماع: غياب التوعية والمخدرات السبب الأول في انتشارها

المحامي لطفي الشملي: جريمة الاغتصاب تستوجب عقابًا صارمًا يصل إلى الإعدام

برنامج مراسلون- تقديم: فاطمة الجمالي

تقرير تونس: هاجر العيادي

من جديد عادت جرائم الاغتصاب لتطل علينا بوجهها القبيح.. جريمة ولا أبشع هزت الشارع التونسي أواخر أغسطس الماضي، ضحيتها طفلة لم يتجاوز عمرها 15 عامًا، تعرضت لاغتصاب جماعي لمدة ثلاثة أيام، على يد أشخاص اختطفوها من منزل عائلتها في محافظة باجة، بعدما أصابوا والدتها وقتلوا جدتها.

جريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي تشهدها تونس، ففي العام الماضي 2017 اعتقلت شرطة العاصمة ثلاثة شبان تناوبوا على اغتصاب مُسنّة مُعاقة تبلغ من العمر 55 عامًا.

بالفعل الاغتصاب جريمة عمياء، فمرتكبها لا يفرق بين كبير أو صغير، ولا حتى بين ذكر أو أنثى، كيف لا وهو يتناسى أنه يرتكب جريمة من أبشع أنواع الجرائم، لا تفارق آثارها الضحية وأهلها طوال العمر.

مراسلة الراديو من تونس، هاجر العيادي، سلطت الضوء على جريمة الاغتصاب، في حلقة برنامج “مراسلون”، من خلال تقرير يرصد أسباب زيادة معدلات حالات الاغتصاب في تونس، ويحاول البحث عن سبل للعلاج والمواجهة من وجهة نظر اجتماعية ونفسية.

جرائم متعددة

ما بين عامي 2016 و2017 أصدر القضاء التونسي أحكامًا في أكثر من 500 قضية اعتداء جنسي والمئات من قضايا الاغتصاب. فيما تنظر المحاكم التونسية 8 قضايا متعلقة بالاغتصاب شهريًا.

وتشير الإحصائيات إلى أن عدد ضحايا الاعتداء الجنسي في تونس فاق 800 حالة خلال سنة واحدة، كما أن 65 بالمائة من حالات الاغتصاب المسجلة طالت أطفالاً دون سن الـ 18 سنة، 80 بالمائة منهم من الإناث.

فيما بلغت حالات الإشعار بالاغتصاب 1087 إشعار خلال العام 2017، مقارنة بـ 585 إشعار خلال عام 2016، مع توقعات بارتفاع المعدلات خلال السنوات القادمة.

مفهوم الاغتصاب

يعني الاغتصاب في اللغة العربية أخذ الشيء قهرًا وظلمًا دون إذن أو وجه حق، وشاع استعمال الكلمة في الإشارة إلى الاعتداء الجنسي، فأصبح مفهوم الاغتصاب يشير إلى ممارسة الجنس مع شخص دون رضاه بواسطة القوة أو بالترهيب.

ووفقًا لعلم الاجتماع فإن الاعتداء الجنسي فعل يقوم به شخص لطرف آخر دون علمه أو إدراكه لما يحدث، ويمكن أن يتم ممارسته على جنس الإناث وجنس الذكور، وهو ما توضحه لنا أخصائية علم الاجتماع آمال نغموشي، والتي تؤكد أن هذا الفعل عادة ما تكون له نتائج سلبية ووخيمة على الضحية، مما قد يتسبب لها في صدمة أو حالة نفسية شديدة قد تصل بها إلى الموت في أغلب الأحيان.

آفة في غاية التعقيد

في نفس هذا السياق تصب آراء خبراء علم الاجتماع، والذين يرون أن جرائم الاعتداءات الجنسية والاغتصاب أصبحت آفة في غاية التعقيد لارتباطها بالجانب النفسي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي، ولوجود أسباب عديدة تدفع إليها وتشجع عليها.

حيث تقول أخصائية علم الاجتماع آمال نغموشي إن ظاهرة الاعتداء الجنسي من أخطر الجرائم التي تفاقمت في الفترة الأخيرة في تونس وغيرها من البلدان الأخرى، داعية إلى ضرورة وضع قوانين صارمة للتخلص من هذه الآفة على حد تعبيرها.

ويعود انتشار هذه الجريمة وزيادة معدلاتها لعدة أسباب اتفق حولها المواطنون، منها تحرك غريزة بعض الشباب وقلة الثقافة والتوعية والتملص من الدين، كما أرجعوها إلى التنشئة الاجتماعية وتفشي المخدرات وغياب القيم والتوعية الجنسية، إضافة إلى غياب تطبيق القانون على مرتكبي الاغتصاب.

أسباب نفسية

بعض علماء النفس يعتقدون أن القليل من مرتكبي جريمة الاغتصاب يقصدون المتعة الجنسية، والباقون يرتكبون جريمتهم معاداة للمجتمع الذي يعيشون فيه، وقد يكون لديهم إحساس بالكره أو الخوف من النساء، وفي بعض الأحيان يكون الاغتصاب بسبب الانتقام.

وحول هذا الأمر تقول أخصائية علم النفس مروة بن عياد: “الاغتصاب هو اعتداء جنسي يمكن أن يحدث للذكور والإناث في أي مرحلة عمرية، وهو نتيجة لوجود علة نفسية أو أسباب مالية اجتماعية، أو تحت تأثير الخمر والمخدرات، لذلك يجب توقيع عقوبة رادعة على المجرم تصل إلى حكم الإعدام”.

هاجس الخوف

تعدد جرائم الاغتصاب وتوحشها في بعض الأحيان، جعل المواطن التونسي يعيش هاجس الخوف من إمكانية تعرض أحد أفراد أسرته أو أحد المقربين منه لهذه الجريمة، وكان هذا واضحًا في أغلب الآراء التي رصدناها في الشارع التونسي.

وأجمعت الآراء على أن ظاهرة الاغتصاب ليست بالظاهرة الجديدة، بل قديمة وموجودة في أغلب بلدان العالم العربي، وأصبحت تمثل الهاجس الأول للجميع، خاصة في ظل ارتفاع وتيرة الاعتداءات الجنسية، والتي وصفها أغلب المواطنين بالوحشية، مطالبين بتنفيذ أقصى العقوبات على مرتكبيها، على حد قولهم.

ضحية الاغتصاب

“ح.غ” واحدة من بين ضحايا جريمة الاغتصاب، حدثتنا والحزن يعلو محياها، مسترجعة ماضيًا أليمًا لا يزال محفورًا في ذاكرتها، وهذه قصتها كما روتها لراديو صوت العرب من أمريكا.

“ما حصل لي ما زال كابوسًا يطاردني إلى يومنا هذا، كان ذلك منذ أكثر من 15 سنة، عندما تخرجت من إحدى الجامعات التونسية، حيث كنت كأي فتاة حالمة تطمح للعمل والاستقرار المهني، إلا أنني اصطدمت بواقع مرير جعلني أعيش من بعدها في عزلة”.

“ح غ” تعرضت للاغتصاب وهي في طريقها للبحث عن عمل، وذلك حين توجهت إلى إحدى العناوين التي وجدتها في أحد الصحف، ظنًا منها بأنها وجدت الحلم الذي تبحث عنه، ولكن من استقبلها هناك قام باغتصابها بوحشية دون مراعاة لشعورها.

ولم يكن أمام “ح.غ” سوى كتمان ما حدث لها خوفا من الفضيحة، معللة آثار الضرب والكدمات التي لحقت بها بأنها تعرضت لحادث.

إجراءات المواجهة

قد يكون من المهم البحث عن أسباب جريمة الاغتصاب، لكن الأهم هو البحث عن سبل علاجها وتفعيل طرق عقاب رادعة لمرتكبيها، ويبقى الحد من الاغتصاب رهين تفعيل عدة إجراءات، وفق ما أفاد به المندوب العام لحماية الطفولة في تونس مهيار حمادي.

وفي هذا السياق يشير الحمادي إلى ضرورة التوعية، والإكثار من الومضات الإشهارية لحماية الاطفال ووقايتهم، لافتا إلى أهمية الإستراتيجية المشتركة بين الوزارات لمكافحة الظاهرة. وأوضح أنه في هذا الصدد انضمت تونس إلى اتفاقية ”لانزاروت” لمجلس أوروبا التي تهدف إلى حماية الطفل من الاستغلال والاعتداءات الجنسية، وبذلك تكون تونس أول دولة من خارج دول مجلس أوروبا تنضم إلى هذه الاتفاقية.

الاغتصاب في القانون

وتعليقًا علي التقرير، استضافت الإعلامية فاطمة الجمالي، مقدمة البرنامج، لطفي الشملي، المحامي لدى محكمة التعقيب في تونس والأستاذ الجامعي.

* أستاذ لطفي.. كيف يعرف المجتمع التونسي قضية الاغتصاب من الناحية القانونية؟

** في الحقيقة لم يعرف القانون التونسي الاغتصاب، بل تعرض فقط لمفهوم المواقعة غصبًا، وهو بالفعل جريمة الاغتصاب، وترك كامل التأويل لفقه القضاء والمحاكم ومحكمة التعقيب ومحكمة النقض.

وطبعًا اشترطت محكمة التعقيب توفر أركان المواقعة التي تختلف عن عناصر المواقعة غصبًا وهي عنصرين، العنصر الأول هو المواقعة، وتعريفها كما أشارت محكمة التعقيب أنها الوضع بالمكان الطبيعي للأنثى عن طريق الإيلاج.

وجريمة الاغتصاب تستوجب عقابًا صارمًا يصل إلى الإعدام في بعض الحالات، خاصة في حالة القصر، وهذا طبعًا ينم عن رغبة وإرادة المشرع في تحقيق صيانة الأخلاق، وزجر كل عابث متهور بأعراض الناس، وقد اعتبرت محكمة التعقيب بتونس أن المواقعة لا يمكن أن تقوم بمجرد الفعل الفاحش وهو الذي له عقاب خاص.

الاغتصاب والفعل الفاحش

* ما هي أوجه الاختلاف بين الفعل الفاحش والاغتصاب؟

** الاختلاف في أركان الجريمة، فالاغتصاب يقتضي أن يكون هناك إيلاج طبيعي تام، ولكن في غياب الإيلاج تعتبر مجرد علاقة سطحية، وذلك هو الفعل الفاحش، وعقابه يختلف عن عقاب المواقعة أو الاغتصاب، الذي هو عقاب صارم للغاية يصل إلى الإعدام في بعض الحالات، خاصة عندما يتعلق الأمر بأطفال في العمر ما بين 10 إلى 12 سنة، وفي هذه الحالات يصل العقاب إلى الإعدام.

* هل لابد أن يكون هناك إيلاج لنسمي الجريمة اغتصابًا؟

** نعم بالطبع، وتلك من خصوصيات القانون التونسي، وبالخصوص محكمة التعقيب، التي استأنست بالفقه الإسلامي، الذي اعتبر أن الاغتصاب لا يكون إلا بالإيلاج.

استعمال العنف

* تحدثت عن أركان الجريمة، وقلت إن لها عناصر، فهل يمكن أن تحدد لنا ما هي هذه العناصر؟

** الصحيفة الجنائية نصت على أن هذه العناصر تتمثل في استعمال العنف أولاً أو السلاح، بمعني أن العنف مع اغتصاب كافٍ لقيام جريمة، واستعمال سلاح حتى لو كانت عصا فهو مكون لجريمة اغتصاب.

وبصيغة حصرية سنقول إن العنف وحده يكفي لقيام جريمة اغتصاب، واستعمال السلاح أو التهديد بالسلاح كافٍ لإدخال الرهبة أو الخوف على المعتدي عليها خشية من بطش المعتدي، والعنصر الثاني هو الوسيلة المستعملة في إخضاع الأنثى، وهي رغبات المتهم ونزواته اللاأخلاقية، وقد عدّد المشرع التونسي هذه الوسائل، وهي العنف أو استعمال سلاح.

ولكن ما هو المقصود بالعنف، فالمشرع التونسي هنا يقصد جميع أنواع العنف، وهو كل فعل لقهر إرادة الأنثى، حتى التهديد المعنوي بالتعنيف مثلا، خاصة المواقعة رغم رفضها أو معارضتها.

العقاب

ما هو القانون الذي ينص على عقاب من يقوم بهذه الجريمة؟

** القانون موجود في المجلة الجزائية التونسية، في نص الفقرة الثانية الفصل 227، الذي يتص على أنه يعاقب من يقوم بمواقعة الأنثى دون سن العاشرة بالإعدام ولو لم يقع استعمال الوسائل المذكورة سابقًا، ومقصد المشرع هنا هو حماية الفتاة القاصر.

* هل سيتم تفعيل عقوبة الإعدام في الحالات الأخرى في تونس أم لا؟

** بالنسبة للقانون، المشرع وضع الفصول 227 و 228 في عامي 1985 و1989، وأضاف فيها الإعدام، لأنها تعتبر من الجرائم البشعة، وذلك لحماية الأطفال والمرأة، خصوصًا بعد دخول تونس للمنظومة الدولية، ولكن على مستوي التنفيذ عندما يصدر القرار بالإعدام يمكن التقدم لرئيس الجمهورية للعفو عن هذا الشخص أو إيقاف التنفيذ.

لكن مبدئيا المحاكم تصدر أحكامًا بالإعدام، وهي استثناءات، لأن تونس من  البلاد التي لا تصرح بتلك الأحكام، ولا يتم التنفيذ في بعض الحالات، ويضعوهم في السجون مدي الحياة، حتى يقع العفو أو يناقش طلب العفو أو الانتفاع بالعفو الخاص أو العام.

وفي بعض الحالات يمكن أن يقع تشخيص بعض العقوبات عندما تكون سيرة المعتدي في السجن جيدة، ولكن هو مطالب بقضاء كامل العقوبة، وفي بعض الحالات تم تنفيذ تلك الأحكام.

رفض مجتمعي

في الختام ينبغي أن نؤكد على أن الاغتصاب جريمة بشعة، ضحاياها في الغالب بشر ضعاف لا حول لهم ولا قوة، ذنبهم الوحيد أنهم وقعوا فريسة بين يدي ذئاب لا ترحم، لا تفرق بين كبير أو صغير، ولا حتى بين ذكر وأنثى.

تلك الجريمة يرفضها ويدينها المجتمع التونسي بشدة، فهو مجتمع لم يعرف من قبل مثل هذه السلوكيات التي لا يمكن توصيفها إلا بالشاذة، وهو ما يفتح بابًا للتساؤل عن أسباب تفشيها في هذه الفترة بالذات، وعن سبل تدارك الأمر والبحث عن هذه الأسباب ومعالجتها، قبل أن يدفع الثمن ضحايا جدد.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى