تقارير

روسيا حائرة تجاه أزمة الجزائر.. والتطورات تضع العلاقات بين البلدين أمام اختبار حقيقي

هاجر العيادي

رغم أنها تميل إلى دعم النظام إلا أن موقف روسيا بشأن الأزمة الجزائرية يبدو حائرًا ومرتبكًا، خاصة في ظل التطورات السريعة والمتلاحقة في المشهد السياسي هناك، لكن المؤكد أنها لن تقف موقف المتفرج إذا سارت الأمور في الجزائر نحو سيناريو الفوضى.

وكانت التطورات الأخيرة في الجزائر محور المباحثات التي جمعت بين وزير الخارجية الروسي سيرفي لافروف مع نظريه الجزائري رمطان العمامرة. وتأتي هذه المباحثات عقب زيارة قام بها العمامرة إلى موسكو في إطار جولة دولية وصفتها الخارجية الجزائرية بـ”محاولة الجزائر لطمأنة شركائها الدوليين بأن الظرف الذي تمر به البلاد شأن داخلي” .

 وأفضت هذه الزيارة إلى البدء بوضع اتفاقية للعلاقات الإستراتيجية بين البلدين شاملة جميع القطاعات ومنها الدفاع والأمن.

التدخل الخارجي

المباحثات الروسية الجزائرية الأخيرة تأتي في ظل تصاعد وتيرة التطورات السياسية التي تشهدها الجزائر منذ بدء الاحتجاجات على ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، ثم قرار بوتفليقة بتأجيل الانتخابات وإعلانه عدم ترشحه.

لافروف حذر من مغبة محاولات زعزعة الاستقرار في الجزائر، مؤكدًا رفض موسكو القاطع لأي تدخل خارجي في شؤون الجزائر الداخلية، مشيرًا إلى اهتمام روسيا بالشأن الجزائري قائلا : “نتابع تطورات الأحداث في الجزائر باهتمام.. ونشهد محاولات لزعزعة الوضع هناك ونعارض بشكل قاطع أي تدخل في ما يجري في الجزائر”، مؤكدًا أن الشعب الجزائري هو من يقرر مصيره استنادًا للدستور.

ردود فعال متباينة

الموقف الروسي وتصريحات لافروف قوبلت بردود فعل متباينة داخل الجزائر، حيث اعتبر القيادي في “جبهة التحرير الوطني” الجزائرية، وليد بن قرون، في تصريح له، أن هذا الموقف الروسي ليس بالجديد، وهو موقف مشرف يدفع للطمأنينة، ويتصدى لكل المخاطر التي تهدد بعض دول العالم موضحًا أن روسيا تعلم جيدًا ما يحاك في العالم من قبل القوى الإمبريالية التي تريد السيطرة، وجعل العالم أحادي القطبية، وخاضع مباشرة للهيمنة الأمريكية، على حد تعبيره.

بينما وصف الوزير والدبلوماسي الأسبق، عبد العزيز رحابي، تصريح وزير الخارجية الروسي، بأنه “غير مقبول ويصب في صالح سعي السلطة لتدويل أزمتنا السياسية والالتفاف على مطالب الشعب“. وقال رحابي في منشور على صفحته الرسمية على الفيسبوك: “حقًا روسيا بلد صديق وحليف، ولكن لا يجب أن تتدخل في شؤوننا الوطنية بتأييد خطة بوتفليقة التي تثمل الخطر الأساسي لضرب استقرار الجزائر بمصادرة إرادة الشعب”.

حيادية الإعلام الروسي

المتابع لتغطية وسائل الإعلام الروسية لتطورات الأزمة الجزائرية يلاحظ  أنه تجاهل الحدث الجزائري نوعًا ما، وكان يكتفي “بحيادية” لافتة، وتميزت التغطية القليلة التي حظي بها الحدث بالتركيز على المخاطر التي يشكلها على المصالح الروسية والعلاقات التاريخية مع الجزائر. وفي هذا السياق نشرت صحيفة الكرملين “VZ” في 13 من مارس الحالي خبرًا اهتم  بعلاقة التعاون بين البلدين.

ونشرت الصحيفة مقالاً تحت عنوان “الشراكة المهمة لروسيا مع الجزائر تنتظر الاختبار”، مشيرة في هذا الصدد إلى أن التعاون بين الدولتين لا يقتصر على مجال النفط والغاز فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى مرحلة  إنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في أفريقيا.

وتطرقت الصحيفة إلى القيادة الفعلية في الجزائر التي تقول إنها انتقلت في السنوات الأخيرة إلى شقيق بوتفليقة سعيد، وقائد الأركان العامة أحمد قايد صالح، الذي درس في روسيا، وهي القيادة التي تحتل المكانة العظمى، لاسيما أن الجيش في الجزائر، وكما في معظم البلدان العربية، يشكل العمود الفقري للدولة، على حد تعبير الصحيفة .

في المقابل  يرى موقع الهولدنغ الإعلامي الكبير “RBK”، ضرورة إعادة النظر في علاقات الجزائر السياسية والتجارية مع روسيا، لصالح تعزيزها مع أوروبا.

أما مركز كارنيغي في موسكو فكتب متسائلاً: “لماذا تأخر “الربيع العربي” ثماني سنوات عن الجزائر”، ليوضح فيما بعد أن قرار بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية وتخليه عن الولاية الخامسة، يعد  السيناريو الأفضل بالنسبة للعسكريين والمقربين من بوتفليقة.. فهو قرار من شأنه أن يتيح لهم الاحتفاظ بمقاليد السلطة.

علاقات تاريخية

ترتبط موسكو والجزائر بعلاقات قوية منذ فترة ما بعد الاستقلال والتحول الاشتراكي. وكان الاتحاد السوفييتي من بين الدول الأبرز التي دعمت وساندت حرب التحرير الجزائرية سياسيًا وعسكريًا.

ويعد الإتحاد السوفيتي أول دولة في العالم تقيم علاقات دبلوماسية مع الجزائر المستقلة، وذلك في 23 مارس عام 1962. كما اعترفت الجزائر بروسيا الاتحادية رسميا في 26 ديسمبر عام 1991.

وفي أبريل 2001  قام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بزيارة رسمية لروسيا الاتحادية تلاها توقيع البيان حول الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين ليعقبها زيارات تعاون بين البلدين.

وسبق أن أكدت وزارة الشؤون الخارجية الروسية أن “روسيا و الجزائر تربطهما علاقات وطيدة، ويتقاسمان الكثير في مجال السياسة الخارجية”. وذكرت في بيان لها “إننا نعتبر الجزائر كأحد الشركاء الأساسيين في إفريقيا وفي العالم الإسلامي. فالجزائر وروسيا يتقاسمان الكثير في مجال السياسة الخارجية”.

وأضاف البيان: “لقد تمكنا بجهودنا المشتركة من جعل  الروابط الروسية- الجزائرية جد مفيدة وهي بتنوعها وثرائها تشمل أيضا المجال المادي لاسيما التعاون  العسكري- التقني والطاقوي وكذا المبادلات  الاجتماعية-الثقافية” مذكرا أن المبادلات بين البلدين “تفوق منذ عدة سنوات 3  مليار دولار أمريكي”.

خط أحمر

وفي مارس من العام الماضي ذكرت تقارير صحفية، أن إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حماية حلفاء موسكو من أي هجوم يتعرضون له يشمل بلدا مغاربيًا هو الجزائر.

وجاء في مقال نشرته صحيفة “القدس العربي”، أن خطاب الرئيس الروسي، أمام الجمعية الفدرالية باستعداد بلاده الرد بالنووي على أي هجوم يتعرض له حلفاء موسكو يعتبر تحديًا حقيقيا للغرب طبقته موسكو نسبيا في حالة الجزائر في صيغة مختلفة بتزويدها بأسلحة متطورة مثل إس 400 وصواريخ إلكسندر.

وأفاد التقرير بأن إظهار روسيا الدفاع عن حلفائها من جهة وكذلك الحفاظ على موقع استراتيجي لها في البحر الأبيض المتوسط، قاعدة طرطوس في سوريا، يعتبر تعهدا بالدفاع عن الحلفاء طبقته روسيا بشكل غير مباشر في حالة الجزائر.

واستند المقال إلى تقارير روسية سابقة أشارت إلى نية الغرب التدخل في الجزائر خلال ما يعرف بالربيع العربي عبر تأجيج الأوضاع مستغلا التذمر من الجدل الذي رافق الانتخابات الرئاسية في 2014، أو عبر نقل الفوضى من ليبيا من خلال جماعات مسلحة.

وكشفت التقارير وقتها بأن هدف القوات هو التدخل في حالة اضطرابات في دول شمال أفريقيا. ولم تكن هذه القوات مخصصة لليبيا لأن قوات المارينز في إيطاليا كانت هي المكلفة بهذه المهمة. ومما زاد من القلق هو تصريح بروس ريدل الذي عمل مستشارا لأربعة رؤساء ومن ضمنهم باراك أوباما في ولايته الأولى قد صرح في ندوة في معهد ريال إلكانو للدراسات الإستراتيجية في مدريد سنة 2013 أن الربيع العربي سيجرف الجزائر عما قريب.

مواجهة التدخل الغربي

وذكر خبير في العلاقات الجيوسياسية لجريدة “القدس العربي”، أن “الجزائر حليفة روسيا، والولايات المتحدة لديها الدرع الصاروخي في قاعدة روتا جنوب إسبانيا لمواجهة الصواريخ الروسية، والقرب الجغرافي هو خطر حقيقي، وأمام الغرب حلان، العمل على تغيير نوعية الحكم في الجزائر ليميل إلى الغرب أو إحداث الفوضى فيه للتدخل. وبعدما فقدت روسيا ليبيا وكانت على وشك فقدان سوريا، لن تغامر بفقدان الجزائر كحليف سياسي رئيسي وحليف عسكري في حالة نزاع دولي كبير”.

وقال التقرير إن تصريحات بوتين بالدفاع عن الحلفاء، أبانت الخطوط العريضة لقرار روسيا تزويد الجزائر بأسلحة متطورة للغاية في تلك الفترة الحساسة. ولم يكن الغاية منها – حسب التقرير- هو تغذية سباق التسلح مع المغرب لأن هذا الأخير لن يهاجم الجزائر نهائيًا، بل لجعل الجزائر تتوفر على قوة ردع ضد سيناريوهات التدخل الغربي إذا ما حاول تكرار سيناريو ليبيا بالتدخل الجوي تحت غطاء محاربة الجماعات المسلحة التي كان يفترض أنها ستتسلل إلى الجنوب الجزائري.

وذكر المصدر أن روسيا قامت بتزويد الجزائر بنظام إس 400 المضاد للطيران والذي يعتبر الأحسن في العالم وقادر على مواجهة كل الطائرات الغربية مهما كانت قوتها بما فيها الرافال وإف 35. كما قامت سنة 2014 أو سنة 2013 بتزويدها سرا بصواريخ “إلكسندر” التي توصف بالمرعبة لأنها ذات سرعة فائقة وقوة تدميرية هائلة بما فيها ضرب السفن الحربية في عرض البحار أو ضرب أهداف في الأراضي الأوروبية الجنوبية ولا يمكن اعتراضها بسهولة. ولم تعلن الجزائر عن اقتناء هذه الصواريخ بل جاءت في نشرة للأمم المتحدة سنة 2015.

وخلص إلى التأكيد أن امتلاك الجزائر هذه الأسلحة المتطورة وتواجد سفن حربية روسية في غرب البحر الأبيض المتوسط كان من جهة رادعا للغرب لتفادي التسبب في نزاعات في الجزائر لأن قطعة سلاح إستراتيجية واحدة قادرة على تغيير مسار نزاع أو قضية، ومن جهة أخرى تطبيق روسيا لمفهوم الدفاع عن الحلفاء الذي يجعل منه فلادمير بوتين الآن عقيدة رئيسية في تصوره للدفاع عن أمن روسيا وحلفائها.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى