قصص نجاح

الإنشاد الديني بصوت نسائي.. “شيماء النوبي” أول مبتهلة في مصر

حوار وإعداد ـ أحمد الغــر

تشير كتب التراث الإسلامي إلى أن بداية الابتهال والإنشاد الديني كانت على أيدي مجموعة من الصحابة الكرام “رضوان الله عليهم”، إذ شكل واحدًا من الطقوس الروحية منذ نشأة الإسلام، ثم إستمر الإنشاد والمديح على يد التابعين.

وكانت قصائد “حسان بن ثابت”، شاعر الرسول هي الأساس للمنشدين، ثم تغنَّوا بقصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات كثيرة ومتنوعة عن الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بقيم الدين، وأداء الفرائض.

تُعد المدائح أو الأناشيد من أهم التعبيرات الوجدانية والروحانية بعد الأذان والتهاليل والتراتيل الدينية، وهى في مضمونها تحتوي على ذكر الله والتهليل والتسبيح، ومجموعة من المدائح النبوية التي تصف روح الرسول “صلى الله عليه وسلم” وأخلاقه وتعاليمه وسيرته.

الإنشاد منذ الصغـر

ضيفتنا لهذا الإسبوع في (قصة نجاح).. هى المبتهلة “شيماء النوبي”، وهى واحدة من المنشدات والمبتهلات القلائل في مصر والوطن العربي، بل يُمكن إعتبارها أول مبتهلة في مصر، وقد عشقت الإنشاد الديني والمديح والإبتهال منذ صغرها، ففي فترة طفولتها تشبعت بالإستماع لكبار مشايخ الإبتهالات الدينية وكبار قراء القرآن الكريم في مصر، بدأت تحلم بأن توظف موهبة صوتها العذب للمدح والإنشاد، ومنذ نعومة أظافرها وهى تجيد قراءة القرآن من خلال متابعتها المتواصلة لإذاعة القرآن الكريم.

تخبرنا “شيماء” في بداية حديثها: “كنت أذهب مع والدتي الى معارض الكتاب ومنافذ بيع صوت القاهرة، حيث كانت تشتري لى شرائط النقشبندى، ونصر الدين طوبار، وغيرهم من المبتهلين الكبار، كما انني كنت أذهب إلى أحد المراكز الثقافية، وهناك شاركت في عدة عروض ومسرحيات”.

وتضيف: “إنطلاقتي الحقيقية كانت عندما تعرفت على الشيخ “زين محمود”، المنشد الدينى العالمى، حينها كان خارج مصر، أرسلت إليه ترنيمة الحلاج، فسمعها وأعجبه أدائى بشدة، وبالفعل أرسل إليّ موال قصصى، ومربعات ابن عروس، وعندما عاد إلى مصر إلتقينا وقمت بأداءهما أمامه، وكانت تلك بداية تعاون بيننا مستمر إلى ألان”.

سر اختيار الابتهال

عن سر اختيارها لهذا المجال، تقول: “إختيارى لمجال الابتهالات الدينية لم يكن أمرًا سهلًا، فقلة من النساء سلكن طريق الإبتهال والإنشاد الديني، كما أنه أيضا ليس بالأمر السهل على أذن الناس، فدائمًا ما يستمعون للمنشدين والمبتهلين الرجال، لكن بأي حال .. يسعدني جدًا أنه فى مجال الابتهال، تحديدًا، يتم تصنيفي كأول مبتهلة دينية، ولكننى أيضا لست الأخيرة”.

تأثرت “شيماء” بالكثير من المقرئين والمبتهلين في مصر، وإستفادت من جميع المدارس، فكل شيخ وله طريقته وإسلوبه، تخبرنا أيضا بأنها كانت تحب الإستماع كثيرًا إلى الشيخ مصطفى إسماعيل “رحمه الله”، والمشايخ: على محمود ومحمد رفعت وعبد الباسط عبدالصمد وطه الفاشنى والشيخ نعينع ومحمد الفيومى ومحمد الطوخى ونصر الدين طوبار وسيد النقشبندى.

موقف لا يُنسى

تخبرنا بأكثر موقف منذ صغرها ولا تنساه من ذاكرتها، وتقول: “منذ صغرى كنت أحلم بالذهاب إلى دار الأوبرا المصرية، لحضور الحفلات والتعلم، وكنت أخشى طلب ذلك من والدى، وفى إحدى المرات سمعتنى جارة لى وأنا أغنى، فطلبت من والدى السماح لى بالذهاب للأوبرا، فقال لها هى لم تطلب ذلك، ولو طلبت لن أمنعها”.

وتتابع: “وبالفعل أصحبت أذهب وأحضر حفلات فى الأوبرا”، وتضيف: “وكان لذلك عظيم الأثر في تطور مسيرتي مع الإنشاء وهذا الفن”.

بين الإنشاد والابتهال

بين الإنشاد الديني والابتهال ثمة فارق كبير قد لا يلحظه كثيرون، تخبرنا “شيماء” بأن الإنشاد الدينى هو المديح، ومن أمثال المداحين: الشيخ أحمد التونى والشيخ زين محمود والشيخ ياسين التهامى وغيرهم، ويكون هو مدح الرسول “صلى الله عليه وسلم” وآل بيته الكرام، ويصطحب المنشد آلات موسيقية.

أما الابتهال فهو مناجاة الى الله ـ عز وجل ـ ولا يجوز إطلاقًا إصطحاب آلات موسيقية، إذ يقف المبتهل على المسرح وحده، بلا أنغام أو آلات موسيقية، أما التواشيح.. فمعظم من يقولونها يكونون مبتهلين ايضا، ومن الممكن أن يصاحبها آلات موسيقية أو لا.

مدرسة للإنشاد الديني

عندما إستقر الشيخ “زين محمود” بمصر؛ قرر تحقيق حلمه بإنشاء مدرسة للإنشاد الدينى، ومع مرور الوقت وإقبال الجماهير عليها، أصبحت المدرسه أكاديمية، وتوسع نطاق عملها، لتشمل تعليم الإنشاد الدينى والتواشيح والابتهالات والغناء الشعبى القديم والسيرة الهلالية.

وكان من حسن حظ “شيماء النوبي” أنها تولت منصب إداري هام في تلك الأكاديمية حتى صارت نائباً لمجلس إدارتها، وتخبرنا بأن نشاط الجمعية توسع ليشمل الفنون اليدوية والنحت والفن التشيكلى وورش العود والاكسسوارات والخيامية والمولوية والتنورة وخيال الظل والكتابة والحكى، فالهدف من كل ذلك ـ كما أخبرتنا ـ هو حفظ التراث الفنى، ونقله للعالم، وتوصيل المتدربين إلى مرحلة الاحتراف في مختلف هذه الفنون التراثية.

مسابقات وجوائز

شاركت “شيماء النوبي” في مسابقات فنية عدة، وحصلت على العديد من الجوائز والتكريمات، لعل أبرزها المركز الأول في مسابقة الجمهورية قبل أعوام، وعن سر نجاحها تقول بأن “النجاح هو توفيق من الله عز وجل، أولًا وأخيرًا، لكن لا أنكر أيضا أفضال كل من ساعدوني أو كانوا مصدر إلهام وتشجيع لي في بداياتي”.

مناصب ونجاحات

تتولى المبتهلة “شيماء النوبي” ألان منصب المدير التنفيذى ونائب رئيس مجلس ادارة جمعية جمع التراث الفنى، وأكاديمية الشيخ زين محمود للانشاد الدينى والفلكلور الشعبى والسيره الهلالية، كما إختارتها إذاعة “بي بي سي” ضمن موسوعة (100 امرأة) التي تحتفي من خلالها بالمرأة العربية.

خطط مستقبلية

عن خططها ومشاريعها المستقبلية، تخبرنا بأنها تأمل أن تعيد تراث الابتهال الدينى والتواشيح، فهي تطمح أن تعيد بعضها بأسلوبها الخاص مع الحفاظ على قيمة ورصانة الإبتهال وأصالته.

وتتمنى لو تقوم الإذاعة بفتح الباب أمام المبتهلات والمنشدات، وتعتمدهن رسميًا لديها، كما تتمنى أن يصل صوتها للعالم، وأن يهتم الإعلام بالفن الدينى من ابتهالات وإنشاد وتواشيح، طوال العام وليس فى المناسبات الدينية فقط.

وعن الذي يميزها عن غيرها من المبتهلين والمنشدين، قالت:”لا يجوز لى أن أقارن نفسى بشيوخ كبار، فهم أساتذتى، ومازلت أتعلم منهم، فكلما سمعت كلما تعلمت أكثر”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى