الراديوقصص نجاح

قصة نجاح- د. منى هندية.. نموذج مُشرّف لعالمة عربية في مجال المياه

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة ومميزة من برنامج “قصة نجاح”، استضفنا خلالها الدكتورة منى يعقوب هندية، وهي أستاذة وخبيرة علم المياه والري بالمملكة الأردنية، واستطاعت بخبرتها وتميزها في تخصصها، وإصرارها على متابعة البحث العلمي، أن تضع علامة فارقة في عالم البيئة ومعالجة المياه، لتهدي المجتمع العربي والدولي مؤلفات علمية هي الأولى من نوعها.

وتوّجَت هندية خلال مشوارها العلمي المتميز بالحصول على جائزة العلماء العرب للشيخ عبدالله المبارك الصباح للبحث العلمي، كما حصلت على تمويل لمشاريع تأسيس برامج وخطط دراسية خاصة بالدراسات العليا لإدارة المياه والبيئة وهندسة المياه والطاقة والتغير المناخي في 6 جامعات أردنية وسورية بما يزيد على مليون يورو.

وتميزت بخبرتها الواسعة في مجال البيئة المائية وتلوث ونوعية المياه، والمؤشرات الحياتية البيئية، واستخدام الطاقة المتجددة، ما جعلها مستشارة للعديد من الهيئات الدولية.

شمل اللقاء مع الدكتورة هندية الحديث عن ذكريات الطفولة والصبا في الأردن، ورحلتها مع الحلم والواقع، وكيف ولماذا اتجهت للتخصص في مجال المياه، وكذلك تجربة العمل مع منظمة الأمم المتحدة في مجال خطط وسلامة مصادر مياه الشرب.

كما تناول الحديث زيارتها للولايات المتحدة وحصولها على منحة فولبرايت، وكذلك ارتباطها بمشروع مشترك مع جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة. برنامج “قصة نجاح” من إعداد وتقديم الإعلامي مجدي فكري.

نجاح وتميز في أمريكا
بدأت الدكتورة منى هندية حديثها حول قصة نجاحها، ابتداءً من الولايات المتحدة وذكرياتها هناك وتجاربها التي مرّت بها فيها، حيث كان لها العديد من التجارب والنشاطات في الولايات المتحدة، أولها كانت في عام 2005، حيث عملت مع فريق خبراء من جامعة ستانفورد وجامعة كورنيل على مشروع مكتبة الحياة Library of Life، وتضمنت دراسات بحثية عديدة عن الكائنات الحية الدقيقة في بيئة البحر الميت والمياه الحارة في منطقة زارا ماعين.

كذلك في عام 2019، حصلت الدكتورة هندية على منحة فولبرايت وهى واحدة من برامج الزمالة الأكثر تميزًا وتنافسية في العالم، وأجرت أبحاثها في جامعة نورث كارولينا ومختبرات الهندسة المدنية المجهزة بأحدث التقنيات، حيث كان بحثها يتناول موضوع محطات تحلية المياه العادمة، خاصةً فيما يتعلق بالمشكلات الناتجة عن وجود أنواع معينة من البكتيريا.

وترى هندية أن تجربتها في الولايات المتحدة كانت رائعة جدًا على جميع الأصعدة، سواء فيما يخص العمل بروح الفريق الواحد، أو التعاون والمحبة وتحقيق الهدف وزيادة الإنتاج العلمي، أو الحصول على كافة أشكال التوجيه والدعم، أو استمرارية إجراء الامتحانات التأهيلية لمزاولة الأنشطة للتأكد من مهارات الشخص ومعلوماته، هذا بخلاف الدورات التأهيلية المستمرة التي تحظى باهتمام بالغ.

وبحسب هندية فإن “الولايات المتحدة هى مثال للجودة العالمية”، كما تحدثت عن صداقاتها العديدة في أمريكا، وتحدثت أيضًا عن التحاقها بدورة عن المرأة القيادية في أريزونا بتمويل من الـ US Aid، وكذلك دورة عن التفاوض في جامعة هارفارد وكانت منحة من مكتب الملكة رانيا.

العودة إلى البدايات
ثم انتقلت الدكتورة هندية للحديث عن أول طريق نجاحها، حيث النشأة والطفولة في الأردن، حيث قالت: “ترعرعت في أسرة كانت حاضنة للإبداع والتميز، وداعمة ليّ منذ صغري، فأنا الابنة الكبرى بين 3 أخوات وأخ وحيد، تربيت على يد رجل عسكري وهو والدي، والذي كان من أوائل العسكريين الذين تجندوا في الجيش العربي الأردني، وهو مهندس ميكانيكي تخرج من جامعة كاليفورنيا ـ دافيس عام 1955”.

وأضافت: “طفولتي كانت في مدينة الزرقاء، في معسكر للجيش، حيث كنا نعيش داخله، وهذا أثّر على شخصيتي في الانضباط والعمل والتصميم والشجاعة وحب الوطن، ولا يمكن إنكار الدعم الكبير الذي حظيت به من والدي ووالدتي، وأثره على مستقبلي ودراستي وحياتي، فأنا أعتبر نفسي محظوظة في جميع مراحل حياتي بما تفضل به ربي سبحانه وتعالى”.

طريق العلم
لا شك أن الاتجاه إلى طريق العلم كان قرارًا جريئًا في ذلك الوقت، وعن مسيرتها في هذا الطريق، قالت: “أدين بنجاحاتي وتفوقي لأمي، فلها الفضل الأكبر في ذلك، فهى التي آمنت بي وبقدراتي ودعمتني لكي أصل إلى ما أنا عليه، ولا أنسى أفضال مدرستي والمعلمين في الأردن”.

وعن وضع المرأة الأردنية اليوم، وما إذا كانت هناك صعوبات تقف أمامها وتعطلها عن اجتياز طريق النجاح، أكدت الدكتورة هندية أن الأردن يتمتع بتكافؤ في الفرص للحصول على خدمات التعليم الأساسية، حيث بلغ المعدل الآن 89%، وهو أفضل معدل تعليم بين البلدان العربية، كما ارتفعت معدلات التعليم الابتدائي بين الإناث لأكثر من 98%، ونسبة التحاق الفتيات بالجامعات أكثر من 52%، أما نسبة التحاقهن بالماجستير فقد بلغت 45%، والدكتوراة بلغت أكثر من 30%.

كما أن الفجوة بين التحاق الإناث والذكور في التعليم العالي بالأردن هى 1.15، بمعنى أنه في مقابل كل 100 طالب يلتحقون بالجامعات الأردنية تلتحق 115 فتاة بنفس الجامعات، وهذه المعطيات تدل على مدى وعي وإدراك المرأة الأردنية.

كما تحدثت الدكتورة هندية عن العديد من المكاسب والحقوق التي حققتها المرأة الأردنية في الميادين والمجالات المختلفة.

وتحدثت أيضًا عن أسباب تدني دور المرأة في المشاركة في المجالات الاقتصادية، حيث لم تحقق نفس المستوى الذي وصل إليه الرجال، وترتفع نسبة البطالة بين صفوف المرأة الأردنية بالرغم مما وصلت إليه من مستوى تعليمي.

كما تحدثت عن الصعوبات المهنية والمعوقات الإدارية التي تحول دون توظيف المرأة ووصولها إلى المناصب العليا.

حياة أسرية ناجحة
بعيدًا عن حياتها الأكاديمية والوظيفية، وللتعرف أكثر على أسرتها وحياتها الشخصية، قالت: “أنا أم لـ 5 أطفال، استطعت منح أطفالي الرعاية والحنان رغم انشغالي معظم الوقت بعملي، فأنا مؤمنة بأن استقرار أسرتي هو سبب نجاحي، فأنا أدعم أبنائي في جميع مناحي الحياة، وأشعر بفخرهم بعملي، وأنا أيضا أفتخر بما وصلوا إليه”.

وأضافت: “ترتبط حياتي الأسرية وحياتي العملية كلًا منهما بالأخرى، كما أنني أشارك أيضًا في الأعمال التطوعية والبرامج الخاصة بالتوعية البيئية للأطفال والنساء والمجتمع المحلي في البادية والريف، كما كنت أنقل خبرتي ومعلوماتي لتحسين نوعية مياه الشرب في الأزمات وتنقيتها بالطرق المختلفة”.

حلم العدالة
كلما وصل الإنسان إلى حلم يسعى إلى تحقيق آخر، فما هو الحلم الذي يشغل بال الدكتورة منى هندية خلال الفترة الراهنة وتسعى إلى تحقيقه؟، أجابت: “أسعى لتحقيق العدالة والمساواة خلال عملي، خصوصًا ضمن الفئات الضعيفة مثل الفقراء والنساء والأقليات والأطفال، فهم من أشد الفئات حساسية لأي اختلال في التزود بالماء”.

تخصص متميز
عن سبب اتجاهها لدراسة علوم المياه وقضاياها بشكل عام، قالت إن ذلك بسبب وجود أزمة مياه في الأردن، لكن أيضًا لحبها وشغفها لهذا التخصص، حيث تخصصت في نوعية المياه والكائنات الدقيقة والطفيليات التي تعيش في مياه الشرب والمياه الجوفية وتنقية المياه العادمة، وهو تخصص استطاعت أن تتفرد به الدكتورة هندية في الوطن العربي.

ونتيجة لتفوقها ونجاحها في هذا المجال، قامت وزارة المياه الأردنية بانتدابها لمدة 3 سنوات كأمين عام لسلطة المياه ومسؤولة عن نوعية المياه في مشروع الـDC والعمل معهم في لجان عديدة، حيث كنت مسؤولة عن تأمين مياه نظيفة وصحية لـ 10 مليون مواطن في الأردن.

وأوضحت الدكتورة هندية بعض الصعوبات التي يتطلبها منها عملها في هذا المجال، والظروف المحيطة به، وإصرارها على تحقيق النجاح بالرغم من العقبات، كما تحدثت عن دورها ضمن المؤسسين لمركز بحوث المياه والبيئة بالجمعية العلمية الملكية ووضع التشريعات لهذا الاختصاص.

كما تحدثت عن حصولها على جائزة العلماء العرب للبحث العلمي من الشيخ عبدالله المبارك الصباح، حيث حصلت على المرتبة الثانية بالتشارك مع باحث مصري، حيث كان يتعلق بحثها عن قدرة الكائنات الدقيقة على التخلص من الملوثات في مياه سد الملك طلال.

مسيرتها مع علم المياه
حصلت الدكتورة منى هندية على درجة الدكتوراة في علوم نوعية المياه ومعالجتها من كلية الهندسة المدنية بجامعة نيوكاسيل في بريطانيا، وذلك في إطار منحة من المجموعة الأوروبية عام 1992، وكانت أول امرأة عربية تدرس في تلك الكلية آنذاك، وتناولت في رسالتها للدكتوراة موضوع جديد يتحدث عن الطفيليات في المياه العادمة المنزلية والصرف الصحي.

واستفاضت الدكتورة هندية في شرح موضوع رسالتها للدكتوراة، ومدى الاستفادة منه في مواجهة شح المياه الذي تواجهه الأردن ومختلف الدول العربية، كما تحدثت عن الأبواب العديدة التي فتحها أمامها هذا التخصص الذي كانت تدرس فيه.

كما تطرقت إلى التمويل الذي حظيت به من منظمة الصحة العالمية في هذا المجال، ومساهماتها مع المنظمة أيضا لإعطاء دورات تدريبية في مختلف الدول العربية حول موضوع المياه.

وتطرقت أيضا خلال حديثها إلى عملها مع منظمة الأمم المتحدة في مجال خطط وسلامة مصادر مياه الشرب.

تكريمات وجوائز
حصلت الدكتورة هندية على العديد من الجوائز، منها جائزة العلماء العرب ـ الإبداع العلمي للشيخ عبدالله المبارك الصباح، وعن تأثير مثل هذه الجوائز على مسيرة أيّ عالم وعلى مسيرتها الشخصية ومستقبلها، قالت: “لقد فتحت لي الجوائز أبواب عديدة، فقد عملت كأستاذة جامعية وباحثة في جامعة بير زيت، ضمن مشروع Talk Ten، بالتعاون مع الـUNDP، ومشروع يهدف إلى تحفيز العلماء الفلسطينيين المهجرين لتدريس التخصصات النادرة وغير المتوفرة في فلسطين”.

وأضافت أنها أيضًا قد عملت مع العديد من المراكز البحثية في ألمانيا وأمريكا، كما أنها كانت إحدى عضوات اللجنة التحكيمية في لجنة المرأة القائدة في مجال الطاقة في الأردن بالتعاون مع الـ US Aid في عام 2015، وحصلت على تمويل العديد من المشاريع لإدارة البيئة والمياه والتغير المناخي بالشراكة مع 6 جامعات أردنية و3 جامعات سورية وجامعات أخرى من البرتغال وألمانيا والنمسا.

للدكتورة هندية العديد من الكتب والأوراق العلمية والبحثية المنشورة في أرقى المجلات العالمية، كما أنها درست للعديد من طلاب الماجستير والدكتوراة، كما أنها كانت أمين سر مجلس إدارة الجمعية الأردنية للتنمية المستدامة وعضر مجلس إدارة في جمعية أصدقاء الأرض، وغيرها من المناصب والعضويات في العديد من الجمعيات والاتحادات.

من أجل مياه نظيفة
حول نصائحها للمستمعين من أجل شرب كوب مياه نظيفة، قالت: “تختلف مدى نظافة المياه من منطقة لأخرى، بالنسبة ليّ عندنا في الأردن أنا أشرب من مياه الصنوبر (مياه البلدية)، ولكن يجب دائمًا أن نضمن نظافة خزانات المياه، ونحن لدينا مشروع كبير بالأردن خاص بالمياه تم البدء فيه في عام 2014، وهو مشروع الـDC، حيث يتم جرّ مياه الآبار من الجنوب إلى العاصمة عمان والشمال، لتخفيف الضغط على موارد المياه الجوفية المستنزفة، وتوفير المياه للناس”.

وأضافت أن مياه آبار الـDC هى مياه عمرها مئات الآلاف من السنين وهى تمتاز بالجودة العالية بحسب محتواها البيولوجي والكيماوي والعضوي، وهى تفوق نوعية كثير من المياه المعبئة، نظرًا لقلة الملوحة فيها وقلة العناصر المسببة لعسر المياه مثل الكالسيوم.

وبالنسبة لوضع مياه الشرب في الوطن العربي، قالت: “لنعرف أولًا معنى مياه الشرب، فهى المياه التي يجب أن تكون متوفرة بسهولة، ولها دور مهم في الصحة العامة، وعادةً ما نستخدمها لأغراض الشرب والأغراض المنزلية المختلفة، لذلك فإن تحسين إمدادات المياه والصرف الصحي وإدارة الموارد المائية بشكل أفضل، عادةً يعزز النمو الاقتصادي للبلدان العربية، ويسهم في تقليص وطأة الفقر”.

حق أم سلعة؟!
في الختام طرحت الدكتورة هندية سؤالًا على المستمعين، وهو: هل مياه الشرب حق إنساني أم سلعة؟!، وأضافت أنه طبقًا لتعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أقرّته في عام 2010، فإنه من حق الإنسان في الحياة أن يحصل على المياه الكافية والمستمرة والآمنة وبأسعار معقولة، سواء للاستخدام الشخصي أو الاستخدام المنزلي.

وفي كلمتها الأخيرة التي وجهتها للجالية العربية الموجودة في أمريكا، وجهّت شكرها لراديو صوت العرب من أمريكا، ودعت أفراد الجاليات بالخارج إلى تغيير الصورة النمطية عن العرب في الغرب، حتى تكون صورة إيجابية للعمل والصدق والأخلاق الحميدة، كما دعتهم إلى المشاركة بشكل فعّال في تنمية أوطانهم وتحسين الحياة الاجتماعية والعلمية والاستثمار في أوطانهم.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى