الراديوقصص نجاح

قصة نجاح الروائي والأديب السوداني الكبير “د. عمر فضل الله”

أجرى الحوار: مجدي فكري ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة خاصة وجديدة من برنامج “قصة نجاح” مع الأديب والروائي السوداني الكبير “د. عمر فضل الله”، الأمريكي الإقامة، السوداني المنشأ، المصري الهوية، حيث تناول الزميل الإعلامي “مجدي فكري” خلال اللقاء قصة نجاح “د. فضل الله” وتجربته الأدبية والحياتية ما بين النشأة في السودان والتنقل إلى مصر ثم الإقامة في أمريكا.

وتطرق الحديث عن نشأته بقرية العيلفون بالسودان، وطفولته التي قضاها في حفظ القرآن الكريم، ثم شغفه منذ الصغر بعالم الشعر والأدب والروايات، وحفظه للمُعلّقات، وتعلقه بالقراءة في الأدب العربي والغربي.

كما عرض اللقاء مجموعة من أبرز مؤلفاته ورواياته، خاصة تلك التي فازت بجوائز عربية وعالمية، كما تناول أيضا جانبًا مميزًا آخر في حياته، وكيفية جمعه بين الأدب وعمله كخبير في مجال تقنية ونظم المعلومات، وأهم مؤلفاته في هذا المجال.

بطاقة تعارف
بدأت الحلقة بمقدمة تعريفية بالروائي السوداني الكبير “د. عمر فضل الله”، الذي فاز بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في فبراير 2018 عن رواية “تشريقة المغربي”، وجائزة كتارا للرواية العربية في أكتوبر 2018 عن رواية “أنفاس صليحة”، وقد وُلِدَ عام 1956 بقرية العيلفون على ضفاف النيل الأزرق ونشأ فيها، حفظ القرآن والشعر وقرأ الأدب منذ الصغر.

وهو يعمل كخبير في الشئون الاستراتيجية وتقنية المعلومات وأنظمة الحكومة الإلكترونية، وله عدة مؤلفات في هذا المجال أيضًا، ومن رواياته: ترجمان الملك، أطياف الكون الآخر، نيلوفوبيا، أنفاس صليحة، تشريقة المغربي.

وقد ترجمت معظم أعماله إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهو يقيم الآن مع أسرته في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة، ويتنقل خلال العام بينها وبين مصر والسودان.

بداية مبكرة
في بداية حديثه، تطرق “د. فضل الله” إلى بداياته المبكرة في سلم النجاح، حيث بدأ حفظ القرأن الكريم وهو في سنّ الخامسة، وأكمله في سنّ السادسة، وقد مكّنه ذلك من جمع مفردات كثيرة جدًا، حوالي 77 ألف مفردة عربية. كما تحدث عن أسرته المهتمة بالأدب العربي والثقافة بصفة عامّة.

حفظ “د. فضل الله” المعلقات وهو صغير، كما حفظ الكثير من قصائد الشعر الجاهلي، ثم قصائد شعراء العصرين الأموي والعباسي، كما تطرق إلى الحديث عن قريته العيلفون، التي وصفها بأنها قرية علم وأدب ومقامات وليالي الذكر والمديح،.

وتحدث عن شيخه “إدريس بن محمد الأرباب” الذي تتلمذ علي يديه، والأشعار التي كان يرددها على دقات طبول الذاكرين والمداحين، ومالها من تأثير روحي ووجداني عليه.

وقد بدأ “د. فضل الله” في قول الشعر وهو بسنّ السابعة، إبان دراسته بالمرحلة الابتدائية، وفي إطار سرده لتلك الذكريات يتذكر ويشدو “د. فضل الله” للمستمعين عدد من أبيات القصائد التي كان يحفظها وينشدها في صغره.

مدائح نبوية
في الفقرة الثانية من الحلقة؛ واصل “د. فضل الله” حديثه عن أناشيد وقصائد المدح التي يتغنى بها أهل السودان في مدح وعشق الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وكذلك عن قصيدة أخرى يتغني دائمًا بها أهل السودان، والتي تروي قصة رجل ذهب إلى المدينة المنورة وصلى بالمسجد، ثم وقف عند قبر النبي “صلى الله عليه وسلم”، وقال:

هذا اللقاء وما شفيت غليلا .. كيف اعتذاري أن عزمت رحيلا
يا دار من أهوى وحقك لم أجب .. داعي التفرق لو وجدت سبيلا
أأروم عنك وقد بلغت بك المنى .. يومًا على طول اللقاء بديلا
هيهات أين لي البديل وقد رأت .. عيني معالم للهدى وطلولا
فلتصنع الأيام ما شاءت فما .. أبقت لقلبي بعدها مأمولا
أصبحت في الحرم الشريف بحيث لا .. أحتاج فيه إلى الرسول رسولا
ولأشكرن الدهر حين وفي بما .. أملت منه وكان قبل مطولا
ــ إلى أخر الأبيات …

لهجات وتسميات
قد لا يتحدث “د. فضل الله” باللهجة السودانية طوال الوقت، نظرًا لكونه طائر محلّق، يتنقل بين مصر والسودان وأمريكا، وفي هذا الصدد يقول “د. فضل الله”: “في واقع الأمر أنا أتكلم باللهجة السودانية لكوني مرجعًا فيها، فكثيرًا ما يسألني بعض السودانيون عن كثير من المفردات العميقة، فالسودان أرض شاسعة وممدة، بها أكثر من 500 قبيلة، ولذلك هذه القبائل تتكلم بلهجات مختلفة ولها مفردات كثيرة جدًا”.

وأضاف: “يتميز أهل كل منطقة بلهجتهم ولكنتهم ومفرداتهم أيضًا، وانا قد قرات كثيرًا جدًا في الفلكلور والأدب الشعبي السوداني، وأحفظ الكثير من الشعر المحلي السوداني أو شعر الدوبيت، الذي يقوله رعاة الإبل بالسودان، ولكن أنا أتكلم العربية الفصحى بلهجتها الواضحة حتى يستطيع كل عربي في كل مكان أن يفهم كلامي بسهولة”.

وحول سبب تسمية السودان بهذا الاسم، يقول “د. فضل الله”: “أُختُلِفَ في سبب التسمية، البعض يقول إن غير أهله قد أطلقوا عليه اسم السودان بسبب اللون الأسود الذي يغلب على ساكنيه.

ويُقال أن اسم السودان له مسميات أخرى مثل بلاد الحبشة، والسودان الكبير. ويعدّ محمد علي باشا هو أول من أطلق اسم السودان على هذه المنطقة لتمييزه عن مصر وصعيدها”.

تاريخ “سوبا”
في الفقرة الثالثة من الحلقة؛ تحدث “د. فضل الله” عن نشأته في قرية العيلفون جنوب سوبا، والكثير من أعماله دارت حول هذه المنطقة، حيث قال: “في واقع الأمر، فإن هذه المنطقة هامة جدًا في تاريخ السودان، منطقة سوبا بولاية الخرطوم حاليًا، وهى في وسط السودان حيث يلتقي النهرين، وتتمتع بأهمية تاريخية وجغرافية”.

وتطرق “د. فضل الله” إلى تاريخ هذه المنطقة ومدى أهميتها، كما أوضح أن هجرة الصحابة “رضى الله عنهم” إلى النجاشي الكبير، حاكم الحبشة، لم تكن إلى منطقة أثيوبيا، بل تلك المنطقة التي كانت خاضعة لحكم النجاشي، حيث دولة علوة وسوبا.

يُذكر أن “د. فضل الله” قد أصدر 10 روايات، 3 منها كتبها عن منطقة سوبا، وأضاف: “أولى رواياتي باللغة العربية كانت (ترجمان الملك)، وتحدثت فيها عن فترة ازدهار سوبا ومجد دولة علوة، ووصفت فيها الحياة والعمران وطرائق العيش هناك، وقد كنت أود أن أعرّف العالم وقراء العربية عن هذه المنطقة المغمورة، بالرغم من تاريخها الطويل، لذلك فأنا قد انطلقت من المحلية”.

وتابع: “لاحقًا كتبت (أنفاس صليحة)، والتي تتحدث عن دولة السودان الكبير، ولكنها ركزت على سقوط دولة علوة بعد أن شاخت، وقامت على أنقاضها سلطنة سنار، وتلك الأخيرة هى التي ركزت عليها في رواية (تشريقة المغربي)”.

جوائز وتكريمات
في عامٍ واحد، وهو العام 2018م، فازت رواية “تشريقة المغربي” بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، بينما حصدت رواية “أنفاس صليحة” جائزة كتارا للرواية العربية.

في هذا الصدد قال “د. فضل الله”: “كما يعلم الجميع أنني لا أكتب من اجل الجوائز، فقبل هاتين الروايتين كتب عدة أعمال، وهى لا تقل في جودتها عن الروايتين الفائزتين”.

وأضاف: “أنا لم أكن أتقدم إلى الجوائز، إلى أن نصحني أحد الأساتذة بعد أن قرأ معظم أعمالي بضرورة أن أتقدم للجوائز، فتقدمت في نهاية عام 2017م بهاتين الروايتين لجائزتين مختلفتين، وفوجئت في بداية عام 2018 بفوزي بجائزة الطيب صالح، ولاحقًا بجائزة كتارا، وهذا الفوز قد أكد لي نظرية أهمية الرواية المعرفية التي أكتبها، فأنا أكتب لأقدم المعرفة للناس مخلوطة بالحكي السردي والأسطورة”.

علاقته بـ”الطيب صالح”
حول علاقته بأديب السودان الكبير “الطيب صالح” الذي جمعتهما علاقة صداقة، فهل تأثر “د. عمر فضل الله” بالطيب صالح.. أجاب “د. فضل الله”: “أنا قرأت كل أعمال الطيب صالح، مثلما قرأت أعمال الكتاب العرب بصورة عامة”.

وأضاف: “ولكن النقاد أجمعوا على أن كتابات عمر فضل الله مدرسة مستقلة غير متأثرة بأي أديب أخر في زمانه ولا قبل زمانه، وهذا لأنني أكتب من نظرية الرواية المعرفية، ولا أعلم أن أحدًا كتب بهذه الطريقة من قبل”.

وأضاف: “في كل مرة أكتب عن موضوع بطريقة مختلفة، وكأنني أكتب رواية طويلة ممتدة، وربما أكون قد تأثرت تأثر غير مباشر بالروائيين العالميين، دون تسمية واحد منهم، وذلك لأنني قرأت لمعظمهم ومن مختلف الجنسيات، فلي أسلوبي الخاص بي في الكتابة والسرد، وهو مختلف عن أسلوب الطيب صالح وغيره من كتّاب السودان”.

من المحلية إلى العالمية
كتب أديب نوبل “نجيب محفوظ” عن القاهرة ومناطقها الشعبية والحارة المصرية، قال “د. فضل الله” تعقيبًا على ذلك: “هذه حقيقة، فمحفوظ كتب أعمال كثيرة عن القاهرة، وقد خرج إلى العالمية من المحلية، أما أنا مازلت بين المحلية والعالمية، فكتبت عن سوبا ثم السودان الكبير، وبلاد المغرب وموريتانيا، وكذلك كتبت عن فترات تاريخية متعددة”.

وأضاف: “كتبت عن الأسطورة، حتى لقبني البعض بـ(راوي الأسطورة)، ولكنني لست راوي الأسطورة فقط، فأنا قدمت معرفة حقيقية وتاريخ حقيقي، وطرحت أسئلة مشروعة في التاريخ، ولا يمكن تصنيف أعمالي بأنها روايات تاريخية، لكنها تلعب في ميزان التاريخ، وتحفّز القراء على إعادة قراءة التاريخ، كما تناولت بعض الموضوعات المسكوت عنها مثل تجارة الرق في السودان”.

ترحال دائم وسفر لا يتوقف
في الفقرة الاخيرة من الحلقة؛ تحدث “د. فضل الله” عن حياته بين القاهرة والخرطوم وأمريكا، حيث قال: “أنا خرجت من السودان مبكرًا جدًا، تقريبًا بعد مرحلة المراهقة، وغادرت إلى المملكة العربية السعودية بناءً على نصيحة والدتي، حيث تحصلت هناك على منحة دراسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وسجلت في كليتين بنظام الساعات المعتمدة، وتحصلت على بكالوريوس الإعلام، ثم بكالوريوس العلوم، ثم انتقلت بعدها إلى الولايات المتحدة حيث درست نظم المعلومات”.

وتابع: “عدت مجددًا إلى السعودية للعمل كمستشار تقنية المعلومات، ثم انتقلت إلى الإمارات العربية المتحدة وأمضيت هناك 20 عامًا للعمل في بناء منظومات تقنية المعلومات، أما علاقتي بمصر.. فيها قضيت معظم العطلات والإجازات، ولكن لم أستقر بها بصورة دائمة، واستقراري الدائم الآن هو في الولايات المتحدة، وتحديدًا بولاية بنسلفانيا”.

لـ”د. فضل الله” روايتين، أحدهما تتحدث عن الولايات المتحدة، والأخرى عن مصر واسمها “نيلوفوبيا”، وهى تتحدث عن فترة حكم الرئيس الراحل “حسني مبارك” والرئيس “جعفر النميري”، حيث تتناول مأساة غرق الباخرة العاشر من رمضان في بحيرة ناصر بجنوب مصر، وكذلك مجتمع القاهرة وأحيائها القديمة.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى