قصص نجاح

راديو “صوت العرب من أميركا” يستعرض قصة نجاح نوال حمادي من لبنان الى ميتشغن

واشنطن – هاجرت إلى الولايات المتحدة عام ١٩٧١، وبدأت رحلة كفاح طويلة لتصبح اليوم قصة نجاح ملهمة للمهاجرين والمهاجرات العرب الأميركيين، تشرف حاليا على شبكة من المدارس المشتركة التي تعني بتعليم اللغة العربية كلغة ثانية من أجل الحفاظ على الموروث الثقافي لأبناء المهاجرين والمهاجرات، أثبتت تفوقها من خلال حصد الجوائز التقديرية الرفيعة على مستوى الولايات المتحدة الأميركية.

التعليم مهنة سامية ، بل أنها رسالة الأنبياء و الصالحين منذ قديم الأزل، و تلعب دورا رئيسيا في نمو المجتمع و تقدمه. المعلم هو صاحب رسالة مقدسة في تربية الاجيال. و من هذا المنظور، مسؤول عن الإلتزام الأخلاقي في ادائه لعمله و في علاقاته مع الأخرين. و نتذكر في ذلك قول الشاعر أحمد شوقي ” قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا” . فالتدريس رسالة سامية تعنى ليس فقط بالبناء المعرفي  الفكري للانسان ، و إنما أيضا بالتوجيه النفسي و التربوي و السلوكي له. فمن يمارس مهنة التدريس هو فقط من يستطيع أن يتحكم في طبيعتها. فالبعض يمارسونها كمهنة روتينية لتحقيق أكبر دخل ممكن و يراها البعض الأخر رسالة تستحق أن يهب لها حياته.

هذه هي المهاجرة لبنانية الأصل نوال حمادي رئيسة مؤسسة حمادي التعليمة التربوية بولاية ميشيجان التي وهبت حياتها للتربية و التعليم و أصبحت اليوم مثالا يحتذى. فهي التي اتخذت من مشوارها التعليمي رسالة و هدفا حققت من خلاله مسيرة نجاح رائعة يشهد لها الجميع.

السيدة نوال كانت ضيفة في برنامج "شخصيات صنعت تاريخا" الذي تعده وتقدمه الإعلامية ليلى الحسيني ويبث براديو "صوت العرب من أميركا"
السيدة نوال كانت ضيفة في برنامج “شخصيات صنعت تاريخا” الذي تعده وتقدمه الإعلامية ليلى الحسيني ويبث براديو “صوت العرب من أميركا”

بدأت نوال حمادي حديثها قائلة “مرت سنوات عديدة لم أتذكر منها إلا بعض أيام الطفولة التي ترعرعت فيها في جنوب لبنان مع ووالدي ووالدتي وأخواني، وبعض أيام المدرسة الابتدائية والثانوية، وبعض الأصدقاء والصديقات والأقارب، والعادات والتقاليد تحديدا أيام رمضان التي نفتقدها في الولايات المتحدة.. ففي بيروت تربينا على انه لا يوجد فروق بين الأديان و الألوان المختلفة”.

وأضافت ” أفتخر بكل لحظة قضيتها في لبنان، لأن هي أساس وجودي في أميركا وأساس نجاحي في العمل من منطلق الاجتماعيات والتربية والمدرسة والعادات والتقاليد، أعتز بعاداتي وتقاليدي”.

وسألت الحسيني “كيف التحقت بجامعة ميتشغن؟”

أجابت حمادي “التحقت بجامعة ديترويت بولاية ميتشغن مباشرة بعد الصف التاسع، حيث أنني لم أحصل علي التعليم الثانوي ومن ضمن الصعوبات التي واجهتها ضعف اللغة الإنكليزية رغم أنها كانت تدرس في لبنان كلغة ثانية، لكن لا تمارس بالحديث، ساعدني التركيز في اللغة الانكليزية والدراسة على التخلص من الضغوطات والصعوبات الأخرى التي واجهتها بطريقة فريدة”.

وأضافت “كان امتحان قبول الجامعة اختياري، وفي ذلك الوقت كنت جيدة في القراءة والكتابة و الصعوبة كانت في المحادثة وهذا ساعدني في تجاوز الامتحان وكانت النتيجة جيدة، كنت تحت التجهيز لأني كنت مبتدئة وتجاوزت فترة الإختبار، والتحقت بالجامعة رسميا، وأكملت البكالوريوس خلال سنتين ونص، لأن الدراسة كانت مركزة خلال السنة كلها، أخذت فيها حوالي 28 كورس في مجالات مختلفة”.

وأكدت “بدأت بعد البكالوريوس أحضر الماجستير في العلوم السياسة الدولية و إدارة الأعمال. أكملت نصف البرنامج بسبب قدومي على مرحلة الزواج وتكوين العائلة التي كنت أحلم فيها منذ فترة، وانتقلت إلى ولاية تينيسي حيث كان يسكن زوجي، و استقرينا فيها خمس سنوات انجبنا خلالها ولدين، وبعد ذلك حصل زوجي الذي يعمل مهندس ميكانيكي على عمل في الرياض وانتقلنا معه”.

قضت السيدة نوال 10 سنوات بعد انتقالها مع زوجها الي المملكة العربية السعودية ، في هذه الفترة عاشت تجربة كانت بمثابة الخطوة الأولي في مجال التربية و التعليم . حصلت علي العديد من الدورات التدريبية لتساعدها في هذا المجال ، كما أنها ترأست قسم اللغة الإنجليزية في احدى المدارس الهامة بالمملكة .

وسألت الحسيني “ممكن تحدثينا عن إقامتك في الرياض؟”

أجابت حمادي “في الواقع كان تخصصي علوم سياسية و كنت أطمح أن أكون محامية و لكن بعد إنجاب أولادي اكتشفت ان ميولي كانت للتعليم. درست خمس دورات تدريبية في اللغة الإنجليزية و هو الامر الذي ساعدني للإنتقال إلى مجال التعليم.

سيدة نوال ماذا تعلمتي خلال فترة اقامتك بالمملكة العربية السعودية؟

اكتسبت خبرة ممتازة بالتأكيد و لا أنكر أنه في البداية لم يكن الأمر سهلا خصوصا فيما يتعلق بالحرية بين أمريكا و السعودية و لكن التحاقي بالعمل شغلني عن كل تلك الفوارق و الصعوبات التي اصطدمت بها عند انتقالي من المجتمع الامريكي الي السعودي .كما تحسنت لغتي العربية بعد ان ضعفت كثيرا خصوصا بعد التحاقي بالجامعة في الولايات المتحدة. كما أني تعمقت بمعرفة العادات و التقاليد و الدين و العقيدة و هو الشيء الذي جعلني أفخر بأنني مسلمة”

وأضافت ” كانت البيئة مناسبة جدا في السعودية لتربية الأولاد حيث لا يوجد عنف، البرامج التي يتم اذاعتها في التليفزيون كان محتواها مراقب ليناسب الذوق العام. فالحياة في السعودية منحتني فرصة لأركز في تربية الأولاد، فأهم سنوات التربية هي السنوات الأولى التي تلعب الام دورا رئيسيا فيها ”

وأكدت السيدة نوال أنها كانت تقرأ قصص لأولادها يوميا في الليل، وعندما كانت تمرض كانت تسجل لهم مسبقا لأن القراءة للأولاد تقوي الذكاء والمعرفة والاستيعاب للمواد التي يقرؤونها، و أن ما فعلته كان له تأثير كبير في نجاح أولادها في دراستهم. حققت السيدة نوال نجاحا على المستوى المهني و أيضا على مستوى العائلة، فلديها أربع أولاد يمارسون التخصصات المختلفة. فالابن الأكبر ، نادر، تخصص في علوم الصيدلة و حصل على الماجيستير في التربية و التحق بالعمل معي في مجال التربية و التعليم، الابن الثاني، ماجد، مسؤول عن قسم التوظيف بالمؤسسة، الابن الثالث، رامي، تخصص في التكنولوجيا و هو الان المشرف العام لقسم التكنولوجيا في مؤسستنا ، أما الابن الرابع ، سالم، فهو طبيب باطني في أمريكا.

بداية مشوار السيدة نوال كان عام 1989 حيث أسست ” مدرسة السبت العربية” التي لا تزال تعمل في المركز الاسلامي في امريكا، عملت كمساعدة لمدير أكاديمية كريسينت بين عامي 1991 إلى 1995.

وسألت الحسيني “عن أهم المحطات التي مرت بها السيدة نوال في حياتها بعد أن تركت السعودية و عادت إلى الولايات المتحدة

أجابت حمادي ” في بداية المشوار كان أهم هدف عندي التركيز في العمل والمحافظة على اللغة العربية والعادات والتقاليد، وتوفير بيئة مناسبة لتعليم أولادنا دينهم والعلوم الاسلامية في الغربة”.

وأضافت “بعد عودتي من الرياض التحقت بأكاديمية كريسينت كمدرسة و هو الأمر الذي دفعني في البداية للبقاء في عمل التدريس. عملت في الأكاديمية 4 سنوات دفعتني هذه السنوات لتغير المجال الذي دَرَسَت فيه، شعرت أني بحاجة لأن أتخصص في المجال الذي عملت فيه فالتحقت بجامعة إيستيرن ميشيغان، وحصلت منها على الماجيسيتر في فن القيادة التعليمية و كانت دراستي عن إدارة المدارس، وبعدها حصلت على شهادة تخصص في التعليم كمدرسة لتعليم العلوم الاجتماعية بالمرحلة الثانوية . و بهذا أكون قد تخصصت في مجال التعليم و ادارة المدارس بشكل رسمي”.

و تابعت ” بعد خروجي من الاكاديمية، بدأت بالعمل في المدرسة الإسلامية التابعة للمجمع الإسلامي واستمريت فيها لمدة سنتين, وبعد خروجي من المدرسة أتيحت لي الفرصة بأن أفتح مدرسة للجامع الإسلامي, وخلال فترة العمل بالمدرسة الإسلامية كنت تقدمت للحصول على ترخيص للمدرسة، و استمرت الإجراءات لمدة سنة ونص قبل حصولي علي رخصتين ، الأولى من جامعة أوكلاند و الثانية من مدارس ديترويت “.

كيف بدأت مؤسسة الحمادي؟

أجابت “عند تأسيس المدرسة الأولى رهنت البيت مقابل الحصول على قرض, كانت هناك صعوبات كثيرة من ضمنها الحصول على مبنى, حالفني الحظ واستأجرت مدرسة من الجامعة الإسلامية بمنطقة ” ديكس”, وكانت المؤسسة في أول شهرين متواجدة على التليفون والسيارة بمعنى أن التسجيل كان عن طريق الاتصال”.

وأضافت ” كنت ناوية أفتح مراحل ابتدائية وفيما بعد نتوسع ولكن اضطررنا أن نفتح إلى الصف السابع, لأنه كان في ضغط من أهالي الطلاب يريدون إدخال أولادهم حتى وهم في الثانوية، فاستقبلنا الطلبات من الحضانة الي الصف السابع وبعد ذلك استطعنا ان نستكمل المراحل التعليمية إلى التعليم الثانوي. كنا في منطقة ديترويت مبدئيا ” مدرسة ستار الدولية ” أكاديمية يونيفيرسال”  و  وكانت المدرستين متواجدتين مع بعض في نفس المبنى”.

وأضافت ” انفصلت المدرسة الأولى عن المدرسة الثانية عام 2003, بعد الانفصال كانت المدرسة الأولى عدد طلابها تقريبا600طالب, وفي 2004 تضاعف العدد من حيث الطلاب والموظفين والموظفات، انتقلنا من مبنى مساحته تقريبا 30 الف قدم مربع إلى مبنى بلغت مساحته 112 ألف قدم مربع ومع هذا تضاعف العدد والمبنى أصبح صغير واضطرينا بالسنة التي بعدها الى توسيع المبنى وأضفنا 8 فصول لاستقبال عدد أكبر”.

وأكدت “حاليا المدرسة الثانية فيها 1560 طالب وهي في السابق كانت فقط للمراحل الثانوية، ولكن بعد أن انتقلت ” ستار” من المبنى اصبح لدينا مراحل تعليمية من الحضانة و حتى الصف الثاني عشر.. افتتحنا المدرسة الثالثة و هي ” أكاديمية يونيفيرسال التعليمية” سنة 2004 لاستيعاب عدد أكبر من الطلاب و في العام الماضي قدمت لنا جامعة ” سينترال ميشيجان” عرضا لنفتح مدرسة رابعة تعمل تحت اشرافها في ستيرينج هايتس حيث يوجد جالية عربية كبيرة و لا يوجد مدارس تقوم بتدريس اللغة العربية او البرامج التي نقدمها “.

منحت وزارة التعليم بالولايات المتحدة لمؤسسات حمادة التعليمية صفة التميز على مدى 4 سنوات ، كما حصلت هذه المدارس على العديد من الجوائز التقديرية للخدمات التربوية و التعليمية التي تقدمها لأبناء الجالية العربية و التركيز علي تدريس اللغة العربية كلغة ثانية.

وسألت ليلى الحسيني : “ما هي المعايير التي تميز مدارس “حمادي” و التي أهلتها لتكسب هذه الثقة الكبيرة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية ؟”

قالت السيدة نوال ” أخذت مدرسة ستار الدولية الأكاديمية الجائزة الأولى كأفضل مدرسة في ميتشغن , وسبب نجاح مدارس مؤسسة حمادي بهذا الشكل هو الاهتمام بالبرنامج التعليمي الذي يعد على مستوى عالي، وتهيئة الطلاب لهذا البرنامج خلال المراحل من الابتدائية، والتركيز على المفردات و أساليب التعليم ، وحرص المعلمين على متابعة الطلاب، والعمل الجاد  لدينا طاقم تربوي يهتم بالطلاب بشكل علمي”.

وقالت حمادي “عندما يدخل المدرس إلى فصله الدراسي ، يقوم بعمل اختبار خاص لمعرفة الطلبة الذين يعانون من ضعف التحصيل العلمي و يحتاجون الي تقوية. فهذا الاختبار يحدد ايضا نقاط الضعف لدى الطالب لتقويتها خلال البرنامج الدراسي و أيضا البرنامج الصيفي”.

وأضافت “أن كل المعلمين يركزون على الطلاب، لا توجد مصالح لغير الطلاب, الوسائل التي نستعملها وسائل حديثة, من ضمنها التكنولوجيا التي تلعب دورا مهما جدا, تخصص الموظفين والموظفات، المتابعة المستمرة ، التعامل مع الأهالي المباشر و الاهتمام بالعمل”.

وأكدت ” كل شيء نتعلمه مفيد لنا, ومعرفة أكثر من لغة مهم جدا، خاصة بالوضع الذي نحن فيه أصبح هناك اهتمام باللغة العربية , أكثر الاجانب يتعلموها فلماذا نحن ما نعلم أولادنا لغتنا فهذه تعطي الطلاب مجالات أوسع في حياتهم العملية, فالتركيز عليها ليس فقط للحفاظ على اللغة كلغة تعطيهم مجالات أوسع و لكن أيضا ليفخر كل منهم بأصله كعربي و تقوية الثقافة العربية بموروثها من العادات و التقاليد الغنية ”

وسألت الحسيني “ما هي الجوائز التي حصدتها مؤسسة حمادي التعليمية؟”

أجابت السيدة نوال “حصلت مؤسسة حمادي التعليمية على جوائز مختلفة مثل غرفة التجارة العربية الامريكية ، ADC  ، MABSA و العديد من الجهات الأخرى .. فأنا أود أن أشكر كل من ساهم بتقديم هذه الجوائز، كما أشكر الأهالي والطلاب والموظفين, فأنا من دونهم ما كنت وصلت لكل ذلك.  دعم الاهالي مهما جدا لنا, وهذا الدعم أفضل جائزة لنا, أشكرهم على ثقتهم بنا، وعلى وضع طلابهم بمؤسستنا، وعلى اعطائهم فرصة أن نعلمهم ونساهم بنجاحهم وأعمالهم”.

وعلقت حمادي على قول أحد المهاجرين العرب ” إذا أردت أن تعرف إذا ما كان لديترويت مستقبل اسألنا نحن العرب” ، قائلة ” العرب معروفين يتعبوا كثيرا, يحبوا النجاح والتقدم, وهذا يخلينا نفتخر أن نحن عرب, وإن شاء الله أولادنا يكونوا فخورين بنا, ودائما يكون في تقدم بغض النظر عن الظروف القاسية التي نمر فيها..عمل الخير دائما لا يأتي إلا بالخير “.

واختتمت نوال حمادي حديثها قائلة ” نحن نتمنى النجاح للجميع ، فنجاح أفراد من الجالية العربية هو نجاح لجميع أفرادها.

أعدها للنشر/ هارون محمد

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى