قصص نجاح

“خلود عصام”.. امرأة عربية اقتحمت عالم كمال الأجسام فلقبوها بـ”المرأة الحديدية”

رفضت عروضًا من كندا وأستراليا تمسكًا بحجابي وديني

لا أشارك في أي مسابقة تجبرني على ارتداء ملابس الاستعراض

التعليقات السلبية مجرد كلام عابر لا أقف أمامه كثيرًا

 

حوار وإعداد  ـ أحمد الغـر

 

كمال الأجسام لعبة رياضية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، تقوم على أساس تضخيم عضلات الجسم وإبرازها، واستعراضها مقارنة بعضلات المنافسين الآخرين، وفق قواعد محددة تخضع للحكم النسبي على كل من الكثافة، والتحديد، والوضوح، ولون الجلد.

في بلادنا العربية قد تختلف تسميتها من دولة لآخري “بناء الأجسام” أو “التربية البدنية” وغيرها، وعالميًا فهي معروفة باسم “bodybuilding”.

ومنذ القدم.. اهتم الملوك في عهد المصريين القدماء، ومن بعدهم الإغريق والرومان، بنحت تماثيل لأجساد ملوكهم يظهرون فيها مفتولي العضلات، بقوام مكتمل وممشوق.

ومع الوقت تطور الأمر، وتزايد الاهتمام بقوة وعضلات الجسم، وصولًا إلى عصرنا الحالي حيث تُقَام بطولات ومسابقات عالمية لكمال الأجسام، لكن هذه اللعبة ظلت حكرًا على الرجال حتى العام 1987م، حيث أقيمت أول بطولة نسائية عالمية لها.

ونظرًا للجانب الأخلاقي والديني الذي يمنعان المرأة العربية من الظهور خلال تلك المسابقات، فلم تجد تلك اللعبة رواجًا في البلاد العربية، إلا أن هذا لم يمنع “خلود عصام” من اختراق هذا المجال، وفي نفس الوقت المحافظة على التقاليد الشرقية، واحترام دينها والالتزام بحجابها.

بداية الطريق

كابتن (خلود عصام)، واحدة من الرياضيّات القلائل في مصر والوطن العربي، والتي دخلت إلى مجال اللياقة البدنية ورفع الأثقال وكمال الأجسام، وصارت لاعبة ومدربة محترفة في هذا المجال الصعب، عن اختيارها له تقول: “اختياري لهذا المجال بدأ قبل عدة أعوام، فمنذ صغري وأنا أعشق الرياضة، وكان حلمي دومًا أن أشارك في أي بطولة رياضية عالمية، وفي المرحلة الإعدادية تدربت على لعبة الكاراتيه، ثم الكونغ فو، ثم انتقلت لبعض الوقت لممارسة التنس الأرضي، وذلك بجانب دراستي”

وتتابع: “مع مرور الوقت.. بدأ اهتمامي باللياقة البدنية، حيث دخلت الجيم لأول مرة، وبدأت أحمل أوزانًا خفيفة، حيث كانت الأجهزة الرياضية في صالات الجيم تجذبني باستمرار، فبدأت أدرس عن هذه الأجهزة وطبيعة التمارين التي يتم أداؤها والبرامج الغذائية التي يجب إتباعها، ومع التمرين المستمر بجانب الدراسة استطعت أن أصبح مدربة معتمدة من كندا في هذا المجال”.

قلة الدعم

تعاني “خلود” من قلة الدعم الأسري والمجتمعي لها، فالأسرة كانت ترفض بشدة أن تدخل ميدان هذه الرياضة الصعبة، لكن مع تمسكها بهدفها وسعيها لتحقيقه استطاعت أن تحققه وتثبت جدارتها فيه.

تقول في هذا الصدد: “الأسرة بدأت تتأقلم مع وضعي مع مرور الوقت، للأسف لا أجد دعمًا، لكن على الأقل لم تعد هناك اعتراضات مثل السابق، فقد قلّت نبرة الانتقاد بعض الشيء، أما بالنسبة لردود الفعل من الناس بالشارع أو حتى على مواقع السوشيال ميديا، فهي تنقسم إلى شقين: سلبي وإيجابي، أنا أقرأ تعليقات الجميع على تلك المواقع، التعليقات السلبية أعتبرها كلام عابر، لا أقف أمامه كثيرًا، أما التعليقات الإيجابية فهي تعطيني دفعة وطاقة للاستمرار، وكأي شخص.. فإن كلمات التأييد والثناء تدفعني أكثر نحو النجاح، ومن أكثر الأشياء التي أسعدتني عندما وصفني رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالمرأة الحديدية”.

طموح مستمر وأمل دائم

تخبرنا بأن لديها طموح وأمل لا ينطفئ، لذا فإنها تسعى دومًا نحو تحقيق هدفها، تقول: “أنا أعيش حياتي مثل أي فتاة عربية، لا أختلف كثيرًا عن أي فتاة في سنيّ، الاختلاف الوحيد أن لدي هدف أسعى خلفه، وقد يكون هذا الهدف ذو طبيعة مختلفة على مجتمعنا الشرقي بعض الشيء، لكن هذا ما يزيد من إثارة الأمر ويزيد من إصراري”.

طعم النجاح

وعن النجاح الذي حققته، ومازالت تسعى لتحقيق المزيد منه، تقول: “النجاح له طعم مختلف تمامًا، وأجمل ما فيه أنه يأتي بعد تجارب متعددة من الفشل، في عام 2014 شاركت في مسابقة باسم The Show، كانت مقامة في مصر، لكن للأسف بمجرد أن بدأت المسابقة حدث خلع لي في عظمة أسفل الركبة، وبالرغم من إصابتي الشديدة، كنت أتحسر أنني قد أخرج في أي لحظة من المسابقة بسبب الإصابة، لكن بإصراري تمكنت من المشاركة”.

وتتابع: “وكانت المفاجأة التي لا تُصدَق أنني قد فزت بالمركز الأول فيها، كانت لحظة فريدة، امتزج فيها الفرح بالدموع”.

يأس وإحباط

أما عن الشعور بالإحباط أو اليأس، فأكثر الأوقات التي شعرت فيها بالإحباط هي فترات الإصابة والعلاج، حيث تعرضت من قبل لتهتك في الرباط الصليبي الأمامي، أبعدتها الإصابة عن التمارين لمدة تقارب الشهرين.

لكن خلال فترة العلاج الطبيعي كانت تحنَّ للذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، وبالفعل كانت تمارس بعض التمارين الخفيفة للجزء العلوي من الجسم، لكن الأسوأ من الإصابة.. كان الإحباط الأسري من الأهل والأصدقاء أشد قسوة، فالجميع يحاول إقناعها بالابتعاد عن هذا المجال، لكن بفضل إصرارها وبفضل مدربها الخاص “كابتن أحمد ماربيلا” الذي ظل يؤيدها ويدعمها تمكنت من العودة، أكثر طموحًا وأكثر ثباتًا وإصرارًا.

تمرد مختلف

تعترض “خلود” على اعتقاد بعض الناس بأن المرأة يجب أن تكون ضعيفة دومًا، ليس المقصود برأيها هذا أن تكون المرأة متمردة، لكن تقصد أنه ليس عيبًا أن تهتم المرأة بصحتها أو رشاقتها ولياقتها، فبالرغم من أن “خلود” حاصلة على بكالوريوس في النظم و المعلومات، إلا أنها رفضت العمل بشهادتها وفي تخصصها.

فقد فضّلت “خلود” دخول مجال الرياضة واللياقة البدنية، وقد عانت بسبب أن كمال الأجسام ومجال الرياضات البدنية عموما، قد يتطلب نوعًا خاصًا من الملابس، التي قد تتعارض مع الدين الإسلامي والتقاليد الشرقية والعربية.

لكنها ظلت متمسكة بالحجاب وبملابسها المحتشمة دون إظهار أي جزء من جسدها، تقول: “لم أفكر للحظة أن أظهر في أي مسابقة تجبرني على ارتداء ملابس الاستعراض الخاصة بكمال الأجسام، حفاظًا على حجابي وديني، صحيح أن عدم المشاركة قد خسرني بعض الأشياء، لكنني فزت برضا الله وعدم التفريط في احتشامي، لكن تيسر لي دخول مسابقات ألعاب القوى البدنية، حيث الظهور فيها يكون بالملابس الكاملة”.

وتتابع: “ومؤخرًا فزت بأول مسابقة عربية في هذا المجال، تم تنظيمها في مصر وشاركت فيها 5 دول عربية، وبفضل الله فزت بالمركز الأول، وبعدها بفترة قصيرة شاركت أيضًا في مسابقة الجمهورية للياقة البدنية وحصلت فيها على المركز الأول أيضا”.

غياب إعلامي

تشعر “خلود” بالإحباط بسبب قلة الاهتمام الإعلامي بها، من داخل بلدها، وكذلك ندرة الدعم الحكومي من مؤسسات الدولة مثل وزارة الشباب والرياضة، فتقول بمرارة: “ظهرت على العديد من الشاشات والفضائيات الغربية، مثل روسيا اليوم وإذاعة الصين، لكن للأسف لم أجد أي اهتمام من الفضائيات العربية بي، الأمر نفسه بالنسبة لمؤسسات الدولة “.

وتضيف: “في المقابل جاءتني عروض من كندا وأستراليا بأن أمثّـل تلك البلدان في مسابقات عالمية، لكنني رفضت تمسكًا بحجابي وببلدي، لكن ـ للأسف ـ لم أجد دعمًا محليًا في المقابل”.

أمنيات لا تنتهي

تتمنى “خلود” أن تصبح أول امرأة مصرية عربية محجبة تشارك في مسابقة عالمية رسمية لكمال الأجسام للسيدات، وتطمح للفوز بها، كما تتمنى أن تنتشر الرياضات البدنية في المجتمع، خاصة بين الفتيات، حفاظًا على صحتهن ولياقتهن وأشكال أجسادهن، وأن تجد دعماً حكوميًا في البلاد العربية لتلك الرياضات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسيدات.

رياضة ومجالات أخرى

ولم تكتف خلود ـ أو المرأة الحديدية ـ بالرياضة فحسب، بل اقتحمت مجالات أخرى لتحاول إثبات نجاحها فيها أيضا، حيث تهتم بالتمثيل والموضة Fashion Model، وقد عُرِضَ عليها فرصة للمشاركة في مسلسل درامي من فترة قصيرة، لكنها رفضت المشاركة لأنهم طلبوا منها الظهور بملابس قصيرة وعارية بعض الشيء، لإظهار عضلاتها ولياقتها البدنية.

حيث تمسكت خلود بحجابها، ورفضت إغراءات أخرى للمشاركة في أعمال سينمائية سابقة لنفس السبب أيضًا، معتبرة أنها لو كانت تريد أن تتخلى عن حجابها لتخلت عنه منذ زمن طويل، ولحققت نجاحات عديدة في كمال الأجسام، لكنها رفضت كل ذلك، وتمسكت بمبادئها وحجابها واحتشامها.

مصدر للإلهام والطاقة

تسعى “خلود” لاستكمال مزيد من الدراسات في مجال اللياقة البدنية وكمال الأجسام، كما تسعى لتدريب عدد من الفتيات لتحقيق مراكز متقدمة في هذا الميدان، بالرغم من أن كمال الأجسام تُصنف من ضمن عدة ألعاب غير معترف بها من قبل اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) لكنها منضوية تحت لواء الرابطة الدولية للألعاب العالمية (International World Games Association).

إلى جانب عدة ألعاب أخرى مثل: البولينج والبلياردو والآيكيدو والاسكواش والسومو والتزلج على الماء، لكن المرأة الحديدية “خلود عصام” تؤمن بأن الرياضة ـ وبغض النظر عن نوعها ـ تظل مصدرًا للإلهام والطاقة الإيجابية، وهذا أكثر ما يجعلها متمسكة بالرياضة لتحقيق هدفها وأحلامها في الحياة.

 

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى