غير مصنف

قطاع السيارات يُدخِل أمريكا في حرب تجارية عالمية متعددة القوى

تلتقي المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالستروم، الأسبوع المقبل في باريس الممثل الأمريكي للتجارة روبرت لايتهايزر، الذي كلفه ترامب بإجراء مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن إمكانية التوصل لاتفاق جديد في قطاع السيارات.

ومن المقرر أن يطلع وزراء التجارة في دول الاتحاد على نتائج مفاوضاتها في اجتماع يوم 27 مايو الجاري في بروكسل.

يأتي ذلك على خلفية المهلة التي منحها الرئيس الأمريكي ترامب للاتحاد الأوروبي واليابان وهي 6 أشهر للتفاوض حول اتفاق تجاري لقطاع السيارات، وإلا سيفرض رسوما جمركية إضافية يمكن أن تلحق ضررا بنمو الاقتصاد العالمي.

وذكر البيت الأبيض في بيان له “أنه إذا لم يتم إبرام اتفاقات كهذه خلال 180 يوما فسيسمح للرئيس باتخاذ إجراءات أخرى يرى أنها ضرورية لتصحيح الواردات والقضاء على التهديد الذي تشكله السيارات المستوردة للأمن القومي”.

السيارات والأمن القومي

من الواضح أن هدف واشنطن هو خفض واردات السيارات وقطع غيار السيارات الأجنبية، وفتح الأسواق للسيارات الأمريكية بشكل أوسع، انطلاقاً من القناعات الأمريكية بأن البحث والتطوير في قطاع السيارات أساسيان للأمن القومي الأمريكي.

وكان وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس الذي كُلف في مايو 2018 بإجراء تحقيق حول قطاع السيارات، قد أشار إلى أن القاعدة الصناعية للدفاع في الولايات المتحدة مرتبطة بقطاع السيارات في تطوير التقنيات الأساسية للإبقاء على تفوق أمريكا العسكري، لكن المفوّضة الأوروبية رفضت مفهوم أن صادرات السيارات الأوروبية تشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

كما رفضت هذه الفكرة أيضا مجموعة تويوتا اليابانية لصناعة السيارات التي تملك مصانع ومراكز أبحاث فى الولايات المتحدة، ورأت أن واشنطن وجهت بذلك رسالة مفادها “أن استثماراتنا غير مرحب بها”. وأن “نشاطاتنا وموظفينا ليسوا تهديدا للأمن القومي الأمريكي”، مؤكدة أن “الحد من واردات الآليات وقطع الغيار سيؤدي إلى نتائج عكسية” في قطاع الوظيفة والاقتصاد.

استندت تصريحات ترامب بشأن قطاع السيارات مع الاتحاد الأوروبي واليابان على تقرير وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس، والذي أشار إلى أن الشركات الأجنبية استفادت “في العقود الثلاثة الأخيرة” من تفوق على حساب الصناعيين الأمريكيين بفضل رسوم جمركية منخفضة في الولايات المتحدة بينما يصطدم الأمريكيون بأسواق خارجية تفرض قيودا أكبر.

وذكر التقرير الأمريكي أن حصة الشركات الأمريكية في الولايات المتحدة انخفضت من 67% (10,5 مليون سيارة أنتجت وبيعت داخل الولايات المتحدة) إلى 22% (3.7 مليون وحدة) في 2017، بينما ارتفع حجم الواردات بمقدار الضعف تقريبا (من 4.6 مليون إلى 8.3 مليون وحدة).

وفي 2017، استوردت الولايات المتحدة ما تتجاوز قيمته 191 مليار دولار من السيارات.

وانخفضت حصة المنتجين الأمريكيين فى السوق العالمية من 36% فى 1995 إلى 12% فقط فى 2017، وهذا الانخفاض إدى إلي إضعاف قدرتهم على تمويل البحث والتطوير اللازمين لضمانة القيادة التكنولوجية تلبية لاحتياجات الدفاع القومي.

مواجهة تجارية مفتوحة

واقع الأمر أن الرئيس دونالد ترامب يخوض مواجهة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة حول العالم وعلى أكثر من جبهة، للتوصل إلى فتح أكبر لأسواقها أمام المنتجات الأمريكية.

وتقوم إستراتيجية ترامب في علاقاته التجارية مع دول العالم، وفق توصيف الكاتب الأمريكي زخاري وولف على عنوان يقول “ترامب للعالم.. ستدفعون”، مفادها أن الصين في الجبهة المقابلة لحرب “ترامب” التجارية، لكنه لعب دورا مماثلا مع المكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي وحتى الهند، بينما نجحت اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، في الهروب من غضب “ترامب”، لكن طوكيو لم توافق بعد علي صفقة تجاريه مع الولايات الأمريكية.

أوضح الكاتب، أنه لا شيء يحدث من فراغ، ففي حين زادت الصين بالفعل التعريفات على صادرات الولايات الأمريكية، تستعد المكسيك للرد على التعريفات الأمريكية، وأن الاتحاد الأوروبي يبحث خياراته، فحرب “ترامب” التجارية أكبر من الصين، إنها حرب عالمية متعددة الجبهات، ويحجز “ترامب” فيها مكان المعتدي، فهو يختار المعارك مع قادة العالم والكونجرس الأمريكي، كما أنه يقوم بتغذية القومية في بقية العالم، وإرسال موجات من الصدمات التي تلحق بالاقتصاد العالمي.

وقال الكاتب الأمريكي وولف، إن التحركات العدوانية لـ”ترامب” أصابت مجالات كثيرة، مثل شركات الملابس الأمريكية التي أصابتها حالة فزع، والمزارعين الذين تضرروا من الحرب التجارية يبحثون عن تعويضات أخرى بمليارات الدولارات من دافعي الضرائب، كما أن مصنعي السيارات ينتظرون بفارغ الصبر تعريفات منفصلة، إذ أن تحركات “ترامب” تتضح من رسائله، التي مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر وأقوي اقتصاد في العالم.

ويؤكد الكاتب الأمريكي زخاري وولف أن “ترامب” يستمر في الترويج للفكرة القائلة أن “ترامب” يقاتل من أجل العدالة التجارية، لأن هذا أمر أساسي بالنسبة لوجهة نظره العالمية وإعلاء فكرة أن جميع أسلافه كانوا على خطأ، وأن ما يحدث مع الصين ليس حربا تجاريه، بل “شجارا صغيرا”.

والشركاء التجاريون الثلاثة مع الولايات المتحدة الأمريكية، هم المكسيك وكندا والصين بهذا الترتيب، ويمثلون معا نسبة 43% من حجم التجارة الأمريكية الخارجية ، وقد فرض “ترامب” تعريفات على هؤلاء الثلاثة، لكنه فشل حتى الآن في الاتفاق على صفقات تجارية جديدة معهم.

ويعكس قطاع السيارات الذي يشكل رمزا للصناعات التحويلية في الولايات المتحدة، وحده الخلل التجاري الذي لا يكف الرئيس الأميركي عن إدانته، وترغب برلين في الإفلات من أي رسوم على السيارات القطاع الحيوي لاقتصادها، وإذا صدرت هذه الرسوم الجمركية الخاصة، ستضر شركات السيارات ‏الألمانية بصفة خاصة، حيث تمتلك حصة كبيرة في صادرات الاتحاد ‏الأوروبي إلى الولايات المتحدة.‏

كان الاتحاد الأوروبي واليابان قد وجها -حسب وصف المحللين الاقتصاديين- “ضربة للسياسة الحمائية” التي يتبناها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيث وقعا في يوليو 2018 اتفاق تجارة حرة، هو أكبر اتفاق تفاوض عليه الاتحاد الأوروبي، ويغطي ثلث الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ونحو 600 مليون شخص.

ولا شك أن موقف ترامب هو الذي حمل اليابان والاتحاد الأوروبي على تسريع وتيرة المفاوضات، ورغم أن اليابان تقيم علاقات جيدة مع أمريكا، إلا أنها ” اليابان” في صف الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالتجارة.

وكانت اليابان تصدر إلى الاتحاد الأوروبي أكثر مما تستورد منه، ولكن العلاقات التجارية أصبحت أكثر توازناً خلال السنوات الأخيرة. وعلى رغم ذلك فإن المفوضية الأوروبية ما زالت تصف اليابان بأنها “مكان يصعب الاستثمار أو ممارسة الأعمال فيه بسبب سمات المجتمع والاقتصاد الياباني”.

إستراتيجية ترامب

يبقى القول أن الإستراتيجية التي يتبناها ترامب في مجال التجارة الخارجية وعلاقاته الاقتصادية العالمية، تدفع به إلى خوض معارك وحروب تجارية مع الشركاء الدوليين، ليس فقط حربه مع الصين والتي ترتبط بملفات أخرى غير الحرب التجارية، مثل الدعم الصيني لرئيس فنزويلا مادورو، والصراع التكنولوجي في مجال الاتصالات، ناهيك عن ملف بحر الصين الجنوبي وتايوان ومسألة الحريات وحقوق الإنسان، كل ذلك بات ساحات للتحرشات الأمريكية الروتينية بالصين.

وتمتد الخلافات والصدامات الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي، ليس فقط في مجال الأمن وضرورة فرض التشاركية على الاتحاد الأوروبي للمساهمة بشكل أكبر في المنظومة الأمنية لحلف الناتو، بل أصبحت الحرب التجارية سمة مميزة لإدارة ترامب مع الاتحاد الأوروبي واليابان وتحديدًا في قطاع السيارات انطلاقاً من القناعات الأمريكية بأن قطاع السيارات مرتبط بالأمن القومي الأمريكي.

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى