رأي

1000 قطعة أثرية في منزل أبسط مواطن.. كيف دعّم القانون تجارة الآثار في اليمن؟

بقلم: رياض الزواحي

كثير من المواطنين اليمنيين، وحتى سماسرة تجارة الآثار في بعض المناطق الأثرية وغيرها، كانوا يقتنون الآثار بدون تحفظ أو خوف، لأن التشريع القانوني في عهد عبد الله صالح سمح للمواطنين، وطبعًا قادة الألوية وكبار المشائخ وحتى اللصوص مواطنين، باقتناء الآثار بحجة الحفاظ عليها.

وما زاد الطين بله كما يقولون أن الإعلام الرسمي تم توجيهه ليساند ويشجع ويتغنى باقتناء المواطنين لمئات القطع الأثرية في منازلهم، ويحاول تسويقه بشكل متكرر.

وهذه من ضمن أسباب رئيسية ساهمت في ازدهار تجارة تهريب الآثار بشكل كبير، وحتى بعد إصدار قانون يمنع اقتناء الآثار من قبل المواطنين استمرت تجارة الآثار في كل محافظات اليمن الواحد حتى عام 2015م، باستثناء ما يسمونها مناطق محررة وهي مازالت تحت الاحتلال للأسف.

واللافت أن تهريب الآثار وعمليات التنقيب العشوائي للآثار، مع الاحتفاظ بها من قبل سماسرة المسؤلين الكبار، تركزت في عدة محافظات يمنية أثرية مشهورة كمأرب والجوف وشبوة  القديمة وحضرموت وتعز وعدن، وكذا عدة مناطق سنذكر بعضها على سبيل المثال، ونأتي للبقية في قادم الأيام.

والبداية في قرية “مقولة” الأثرية في منطقة سنحان، والتي كان ينتمي إليها 80% من قادة الجيش، بمن فيهم القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك.

لهذا لم يكن بغريب أن يتغنى الإعلام الرسمي في تلك الفترة بمبادرات المواطنين الشرفاء في الاحتفاظ بالآثار، والتنقيب العشوائي عن الآثار ويعتبرها مبادرة حسنة وإيجابية، دون الاكتراث بالألف قطعة الأثرية التي جمعت بفضل هذه المبادرات الإيجابية، ولم تورد قطعة واحدة منها إلى أي متحف في اليمن، بل ظلت في منازل المواطنين كمسرحية هزلية لتزييف وعي المجتمع وتغطية جرائم تهريب الآثار إلى خارج اليمن.

وكمثال على سذاجة وتوجيه الإعلام الرسمي لدعم نهب الآثار وبصورة مشروعة ما ذكرته وكالة سبأ للأنباء الرسمية في أحد تقاريرها  في 12 مارس 2009 عن المبادرات الجميلة للحفاظ على الآثار في قرية “مقولة” بسنحان.

حيث ذكرت الوكالة في تقرير صحفي أنه في قرية مقولة بسنحان، 15 كيلومترًا جنوب شرق العاصمة صنعاء، قام المواطنون وبجهود ذاتية وفردية بالحفاظ على الآثار عبر إقامة متحف داخل منازلهم، وأن أحد المواطنين تم العثور على بئر قديم بالقرب من منزله، وفيه العديد من الأواني الفخارية والبرونزية وتماثيل.

كما تم العثور فيه أيضًا على أعواد خشبية من خشب الصندل، توجد عليها كتابات بخط الزبور، لكنها تلفت بعد تعرضها للشمس، وتحكي هذه الأعواد حكايات دول قديمة، توضح جمال ودقّة النحت على هذه الأعواد.

كما وجد أن عدد من أهالي القرية يمتلكون عشرات أضعاف ما يمتلكه هذا المواطن في منزله الذي حوله إلى متحف وبداخله حوالي 1000 قطعة أثرية موضوعة على مساحة لا تتجاوز الثلاثين مترًا مربعًا.

نعم أكثر من 1000 قطعة أثرية، وهو أقل المواطنين حظًا في جمع الآثار والاحتفاظ بها،؟ فهل يصدق القارئ في الوطن العربي، وفي العالم والمريخ وزحل، ماذا يحدث في اليمن وفي قرية واحدة فقط، وليست بشهرة المدن الأثرية اليمنية في مأرب وشبوة وحضرموت وتعز وعدن والجوف وغيرها.

وهذه ليست حكاية أسطورية نقرأها من كتاب ألف ليلة وليلة، ولا تراجيديا توفيق الحكيم، لكن للأسف واقع مر تعرضت له معالم  حضارات ظهرت في بلاد اليمن قبل أن يكتب التاريخ وقبل سبعة ألف عام قبل الميلاد.

ولكم أن تتخيلوا الوضع في المدن اليمنية القديمة وبالنسبة لي لا أتجرأ أن أتخيل فالصورة أبشع من الخيال في كل الأحوال والواقع أكثر قتامة.

ومن الأمثلة على المتاحف المنزلية متحف مقولة في قرية سنحان نفسها، والذي أنشئ بموافقة الجهات الرسمية، وبتصاريح رسمية طبعًا، بهدف جمع أهم آثار المنطقة وغيرها من المناطق الأخرى.

لكن للأسف لم يبادر بقية الأهالي لتسليم مقتنياتهم الأثرية إليه، باستثناء هدايا بسيطة لا تُذكر لعدم وجود الثقة في حيتان الآثار الكبار.

كما استمر التقرير في الإسهام على تشجيع نهب الآثار من خلال شرعنة اقتنائها، وذلك من خلال التأكيد والتغني بأن أهالي قرية مقولة والقُرى المجاورة لها يتميزون بحبهم الشديد للآثار، فهناك الكثير ممن يحتفظون بقطع أثرية تزيّن مجالس منازلهم.

 حيث يقول المواطن قايد أحمد مقولة، من أبناء القرية، والذي يحتفظ بالعديد من القطع الأثرية في منزله: “أحتفظ بهذه الآثار، وهناك أناس آخرون مثلي؛ لأننا نعرف قيمتها التاريخية، وهذا عمل وطني يجب أن يتحلى به الجميع”.

ويضيف: “أحتفظ بتمثال والعديد من الأحجار والأواني الفخارية وأحجار تماثيل لرؤوس الوعل، والتي ترمز للقوة وغيرها، وقد قمت بعرضها على العديد من الباحثين والمهتمين، حتى تكون موثّقة ومصوّرة ويعرفها الجميع.. لأن من يقوم بعملية المتاجرة بالآثار يقوم بالحصول عليها وإخفائها عن أعين الناس”.

ولم يكن دافع الكثيرين من أبناء قرية “مقولة” الاحتفاظ بالآثار في منازلهم سوى نتيجة لانعدام الثقة في الجهات المفترض أن تحتفظ بهذه الآثار، وخوف من الدولة طبعًا، وهذه من غرائب وعجائب تجارة الآثار في اليمن دون غيرها من دول العالم؟

وإنصافًا فقد ذكر نفس التقرير قصصًا مؤلمة عن نهب الآثار في نفس قرية مقولة بسنحان، التي تقع في منطقة أثرية يجاورها جبل يسمى “كُنن”، وهو جبل مقدس مشهور منذ عصور ما قبل الإسلام، بدأت شهرته في القرن الأول الميلادي، وارتبطت بشهرة قبيلة ذي جرت- ذي جرة ـ التي اتخذته كحاضرة لها، إلى جانب مدينة “نعض” القديمة التي يحتضنها الجبل في جهته الغربية، ويقع جنوب القرية  ويبعد عنها  حوالي 5 كيلومترات تقريبًا.

حيث تعرضت آثار هذا الجبل للنهب.. حسب تأكيدات مواطن معروف من أبناء  المنطقة يدعى مبارك غشام من خلال عملية الحفر العشوائي والتي يقوم بها أشخاص في جبل كُنن واعد هذا الأمر من أكبر المشاكل التي تواجه الآثار في اليمن بشكل عام، والتي تجعل هذه الآثار عُرضة للبيع.

كما أكد غشام قيامة بإبلاغ الهيئة العامة للآثار، وقد تجاوب معه رئيس الهيئة آنذاك  الدكتور عبد الله باوزير، وقام بإرساله بصحبة شخص آخر، وقد أبلغنا المناطق المجاورة للمنطقة المعرّضة للحفر العشوائي أن يقوموا بإبلاغنا في حال شاهدوا أعمال حفريات، لاسيما وأن هناك أشخاص قاموا بحفر عدّة مناطق في القرية القديمة للبحث عن الآثار، واستمرت أعملا الحفر حوالي ثلاثة شهور، وتم العثور على العديد من الأواني الفخارية وتماثيل برونز ومومياء، إلا أنه، وبسبب العشوائية في الحفر تعرّضت هذه الآثار للضياع والتهريب.

وفي منطقة يطلق عليها اسم يفعان، شمال القرية، تم العثور على مومياوات محنطة، وتم رميها بعد العثور عليها، وكذلك تم العثور على العديد من الأواني الفخارية في المنطقة، وذلك عند الحفر في الجبال القريبة، حيث كان القدماء يقومون بوضع كل ما يمتلكون بالقرب من الميت.

ويوضح ذلك الحفريات والمعافد (مقابر جماعية تحفر في الصخور) التي حفرت من قبل أهالي القرية، ويؤكد أيضًا أن هناك حفريات قام بها أناس (مجهولون)، وأخرى قام بها أهالي المنطقة والمناطق المجاورة في العديد من المناطق غربي القرية، خاصة في المنطقة التي كانت تتواجد بها مدينة “ذي جرة”، والتي ما زالت آثارها باقية، امتدادًا من “سيّان” ومرورًا بـ”مقولة” وصولا إلى “نعض”.

ويؤكد مبارك أنهم في منطقة “حصن القادر” غربي القرية وجدوا آثارًا قديمة وأحجارًا مكتوبة.. ذهبت للاتجار بها، خاصة أن التجارة في الآثار أصبحت رائجة”.. حسب تعبير التقرير الذي أشار  إلى إهمال تراكمي غريب في تلك الفترة.

فمثلا في عام 1995 تبنّت جامعة صنعاء بعض الحفريات الأثرية في منطقة “مقولة”، ولم يستمر المشروع، فقد أصبحت عُرضة للإهمال.. وتم تحويل غالبيتها إلى أماكن لرمي القمامة، وتم تحويل النّفق الذي يربط الحصن الأثري في المنطقة ببئر إلى مجاري.

يقول أهالي القرية إن النفق الأثري يحتوي على العديد من الآثار، بالإضافة إلى مميزات تمتاز بها عمارته، حيث تغطّيه أحجار كبيرة يتجاوز طول الحجر منها ثلاثة أمتار، ومحفور في الأرض بطريقة إستراتيجية، ومغطى بحوالي 5 أمتار بالتراب، حتى يستطيع سكان القصر جلب الماء من البئر إلى الحصن في أشد الأوقات.

وكان فريق يمني، يضم اختصاصيين من الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات وجامعة صنعاء، قد تمكن من الكشف عن آثار لمدينة متكاملة، كانت مقراً لكبار الشخصيات والأعيان في الدولتين السبئية والحميرية، ويعود تاريخها إلى القرن الميلادي الأول في قرية مقولة .

و”مقولة” هي مفردة قديمة، وتعني المدينة التي كانت مقراً للأقيال أو الأقوال، وهم عليّة القوم وكبار الشخصيات والأعيان في دولتي سبأ وحمير.

وأردف أن الدراسات الأولية التي أجريت على المخلفات الأثرية، تشير إلى أن مدينة “مقولة” اشتهرت في القرن الأول الميلادي كمقر للأقيال، وهي تابعة كمنطقة “مخلاف مقر أقيال ذي جرة”، الذين وصل بعضهم إلى كرسي العرش وسدة الحكم في مارب، ويضم المخلاف عدداً من المُدن التاريخية المشهورة، أبرزها: “السريين”، “لغض”، “سيان غيمان”، وأخيرًا “مقول”.

وقد أسفرت الحفريات الأثرية التي قام بها قسم الآثار في جامعة صنعاء، عامي 97 – 1998، عن اكتشاف موقع هام يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الإسلام، حيث عُثر على أساسات لمبنى ضخم يعتقد أنه أحد معابد الآلهة القديمة أو أنه أحد قصور الحكام الذين كانوا يحكمون في هذه المنطقة ولم يعد لقصتها نهاية منذ تاريخ اكتشافها وحتى اليوم. والقادم سيفسر ما لم يتم تفسيره.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى