رأي

يجب على العرب قطع العلاقات مع إسرائيل حتى تعترف بفلسطين

كتب: راى حنانيا

ربما لم يكن لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أفضل فريق اتصالات لكي ينقل كلماته وأفعاله، ولكنه شَكّل واحدًا من اليوم الأول.

في كلمته أمام الأمم المتحدة في العشرين من  فبراير 2018، دعا “عباس” مجلس الأمن للاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. ويعلم “عباس” بالطبع أن طلبه سيواجه بالرفض العنصري التاريخي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي وقفت دائمًا في طريق السلام لأكثر من سبعة عقود من الزمان، ليس فقط تحت إدارة الرئيس غير المستقر “دونالد ترامب” ، ولكن أيضًا تحت إدارة كل من سبقه من الرؤساء الأمريكيين.

ولا يزال عباس يكرر – رغم هذا الرفض – نفس أسس عملية السلام التي طالما رفضتها الحكومة الإسرائيلية. ومن العجيب أن “عباس” كان محل نقد واتهام بسبب دعوته للسلام المبنى على التفاهم والتسوية وحل الدولتين. وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو – الذي يخضع للتحقيق في اتهامات تتعلق بالفساد- أن تقبل بالسلام .

وفي الحقيقة، فإن نتانياهو والعديد من المسئولين في الحكومة الإسرائيلية يتبنون خطاب العنف والصراع والكراهية، ويرفضون الوجود الفلسطيني، وينكرون حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، ويرفضون حتى الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي فلسطينية أثناء حرب 1967.

وكان يمكن لعباس أن يرفض بدوره الوجود الإسرائيلي، وأن يحاكى الكراهية العنصرية الإسرائيلية، ولكن بدلاً من ذلك كرر بوضوح نفس الموقف الذي طالما عرضه الفلسطينيون على الإسرائيليين، منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي، عندما تخلى الفلسطينيون عن ثورتهم، وتخلوا عن نضالهم من أجل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة. وبدلاً من ذلك وافقوا على التفاهم والتسوية وحل إقامة دولتين، إحداهما إسرائيلية والأخرى فلسطينية. لقد وافق الفلسطينيون على حل الدولتين، ولكن إسرائيل لم تقبله.

وعلى الرغم من الرفض الإسرائيلي للتسوية، فقد قال “عباس” في خطابه أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي:  “أنا أؤكد لكم التزامنا بالحفاظ على مؤسساتنا وإنجازاتنا التي حققناها في الواقع الفلسطيني وكذلك الساحة الدولية. ونحن عازمون على أن نظل ملتزمين بالمسار السياسي والدبلوماسي والقانوني، بعيدًا عن العنف، ومن خلال التفاوض السياسي والحوار الذَين لم نرفضهما أبدا”، و قد أكد “عباس” على هذا المعنى بقوله: “سوف نستمر في مد أيدينا لتحقيق السلام، ولسوف نستمر في بذل الجهود لوضع حد للاحتلال الإسرائيلي بناء على حل الدولتين، ووفقا لحدود 1967 والشرعية الدولية، وكذلك الحلول المتعلقة بتحقيق تطلعاتنا وطموحاتنا الوطنية”.

إن الإشارة إلى حدود عام 1967 ليست هي التعريف المقصود للحدود النهائية، والذي يتوقف على طريقة قياس وتعيين تلك الحدود النهائية. فإذا استمرت إسرائيل في الاحتفاظ ببعض الأراضي التي احتلتها عام 1967، فحينها سوف تقوم بمبادلة هذه الأراضي مقابل أراض أخرى داخل إسرائيل، كانت قد احتلتها عام 1948. ولكن إسرائيل كدولة بغيضة تتطلع إلى احتلال كل أراضى فلسطين التاريخية، سوف تنكر حقوق كل الذين عاشوا في سلام على تلك الأرض من غير اليهود، منذ عصري السيد المسيح والنبي محمد.

وعلى الرغم من أن التطرف الإسرائيلي كان دومًا هو العقبة الكبرى لإنهاء معاناة أجيال وعصور من العنف، فإن العقبة الأكبر كانت ولا تزال هي التشوه السياسي للعالم العربي.

لقد ساهمت مصر والأردن في رفض خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1947، ثم  وقعت كل منهما لاحقًا معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل. حيث وقّعت مصر أثناء حكم الديكتاتور “أنور السادات” معاهدة سلام مع إسرائيل، مُمثّلة في رئيس وزرائها الإرهابي “مناحم بيجن”، وذلك في السادس والعشرين من مارس من عام 1979.

وقد كان من المفترض أن تفتح تلك الاتفاقية الباب أمام اتفاقيات سلام مماثلة مع كل الدول العربية، بما يؤدى إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة. ولكن “مناجم بيجن” – المسئول عن مقتل أكثر من 100 امرأة وطفل في دير ياسين، في التاسع عشر من أبريل من عام 1948- خرق تلك الاتفاقية مغلقًا بذلك الطريق أمام كل الجهود لتحقيق السلام مع الفلسطينيين.

كما قام العاهل الأردني الملك “حسين بن طلال” بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بعد موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي “اسحق رابين” على السلام مع ياسر عرفات، في أكتوبر من عام 1993. وتم توقيع اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية في السادس والعشرين من أكتوبر من عام 1994.  ولكن متعصبين إسرائيليين من تلاميذ وتابعي “نتانياهو” ومجرم الحرب “أرئيل شارون” اغتالوا “رابين” في الرابع من نوفمبر من عام 1995، منهيين بذلك عملية السلام.

ومن الواضح أن العقبة الحقيقية في طريق السلام ليس “عباس” الذي تم انتقاده بوصفه قائدًا ضعيفًا، ولكنه “نتانياهو” ذلك المتعصب الذي يحيا فقط لأنه يقود الكراهية المتطرفة التي تنمو داخل إسرائيل. لكن العالم العربي لم يساعد أو يضطلع بدوره. وبدلاً من دعم عملية السلام، فقد استخدم متعصبون إسرائيليون اتفاقيتي السلام مع كل من مصر والأردن كعقبتين في طريق السلام. حيث أخرجت إسرائيل كل من مصر والأردن من المعادلة، تاركة فلسطين ضعيفة وبلا صوت مسموع.

كيف يمكن  لكل من مصر والأردن مواجهة شعبيهما، إذا كانت إسرائيل تخرق كل الاتفاقيات التي وقعتها معهما؟، وكيف تسمح كل من مصر و الأردن لإسرائيل بفتح سفارات في دولتيهما، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة؟.

إن المسئولية تقع على العالم العربي كله، بسبب رد فعله واستجابته الضعيفة تجاه انهيار عملية السلام، بل والتراجع عنها، فضلاً عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

يجب على مصر والأردن أن تغلقا سفارة إسرائيل بكل منهما، وأن تقوما بإنهاء كل العلاقات مع إسرائيل. كما يجب أيضا أن يقطع العالم العربي كله علاقاته مع إسرائيل. فإذا ما استطاع العالم العربي أن يتحلى بالشجاعة للقيام بالعمل الصحيح، وإغلاق الأبواب أمام إسرائيل، فسوف توافق إسرائيل في الحال على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ولكن إسرائيل تعرف جيدًا أن الضعف الحقيقي ليس ممثلاً في “عباس” أو الفلسطينيين، ولكنه في العالم العربي الذي تخلى عن التزاماته منذ زمن طويل.

 

“راى حنانيا :حائز على جائزة الصحفي و المؤلف الفلسطيني الأمريكي، ويمكن مراسلته عبر الموقع و البريد الالكتروني التاليين:

 

www.thedailyhookah.com

 

[email protected]


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى