رأي

ويلٌ للشامتين بالغارات الإسرائيلية على سوريا

بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

ليس هذا وقتُ تصفية الحسابات مع الجمهورية العربية السورية، ولا هو الظرف المناسب لمعاتبتها ومكاشفتها، فهي جريحةٌ مكلومةٌ، حزينةٌ منهوكةٌ، مشغولةٌ مهمومةٌ، تتعرض كل يومٍ لعدوانٍ إسرائيلي أمريكي سافرٍ، وتتلقى غاراتٍ حاقدةً غاشمةً، قاسيةً مؤلمةً، تنتهك سيادتها وتمس سلامتها، وتستهدف أرضها وجيشها، وتلحق الضرر بسكانها ومنشآتها، ضمن مخططٍ قديمٍ موغلٍ في الخبث والكره، ومُصرٍ على الثأر والانتقام، وعازمٍ على تفكيك الجيش العربي السوري وإزاحته عن الجبهة الشمالية لفلسطين، ليتمكن الكيان الإسرائيلي من تشريع وجوده وبسط نفوذه وتوسيع احتلاله، وقضم المزيد من الأرض العربية والسيطرة عليها، وتذليل العقبات أمام مساعي التطبيع وجهود إقرار السلام في المنطقة، على قاعدة الاعتراف بإسرائيل والقبول بها كأي دولةٍ طبيعيةٍ في المحيط والإقليم.

لم يكن الكيان الإسرائيلي يوماً يقف متفرجاً على ما يجري ويحدث في بلادنا العربية، ولم يكن على الحياد أبداً في أي صراعٍ أو خلافاتٍ تشهدها دول المنطقة، بل غالباً ما يكون طرفاً وشريكاً، أو مخططاً ومنظماً، أو راعياً وممولاً، أو ضامناً وكافلاً، ولا يمكن لعربيٍ عاقلٍ سويٍ أن يبرئه من سوء النوايا وفحش المقاصد، وأن يطهره من الذنوب والآثام والخطايا والجرائم، فالذئب لا يتوب عن الغدر والافتراس، والثعلب لا يعرف العيش دون خبثٍ ومكرٍ، وكذا “إسرائيل” التي جمعت في سياستها الخبث والمكر والكذب والخداع، وحب القتل والسعي بالفساد، وزرع الفتنة ونشر الرذيلة، وإشاعة الكره وبث الفساد، ماضية في سياستها لا تغير، ومصرة على منهجها لا تبدل، إذ تحركها أهدافها وتدفعها غاياتها وتوجهها مصالحها.

إن من يستهدف سوريا اليوم ويوجعها، ويوغل فيها وينتهكها، ويجرحها ويثخنها، ويعتدي عليها ويقصفها، هو نفسه الذي يعتدي على الفلسطينيين ويقتلهم، ويدمر بيوتهم ويخرب مساكنهم، ويقتل أبناءهم ويعتقل رجالهم، ويعمل على طردهم من بلادهم وانتزاعهم من أرضهم، وهو نفسه الذي كان وما زال يغير على لبنان ويستهدف بنيته المدنية ومقاومته الوطنية، ويعتدي على أهله وسكانه، ويزعزع أمنه ويقوض أركانه، وما كان يوماً يستثني اللاجئين الفلسطينيين من عدوانه، أو يتجنبهم في غاراته، بل كان يبدأ بهم ويضيق عليهم، وهو الذي كان سبباً في شتاتهم وتمزيق وحدتهم، وتفريق قوتهم وتوزيع مقاومتهم، وكان يتطلع إلى تفتيت قوتهم ليتفرغ إلى أهلهم المرابطين في فلسطين والصامدين في أرضهم، إذ يخشى من وجود قوةٍ تناصرهم، أو مقاومةٍ تساندهم، أو عمقٍ لهم يقف معهم ويتصدى للمؤامرات التي تستهدفهم.

ليس من الشهامة والرجولة، ولا من النبل والمروءة، أن نشمت بعدوان العدو على أيٍ منا، أو أن نفرح لاستهدافه شعوبنا وأوطاننا، وانتهاكه سيادتنا وتدنيسه لمقدساتنا، فهو كما يعتدي على سوريا وفلسطين اليوم، فإنه سيتجرأ على غيرهما غداً، وسيستهدف سواهما عندما يريد، ولن يصده عن غيه سوى القوة، ولن يمنعه عن عدوانه سوى المقاومة، فهو عدوٌ لا يفهم إلا لغة المصالح، ولا تصده إلا أرقام الخسائر وأعداد الضحايا، ولكنه يوم أن يرى أنه لا يُقَاومُ ولا يُصَدُ، ولا يخسر ولا يفقد، ولا يعاني ولا يتألم، فإنه يمضي قدماً في غيه، ويواصل صلفه وعدوانه مستغلاً صمت العرب وغفلة الشعوب، وانشغالها فيما يرديها، وابتعادها عما يغنيها، ولعله اليوم فرحٌ بالشامتين بغاراته والفرحين بعدوانه، أكثر من فرحته بما حقق على الأرض.

إنه لأمرٌ محزنٌ ومؤلمٌ، بل هو مؤسفٌ ومخزي، ولا يتوافق مع العروبة ولا ينسجم مع الإسلام، عندما نسمع أن في الأمة من يؤيد العدو في عدوانه، ويقف معه ضد إخوانه، ويرفع عقيرته بالشكر له وكأنه ينتصر بعدوانه على الشام لهم، أياً كان الخلاف مع نظامه، وعدم التوافق مع سياسته، فهذه والله ليست من شيمنا ولا هي من عاداتنا، فمتى فرح العرب بعدوان غريمهم على جارهم، ومتى أغمضوا عيونهم على بني جلدتهم بينما العدو يغير عليهم.

قد لا يكون السوريون يتطلعون إلى نصرتهم وتأييدهم، ومساعدتهم وتمكينهم، فهم يعلمون أن الواقع صعب والظروف غير طبيعية، ولكنهم يأملون صمت البعض إن هم عجزوا عن النصرة، وسكوتهم دون شماتة، والامتناع عن التعليق فرحاً أو التعقيب سعادةً، فهذا ما لا يليق بنا، ولعله يضر بنا وينعكس سلباً علينا، إذ يستغرب العدو أن يرى مناصريه ومؤيديه عرباً أو مسلمين.

أيها العربُ لا تنسوا أبداً أن أهل الشام، ولا أقصد دمشق خاصةً بل عموم سوريا العربية، هم الذين وحدوا الأمة على المقاومة، وحركوا جيوش الإسلام الموحدة نحو فلسطين، وشارك أجنادها في حطين وعين جالوت، وقتل أحد طلابها في القاهرة كليبر الفرنسي، وفجر جول جمال في عرض البحر سفن العدو وأغرق مدمراته، وصحح علماؤها مفاهيم الولاء وقواعد البراء، ورسموا للعالمين من بعدهم صوراً رائعة للعلماء الأجلاء، الذين لا يوالون سلطاناً ظالماً، ولا ينافقون حاكماً فاسداً، ولا يؤيدون خليفةً مرتهناً، وجال الشيخ العز بن عبد السلام على نجوع مصر وبلداتها، يحرضهم كما أهل الشام على الجهاد والمقاومة، وعلى مفاصلة العدو وحرمة موالاته، حتى تنزل عليهم نصر الله وعادت حواضر مدنهم إليهم من جديدٍ.

اللهم أعزنا بالشام وبغداد، وشد أزرنا بالقاهرة وصنعاء، وقوي أمتنا بالجزائر والرياض، وامنن علينا بأمن طرابلس وسلامة تونس، وتفضل علينا باستقلال بلادنا وعزة أوطاننا وأنفة شعوبنا وكرامة أهلنا، وأعد إلينا الخرطوم بلاءاتها، وعمان بأصالة أهلها، والمغرب بشرف نسبه وطهر أهله، وشعوب الخليج العربي بصدق انتمائهم ونقاء عروبتهم وصفاء إسلامهم، فإننا بهؤلاء المتضامنين ننتصر، وبأمثالهم الشرفاء نفوز، وبأصالة قيمهم وعلو مقامهم نتجاوز محننا ونتغلب على أزماتنا.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى