رأي

متلازمة ستوكهولم.. لعل فيها بعض ما يفسر المشهد!!

هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له كأن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف. وتُظهر فيها الرهينة أو الأسير التعاطف والانسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف أو المعتدي، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه.

هذه المشاعر تعتبر بشكل عام غَيْرَ منطقية ولا عقلانية إذ أن الضحية تفهم بشكل خاطئ عدم الإساءة من قبل المعتدي إحساناً ورحمة.

ويمكن اعتبار متلازمة ستوكهولم كنوع من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف، فهو ترابط عاطفي قوي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف الشخص الآخر بشكل متقطع ومتناوب.

إحدى الفرضيات التي تفسر هذا السلوك، تفترض أن هذا الارتباط هو استجابة الفرد للصدمة وتحوله لضحية. فالتضامن مع المعتدي هو إحدى الطرق للدفاع عن الذات. فالضحية حين تؤمن بنفس أفكار وقيم المعتدِي فلن تعتبرها الضحية تهديدًا أو تخويفا أي أنها تختار الوقوف في صف المعتدي في اللاشعور لتتخلص من هذا القلق.

متلازمة ستوكهولم -2

حفزني نقاش مع صديق في تعليقات على البوست الماضي أن أكتب جزءً ثانياً من هذه السردية مع أني لا أؤمن بالسلسلة الفكرية كثيراً لأنها تميع الموضوع.

كنت مرة في مطعم شعبي أتناول الطبق المفضل لأهل دمشق وهو الفتة والفول، وإذ “بالمعلم” يزعق في وجه أحد “الشغيلة” بلهجة باب الحارة “طلاع جيب الفول من فوق يا حيواان”، فما كان من الصبي إلا أن قفز مسرعا على الدرج وقد رسم ابتسامة كبيرة على محياه قائلا “حاضر معلمي”.

استغربت لوهلة فعل المعلم، والأعجب كان رد فعل العامل، ثم تذكرت أن هذه من الأمور التي تربينا على تقبلها. لم يجد العامل غضاضة في إهانته أمام الناس، بل على العكس سر سروراً عظيماً لمكرمة المعلم هذه، وربما اعتبرهاً تشريفاً.

ويحضرني هنا لوحة للمبدع ياسر العظمة، وفيها يظهر أحد قبضايات الحارة كأكثر خلق الله شراً، ولا يكاد أحد يسلم من بين يديه، رغم توسل الناس له واستجداء العفو منه.

ولا يستطيع أحد أن يوقفه عند حده سوى صديق عمره الذي ما إن يراه بعد طول غياب حتى يبدأ بكيل السباب والشتم له بدل السلام والمصافحة فيقول له: “ما حتعقل يا بغل.. شبك متيس.. تضرب بهالراس” وهكذا، فينتشي هذه المجرم طرباً لوقع كلمات صديقه ويبدأ بالقهقهة حتى يكاد أن يقع على الأرض، ثم يعفو عن أهل الحارة.

لعل في هذه الصور توضيحاً لفهم تصرف الصبي والمعلم، فكلاهما يعيش ثنائية سادية/ماسوشية لا إنفكاك بينها. فلا يمكن للمعلم أن يتصور نفسه قوياً أو متحكماً دون اضطهاد صبيانه وإذلالهم، وكلما أمعن في ذلك شعر بالقوة، وكلما تفضل عليهم بشيء شعر بالنشوة.

كما لا يمكن للصبيان أن يتخيلوا حياتهم بعيداً عن هذا المُنعم الذي يطعمهم ويسقيهم ويمن عليهم بفتات الخبز والمرق في آخر النهار، وإلا أصبحو أيتاماً من دونه.

أما عن كيفية كسر هذه الحلقة المفرغة فالجواب عندكم لأنني قد وصلت إلى نهاية السلسلة.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى