رأي

لماذا يؤذينا جميعا تجاهلنا للصحة النفسية للاجئين السوريين اللأطفال؟

أطفال سوريا يرسمون القنابل والمروحيات بدلا من الورود والازهار

لماذا يؤذينا جميعا تجاهلنا للصحة النفسية للاجئين السوريين اللأطفال؟

بقلم د. زاهر سحلول

ترجمة: د. ناهد غزول

عندما سئل طالب في السابعة من عمر في ذروة حملة القصف التي قام بها نظام الأسد في عام 2015 على شرق حلب والتي كان يقطن فيها أن يرسم صورةً ما، لم يرسم أحمد أطفالاً يلعبون ولا سماءً زرقاء أو شمسا ً مبتسمة. بدلاً من ذلك، فقد رسم مروحيات تقوم بإسقاط براميل متفجرة، ومنازل مشتعلة بالنيران، والكثير من الاطفال القتلى الغارقين بالدماء.

وقد علت وجوه الأطفال الذين سقطوا صرعى على الأرض في رسمته ابتسامة، في حين أن الأطفال الأحياء الاخرين كانوا يبكون.

بالنسبة لهذا الطفل الصغير فإن القلم والورقة هي الأدوات الوحيدة التي مكنته من التعبير عن الذكريات المروعة لطفولته المفقودة.

في سوريا والدول المجاورة لها، وعلى طول الطريق إلى أوروبا هناك الملايين من اللاجئين السوريين والنازحين مثل أحمد الذين سيستمرون بالبكاء دون أن يكون لديهم أية فرصة للتعبير عن صدماتهم ناهيك عن عدم تلقي أي دعم أو علاج نفسي للتغلب على كوابيس الحرب والخسارة والتشريد القسري.

إن الاختفاء شبه الكلي للأزمة السورية من الإعلام لايعني أن الحرب قد انتهت.  ففي الأشهر القليلة الأولى من عام 2017 تم تسجيل أكثر من 250000 سوري كلاجئين، ليرتفع عدد اللاجئين السوريين إلى أكثر من 5.1 مليون شخص. وقد تم العثور مؤخراً على خمسة عشر لاجئاً سوريا في شمال لبنان بينهم ثلاثة أطفال مجمدين حتى الموت أثناء محاولتهم العبور إلى لبنان من سوريا والجدير بالذكر أن جميع البلدان المجاورة لسوريا حددت نسبة الهجرة إليها، وبالتالي فإن ذلك يتضمن إغلاق حدودها أمام اللاجئين.

الآن وبعد مرورسبع سنوات على الأزمة السورية الوحشية، فإن تأثير الصدمة النفسية وتحديات الصحة العقلية واضطرابات مابعد الصدمة على الاطفال والبالغين غير معروفة بعد ولم تعرها وكالات المساعدة المحلية والدولية والهيئات الاغاثية والجهات الحكومية الاهمية اللازمة. ولكننا ندرك أن التكلفة النفسية لهذا الصراع عالية جداً.

ووفقا لما ذكرته آنا مغربية (وهي أخصائية سورية أمريكية في مجال الرعاية الحرجة، والتي تواصل مساعدة زملائها الاطباء في مدينة إدلب  السورية عن طريق الطبابة عن بعد) فقد ظهر اتجاه جديد بين النساء والمراهقين، ففي كل بضعة أيام يتم ادخال حالة أو اثنتين من النساء والمراهقين إلى المستشفى المحلي بعد محاولة الانتحار بتناول المبيدات الحشرية ، وهذه معروفة محليا باسم “حبة الغاز”، والتي تؤدي إلى توقف عمل العديد من أعضاء الجسم مما يؤدي بدوره إلى وفاة مؤلمة وبطيئة.

وبصفتي طبيباً أمضى السنوات الست الأخيرة في تقديم الإغاثة الطبية في سوريا، فإنني أعتقد أنه ينبغي على العالم أن يولي اهتماما لمستقبل سوريا من خلال تقديم يد الشفاء لأطفاله المصابين بصدمات نفسية. وإن لم نفعل ذلك، فعلينا أن نواجه في السنوات القادمة العواقب الوخيمة التي لا يمكن التنبؤ بها.

– الصحة العقلية لا تحظى بالأولوية

في الشمال وتحديداً في محافظة إدلب، وعقب حملة منظمة شنتها قوات الأسد والطائرات الحربية الروسية، فقد نزح أكثر من 220.000 مدني في الأسابيع القليلة الماضية. كما يوجد 2.5 مليون شخص في مدينة إدلب نصفهم نازحون من مدن أخرى.

أما في الجنوب، فقد توفي 17 مريضاً من بينهم أطفال وهم ينتظرون الإجلاء من الغوطة المحاصرة. ولا يزال أكثر من 400 ألف مدني محاصرين من قبل حكومتهم للسنة السادسة على التوالي. كما يواصل النظام قصف المناطق المدنية بالقنابل التقليدية  أحيانا وبالكلور أحياناً أخرى. ولدينا في كل يوم قائمة جديدة من المدنيين القتلى والأطفال الذين لا يوليهم أحد اهتماما باستثناء الناشطين المحليين. وبالنسبة للعديد من السوريين فقد تملكهم شعور سيء بأن العالم قد هجرهم.

إن الاكتئاب الناجم عن الوضع على الارض، واضطرابات ما بعد الصدمة،  والميول الانتحارية والعدائية الشديدة، والأمراض العقلية الأخرى الناجمة عن هذا الرعب هي الجروح المخفية التي لا يتم الكشف عنها في وقت مبكر كاف، ناهيك عن عدم معالجتها بشكل فعال في داخل سوريا وخارجها. وكلما طال أمد اهمالها وعدم معالجتها فإن تأثيراتها ستزداد سوءً.

ولا يزال المرض العقلي يعتبر نوعاً من المحظورات في جميع أنحاء العالم، خاصة في سوريا والشرق الأوسط، حيث يخشى المرضى و أسرهم طلب العلاج خوفاً من أن يتم تصنيفهم بالمجانين أو يوصفون بكلمة مجنون.

وكثيرا ما يتم التهرب من هؤلاء المرضى من قبل الناس المحيطين بهم فيمضون حياتهم وهم يسعون للحصول على الحد الادنى من المساعدات. هذا ويوجد في سوريا مستشفى واحد للامراض العقلية مازال يعمل ويقدم العلاج للأشخاص الذين يعانون من حالات نفسية مزمنة .

حتى قبل الأزمة فقد كانت المستشفيات النفسية أشبه بالسجون منها بالمشفى العادي. والجدير بالذكر أنه لم يكن هناك سوى مستشفيان حكوميان للأمراض النفسية حيث يقع أحدهما في منطقة ريفية خارج دمشق ويعمل الآن بطاقة استيعابية محدودة بسبب المخاوف الأمنية. أما الآخر فيقع في حلب وقد تم اغلاقه.

في البلدان المجاورة لسوريا،  كالأردن، وتركيا ولبنان، والتي تستضيف أكثر من خمسة ملايين لاجيء سوري فقد تم في الغالب تخصيص الدعم النفسي-الاجتماعي،  والرعاية النفسية لهم من قبل مراكز خاصة.  ومما يزيد من تفاقم الحالة النقص الحاد في عدد الاطباء النفسانيين، وعلماء النفس والمرشدين الاجتماعيين.

وقد وصف الدكتورم.ك. حمزة ( وهو طبيب نفسي، سوري أمريكي الأصل، وتطوع في عدة بعثات طبية إلى لبنان، والأردن، وتركيا واليونان ) وصف ظهور متلازمة جديدة لتوضيح الصدمة النفسية المتطرفة التي تؤثر على الأطفال السوريين . وكان قد أطلق عليها في عام 2016 اسم “متلازمة الدمار البشري”. ووفقا للتقرير نفسه , يعاني أكثر من 45% من الأطفال السوريين اللاجئين من اضطراب ما بعد الصدمة،  كما يعاني الكثيرون من مشاكل نفسية أخرى مثل الاكتئاب والقلق.

– جوانب أخرى من الصدمة النفسية

إن كثيرا من هؤلاء الشباب معرضون لخطر إدمان المخدرات , والبغاء والتطرف. بل إن هناك تقارير عن عمليات التجارة بالأعضاء البشرية، وعمليات التبني غير القانونية التي تديرها العصابات الدولية، متخذة من الأطفال السوريين الضعفاء غذاء لها.

فلبنان، البلد الذي يبلغ عدد سكانه خمسة ملايين نسمة، أصبح موطناً لأكثر من 1.5 مليون لاجيء سوري رغم صغر مساحته. ونجد أن عابد البالغ من العمر 16 عاما هو من بين القلة من السوريين الذين يتلقون العلاج والمشورة  من منظمة غير حكومية تسمى نفسها “فن الامل” وتساعد في التخفيف من معاناة مابعد الصدمات وما تخلفه من اضطرابات من خلال العلاج الفني والتدريب المهني. كما أنها تسعى لتحقيق مستوى من الحياة الطبيعية الكريمة للأطفال السوريين، وتعزيز روح الانتماء لديهم من خلال إشراكهم في أنشطة مختلفة، مثل ورش العمل الفني والحرفي بالإضافة إلى معالجة صدماتهم النفسية.

ووفقا لما ذكرته تارا كانغارلو مؤسس المنظمة، فقد أجبر عابد في مدينة الرقة على أن يشهد عمليات قطع الرؤوس بعد أن قام تنظيم داعش ببتر يده. وهو يعاني حاليا من الاكتئاب، والشعور بالذنب، إضافة إلى الميول العدوانية.

وقد أخبر عابد مرشده الاجتماعي أثناء إحدى جلسات العلاج أنه قد يكون من الأفضل إذا عاد إلى دياره للإنضمام إلى داعش، معربا عن ندمه حيال بتر يده من قبلهم قائلا أن هذا لربما كان خطؤه.

– المعالجة العقلية في زمن داعش

نظرا لارتفاع عدد الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة في سوريا ، أو في البلدان المضيفة للاجئين على حد سواء، فإن هذه الجروح المخفية عن الأعين لن تلتئم ما لم تتكاتف منظمات انسانية كبيرة ووكالات الأمم المتحدة مع منظمات محلية وشعبية داخل سوريا وخارجها. وتقتضي الحاجة إلى التصدي لتحديات الصحة العقلية، والصحة العامة بالتوازي مع البرامج التعليمية.

إنني أعتقد أنه في ظل غياب السلطة والأمن الكافيين، فإن الجماعات الإرهابية ستسد الثغراث وتتخذ من المجندين الضعفاء فرائس لها. وذلك من خلال تزويد الأطفال والمراهقين بالضرورات الأساسية، وعلى رأسها الشعور بالكرامة، والانتماء والهدف. كما أنني أظن أن علاج هذه الجروح سيكون استثمارا يصب في مكافحة التطرف، واختزال الصراع والعدوان.  وبالمقابل، فإن عدم وجود علاج سيضر بالأطفال وكذلك بالمجتمع بأسره.

كما يمكن أن توسع الأمم المشورة في مجال التطبيب عن بعد لسد هذه الفجوات. وعلى المستوى العام،  ينبغي للبلدان المضيفة للاجئين أن تشارك في تدريب المدربين المحليين , وأن تسعى لتمكين السوريين من الكشف المبكر عن أعراض الاكتئاب والقلق والانتحار.

وعلى الرغم من الصدمة الهائلة، فإن الأطفال السوريين قادرون على الصمود حيث نراهم يبتسمون، ويلعبون ويتكيفون بسرعة في مخيمات اللاجئين حتى وهي تحت الحصار.

حتى ذلك الطفل الذي جسد الموت والقنابل في رسمته سوف يرسم الزهور والانهار، والفراشات والوجوه السعيدة بعد خضوعه لبعض الدورات في العلاج الفني، وليس بعيدا أن يكبر ليصبح طبيبا، أو مدرسا، أو مهندسا، أو حتى رئيساً. ومن واجبنا نحن أن نوفر له هذه الفرصة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتب المقال / د. زاهر سحلول  –  مؤسس منظمة الاطباء السوريين الامريكيين (  SAMS )

و يعمل مستشارا لدى (  USSOM  )  و أستاذ مشارك في الجامعة .

ترجمة : د. ناهد غزول  – دكتوراه في اللغويات و استاذ مشارك بجامعة الزيتونة


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى