رأي

لماذا فشلت الصين في بيع الحُب للعالم؟

بقلم: مروان سمور

رغم عدد سكانها الضخم الذي يبلغ المليار وأربعمائة مليون نسمة، نجحت الصين في أن تتحول خلال أربعين عاما تقريبا، من بلد يعاني تسعة أعشار سكانه من الفقر المدقع إلى أكبر اقتصاد صناعي في العالم، واستطاع بمعجزة بشرية مذهلة أن ينتشل 850 مليون شخص من الفقر والعوز.

وهكذا تحول هذا العدد الضخم من السكان من عبء على الحكومة الصينية بمتطلباتهم الحياتية من توفير للغذاء والخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية المناسبة، ولينقلب حالهم، ليودعوا حياة العوز والفقر إلى حياة رغيدة نوعا ما، وليتغير مسارهم بأعجوبة إلى أشخاص منتجين تغزو صناعاتهم العالم بأسره.

يشير العالِم الصينيّ الشهير”مين هونج هوا” إلى أنّ القوّة الناعمة الصينيّة تتكوّن من الثقافة والمفاهيم والنموذج التنمويّ والأنظمة الدوليّة والصورة الدوليّة.

وتعتبر الثقافة والمفاهيم والنموذج التنمويّ «القوّة الداخليّة» للقوّة الناعمة، فيما تعتبر الصورة الدوليّة «القوّة الخارجيّة» للقوّة الناعمة، حيث تربطهما الأنظمة الدّولية التي تصبح قناة رئيسة لعرض القوّة الناعمة الصينيّة وبنائها .

وأيضًا يذكر الليبرالي الصيني شي ينهونغ: أن الولايات المتحدة ستفوز باللعبة العسكرية في المحيط الهادئ بتعزيز قواعدها العسكرية في غوام وأوكيناوا وهاواي، والصين لا تحب تلك اللعبة، بل هي لا تلعبها أيضا. الصين تلعب لعبة مختلفة تقوم على الاستثمار الاقتصادي والتجارة، والهجرة، ودبلوماسية الابتسامة. والولايات المتحدة لا تستطيع إيقاف هذا، وهي تخسر لعبة الصين، ولن تستطيع أن تعيق نهوض الصين.

وتمتلك الصين ترسانة إعلامية كبيرة في العالم من خلال مكتب الإعلام التابع لرئاسة الوزراء.  ويشكل هذا المكتب جزءًا من جهاز دعاية أوسع، وينسق جهود الدعاية المختلفة، ويمتلك عددًا كبيرًا من الموظفين، ولديه ميزانية ضخمة.

وتدعم الصين مشاريعها في القوة الناعمة بمبالغ كبيرة، وكمثال على ذلك مبلغ 50 مليار دولار لبنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية، و41 مليار دولار لبنك التنمية الجديد، و40 مليار دولار للحزام الاقتصادي لطريق الحرير، و25 مليار دولار لملاحة طريق الحرير. وتعهدت بكين أيضًا باستثمار 1.25 تريليون دولار في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2025.

ومن الواضح أن بكين تستخدم أقوى أداة في صندوق أدواتها للقوة الناعمة، وهو المال. فأينما يسافر الزعماء الصينيون يوقعون اتفاقيات تجارية واستثمارية ضخمة، ويقدمون العديد من القروض السخية ويوزعون من حزم المساعدات الهائلة.

ورغم كل المليارات من الدولارات التي تنفقها الصين على هذه الجهود، فإنها لم تشهد أي تحسن ملموس في صورتها العالمية، على الأقل كما يقاس من خلال استطلاعات الرأي العام.

وفي الواقع، فإن سمعة البلاد قد تدهورت بشكل مطرد. فقد أظهر استطلاع أجري في عام 2014 من قِبل بي بي سي أنه منذ عام 2005، انخفضت وجهات النظر الإيجابية حول نفوذ الصين بنسبة 14 نقطة مئوية، وأن 49 في المئة من أفراد العينة ينظرون إلى الصين بشكل سلبي.

والمثير للدهشة، أن هناك مسح يعود لعام 2013 من قِبل مركز بيو للأبحاث يشير إلى العجز الواضح للقوة الناعمة الصينية حتى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتحديدًا في المناطق التي يمكن للبعض أن يعتقد أن دعاية البلاد فيها ستكون أقوى.

وعلى الرغم إذن من هذه النتائج الهزيلة، لا تزال تنفق بكين الجهد والموارد الهائلة لتغيير المفاهيم.

ولكن لماذا هذا التناقض والانفصال؟ فالجواب هو أن الحكومة الصينية تنهج الدبلوماسية العامة بنفس الطريقة التي تبني بها السكك الحديدية عالية السرعة، أو خدمات البنية التحتية، وذلك من خلال استثمار المال وتوقع رؤية التنمية.

وما فشلت الصين في فهمه هو أنه على الرغم من ثقافتها عالمية الطراز، ومطبخها، ورأس مالها البشري الذي تمتلكه، وعلى الرغم من الارتفاع الاقتصادي الاستثنائي – الذي حققته – على مدى العقود القليلة الماضية، لا زال نظامها السياسي ينكر التنمية البشرية الحرة، فلذلك ستواجه جهود دعايتها معركة شاقة.

والنتيجة لا يمكن شراء القوة الناعمة، لكن يجب الحصول عليها، والحصول عليها أفضل عندما يسمح للمواطنين الموهوبين في المجتمع بالتفاعل بشكل مباشر مع العالم، بدلًا من أن تسيطر عليهم السلطات.

وبالنسبة للصين، إن ذلك يعني تخفيف القيود الصارمة في الداخل والحد من الجهود للسيطرة على الرأي في الخارج. عندها فقط يمكن للبلد استغلال احتياطاته الهائلة من القوة الناعمة غير المحققة.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى