رأي

صفقة القرن.. حقيقة أم خرافة؟!

د. خليل بن عبد الله الخليل (*)

كثرت التساؤلات والتحليلات عمّا أُطلق عليه أخيرًا “صفقة القرن”، فماذا يعني ذلك المصطلح، وإلى أين يتجه، وهل ستعيش الأجيال القادمة انعكاساته الإيجابية الواعدة أو السلبية المدمرة؟.
لم يرد هذا المصطلح سوى في الإعلام العربي ووسائط التواصل الاجتماعي، وأول من ذكره -حسب رأي بعض المحلّلين – هو الرئيس المصري السيسي بعد لقائه بترامب أثناء حملته الانتخابية في نيويورك قبل الفوز بالرئاسة.
وقد التقى به الرئيس السيسي عندما زار نيويورك لإلقاء خطاب جمهورية مصر العربية في اجتماع هيئة الأمم المتحدة السنوي العام المعتاد للزعماء.
ذلك المصطلح يعني صناعة صيغة جديدة للتسوية والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تنهي الصراع العربي – الإسرائيلي التاريخي، بدون النظر في القرارات الأممية السابقة، والتي راعت بعض حقوق الفلسطينيين منذ عام 1948م، وبدون أي اعتبار لمبادرة السلام العربية التي تم إقرارها في قمة بيروت العربية عام 2002 م أو أي مبادرات أخرى.
لم يرد شرح لتلك الصيغة، ولم تنشر بنودها رسميًا من أي جهة، ولم يحدد ما سيطرح على الفلسطينيين والعرب من أفكار للتفاوض ضمن مسودات تلك الصفقة، والملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن متخوف من الأمر، ويحشد الإعلام والأحزاب والعشائر والنقابات للمواجهة، كما أن الفلسطينيين من كافة الشرائح كذلك متخوفون.
العرش الهاشمي الأردني مرعوب من فكرة قديمه تقول إن الأردن هو (الوطن البديل) للفلسطينيين، إضافة إلى الضفة وغزه وأجزاء من سيناء، ولا أردن بعد ذلك على الخارطة السياسية إن عادت تلك الفكرة، وفرضت تسوية (صفقة القرن) بصيغتها المُسربة، والتي يشرف على تنفيذ خطواتها المستشار في البيت الأبيض “كوشنر” زوج بنت الرئيس ترامب، والتي تعني – إن فُرضت – إعادة رسم الحدود، ونسف معاهدات وقرارات سابقة، وشرق أوسط جديد، وذلك سيكون لمصلحة إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين ومصالح العرب وحقوقهم.
بعض الفلسطينيين، بما فيهم أطراف في السلطة ومنظمتا حماس والجهاد ومن يؤيدونهم، واليسار الفلسطيني بكل فئاته، يَرَوْن أن ذلك مؤامرة وتصفية للقضية الفلسطينية، ومنح صكّ تاريخي لدولة الاحتلال بقوة أمريكا وبتواطؤ من جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وربما بموافقة صامتة من دول عربية أخرى، لاسيما وأن دولاً مثل قطر وسلطنة عمان والمغرب واريتريا وموريتانيا، سبق وأن استقبلت زعماء ووزراء إسرائيليين تحت معاذير عديدة.
ثمً إنه مع مرور الزمن، أصبحت بعض الدول العربية المعنية وجهات عديدة، ترى أن وجود إسرائيل كدولة بالمعنى القانوني الدولي، صار حقيقة ولا مبرر لإنكارها، والعرب عاجزون منذ 6 عقود بل أكثر عن كسب الحروب ضدها.
إذن الحل هو إحلال السلام وإنهاء حالة – اللا حرب واللا سلام – والتوجه لتنمية المنطقة، وبناء الأجيال القادمة، وتصبح إسرائيل، بعد التفاوض على الصيغة الجديدة للتسوية، دولةً طبيعية ضمن دول المنطقة، ويتم التطبيع معها بالكامل، وإنهاء حالة العداء التاريخي معها!
المملكة العربية السعودية ذات الثقل العربي والإسلامي، تصرح في إعلامها ورسميًا، بأنها مع حقوق الفلسطينيين، وهم أصحاب الشأن في القضية، ولا مساومة على عروبة وإسلامية القدس ولا تسامح مع أحد في المساس بحرمة المسجد الأقصى.
لكن يبدو أن رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب، مستغلين ظروف العرب الصعبة، وما تمر به المنطقة من أزمات وحروب، عازمون بعنجهية على طرح أو فرض تسوية شاملة وغير معهودة عرفت بمسمّى “صفقة القرن”.
الأسئلة المهمة هنا: هل ستنجح رئاسة أمريكا الحالية، تحت زعامة ترامب، في صنع ما عجز عنه الرؤساء السابقون، وما هي ردود الفعل المتوقعة من الشعوب العربية، ومن الأحزاب والجماعات، ومن الدول المناهضة في شعاراتها لكافة التسويات، والتي ترفع شعارات المقاومة، كيف سيكون رد فعلها على تلك التسوية الأمريكية المفاجئة، إن تم المضي في طرحها رسميًا، أو فرضها سياسيًا؟!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) د. خليل بن عبدالله الخليل Dr-Khalil A.H Al khlil
أكاديمي وكاتب وإعلام – عضو سابق في مجلس الشورى السعودي – وحاليًا رئيس مكتب سفارة الخليج للدراسات والاستشارات في التربية والتنمية بالرياض.
المؤهلات الأكاديمية
– نال الشهادة الجامعية من كلية الشريعة بالرياض عام 1978م
– أنهى متطلبات شهادة الماجستير في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض.
– نال شهادة الماجستير الأولى من أمريكا في فلسفة التعليم والتعليم الخاص من جامعة جنوب كاليفورنيا USC عام 1983م.
– نال شهادة الماجستير الثانية من نفس الجامعة USC عام 1985م في الإدارة العامة.
– نال شهادة الدكتوراه Ph.D من جامعة جنوب كاليفورنيا USC في القيادة التعليمية Education Leadership والتعليم بين الحضارات Inter – Cultural Education عام 1994م.
– دخل في عدة دورات وبرامج تعنى بمناهج البحث العلمي وبكيفية التعامل مع وسائل الإعلام المرئي.
التخصص والاهتمامات
– متخصص في القيادة التعليمية والتعليم بين الحضارات، وفي الفكر الإسلامي المعاصر.
– مهتم بالأقليات والعلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي وبالإرهاب.
المراكز التي سبق أن عمل فيها:
– محاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
– دبلوماسي سابق في السفارة السعودية في واشنطن ما بين عام 1987م وعام 1995م.
– أستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من عام 1995م إلى عام 2005م.
– عضو في مجلس الشورى السعودي ما بين عام 2005م إلى 2009م
– حاليًا باحث, ورئيس مكتب سفارة الخليج للدراسات والاستشارات في التربية والتنمية.
شارك في عدد من المؤتمرات الإقليمية والدولية، وأسهم في توسيع مساحة التنوير، وفِي مواجهة الفكر المتطرف، وفِي محاربة الجماعات الإرهابية كمفكر وكاتب، وبرلماني وعبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى