رأيرمضان

“سيدة الحلال”.. ومليارات برامج ومسلسلات رمضان

علي البلهاسي

عندما يكون الحق والصواب والسلوك القويم عملة نادرة في هذا الزمان، فمن الطبيعي أن تصعقنا المفاجأة عندما نرى أن هناك من لازال يتمسك به وسط كل هذه الأخطاء والقيم المعكوسة التي نعيشها ونتعايش معها دون مقاومة، حتى أصبح الصواب خطًا وسلوكًا مستهجنًا، والخطأ صوابًا وإنجازًا مستحسنًا.

ربما لهذا السبب اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والعديد من الدول العربية خلال الأيام الماضية بعد تداول فيديو لسيدة مصرية بسيطة تدعى “الحاجة رضا”، رفضت أن تأخذ أموالًا أعطاها لها مذيع الشارع “أحمد رأفت” كجائزة، دون أن تسأله أولًا: هل هذه الأموال حلال أم حرام؟، وعندما تعجب المذيع من سلوكها مثلنا وسألها: لماذا لا تكون حلالاً؟، أجابته بكل بساطة: لأنني لم أعمل بها أو أتعب فيها.

انزعجت السيدة العفيفة التي تعمل لتنفق على أولادها اليتامى، من أن تكون في موقف يظن فيه أحد أنها تتسول أو تمد يدها لمال لم تتعب فيه، وهي التي لم تفعل ذلك على مدار 30 عامًا من التعب والعمل، فهي تعمل وتجتهد دومًا وتربي أبناءها على ذلك، وترى أن العمل نعمة كبيرة من الله عز وجلّ.

المذيع الذي أدرك حالة السيدة البسيطة من مظهرها وملابسها فوجي أيضًا بأنها أرملة وتربي أطفالًا أيتام، فضاعف لها المكافأة لتصبح 3 آلاف جنيه، فما كان منها إلا تحركت مباشرة إلى مكان عملها، وقامت بتوزيع 1000 جنيه من الجائزة التي حصلت عليها على زملائها من العمال، قائلة: “وزّعت ألف جنيه عليهم، فالمتاجرة مع الله باقية، وهم مثلي على باب الله ويحتاجون المساعدة”.

موقف إنساني بامتياز، ونموذج لقيم غابت عنا كثيرًا، ودرس كبير تُعلّمه لنا هذه السيدة في شهر رمضان الفضيل، وسط ضجيج المليارات الذي تعج به الشاشات العربية في رمضان، والتناقض الصارخ بين إعلانات مستفزة لسلع باهظة الثمن ومنتجعات سكنية وترفيهية بمبالغ خرافية، لا يستطيع أن يحلم بها معظم من يشاهدها، وإعلانات أخرى تستجدي عطف الغلابة ليتبرعوا ولو بجنيه لمساعدة محتاج أو إنقاذ طفل مريض بالسرطان أو القلب.

في المقابل يحصل الفنانون على أجور خرافية بالملايين في إعلانات ومسلسلات أقل ما يقال عنها أنها تزيف الوعي وتهدم القيم، وبرامج مقالب سخيفة تتنمر على الناس وتسخر من خَلق الله، دون أن يسألوا أنفسهم عن الحلال أو الحرام سواء في الأموال التي يحصلون عليها أو السموم التي يبثونها لمشاهديهم.

ترفض السيدة الأرملة التي تربي الأيتام أخذ عدد قليل من الأوراق المالية، بينما يسعى الملايين غيرها في رمضان وغير رمضان وراء برامج مسابقات ساذجة تدعوهم للاتصال بكثافة ليربح شخص واحد منهم 100 ألف جنيه أو 100 ألف دولار بكل سهولة، بينما يخسر ملايين المشتركين الآخرين أموالهم في السعي وراء سراب المكسب السريع والمريح، دون أن يخطر ببالهم هذا السؤال البديهي الذي سألته هذه السيدة البسيطة: هل هي أموال حلال أم لا؟

يطل علينا صوت هذه السيدة الفاضلة في هذا الشهر الكريم ليغطي على أصوات فنانين مستفزين مثل محمد رمضان الذي تباهى مؤخرًا بنثر آلاف الدولارات في حوض السباحة بمنزله الفاخر، اعتراضًا على حكم محكمة قضت بتغريمه 6 ملايين جنيه كتعويض للطيار أشرف أبو اليسر الذي تسبب رمضان في وقفه عن العمل مدى الحياة، بل وربما تسبب في مفارقته للحياة، فقد أعلن اليوم عن وفاة الطيار أبو اليسر، حيث كان يعالج في الرعاية المركزة مؤخرًا، وهو الذي ساءت حالته وتدهورت منذ أزمته مع محمد رمضان.

بالتأكيد لسنا ضد الفن ودوره المهم، ولا ضد الفنانين ورسالتهم، لكن للأسف ما نراه من مسلسلات وبرامج يؤكد لنا أن الفن أهمل دوره وأن الفنانين تخلوا عن رسالتهم.

وأخيرًا هناك الكثير من نموذج هذه السيدة العظيمة، لكن للأسف لا صوت لهم، فهم دائمًا خارج دائرة الضوء والاهتمام، فهل آن الأوان لأن نعيد التركيز على مثل هذه النماذج؟، وهل ستجد هذه السيدة التكريم والاهتمام الذي تستحقه من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني؟


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى