رأي

سمنة وزيت.. والقادم أعظم

بقلم: معن الحسيني

شاهدت إعلانًا جديدًا من سلسلة كيف تصنع إعلانًا تافهًا في خمس دقائق لمجموعة “عملاقة” لإنتاج الزيوت، حيث تعطي الفتاة حبيبها النائم “حقنة الحياة” من خلال شحن هاتفه الخلوي بسلك موصول بقنينة زيت، فيفعل هذا الزيت المعجزات ويفيق زوجها من غفلته!

وحيث أن إستراتيجية المعلن والشركة باتت واضحة، وهي أن سخافة الإعلان وتفاهته المتعمدة هي ما يجلب المشاهدات الكثيرة، وبالتالي يرفع شهرة الماركة والمنتج، مما يؤدي بالضرورة إلى شرائه من قبل المستهلكين، فقد قررت تقديم استشارة مجانية للشركة حتى يتبين لها خطاً هذا الأمر.

ولي في هذا الأمر مأرب أسرده في النهاية، رغم أني عزفت عن الكتابة في التسويق منذ زمن، وفي هذا الإطار دعونا نناقش التساؤلات التالية:

1- هل الشهرة مطلب لذاتها؟، بالتأكيد لا، ولا هي بالضرورة باب للمحبة، فالشيطان أشهر المخلوقات إلا أنه أبغضها.

وقد كان فيما يحكى أن أحد الساعين إلى الشهرة بال في ساحة المدينة صبيحة العيد، فكان كل من يمر يسأل من فعل ذلك، فيقال فلان، فيسبه، حتى أصبح أشهر من النار على العلم. (وهذا تماماً ما يحصل مع هذا المنتج إن افترضنا شهرته).

وبالحديث عن العلم فقد كانت المواخير وبيوت الدعارة يوضع على بابها علم أحمر لتُعرف بها وتشتهر. فبعد هذا الإيضاح كله هل ترانا نجزم بأن الشهرة هي مطلب بحد ذاتها؟

2- هل تؤدي الشهرة المصطنعة للشراء؟، نقول هنا أن هذا ليس بالضرورة، لأن هناك عوامل أخرى كثيرة تؤثر في قرار الشراء، وأهمها بالنسبة للسلع الغذائية هو الطعم والجودة الثابتان بالتجريب، وبحكم ربة المنزل، ونصيحة المحيطين بها.

فإن حللنا الإعلان الذي يفترض أن يتعرض لآلية اتخاذ هذا القرار لما وجدنا شيئاً من ذلك، فلا نصيحة من شخصية معروفة بالطبخ، ولا زوج راض عن الطعم، ولا جارة حسودة، ولا أولاد سعداء، بل زوجة في مقتبل العمر (من الواضح أنها لم تقلي بيضة في حياتها)، وزوج يعيش هملاً، أو كما يقال “بغو” لا خبرة له في الحياة.

فإن كان هذان هما القدوة، وهما الناصحان للمستهلكين، فمن هو الجمهور المخاطب؟ (مجموعة الفاشلين أمثالهم)، وما الرسالة التي يريد الإعلان إيصالها (إقلي الأيفون بالزيت بصير صوته أحلى!)

3-  ما أثر ذلك كله على الماركة؟، تدمير المنتج وإفراغ الماركة من محتواها، حتى تقترن السمنة والزيت بالتفاهة والسطحية.

وللتدليل على ذلك أدعو القائمين على الشركة أن يسألوا مئة شخص لا على التعيين سؤالاً واحدًا (ماذا تعني لك سمنة كذا؟)، وأكاد أجزم أن الجواب سيكون: إعلان سخيف، يكسر إيدهن، لا تعني لي شيئاً، والقلة القليلة ستقول سمنة شهية، طيبة، خفيفة، الخ.

وبالنهاية نقول إن الشركات لا تبني استراتيجياتها في التواصل على الحط من قدر ماركتها ومنتجاتها، حتى تجعلها أضحوكة لدى الجمهور، بل هي تُضحِك الجمهور حول ماركاتها ومنتجاتها.

ففرق كبير أن تكون كالمهرج بين أصحابك الذين يحتقروك ولا يقيموا لك وزنًا، وتكون أنت تسليتهم المفضلة، وبين أن تكون طريفًا دمثًا آسرًا لأرواحهم، كلما ذُكرت في مجلس تذكروا طرافتك، لا تفاهتك وغلظتهم عليك بالقول وطول اليد.

ملاحظة: مصلحتي في هذه النصيحة المجانية أن تكف هذه الشركة أذاها البصري والذوقي عن الناس، فنحن في عالم اليوم في غنى عن زائد تشويه.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى