رأي

ديكتاتورية الديمقراطية!!.. وجهة نظر عربية

بقلم: أشرف شنيف- كاتب وباحث يمني

تسوق دول الغرب للديمقراطية على أنها أفضل أنظمة الحكم عدلًا ومساواة، بل وتقوم تلك الدول بفرض ذلك النظام الغربي على باقي دول العالم بمختلف ثقافاتهم وخلفيتهم الفكرية، وهذا الفرض يكون بالقوة أو بالضغوط السياسة والاقتصادية والمالية والحصار والعزلة.

ومن هنا نجد أن الدول العظمى الغربية تمارس الديكتاتورية على الدول المستضعفة، بل وحتى القوية! وهذا يتناقض جملة وتفصيلا مع مبادئ الديمقراطية -التي يسوقونها- على أنها نظام يناهض حكم الفرد أو الأقلية التي تفرض على العامة دون أخذ رأيهم!

أشرف شنيف

في نفس السياق، نلاحظ في ديمقراطيتهم رفض القبول بثقافة الآخرين التي تتنافى مع ليبراليتهم المطلقة، وهذا تناقض عظيم يؤكد دكتاتورية نظامهم الديمقراطي الذي يسعى لفرض ثقافة واحدة عالمية سائدة دون منح حرية المعتقدات للأغلبية التي ترغب ببقاء إرثها الديني والفكري وعاداتها وتقاليدها.

يدعم ذلك ما نشاهده من مشروع ثقافي ديمقراطي غربي جديد يتمثل في دعم “حقوق المثليين” حول العالم، وتروج لذلك المشروع كبرى شركات العالم، وهي أحد الأدوات الاقتصادية للديمقراطية الغربية التي تسعى من خلالها إلى فرض ثقافات ليبرالية على باقي دول العالم رغما عن ثقافات شعوب العالم، وبالمثل نرى على وسائل التواصل الاجتماعي الرائدة- وهي شركات أمريكية- ترويج ودفاع لحقوق المثلية بها بغض النظر عن المجتمعات التي ترفض وتنبذ ذلك الفكر الشاذ.

وهنا تبرز ديكتاتورية الديمقراطية والتي لا تحترم حريات الثقافات الأخرى والتي تنتشر فيها تلك الشركات ووسائل التواصل الاجتماعي!

وصورة من صور ديكتاتورية الديمقراطية تتجلى في سن قوانين تفرض خلع النقاب والحجاب في الدول الديمقراطية التي أحد مبادئها الليبرالية!، فكيف لنا أن نرفض ونجرم حريات بينما ندعم ونشجع حريات أخرى؟!، وإلى ماذا استندوا في ذلك؟!، وأين قيم المساواة؟!، إن كانوا يريدون الحريات فليدعوها للجميع دون تمييز.

عندما نسمع ونشاهد حملات الدول الديمقراطية الغربية الرائدة في العالم بضرورة حماية القاصرين من الاستغلال الجنسي نشاهد في نفس تلك الدول نشر للرذيلة في الشوارع والتي يعبر فيها القاصرين أيضا!، فكيف تحمي تلك الفئة من التعرض لمشاهد تنتهك براءتهم بينما تدعي ضرورة حمايتهم من الاستغلال الجنسي؟!

فهذا يعد تناقضًا عظيمًا في إدعاء الديمقراطية حماية القاصرين!، مما يعني أن تلك الدول تمارس الديكتاتورية في الانفتاح المطلق لتنتهك بها حقوق الأطفال والقاصرين في العيش في بيئة تربوية صحية.

من الجيد أن نجد مناخًا سياسيًا تنافسيًا في الدول الديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، لكن مازالت تلك التجربة لها ما لها وعليها ما عليها أيضًا، فمن المعيب أن نجد التنافس ينحصر بين حزبين يحتكران الحكم دون غيرهما.

فمثلا في أمريكا تلك المنافسة منحصرة بين الحزب الديمقراطي والجمهوري، وجل الدعم المالي ينصب لهما دون غيرهما، وكذلك الوضع في بريطانيا المحصور بين حزبي المحافظين والعمال، فيتم تداول السلطة بينهما دون غيرهما، وليس للشعب إلا انتخاب “أ” أو “ب”، وهذه تعد ديكتاتورية ديمقراطية في فرض خيارين لا ثالث لهما، ولمدة عقود طويلة، وكلا الخيارين يخدمان الطبقة الحاكمة لا غير، لتكون مسمى تلك الدولة ديمقراطية!

على نفس الصعيد، ومن خلال متابعتنا للانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وجدنا كيف تم حظر حساب الرئيس السابق ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي بدعوى أنه يسهم في نشر الفوضى في الولايات المتحدة، بينما تضغط أمريكا على دول العالم بالسماح للمعارضين بممارسة نفس ما مارسه ترامب، حتى وإن كان سيؤدي إلى نشر الفوضى في تلك الدول.

كما رأينا كيف تم فض احتجاجات شعبية عديدة في أمريكا بالقوة المفرطة، بينما ترفض أمريكا أي مساس بأي احتجاجات شعبية في دول العالم كونها تحترم الحريات! وهذه تعد دكتاتورية الديمقراطية وبصورة فاضحة.

أخيرًا، لا أسعى في مقالي هذا لرفض النظام الديمقراطي جملة وتفصيلا، بل لقراءة متأنية في تفاصيل الديمقراطية، فلكل شيء في العالم مميزات وعيوب، فليس بالضرورة نندفع لأخذ واستنساخ الديمقراطية الغربية، وليس بالضرورة ألا ننتفع بأي نظام حكم في العالم دون مراعاة لثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية.

فالتغير والتطور من سنن الحياة، ويجب علينا البحث باستمرار عن أفضل الأنظمة السياسية والاقتصادية بما يتلاءم معنا ومع رؤيتنا لمستقبلنا، ولا نخضع لضغوط الدول العظمى الديمقراطية، فهي متحالفة مع دول ذات حكم فردي بسبب المصالح السياسية والاقتصادية، حتى وإن تحررت تلك الدول ثقافيًا واقتصاديًا، فلازالت تحكم بنظام وراثي غير ديمقراطي.

كما أن أنظمة الحكم حول العالم تتطور باستمرار بحسب مقتضيات الزمان والمكان والمصلحة، فصارت أنظمة “هجينة” تمزج نظام حكم سياسي معين يتلاءم مع حاجاتها السياسية مع نظام آخر اقتصادي يلبي طموحها في النهوض الاقتصادي.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى