رأي

حلم ليلة صيف.. سوريا صرح الحرية والكرامة

بقلم: د. عارف دليله

(اترك سيفك واحمل معولك واتبعني لنزرع السلام في كبد الأرض)

“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””

في عام ربيع دمشق الواعد المغدور (مابين 2000-2001)، كان العديد من “الزملاء” في جامعة دمشق يتنقلون بيننا من ندوة إلى أخرى، وهم يروجون ما تعاقدوا مع “بياعي الوهم” على ترويجه، وهو البدء بتنفيذ خطة لإغلاق السجون تدريجيًا، بدءًا بسجني المزة وتدمر، ومرورًا بسجن صيدنايا، وبناء جامعات وفنادق سياحية مكانها، لتصبح سورية قلعة الحرية والكرامة في العالم.

لدرجة أنني بدأت أبني في مخيلتي مخططًا لمواكبة تحول سوريا إلى محج عربي وعالمي لأنصار حرية الإنسان، بدءًا بتحويل سجن صيدنايا، الذي يحتل موقعًا طبيعيًا لا نظير له، تحلم بمثله أرقى الجامعات والمنتجعات السياحية.

وتخيلت شكل العبارة التي ستكتب فوق مدخله الجديد الرائع، وبالخط العربي الكبير، وبلغات أجنبية، بحيث تكون مقروءة على بعد مئات الأمتار من قبل المتنزهين على طريق صيدنايا السياحي (صرح الحرية).

ونجعله يطغى على (تمثال الحرية) الفرنسي- الأمريكي الشهير المطل على المحيط الأطلسي بقامته وشعلته الهائلة، مع فارق جوهري، وهو أن “تمثال الحرية” لم يردع  الولايات المتحدة يومًا عن التوسع في الحروب وبناء السجون والممارسات المعادية لحقوق الإنسان وللحريات في العالم، بما في ذلك في وطننا العربي.

بينما (صرح الحرية) السوري (كما تخيلته) سيكون قائمًا على رفات أعتى السجون العالمية القامعة للحريات، وسيكون صرحًا عالميًا حقيقيًا لحرية وكرامة وحقوق الإنسان، السوري والعالمي.

كما سيكون ملتقى ومنبرًا لأهم مؤتمرات السلام العالمية، وندوة مفتوحة لمن شاء من معتقلي السلطات القمعية في العالم على نضالاتهم التحررية، ودعوة صدّاحة لإزالة آخر وأشرس نموذج للعنصرية في العالم يقوم منذ ثلاثة أرباع القرن على أرض فلسطين المحتلة.

وستكتب تحت اسم الصرح بالخط العربي الجميل وبلغات أجنبية، العبارة التي قالها الملك السوري منذ 5000 عام: (اترك سلاحك واحمل معولك واتبعني لنزرع السلام في كبد الأرض)!

ولكن حلم ليلة الصيف هذا ما لبثت أن حملته معي إلى سجني الذي قبعت فيه سبع سنوات مع غزوة القمع الشهيرة التي طالت عشرة من رموز ربيع دمشق في 9/9/2001، حيث حكمت،  على جميع النشاطات والكتابات التي ارتكبتها على مدى أكثر من ربع قرن من الحياة الجامعية، والتي تكللت بالتجرؤ على هذا الحلم، بالسجن 10 سنوات من أغلى وأنضج سنوات العمر.

ولكن دون أن تنعكس هذه العشرية السوداء، التي انتهت في 8/8/2008، وكانت قد استبقت بصرفي من الخدمة في 28/3/1998) على هذا الحلم العظيم بالذبول، حتى قيضت لي، بعد خروجي إلى فضاء الحرية، مناسبة هامة وأطلقته فيها، كما يتذكر السوريون الأحرار الذين اشتركت معهم في أول مؤتمر جامع لطيف واسع من قوس قزح الداعين السوريين إلى الحرية.

وكان هذا المؤتمر قد عقد في 7/10/2001 في ستوكهولم، ونظمه الحزب الاشتراكي السويدي، أملا بتجنيب سورية الكارثة المدلهمة التي أسقطت عليها (كجلمود صخر حطه السيل من عل) لتحطيم انتفاضة الشعب السوري المحتبسة منذ عقود، للتحرر من ربقة الاستبداد والفساد والتخليف والانحطاط، والانطلاق على مدارج الحرية والكرامة، وتحقيق التقدم المستحق، والمكبوت، والانطلاق في فضاء العصر، بكل مخزونات سورية الثرية التاريخية، وكذلك المادية والبشرية الراهنة الضخمة، التي جرى تحطيمها، بشكل واع وهادف ومخطط خلال “النكبة السورية العظمى” الجارية، بدون هوادة!

وكما أن عقدًا من السجن بعد الصرف من الخدمة لم ينفع في تمويت هذا الحلم العظيم، فان عقدًا من الدمار والسحق والمحق لسورية الدولة والشعب والاقتصاد والحضارة والإنسان، لم ولن ينفع أرباب الفساد ومرتزقتهم ومن شاكلهم من “الإخوة الأعداء” في خنق هذا الحلم، الذي سيبقى يتأجج حتى يتحقق، وحتى ترتقي سورية بتحققه إلى مصاف أرقى الدول، خفاقا يحتضن العلم السوري، كهالة مقدسة!


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى