رأي

حديث السوشيال- الكوبون الغذائي ومستقبل أطفال سوريا

د. ناهد غزول

موجعة كلماتها.. “الله يخليك لا تنسيني”.. موجعة لحظات الانكسار والخوف من المستقبل وهي مازالت ابنة الرابعة عشر التي عليها أن تعتني بأخيها الأصغر منها.

رحلت أمها فجأة إثر جلطة قلبية قاتلة دون سابق إنذار، ومازالت في ريعان الشباب. تقطعت سبل العيش بوالدها الذي أفقدته الحرب ساقه وأصابت يده بعطب.. ومع ذلك عاد لسوريا عساه يستطيع تأمين مورد رزق ليأتي بها وبأخيها، لكن الوضع مزري في مدينته السورية، لدرجة أنه لا يرفل برفاهية غرفة منفصلة في بيت العائلة الذي يضج بسكانه.

يصل مثل رسالتها يوميا عشرات الرسائل الخجولة التي تطلب العون فأين المعين؟

منظمة الغذاء العالمي، التي تقدم كوبونات غذائية لأقل من 15% من اللاجئين في الأردن، بدأت منذ مطلع هذا الشهر بإرسال رسائل لمئات الأسر السورية، تخبرهم بأنها آسفة لتوقيف الكوبون الغذائي الذي تكون قيمته 10 دنانير أو 15 دينار للفرد شهرياً.

جميع من فقدوا هذه النعمة!!! كانوا يبيعونها ليدفعوا جزءً من إيجار السكن أو ثمن الدواء، وأحيانا يسكتون فيها بعضا من الجوع، فأين المفر؟

حين كانت الخيمة هي الهم، وبعدها تم تحسين الخيمة واستبدالها بكرفانة، لم يدرك السوريون ما يكتب لهم بأيدي الجميع.. شقاءٌ مستمرُ ضمن أسوار المخيمات يطول أمده، ليتم تربية كافة الشعوب التي تفكر بالحرية.

أطفال بلغت العاشرة من عمرها لا تعرف معنى البيت أو أن تصعد الدرج، ولا تعرف خرائط المدن، وأين تختبئ الذكريات، ولم يمسك الأطفال بالأصداف ويبوحون لها بأسرارهم الصغيرة ويرمونها في البحر.

لم يعرفوا حكايا النوافذ والشرفات وبوح السهول، وتعانق الأرض مع السماء.. أجيال لا تعرف الحضارة ولا المدن، وتعتقد أن أسوار المخيم هي أسوار بلدها.

وآخرون لا يستذكرون من الماضي غير الحرب، ولا من المستقبل غير الحاجة والخوف من نقص كل شيء.

هكذا أرادوا أن يَربى جيل على فتات الآخرين، لا يحلم إلا بلقمة الزاد ونظرة كسيرة.. وحين يتم طلب لجوء أحدهم لأي بلد أوربي يشعر أنه قد ولد من جديد، رغم كل الأقواس التي توضع حول حياته.

هكذا أرادوا، موائد قهرٍ وذلٍ وحرمانٍ وتشريد، مازالت مستمرة داخل وخارج سوريا.. ومازال إقصاء السوري عن أماكن العمل والعلم مستمرًا، وعلى ما يبدو يأتي إيقاف الكوبون الغذائي ليكون الشعرة الفاصلة للبقاء على قيد الحياة.

فإلى متى سيستمر هذا الواقع المرير؟.. إلى متى سنبقى ننتظر انعقاد القمم والصفقات لنعرف ما سيكون مصير السوريين؟


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى